بيتر بيرغن: «ويكيليكس» لا يقدم تطورا ضخما من جهة تغيير مستقبل الصحافة الاستقصائية

أول صحافي التقى بن لادن لـ «الشرق الأوسط» : خالد الفواز رتب الرحلة من لندن.. وأبو مصعب السوري أخذني إلى تورا بورا

الاعلامي الاميركي بيتر بيرغن في محاضرة تحت اشراف مؤسسة اميركا الجديدة
TT

* صورنا مقابلة بن لادن بكاميرا قدموها لنا.. وحصلنا على الشريط فقط

* رجال بن لادن كانوا مشغولين بهواجس الأمن وأجهزة التعقب

* أغلب المسلمين حول العالم يرفضون أفكار «القاعدة» وبن لادن والعمليات الانتحارية

* «القاعدة» تواجه أياما صعبة بعد أن منيت بهزيمة استراتيجية في السعودية والعراق

* كتابي المقبل.. «الحرب الكبرى على الإرهاب»

* زعيم «القاعدة» على قيد الحياة.. واعتقاله قد يستغرق 10 سنوات أخرى

* انخفض التأييد لابن لادن من 65% إلى 15% في باكستان

* تناقص تأييد العمليات الانتحارية من 33% إلى 5%

* بن لادن أعلن الحرب على أميركا قبل 4 سنوات من هجمات سبتمبر * لا توجد معلومات سرية عن مكان بن لادن.. بل لا توجد معلومات على الإطلاق * أعرف أفغانستان جيدا وأشعر وكأنني في بلدي.. وأعي مكامن الخطر في باكستان وكيفية الابتعاد عنها

* بعد مقتل داني بيرل على يد «القاعدة».. بات الصحافيون الغربيون مستهدفين في باكستان وأفغانستان

* بيتر بيرغن صحافي وأكاديمي، زميل في مؤسسة «أميركا الجديدة»، ومستشار «سي إن إن»، وهو خبير حقيقي في الإرهاب، وأول صحافي غربي يلتقي أسامة بن لادن في جبال تورا بورا عام 1997، وفي تلك المقابلة أعلن بن لادن وسط رجاله وحراسه الحرب على أميركا. وقد قابل بيتر بيرغن كثيرا من رجال «القاعدة» السابقين والباقين، وبعض أبرز مساعدي بن لادن، وكتبه عن «القاعدة» والمطلوب الأول في العالم ما زالت تتصدر قائمة المبيعات، بالإضافة إلى كتابه القادم عن الحرب الكبرى على الإرهاب في يناير (كانون الثاني) المقبل بعنوان «الحرب الأطول». وليست هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها «الشرق الأوسط» مقابلة مع بيرغن، لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها باستفاضة عن لقائه مع بن لادن بعد منتصف ليل 30 مارس (آذار) عام 1997 في جبال تورا بورا، حيث كان بن لادن محاطا بحراسه الملثمين ومساعديه الذين يتحدثون الإنجليزية، ولم يحمل بيرغن كاميرا أو مسجلا صوتيا، بل وفر رجال بن لادن كل شيء، بسبب الهاجس الأمني المسيطر عليهم.

وكشف بيرغن أن خالد الفواز (سعودي الجنسية) المحتجز في سجن بريطاني على ذمة طلب ترحيل إلى الولايات المتحدة لاتهامه بالتورط في تفجير السفارتين، هو الذي رتب له من لندن حيث انطلقت الرحلة، تفاصيل السفر إلى تورا بورا، وأن أبو مصعب السوري قيادي «القاعدة» هو الذي رافقه في الرحلة من لندن إلى باكستان ومنها عبر الطريق البري إلى داخل أفغانستان التي كانت تسيطر عليها حركة طالبان الأصولية من دون تأشيرة دخول إلى أفغانستان، بل عبر الحدود المفتوحة بين البلدين، ويقول «لم أكن اعرف أنه أبو مصعب السوري، بل كان اسمه طوال الرحلة (الأخ عمر)، وقدم نفسه على أنه صحافي سوري مهتم بالحركات الجهادية». ويقول بيرغن «إنني لم أخن العهد بتسليط الضوء على شخصية أبو مصعب، بل هو شخصيا كشفها في أحد كتبه».

وقال بيرغن إن بن لادن والظواهري أرسلا أكثر من 35 فيديو ورسالة صوتية منذ هجمات سبتمبر (أيلول)، وهي مجتمعة حظيت بقدر من الانتشار لم تعرفه أي تصريحات سياسية في التاريخ، منها شريط صوتي مهم لابن لادن بعد أعياد الميلاد العام الماضي أشاد فيه بالنيجيري عمر عبد المطلب الذي حاول تفجير مواد متفجرة في يوم عيد الميلاد على متن طائرة كانت تقل 290 شخصا من أمستردام إلى ديترويت في ميشيغان عام 2009. وفي حين كان بعض الأشرطة يحض على الجهاد، فإن بعضا آخر حمل تعليمات إلى المجاهدين.

ويرى بيرغن أن استطلاعات الرأي العام الأميركي تؤيد قتل بن لادن أو اعتقاله بغالبية ساحقة، لأن 75 في المائة من الأميركيين يعتقدون أنه يخطط لهجوم إرهابي آخر على أميركا. غير أن بيرغن يقول إن اعتقال بن لادن أو قتله صعب، وأنصاره لا يغريهم المال، فلم يوجد بينهم من يشي به والجائزة 25 مليون دولار، ولم يتغير الوضع وقد رفعت الجائزة إلى 27 مليون دولار (أو 52 مليونا مع أيمن الظواهري)، وقد يستغرق اعتقاله نحو عشر سنوات أخرى.

وقال بيرغن في لقائه مع «الشرق الأوسط» إن «القاعدة» فيما يبدو منظمة غير عادية، لكنها تتعرض إلى مصاعب جمة، بسبب نقص التمويل والضربات القاصمة التي تلقاها التنظيم في السعودية والعراق، مشيرا إلى أنه بالأرقام تدنى التأييد لابن لادن من 65% إلى 15% ، وتناقص تأييد العمليات الانتحارية في باكستان من 33% إلى 5% خلال السنوات الماضية. وجاء الحوار معه على النحو التالي:

* ما أهم القضايا التي سيتناولها كتابك الجديد؟

- أنا على وشك إصدار كتاب جديد في يناير المقبل يتناول تاريخ الحرب على الإرهاب، يغطي وقائع الحرب في أفغانستان وباكستان والعراق، و«القاعدة» والولايات المتحدة، وسيقع في نحو 400 أو 500 صفحة.

* كم استغرقت من الوقت لإنجاز الكتاب؟

- عملت على تأليف الكتاب لعدة سنوات، كنت أؤلف خلالها أيضا كتابا عن بن لادن. وكنت أعمل على الكتابين بصورة متلازمة، لذا استغرق مني الأمر سنوات عدة للانتهاء منهما. كما أنني ما زلت أعمل مع قناة «سي إن إن» و«أميركان فونديشن».

* كيف نجحت في العمل في كلتا المؤسستين؟

- كلتا المؤسستين موجودة في واشنطن، و«سي إن إن» قناة تقوم على الأخبار وأحيانا لا تكون هناك أخبار.

* هل يمكنك أن تطلعنا على تفاصيل لقائك مع أسامة بن لادن؟

- كان ذلك بعد منتصف ليل الثلاثين من مارس (آذار) عام 1997 بالقرب من جبال تورا بورا. عندما رأيته لم أكن أتخيل أن هذا الرجل سيكون المطلوب الأول على قائمة الإرهابيين. في ذلك الوقت اعتقدت أن ذلك الرجل مستنير وذكي، وكان أتباعه منضبطين، وأغلبهم كانوا متعلمين، وبعضهم يتحدث اللغة الإنجليزية. كان البعض منهم يغطون وجوههم، والبعض كانوا يكشفون عنها. كان من رتب هذا اللقاء أبو مصعب السوري الذي أخذني من لندن إلى أفغانستان. والسبب الوحيد وراء كشفي هذه الحقائق أن أبو مصعب السوري نشر روايته عن هذه الأحداث وشرحها في كتابه ومن ثم لم تعد سرا، وساعدنا خالد الفواز وهو سعودي على الترتيب الأولي للرحلة.

* كيف كانت الرحلة؟

- غادرنا لندن إلى باكستان على متن طائرة «الخطوط الجوية الباكستانية»، ومنها إلى أفغانستان حيث عبرنا الحدود التي كانت خاضعة في ذلك الوقت لسيطرة حركة طالبان. وكان أبو مصعب السوري هو من رتب لكل هذه الأمور. ولم نكن بحاجة إلى تأشيرات أو أي شيء لأن قوات طالبان كانت غير نظامية، ومن ثم تمكنا من عبور الحدود. فلم تكن الحكومة فاعلة.

* كم استمرت إقامتك في معسكر بن لادن؟

- مكثت نحو ساعة، ولم يسمح لنا بحمل أي شيء معنا، لذا لم نحمل ساعات أو أي شيء، وقمنا بتصوير المقابلة بكاميرا قدموها لنا، وحصلنا على الشريط فقط، فقد كانوا أبدوا قلقا بالغا بشأن الأمن وأجهزة التعقب.

* كيف كانت المقابلة الفعلية؟

- حسنا، لا يمكنني القول إنها كانت مريحة، فقد كانت في منتصف الليل، وكان الجميع يحمل سلاحا، ولم يكن هناك سوى وقت محدود لأن بن لادن لم يكن يرغب في قضاء وقت طويل في هذا المكان. لم يكن المكان عدائيا، لكنه لم يكن مريحا أيضا. وبعد أن غادر بن لادن مكثنا في المكان لفترة ثم عدنا في الثانية أو الثالثة صباحا إلى جلال آباد.

* هل تعتقد أن بن لادن لا يزال حيا؟

- أنا على يقين من أنه حي. فقد حصلنا على تسجيل صوتي له بعد فترة قصيرة من محاولة تفجير طائرة عيد الميلاد في 2009، أثنى فيه بن لادن على عمر الفاروق عبد المطلب، واصفا إياه بالمجاهد، وربما يكون في ذلك دليل على أنه لا يزال حيا. وأعتقد أنه يسكن في المنطقة القبلية الباكستانية أو ربما يكون في مدينة تشيترال أو باجور، لكن لا أحد يعلم حقا مكانه، واعتقاله قد يستغرق 10 سنوات أخرى، وأنا أتشكك في إمكانية وجوده في إيران على الرغم من وجود أولاده وأحفاده هناك وأفراد آخرين مثل أبو الوليد المصري.

* هل تطلعنا قليلا على أحدث كتبك عن بن لادن؟

- سيصدر الكتاب تحت عنوان «أسامة بن لادن الذي أعرفه»، وأجريت فيه مقابلات مع 50 شخصا يعرفون بن لادن، البعض منهم من معارفه، من بينهم صهره جمال خليفة الذي ربما كان أوثق صديق لابن لادن في مرحلة ما، وخالد باطرفي، الذي كان صديقه أيام الطفولة في السعودية، كما استعنت أيضا بأوراق المحاكمة، ويحتوي الكتاب أيضا على 500 صفحة.

* وما هو كتابك المقبل؟

- كتاب «أطول حرب»، لأنها الحرب الأطول في التاريخ الأميركي.

* هل تعتقد أن «القاعدة» انتهت؟

- أعتقد أن «القاعدة» تواجه الكثير من المشكلات، لعل أولاها قتلها للكثير من المدنيين المسلمين، وأعتقد أن «القاعدة» في السعودية منيت بهزيمة استراتيجية، أضف إلى ذلك أن «القاعدة» في العراق في تراجع هي الأخرى. وعلى الجانب الآخر، هناك بعض المجموعات النشطة في اليمن لكنها تخسر في ميدان الأفكار في العالم الإسلامي. وأعتقد أن الكثير من المسلمين يرفضون أفكار «القاعدة» وبن لادن والعمليات الانتحارية، فقد انخفض التأييد للعمليات الانتحارية في باكستان من 35 إلى 5 في المائة خلال السنوات الأخيرة. كما انخفض الدعم لابن لادن، خلال السنوات الأخيرة، في باكستان من 65 إلى 18 في المائة. وأعتقد أن «القاعدة» لا تحتاج إلى المزيد من الرجال لتستمر، فهي جماعة صغيرة على أي حال، كما أن قيادتها لا تزال موجودة، وقد صدرت بعض من آيديولوجيتها إلى المجموعات الأخرى، مثل طالبان باكستان، والشخص الذي حاول تفجير ميدان التايمز. لذا فمن المؤكد أنها لا تعمل بشكل جيد، لكنهم لا يزالون موجودين، وليس من السهل تفكيك الجماعة لأن الأفراد المنضمين تحت لوائها يعتقدون أنهم ينفذون أوامر الله ومن الصعب إعاقتهم.

* ما هي الصورة التي تعتقد أن أسامة بن لادن يتواصل بها مع أتباعه حول العالم؟

- حسنا، أعتقد أنه يتصل بهم عبر التسجيلات الصوتية، حيث يتناقل أتباعه الأشرطة ثم تطرح فيما بعد على المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت.

* هل لك أن تخبرنا قليلا عن نفسك؟

- بدأت حياتي المهنية في محطة «إيه بي سي» الإخبارية في نيويورك في الفترة من 1985 وحتى 1990، وكانت أولى تجاربي المهنية إعداد فيلم وثائقي عن اللاجئين الأفغان في باكستان، ثم انتقلت إلى العمل في قناة «سي إن إن» عام 1990.

* كيف تمكنت من إعداد الفيلم الوثائقي حول وثائق سنجار؟

- كان الجيش الأميركي هو من اكتشف وثائق سنجار في العراق، وأرسلت إلى «ويست بوينت» التي طلبت مني بدورها تحليل بعض الوثائق. وأعتقد أنه كانت هناك أكثر من 700 سيرة ذاتية لمقاتلين وصلوا إلى العراق، كان من بينهم سعوديون وسودانيون وعدد آخر قدموا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

* هل تتبع نهجا معينا من البحث في التعامل مع مثل هذه الوثائق؟

- لقد أعطوني الكثير من الوثائق وطلبوا مني إبداء الرأي بشأنها. وقد كنت واحدا من بين الكثير من الأكاديميين الذين طلبوا مني الاطلاع عليها. وأعتقد أن «وست بوينت» قامت بأفضل الأبحاث في ذلك.

* عندما تكون في مناطق الخطر في دول مثل أفغانستان وباكستان هل تتمتع بأفراد حماية؟

- الأمر يتوقف على المهمة، فإذا ما ذهبت مع «سي إن إن» تتوافر الحماية، أما إذا ذهبت إلى أفغانستان بمفردي فلا أحصل على حماية، أذهب بمفردي فقط، لكني أعلم البلاد جيدا، وأشعر وكأنني في بلدي، فأنا أزور باكستان منذ عام 1983 لذا أنا أعي جيدا مكامن الخطر وكيفية الابتعاد عنها.

* أي المناطق تراها أكثر مجازفة؟

- في أفغانستان تكون المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان مثل هلمند أكثر خطرا. وقد ذهبت إلى هلمند مع الجيش، لذ أعتقد أنك إذا ذهبت بمفردك فذلك أمر مختلف. وفي عام 2005 كنت قادرا على التجوال في كل مكان في أفغانستان. فعلى سبيل المثال، سافرت من قندهار إلى كابل بالتاكسي في سبع ساعات من دون أي مشكلات. وقد كنت في أفغانستان خلال الحرب الأهلية في التسعينات، وكانت الأوضاع خطرة حينئذ.

* كم عدد المرات التي زرت فيها باكستان وأفغانستان حتى اليوم.

- أكثر من عشر مرات على الأقل.

* هل شعرت بأنك خاضع للمراقبة خلال تلك الزيارات؟

- أعتقد أن باكستان تمارس ذلك.

* وهل استغرق كتابك الأخير نحو سبع سنوات مجتمعة من العمل؟

- حسنا، لا تنس أنني كتبت الكتابين في وقت واحد، لكنهما استغرقا مجتمعين سبع سنوات. كان كتاب «أسامة بن لادن الذي أعرفه» سيترجم من قبل ناشر لبناني إلى العربية، لكن حرب عام 2006 بين حزب الله ولبنان أجهضت المشروع. وسيكون من المفيد ترجمة الكتاب إلى العربية لأنه يحمل معلومات ثرية. أما كتابي «الحرب المقدسة» فقد ترجم إلى ثماني عشرة لغة.

* وما هي أصعب المقابلات التي أجريتها حتى الآن؟

- ترتيب المقابلة مع بن لادن كان في غاية الصعوبة، فقد استغرقت شهورا لإعدادها. ففي أغسطس (آب) من عام 1996 أفرجت وزارة الخارجية الأميركية عن وثيقة تقول إن أسامة بن لادن يمول الإرهاب. وإذا ما عدت إلى الهجوم الأول على مركز التجارة الأميركي عام 1993 ستستشعر تورط التنظيم فيه. فالمنفذون لم يكونوا بعضا من الشبان من بروكلين. وعندما طرح اسم بن لادن للمرة الأولى عام 1996 قلت إنني أعتقد أن هذا الرجل يقف خلف الهجوم على مركز التجارة العالمي. لم يكن الأمر صحيحا إلى حد ما، لكن ذلك ما اعتقدته في تلك اللحظة. لهذا السبب ذهبت إلى رؤسائي في قناة «سي إن إن» وقلت إنه يجب علينا أن نحاول أن نلتقي هذا الرجل، ووافقوا على طلبي. وجميع الأفراد الذين ساعدوني كانوا في لندن، كان أبرزهم أبو مصعب السوري الذي قضيت ما يقرب من أسبوعين أتواصل معه، تحدثنا خلالها عن القرآن والمملكة العربية السعودية وعن كثير من الأمور الأخرى. وبعد مرحلة معينة من الحوار وافقوا على طلبي إجراء المقابلة. وقرر أسامة بن لادن القيام بمقابلة تلفزيونية. لكن السؤال كان عن الشخص الذي يرغب بن لادن في أن يجري معه حوارا. كان يرغب في إجراء مقابلة للعالم الناطق باللغة الإنجليزية. كان قد أجرى بالفعل حوارا بالعربية مع صحيفة «القدس العربي»، ومن ثم رغب في إجراء مقابلة يتحدث من خلالها إلى العالم الغربي. كانوا يفكرون في إجراء المقابلة مع قناة «بي بي سي»، أو «سي إن إن» أو برنامج «60 دقيقة» على قناة «سي بي إس»، وأخيرا استقر الرأي على قناة «سي إن إن»، لكن إعداد وإجراء المقابلة استغرق شهورا عدة. كانت بداية الرحلة من لندن إلى باكستان، قضينا هناك نحو ثلاثة أسابيع قبل السفر إلى أفغانستان، وكانت فترة الانتظار طويلة جدا، ولم يكن الأمر سهلا. فابن لادن والأفراد المحيطون به غاية في التنظيم، وشديدو الارتياب، ويمارسون عملهم بسرية مطلقة، وعندهم قلق بالغ تجاه الأمن، لذا كان الأمر صعبا.

* كيف أقنعت أبو مصعب السوري باختيارك دون غيرك لإجراء المقابلة؟

- أعتقد أنني أقنعتهم بأنني سأكون منصفا، وأعتقد أنهم وجدوا المنتج النهائي عملا صحافيا عادلا. وقد وصفنا هذا الرجل، والسبب في إعلانه الحرب على الولايات المتحدة. لكني أفهم أن «سي إن إن» عندما أجرت المقابلة لقيت بعض الاهتمام في الشرق الأوسط، لكن لم تكن هناك أي أخبار بشأن المقابلة في السعودية لأنهم في تلك الفترة لم يكونوا يرغبون في سماع أي أنباء لها علاقة بابن لادن.

* عندما كنت مع أبو مصعب السوري، الم تعتقد أنك قد تلقى حتفك، وأن حياتك في خطر؟

- كلا، فأبو مصعب السوري لم يعلن أبدا عن شخصيته. أخبرني أن اسمه عمر، وأنه يعمل بالصحافة. وكان من الواضح أنه متعاطف مع الجهاديين ويكتب عن الصراع الجهادي. لم يكن الرجل يكذب، لكنه لم يخبرني بالقصة الكاملة أيضا. في ذلك الوقت لم أكن أعلم سوى القليل عنه، ولم يكن يعرفه سوى عدد قليل من الأفراد في لندن.

* هل ترى أن الصحافة والمراسلة الصحافية أصبحت أكثر صعوبة بعد اغتيال أحمد شاه مسعود من قبل صحافيين زائفين؟

- بالنسبة لي كصحافي غربي، كان مقتل داني بيرل في عام 2002 بمثابة تحول بالنسبة لي، فلم تقتل «القاعدة» صحافيين قبل تلك الفترة، لكنهم بدأوا في استهداف الصحافيين بعدها. وعندما وصلت إلى هناك لم أكن خائفا على الإطلاق، لكن عليك الآن أن تقلق. ولم يكن الصحافيون الغربيون مستهدفون في باكستان حتى مقتل داني بيريل.

* هل تعتقد أن قانون الإرهاب الجديد سيؤثر على الطريقة التي يعمل بها الصحافيون الآن؟

- كصحافيين نحن نقوم بعملنا، ولا بد لنا من إخراج مادة عن الإرهابيين والأمور المتعلقة بالإرهاب، لكني لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يمثل مشكلة فيما يتعلق بالشرطة أو القانون. فنحن نؤدي عملنا.

* هل اتصلت من قبل بمؤسسة دفاعية مثل وكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن بعض المعلومات البالغة السرية التي وصلت إليك؟

- كل ما نقوم به معروف وعلني، ومن ثم فنحن لا نحتفظ بأسرار لأنفسنا. فقد أذعنا المقابلة التي أجريتها مع أسامة بن لادن، كما أجريت لقاءات مع أعضاء في «القاعدة» ولقاءات مع أعضاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. عملنا كصحافيين لا يتمثل في جمع معلومات لهم، بل جمع معلومات للشعب، والمعلومات العامة عادة ما تكون أفضل المعلومات. ولو تفحصت ما نشر على موقع «ويكيليكس»، 90.000 وثيقة استخبارية، لن تجد سوى القليل الممتع بشأنها، وأعتقد أنها كانت اتهاما حقيقيا لعملية الاستخبارات الأميركية. وقد أعلن بن لادن الحرب على الولايات المتحدة على شاشة قناة «سي إن إن» قبل أربعة أعوام من 11/9. ولم يكن الأمر سرا على أحد، لذا كان على الجميع الحذر من المكائد التي تدار هناك، فنحن نعيش في عالم مفتوح جدا.

وجماعة أبو مصعب الزرقاوي كانت تصور كل علمياتها، ولذا إذا أردت الحصول على المعلومات فالمعلومات متاحة للجميع، ولا توجد معلومات سرية بشأن مكان وجود بن لادن، بل لا توجد معلومات على الإطلاق.

* هل تعتقد أن وثائق «ويكيليكس» ستغير وجه التحقيقات الاستقصائية؟

- كلا، لا أعتقد ذلك، فالتكنولوجيا هي التي تغير العمل، لكن وثائق البنتاغون كانت أكثر أهمية، أخذ فيها شخص أوراقا من الخزينة وقام بتصويرها وقدم نسخا منها إلى صحيفة «نيويورك تايمز». على الرغم من ذلك تجعل المواقع مثل «ويكيليكس» الحصول على المعلومات أكثر سهولة، لأنها تسهل على القارئ العادي الحصول على هذه المعلومات وتمكنهم من الحصول على الوثائق الأصلية، لكني لا أرى فيها تطورا جديدا ضخما.

* هل تعتقد أن الإنترنت يهدد الصحافة الورقية؟

- لا يستطيع عمل في العالم جني المال من إتاحة المواد بصورة مجانية. ولا يوجد عمل في التاريخ استمر في تقديم الأشياء من دون مقابل. ولذا فإن الصحف الورقية بحاجة إلى التفكير بشأن فرض رسوم على محتواها على الإنترنت. وبالنسبة لي أنا أدفع 100 دولار اشتراكا مقابل «نيويورك تايمز» على الإنترنت، وهناك الكثير من الأفراد الذين يفعلون ذلك. وقد ارتكبت صناعة الصحف خطأ كبيرا عندما أتاحت كل شيء بصورة مجانية.

* هل شعرت بأنك تم استغلالك من قبل المتطرفين أو الحكومة؟

- أعتقد أن كل من يتحدث إلى صحافي تكون لديه أجندة، ونحن لدينا أجندة أيضا. وكل منا لديه وجهة نظر، وإذا ما تحدث أحد إلى صحافي فهو يتحدث إليه لعرض وجهة نظره، ولا غضاضة في ذلك. وأعتقد أن الجميع يدرك أنك إذا أجريت لقاء مع شخص ما في مكتب التحقيقات الفيدرالي فستكون وجهة نظرهم مختلفة عن شخص في «القاعدة»، فجميعنا لديه وجهة نظر مختلفة، لكني أعتقد أن ما يهم هنا هو أننا كصحافيين يجب أن نكون منصفين.

* عندما أجريت المقابلة مع بن لادن، هل تمت الموافقة على كل الأسئلة قبيل اللقاء؟

- عندما أجيب طلبنا لإجراء اللقاء قالوا إنهم يرغبون في إلقاء نظرة على الأسئلة بصورة مسبقة، وأخبرناهم بأننا عادة لا نفعل ذلك، لكني اعتبرته سببا منطقيا وأن ذلك أمر لا بأس به. ومن ثم كتبت 100 سؤال، رفضوا منها الأسئلة التي تدور حول حياته الشخصية وعائلته. لكننا كنا مهتمين بشأن وجهات نظره السياسية، لذا تركنا الأسئلة التي كانت تدور عن السبب وراء الحرب على الولايات المتحدة، وعما إذا كان سيستهدف المواطنين الأميركيين. وتم الإبقاء على الأسئلة الرئيسية، وكانوا يرغبون في الإجابة عنها. وأعتقد أنهم طلبوا الأسئلة مسبقا لإعداد إجابات لها لأنهم لم يتمتعوا بالخبرة الكافية مع الإعلام، وكانوا يرون أن وسائل الإعلام خاضعة لسيطرة الدولة لأن هذا هو الحال في الدول التي ينتمون إليها، لذا كان هناك نوع من انعدام الثقة في وسائل الإعلام.

* هل أضافوا أي أسئلة محددة عن موضوعات كانوا يرغبون في مناقشتها؟

- كلا، لكن في مرحلة ما انتقد بن لادن الرئيس كلينتون (رئيس الولايات المتحدة حينئذ) وسألني أبو مصعب السوري عما إذا كنت سأستخدم هذه العبارات، قلت له نعم سأستخدمها. فلم يكونوا يحبون الرؤساء الأميركيين، وكانوا يستخدمون صور الرئيس كلينتون كأهداف في ميدان التدريب. وقالوا لي إن بإمكاني طرح أسئلة بشأن أي شيء عدا المال والعائلة أو أي سؤال شخصي. كان المحيطون بابن لادن بالغي الحرص بشأن أمنه، ولذا أرادوا أن يجعلوا المقابلة قصيرة. كان بن لادن خلال المقابلة منهجيا وودودا. أجريت المقابلة في منزل على ارتفاع ستة آلاف قدم في شهر مارس. كان الجور باردا، وكنا معصوبي الأعين، وبدلنا السيارات أكثر من مرة. وقد بدأنا الرحلة من جلال آباد، حيث حُملت أنا وبيتر آرنت المراسل الصحافي والمصور من فندق في حافلة صغيرة مسدلة الستائر، بها ثلاثة حراس ببنادق آلية صغيرة. عندما حل الليل قاموا باستبدال حافلة دفع رباعي بالسيارة التي كنا نستقلها، واتجهنا إلى الجبال، حيث توجد نقاط التفتيش والجنود ومدافع الـ«آر بي جي». وعندما وصلنا إلى المنزل قدموا إلينا الشاي، وربما بعض لحم الماعز، وانتظرنا ساعة أو ساعتين حتى حضر بن لادن. وأحضروا مولدا كهربائيا وزودونا بكاميرا.

* غير مقابلة بن لادن، ما أهم المقابلات الأخرى التي قمت بها، وما مشاريعك المستقبلية؟

- حتى الوقت الحالي أنا منشغل في كتابي «الحرب الأطول»، لأنني شرعت في كتابته منذ وقت طويل. أنا أحاول رواية القصة كاملة لما حدث منذ 11/9، خاصة أن تلك الفترة شهدت الكثير من الأحداث، التي تبدأ في 11/9 وحتى الوقت الراهن. فقد غير الحادي عشر من سبتمبر التاريخ، لذلك حاولت أن أحكي قصة أفغانستان وباكستان والعراق وأميركا والمملكة المتحدة.

* هل تعتقد بإمكانية نهاية «القاعدة»؟

- أعتقد أنها ستخبو في وقت ما في المستقبل، فآيديولوجيتها تفقد زخمها. وإذا ما قتل بن لادن أو تعرض للأسر سينتهي أمر المنظمة إلى حد كبير، لأن أيمن الظواهري لا يعتبر قائدا مؤثرا، على عكس بن لادن الشخصية المؤثرة إلى حد بعيد والذي يحظى بحب واحترام أتباعه، على عكس أيمن الظواهري، المبغوض حتى داخل جماعته. وهم يحبون بن لادن لأنه ابن رجل ثري تخلى عن كل شيء ليتشبه بالنبي محمد، كما أنه عربي ومتعلم.

* هل تعتقد بإمكانية القبض على أسامة بن لادن لاحقا؟

- أسامة بن لادن الآن يبلغ من العمر 53 عاما، ومن ثم لا يعتبر طاعنا في السن. ولم تمض سوى تسع سنوات منذ بدء الحرب على الإرهاب، وربما تنقضي تسع سنوات أخرى. لكني لا أعتقد بإمكانية القبض عليه، أعتقد أنه يفضل الموت على ذلك.