البيت الأبيض يلجأ إلى كتاب الرأي لتوضيح سياساته

محاولة توجيه الرأي العام حول أكثر سياسات أوباما تعقيدا

الرئيس الأميركي أوباما في أحد لقاءاته مع الصحافيين في البيت الأبيض («نيويورك تايمز»)
TT

منذ تولي باراك أوباما الرئاسة الأميركية بداية عام 2009، عمل فريقه على تطوير التواصل الإعلامي بطرق مختلفة جعلت البيت الأبيض على اتصال يومي بالإعلاميين والناخبين، وخاصة من خلال وسائل التواصل والإعلام الجديدة. من صفحة البيت الأبيض على موقع «تويتر» إلى مقابلات أوباما في برامج شعبية مثل «ذا فيو»، تعود الأميركيون على السماع بشكل متواصل من رئيسهم الشاب. ولكن هناك سياسات محددة للرئيس الأميركي بدأ البيت الأبيض يخشى من أنها غير مفهومة بالشكل المناسب وخاصة بين صناع الرأي الأميركي الذي بدأوا يتساءلون عن جدوى بعض سياسات أوباما ونتائجها بعد مرور 18 شهرا من توليه الرئاسة. وربما من أكثر تلك السياسات المثيرة للتساؤلات والجدال هي استراتيجية أوباما في التعامل مع إيران وملفها النووي. وبعد تكاثر مقالات الرأي والتحليل حول الملف الإيراني، اتخذ البيت الأبيض خطوة نادرة بجمع كتاب الرأي وصناع الرأي البارزين الأميركيين في لقاء خاص في الجناح الغربي من البيت الأبيض لبحث هذه القضية خصيصا.

وتسلم عدد من كتاب الرأي والصحافيين البارزين في العاصمة الأميركية مثل كاتب الرأي في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس ومقدمة برنامج «ثيس ويك» على قناة «إي بي سي» كرستيان امانبور رسالة إلكترونية يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي تدعوهم إلى جلسة حوار مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض للاطلاع على آخر التطورات في التعامل مع إيران. وعددت الرسالة الإلكترونية عددا من الأسماء البارزة في الإدارة الأميركية التي كان من المرتقب أن تقدم شرحا للصحافيين المخضرمين حول الاستراتيجية تجاه طهران بعد يوم من إرسال الرسالة.

وعندما وصل الصحافيون إلى البيت الأبيض تم استقبالهم في الجناح الغربي من المقر الرسمي للرئاسة الأميركية، ليجلسوا في «قاعة روزفلت» في الساعة الواحدة والنصف ظهرا من الأربعاء قبل الماضي. وفور وصول الصحافيين تم إبلاغهم عن إحداث تعديل في دائرة النقاش – إذ سينضم الرئيس الأميركي نفسه إلى الاجتماع ليتحاور مع الصحافيين. واندهش الصحافيون لمشاركة أوباما في اللقاء من دون إعلان مسبق وقضائه ما يقارب 30 دقيقة يشرح نظرته حول إيران للصحافيين والإجابة على أسئلتهم بطريقة عفوية ونادرة. ويذكر أنه عادة ما تكون المناسبات التي تجمع أوباما بالصحافيين مخططة إلى آخر تفصيل، من اختيار الصحافيين الذين يسمح لهم توجيه سؤال للرئيس مسبقا إلى إبقاء الأسئلة مختصرة خلال مؤتمراته الصحافية التلفزيونية. إلا أن صحافيين شاركوا في جلسة الأسبوع الماضي، التي اختصرت على كتاب أميركيين فقط ولم تضم صناع قرار أجانب أو ممثلين عن وكالات الأنباء الرئيسية، قالوا إن طبيعة هذه الجلسة كانت مختلفة تماما، إذ كانت «أقل رسمية وأكثر عفوية».

ويعد هذا اللقاء وبهذا الشكل الذي سمح بالأخذ والعطاء مع الرئيس الأميركي بحد ذاته حدثا ودليلا على الأهمية التي تعلقها إدارة أوباما على الملف الإيراني وأهمية إقناع الرأي العام بصواب سياساته.

ويذكر أن مثل هذه اللقاءات والتواصل المباشر لكتاب الرأي مع الرئيس الأميركي نادرة، ولكن مناسبة الأسبوع الماضي ليست المرة الأولى التي تحدث فيها. وكان أوباما قد استضاف غداء عمل لمجموعة مشابهة من الصحافيين المخضرمين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمناقشة استراتيجيته الجديدة في أفغانستان. وفي الحالتين، عند مناقشة أفغانستان وإيران، يرى الرئيس الأميركي التواصل مع الصحافيين فرصة لطرح وجهة نظره ولكن أيضا الاطلاع من خلال أسئلة المشاركين على الأسئلة الجوهرية التي تشغل الرأي العام. وفي الحالتين، كان المشاركون أميركيين ولم يتم إشراك الصحافة الأجنبية فيها.

وأفاد مسؤول في البيت الأبيض طلب من «الشرق الأوسط» عدم الإشارة إلى اسمه بأن إدارة أوباما تنوي تكرار مثل هذه اللقاءات وحول مواضيع يختارها البيت الأبيض حسب الأولوية. وأضاف المسؤول أن الهدف من هذا اللقاء كان من أجل التأكد من أن كتاب الرأي «يفهمون كليا طريقة معالجتنا الملف الإيراني» وآخر التطورات فيه. ومن اللافت أنه كانت هناك جوانب إخبارية في تصريحات أوباما إلا أن الصحافيين الذين شاركوا في اللقاء كانوا كتاب رأي أو مقدمي برامج حوارات. ويعتبر ذلك دليلا على محاولة من البيت الأبيض تحديد إطار النقاش في وسائل الإعلام حول الملف الإيراني خلال الفترة المقبلة.

ويتم اختيار الصحافيين الذين يشاركون في مثل هذه الجلسات النادرة حسب اختصاصاتهم وقدراتهم على الوصول إلى جمهور يهم البيت الأبيض. وأفادت مصادر مطلعة بأن اختيار الصحافيين يتم بناء على الصحافي نفسه بدلا من توجيه دعوة لوسيلة الإعلام المحددة، ولكن بالطبع نفوذ وسيلة الإعلام له وقع أيضا. وباختيار وسائل إعلام مثل مجلة «تايم» وصحيفة «نيويورك تايمز» يضمن البيت الأبيض الوصول إلى جمهور أميركي محلي وجمهور عالمي أوسع من خلال تناقل مقالات الصحافة المكتوبة الأميركية، خاصة عبر شبكة الإنترنت.

ومن اللافت أن انضمام الرئيس الأميركي لم يكن مؤكدا حتى اللحظة الأخيرة حتى بين غالبية المسؤولين في البيت الأبيض، لكنه في النهاية اتخذ قرار المشاركة في دائرة النقاش مع الصحافيين والرد مباشرة على استفساراتهم. وبين تارة وأخرى، يعقد البيت الأبيض جلسات حوار مع مسؤولين كبار ولكن مع طلب إبقاء هويات تلك الشخصيات غير معروفة عند كتابة الخبر. وكانت «الشرق الأوسط» شاركت بمثل هذه الجلسة عند زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وشملت الجلسة كبار المسؤولين الأميركيين المختصين بالملف العراقي ولكن طلب من الصحافيين حينها عدم الإشارة إلى هويات المسؤولين.

وكان أوباما قد فاجأ عددا من كتاب الرأي قبل بضعة أشهر عندما قرر الانضمام إلى لقاء لهم مع كبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل في البيت الأبيض. ولم تكن حينها تصريحات أوباما للنشر بل لإطلاع الصحافيين فقط على بعض آرائه. ولكن في نقاش يوم الأربعاء قبل الماضي كان أوباما حريصا على أن تكون تصريحاته موثقة للنشر ومن أجل توصيل رسائل محددة لجمهور داخل الولايات المتحدة وخارجها حول نوايا الإدارة الأميركية باتجاه إيران.

وقال إغناتيوس الذي شارك في اللقاء في البيت الأبيض الأسبوع الماضي لـ«الشرق الأوسط»: «كانت هناك رسائل عدة أرادوا توصيلها»، مشيرا إلى أن إدارة أوباما تؤكد فعاليات العقوبات وبدرجة أكبر مما كانت تتوقعها بالإضافة إلى رغبة واشنطن في إبقاء باب الحوار مفتوحا مع إيران فيما يخص ملفات عدة بما فيها أفغانستان. وأضاف أن حرص فريق أوباما على شرح هذه المسائل أدى إلى عقد جلسة مع كبار مستشاري الأمن القومي والملف الإيراني مع الصحافيين بعد انتهاء لقائهم مع أوباما لشرح كل التفاصيل «وبحث السيناريوهات المطروحة». ولفت إلى أن «تجمع المسؤولين وكثرة عددهم كان غريبا ومن الواضح أنهم يريدون أن يرسلوا رسالة محددة». وجلب مسؤولين من وزارات مختلفة لنقاش سياسة واحدة في جلسة صحافية واحدة ليس نادرا، إذ اعتمدت الإدارة الأميركية هذا السياق مؤخرا لتأكيد انسجام كافة الدوائر الأميركية لتنفيذ سياسات أوباما. ومنذ وقوع انفجار بئر «بي بي» النفطي في خليج المكسيك، يعقد الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس لقاءات صحافية يشاركه أمام الميكروفون رئيس التعامل مع أزمة البقعة النفطية رئيس خفر السواحل المتقاعد ثاد الن وممثلين عن وزارات الطاقة والمالية وغيرها.

واعتبر المحرر السياسي لدى مجلة «ذا أتلانتك» مارك امبايندر أن جلسة الأسبوع الماضي مع مسؤولين من البيت الأبيض مختصين بالملف الإيراني أشبه بـ«موكب من المسؤولين الرفيعي المستوى من الإدارة الأميركية لفك شفرة بعض مصطلحات الرئيس الحذرة». وطلب من كتاب الرأي عدم ذكر أسماء المسؤولين المشاركين في «الموكب» كي يكون الرئيس الأميركي هو العنصر الأساسي في مقالات رأي الكتاب وضمن سياسة لإظهار الرئيس مشرفا شخصيا على كل الخطوات المتعلقة بالملف الإيراني.

ووصف كاتب الرأي في مجلة «تايم» جو كلاين اللقاء بأنه «غريب جدا» وخاصة قرار عدم السماح للصحافيين للإشارة إلى أسماء المسؤولين الرفيعي المستوى المشاركين في اللقاء. واعتبر كلاين أن «أسلوب حديث (أوباما) كان هادئا، الكلمات لم تكن قاسية ولكن الرسالة كانت قوية: إذا أرادت إيران أن تتحدث، عليها اتخاذ خطوات محددة لفعل ذلك». ووصف كلاين في مقاله طريقة حديث المسؤولين والمؤشرات من اللقاء كانعكاس على جدية الإدارة في التعاطي مع الملف الإيراني.

أما امانبور فكتبت على مدونتها على موقع «إي بي سي» حول لقائها مع أوباما، إذ إنها لم تكن قادرة على تسجيل أو بث أي جزء من اللقاء. وبدلا من تحليل تصريحات أوباما، اكتفت امانبور بنقلها.

وتعتبر إجراء جلسة حوار مع الرئيس الأميركي حول موضوع محدد ومع أبرز صناع الرأي الوسيلة الأفضل أمام موظفي المكتب الإعلامي في البيت الأبيض لتسليط الضوء على موضوع معين. ولفت إغناتيوس إلى أن أسلوب إلقاء أوباما خطابا أو عقد مؤتمر صحافي كبير وتلفزيوني، كما اعتاد في أشهره الأولى، لم يعد يجلب النتائج الكافية لشرح وجهة نظر الرئيس وكسب تأييد كتاب الرأي الذين يعلبون دورا جوهريا في تحديد النقاش الدائر حول القضايا الشائكة التي تواجه صناع القرار في واشنطن. ولذا من المتوقع أن تزداد مثل هذه الجلسات المباشرة التي تسمح لأوباما بالدخول في تفاصيل سياساته في وقت يواجه تراجعا في نسب شعبيته، لتهبط إلى 41 في المائة الشهر الماضي، وخاصة معالجته قضايا أساسية مثل نسبة البطالة التي وصلت إلى 9.5 في المائة في السوق الأميركية ومعالجة الملف الإيراني. وربما بعث أوباما بالرسالة التي يريدها من خلال مقال امبايندر الذي كتب مقال رأي حول اللقاء حمل عنوان «أوباما يؤكد أن سياسته تجاه إيران مؤثرة».

وعلى الرغم من حرص إدارة أوباما على تقديم المعلومات مباشرة لكتاب الرأي وشرح تفاصيل كثيرة لهم، مما أدى إلى وصف بعض الصحافيين اللقاء بأنه «تطعيم بالملعقة»، فإن صناع الرأي الأميركي تركوا الجلسة بوجهات نظر مختلفة حول الرسالة التي يريد أوباما توصيلها. فبينما اعتبر إغناتيوس أن أوباما يفتح بابا جديدا للحوار مع إيران، رأى المحلل في «معهد كارنيغي للسلام الدولي» روبرت كيغن أن البيت الأبيض استخدم الحوار كـ«تكتيك» لزيادة الضغط على إيران. وفي مقال رأي نشره كيغن في صحيفة «واشنطن بوست» وضع كيغن عنوان: «جلسة أوباما الصحافية حول إيران: الأمر متعلق بالضغط وليس الدبلوماسية». وقال كيغن: «آخرون وصفوا اللقاء بأنه غير، ولكن لا أعلم لماذا، لا يمكن للهدف أن يكون أوضح: الرئيس وفريقه يريدون أن يحصلوا على بعض الثناء لشهور الدبلوماسية الصعبة التي أدت إلى المصادقة على قرار عقوبات الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي». ولكن أشار كيغن إلى أن عددا من الصحافيين اعتبروا أن جلسة النقاش كانت حول الحوار مع إيران، منتقدا هذا التفسير. وأنهى كيغن مقال رأيه بالقول: «أشعر بالشفقة لهذه الإدارة وكل إدارة.. يبدو أنه حتى إطعام (الصحافيين) بالملعقة لا يفلح».