عصابات المخدرات في المكسيك تفرض سيطرتها على المؤسسات الإعلامية المحلية

3 قنوات تلفزيونية و4 صحف و5 محطات إذاعية تتخوف من عنف المخدرات

الاعلاميون في المكسيك يتحسسون خطاهم بسبب الخوف من مافيا المخدرات (واشنطن بوست )
TT

وقع، قبل أسبوعين، تبادل لإطلاق النار بين الشرطة المكسيكية وعصابات المخدرات، استمر نحو خمس ساعات، قام رجال العصابات خلاله باختطاف سيارتين، إحداهما حافلة ركاب استخدموهما كمتاريس، مما دفع سكان المنطقة المذعورين إلى الفرار خوفا على حياتهم. وكانت حصيلة هذه المواجهة ما لا يقل عن عشرة أشخاص، كان من بينهم بعض المارة وعدد من الأطفال الذين تصادف وجودهم خلال تبادل إطلاق النار.

وعلى الرغم من أهمية الخبر، فإن أيا من وسائل الإعلام المحلية في مدينة نويفو لاريدو - ثلاث قنوات تلفزيونية وأربع صحف وما لا يقل عن خمس محطات إذاعية - لم تغط القصة الإخبارية التي ربما تكون أهم الأخبار خلال العام. نويفو لاريدو ليست قرية منعزلة، لكنها أكثر مدن الحدود المكسيكية - الأميركية ازدحاما، وشريك تجاري حيوي مع الولايات المتحدة، ويبلغ عدد سكانها 360 ألف نسمة، وتضم أندية رياضية تلعب في الدوري الممتاز وجامعات ومطارا دوليا.

ويأتي إذعان الصحافيين، خوفا على حياتهم وأمن عائلاتهم لما يشبه تعتيما إعلاميا، تنفيذا للأوامر الصارمة من منظمات تهريب المخدرات وقواتها التي تملي - عبر المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والبيانات - ما يمكن أن يطبع أو يذاع أو لا يذاع، من أهم الأسباب وأبرزها وراء حالة اللامبالاة لنشر الخبر.

يقول أحد الصحافيين المخضرمين في المدينة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، حيث أصر رؤساء تحرير ومديرو المؤسسات الإخبارية الذين وافقوا على الحديث إلى «واشنطن بوست» أن تجرى المقابلات خارج مكاتبهم على طاولات محجوبة في حانات خاوية، «نحن نخضع لسيطرتهم الكاملة. فعصابات المخدرات لديها مخبرون داخل مؤسساتنا». ويوم الجمعة الماضي أطلق مهاجمون قنبلة يدوية على الباب الأمامي لفرع قناة «تيليفيزيا» في نويفو لاريدو. وحطم الانفجار الزجاج الأمامي للمبنى، من دون وقوع إصابات. ولم تتحدث المحطة عن الهجوم، وكذلك لم تتناول قنواتها المنافسة الخبر.

في هذه المنطقة على طول حدود جنوب الولايات المتحدة التي يبلغ طولها 400 ميل، يعيش ملايين المكسيكيين من دون أنباء عن العنف الذي يدور حولهم.

وقال روزنتال آلفيس، مدير «نايت سنتر» للصحافة في الأميركيتين في جامعة تكساس بولاية أوستن: «ما نشهده في الإعلام المكسيكي في الوقت الحالي حالة من الفوضى والتفكك، لأن حرب المخدرات تتواصل بصورة غير مسبوقة».

ولا يقتصر التعتيم الإعلامي على المؤسسات الإعلامية الخاصة، بل يمتد إلى المسؤولين الحكوميين ففي نويفو لاريدو، يتوارى عمدة المدينة بصورة غامضة لبضعة أيام، ويرفض مناقشة عنف المخدرات. أما الجنرال العسكري الذي يقود جنود الدوريات التي تجوب المدينة فلم يعقد مؤتمرا صحافيا. كذلك لم يفعل أي من الممثلين المحليين للشرطة المحلية أو المدعين العامين.

وقال كارلوس لوريا، مدير قسم أميركا اللاتينية في هيئة حماية الصحافيين: «إن التخويف والإكراه وصل إلى مستويات غير مسبوقة، فحرب المخدرات التي تدور الآن وصل مداها إلى المعلومات أيضا. فعصابات المخدرات باتت تملي على المؤسسات الإعلامية ما يذاع وما يطبع، فهم الذين يقدمون المحتوى الإخباري. ولذا أعتقد أنه لا ينبغي على للحكومة المكسيكية أن تخسر حرب المعلومات هذه، لأنها جوهر الديمقراطية».

ويرى لوريا أن المكسيك تعتبر واحدة من أخطر الدول بالنسبة للصحافيين الذين يعملون بها، فقد تعرض أكثر من ثلاثين صحافيا للقتل أو الاختطاف، منذ إطلاق الرئيس فيليب كالديرون حملته المدعومة من قبل الولايات المتحدة على الجريمة المنظمة في ديسمبر (كانون الثاني) 2006، التي راح ضحيتها 25 ألف مكسيكي.

وقد تعرض أربعة صحافيين للاختطاف يوم الاثنين، بعد تغطيتهم احتجاجا في أحد سجون المدينة، بعد الزعم بتقديم مدير السجن السلاح لعدد من المسجونين، والسماح لهم بالخروج من السجن خلال الليل لتنفيذ عمليات اغتيال كان من بينها المذبحة التي وقعت الشهر الماضي والتي راح ضحيتها 17 شابا كانوا يحضرون احتفالا في مدينة مجاورة.

وأوردت مؤسسة «ميلينيو» الإخبارية في صحيفتها يوم الأربعاء أن مصور الصحيفة المختطف اتصل برئيس التحرير يوم الاثنين، وقال إن حياة الصحافيين المخطوفين مرهونة بإذاعة فيلم فيديو نشر على مدونة «ديل ناركو»، الذي يعرض لمجموعة من المقنعين يستجوبون ضباط شرطة محليين. وقد أذاعت شبكة الأخبار الوطنية ثلاثة أشرطة فيديو لم تتعرض لعملية مونتاج.

وقالت «ميلينيو»: «إن الخاطفين كانوا غير سعداء بالتغطية التي قدمناها بشأن السجن». وقال رئيس الشرطة الاتحادية يوم السبت: «إن الصحافيين خطفوا بأوامر من جاكوين إل شابو غوزمان، قائد مجموعة سينالوا، أطلق سراحهم».

بعد المعركة التي استخدمت فيها الأسلحة، حذرت القنصلية الأميركية في نويفو لاريدو رعاياها الأميركيين في المدينة، وطالبتهم بالتزام المنازل. وقد أصدرت سلطات وزارة الداخلية في العاصمة مكسيكو سيتي بيانا قالت فيه: «إن 12 عشر شخصا قتلوا، من بينهم 9 مشتبه بهم ومدنيان وجندي، كما أصيب واحد وعشرون شخصا، بينهم ثلاثة أطفال». لكن الصحافيين في نويفو لاريدو، الذين غطوا الحادث قالوا إن عدد القتلى بلغ ما بين 20 و30 شخصا، وربما أكثر، لكنهم لم يتمكنوا من التحقق من هذه المعلومات. فالعمل المعتاد للمراسلين في مناطق الصراع هو الذهاب إلى المستشفيات والمشارح، وحضور الجنائز والحديث إلى الأرامل مستحيل في نويفو لاريدو. وقال شهود العيان للصحافيين: «إن الجنود المكسيكيين أطلقوا النار على أفراد العصابات الجرحى، لكن لم يتسن التأكد من هذه المعلومات».

وقال إميليو غيرون فيرنانديز، رئيس غرفة التجارة في نويفو لاريدو: «نحن نعيش في عالم الشائعات الآن». وتقوم زوجته وابنته بالاطلاع على آخر أخبار «فيس بوك» و«تويتر» لبيان الطرق الآمنة والمناطق التي وقع فيها إطلاق للنار. لكن فيرنانديز قال: «إن الكثير من الأخبار التي تنشر على الموقعين كاذبة وتستهدف بث الرعب أو الذعر».

بعد تجاهل القصة حول تبادل إطلاق النار، نشرت صحيفة «لاتريد» الصور المروعة على صفحتها الأولى لأربع جثث ملقاة في حلبة مصارعة الثيران في الخامس والعشرين من يوليو (تموز). ألقي إلى جانب الجثث حيواناتهم الأليفة التي أعدمت معهم، إحداها لكلب بني صغير وضع على صدر رجل مغطى بالدماء، وأخرى لهرة صغيرة في يد أحدهم.

وكذلك نشرت الصحيفة صورا لبطاقات الترهيب المعروفة بـ«رسائل المخدرات» التي تترك مع الجثث مربوطة إلى أحد قتلى الهجوم بقنبلة يدوية، والذي راح ضحيته شخص وأصيب أكثر من عشرة في ملعب لكرة القدم.

ويقول الصحافيون في نويفو لاريدو والمدن الأخرى الخاضعون للحصار: «إن مراسلي الحوادث عادة ما يتلقون رسائل من زملائهم ووسطاء، ممن يشكون أنهم مرتبطون بأعضاء عصابات المخدرات حول ما ينشرونه وما لا ينشرونه. وحتى وقت قريب كانت مدينة نويفو لاريدو والمدن المحيطة بها أكثر هدوءا مقارنة بالمناطق الأخرى في المكسيك، لكن الحرب اندلعت بين عصابات الخليج وعصابة زيتاس، التي كانت تخضع لها، حيث يتصارعون للسيطرة على طرق تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، أضخم مستهلك للمخدرات غير القانونية والتي يبلغ إجمالي حجمها مليار دولار».

وتقول ديانا فوينتس، رئيس تحرير مجلة «لاريدو مورننغ» الصادرة في تكساس، التي يعمل مراسلوها من المكسيك: «عصابات زيتاس بالغة القسوة، ففي بعض الأحيان تصدر بيانات صحافية رسمية أو رسائل بريد إلكتروني أو بيانا يرغبون في نشره. فهذه المنظمات الإجرامية لديها ممثلوها في الصحافة المحلية».

وفي غياب جمع أخبار بصورة مهنية يلجأ المواطنون إلى النشر على «تويتر» و«فيس بوك»، لكن تلك الجهود سرعان ما باتت مضللة، لأن مستخدمي الشبكتين الاجتماعيتين بدأوا في ترويج الشائعات والأكاذيب إلى جانب الأخبار المؤكدة. ودائما ما تأتي رسالة «من فضلك أكد الخبر»، بشأن الأخبار عن إطلاق النار، الذي يتضح فيما بعد أنه هجوم بقنبلة يدوية على محطة «تليفيزا» الفضائية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ («الشرق الأوسط»)