«واشنطن تايمز» تبحث عن مصادر بديلة للدخل بعد توقف إعانات الكنيسة

كانت منبرا للكتاب والسياسيين المحافظين

القس سون ميونغ مون مؤسس كنيسة التوحيد أحد ملاك صحيفة «واشنطن تايمز» يقطع مع زوجته هان هاك جا كعكعة عيد ميلاده في فبراير الماضي («واشنطن بوست»)
TT

في خريف العام الماضي ترأس القس سون ميونغ مون، مؤسس كنيسة التوحيد، حفل زواج جماعي في كوريا الجنوبية ضم عشرات الآلاف مباركا هذه الزيجات التي رتب لها شخصيا (ارتدى جميع الأزواج في الحفل اللباس الأبيض والكيمونو والسترات السوداء)، لكن القس الذي يشارف على الاحتفال بعيد مولده التسعين أعد بعض الترتيبات الأخرى، فعكف على وضع خطة خلافة، يتولى فيها أبناؤه البالغون إدارة حركته.

تولى شين مون، الابن الأصغر الذي انحنى 21.000 مرة احتراما لوالديه، أرفع منصب في الكنيسة، كرئيس دولي ومدير ديني. أما ثاني أكبر الأبناء، جاستن مون فتولى قيادة المجموعة المالية التي تضم صحيفة وشركات بناء وإنشاءات. أما باترسون مون أكبر الأبناء فتولى شركات عقارات في كوريا الجنوبية وكثيرا من الشركات الأميركية من بينها «واشنطن تايمز» التي تأسست عام 1982 كصحيفة يومية محافظة تقود النضال ضد الشيوعية.

لكن بريستون، الذي باركه الأب قبل عقد لقيادة حركة التوحيد من بعده استشاط غضبا من التقسيم الذي جاء به الأب لإمبراطورية العائلة وشعر بأن إخوته تغلبوا عليه، بحسب مسؤولي الصحيفة الذين رفضوا ذكر أسمائهم بسبب الخوف من بطش زعماء الحركة.

تصاعدت الخلافات داخل الأسرة خلال ربيع وصيف العام الحالي بصورة أكبر وكانت «التايمز»، التي كانت منبرا للكتاب والسياسيين المحافظين التي باتت الآن أحد أكثر الصحف عرضة للخطر في تاريخ الصناعة المضطربة، إحدى ضحايا هذا الخلاف. فقد شهد عام 2008 انخفاض معدلات توزيع الصحيفة من 87.000 نسخة يوميا إلى 40.000 وإغلاق ملحق الرياضية والملحق الخاصة بأخبار واشنطن. كما أقيل ثلاثة من كبار مديريها التنفيذيين وأكثر من نصف العاملين في غرفة تحرير الأخبار.

يذكر أن الصحيفة خسرت منذ تأسيسها ما يقرب من ملياري دولار، لكنها استمرت في الصدور بدعم من الكنيسة، غير أن تلك التبرعات تضاءلت بشدة العام الماضي.

ويعتمد مستقبل الصحيفة حاليا على اتفاق هش ربما يعيد السيطرة إلى «الأب الحقيقي»، كما يعرف مون في أوساط الكنيسة. حيث يفاوض مون الذي يمثله مديرو «التايمز» الثلاثة الذين تعرضوا للإقالة في الآونة الأخيرة - الرئيس والناشر توماس ماكديفيت والمدير المالي كيث كوبررايدر ورئيس الصحيفة دوغلاس موو - على شراء الصحيفة مرة أخرى من بريستون بمبلغ 1 دولار بحسب مذكرة داخلية لـ«التايمز» حصلت عليها «واشنطن بوست» التي نقلتها في بداية الأمر «يو إس نيوز آند وورلد ريبوت». ويرى موظفو «التايمز» السابقون والحاليون أنه بموجب مقترح الشراء مرة أخرى سيلتزم مون ومساعدوه بسداد ديون تقدر بما بين 8 إلى 10 ملايين دولار. لكن عضو مجلس إدارة «التايمز» ريتشارد وجيك قال في مقابلة صحافية: «لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد».

لم يرد ماكديفيت جو وكوبررايدر على الاتصالات الهاتفية للحديث عن الاتفاق، كما تراجع المتحدث باسم الصحيفة عن التعليق. وقال المتحدث باسم بريستون مون إنه لن يعلق على المقال، كما رفض سام ديلي، المدير التنفيذي للصحيفة، التعليق على الاتفاق.

كان أول المخاطر الجدية التي تعرضت لها «التايمز» في يوليو (تموز) عام 2009 عندما توقفت التبرعات التي تتلقاها الصحيفة، بحسب المذكرة التي قدمها أمين صندوق الخزينة، فيكتور والترز من شركة «التايمز» الأم، لكن والترز لم يرد على الرسائل التي أرسلت إلى مكتبه.

تدافع المديرون التنفيذيون لتوضيح السبب في وقف الإعانات. وأرسل كوبررايدر المسؤول البارز في الكنيسة: «نحن على وشك الإفلاس في الصحيفة، فلم نحصل على رواتب الأسبوع الماضي بعد، ورواتب هذا الأسبوع لا توجد أنباء بشأنها. هل هذا يعني أن تغلق الصحيفة أبوابها؟».

في رسائل البريد الإلكتروني التي وردت إلى «البوست» قدم كوبررايدر قائمة من المشكلات؛ من بينها عدم دفع فواتير الإنترنت والرعاية الصحية لـ«التايمز».

وعندما طلب منه الاتصال بجاستين مون، ثاني أكبر أبناء مون، كتب كوبررايدر إليه متسائلا: «هل نعد لإغلاق (واشنطن تايمز)؟ هل أصدر الأب المؤسس أوامره بذلك؟» ووقع الخطاب بكلمة «من أجل أميركا والعالم.. كيث كوبررايدر».

في الوقت ذاته، بحث المديرون التنفيذيون لـ«التايمز» عن مصادر بديلة للدخل. فسعى ماكديفيت وجون سولومون المدير التنفيذي آنذاك إلى تدشين برنامج إذاعي صباحي يذاع في الولايات المتحدة، وتم الاتفاق مع شبكة «توك راديو نت وورك» أشهر شبكات البرامج الحوارية على أن تدفع «التايمز» للشبكة 100.000 دولار شهريا لمدة ثلاث سنوات مقابل نسبة من عائدات الإعلانات، وذلك بحسب مصادر في «التايمز» ووثائق داخلية. وقد رفض سولومون التعليق على هذه الوثائق.

كان ماكديفيت متفائلا، ففي منتصف أغسطس (آب) 2009 بعث برسالة إلى «التايمز» يتباهى فيها بالاتفاق مع الإذاعة وكيف تلقى اعتذارا من رئيس تحرير «نيويورك تايمز» عن خبر صور «التايمز» على أنها معارضة قوية للرئيس أوباما.

كانت طموحات ماكديفيت كبيرة جدا في تحقيق الهدف المنشود من تحقيق الربحية وتحرير الصحيفة من الاعتماد على إعانات الكنيسة. وقال ماكديفيت إنه وعد القس مون بأنه يوما ما، بعد وفاة زوجته، «لتكريس 40 عاما أخرى على الأرض وبمساعدة من زوجته من السماء، سيجعل (التايمز) واحدة من أقوى المؤسسات الإعلامية في أميركا. وعندما تحقق (واشنطن تايمز) الربحية ستبعث أميركا من جديد، وقد سمعت هذا الكلام من الأب مباشرة قبل عام».

وقال ماكديفيت في خطاب حصلت «واشنطن بوست» على نسخة منه: «السادة الأعزاء، اليوم حدث تاريخي أشكر الله عليه. من أجل هذه الأمة، وطلبا للتوجيه، أدعو أن نواصل التركيز على مهمتنا والأهداف التي تأسست من أجلها (واشنطن تايمز)، فقد أصبحت هذه المؤسسة كنزا قوميا».

عندما قرأ بريستون الخطاب تملكه غضب شديد، بحسب مسؤولين في «التايمز»، فيقول المصدر: «شعر بريستون بأن الخطاب يظهر توم وكأنه غير جدير بإدارة (واشنطن تايمز) بالصورة التي يمزج بها بين الكنيسة والدولة».

بعد بضعة أسابيع أقيل ماكديفيت إلى جانب جوو وكوبررايدر وتوقفت الصحيفة عن الدفع لشبكة «توك راديو نت وورك»، مما أفقدها مئات الآلاف من الدولارات في البرامج الإذاعية، بحسب مسؤولين سابقين وحاليين في «التايمز».

ومع قدوم عام 2010 أبدى بعض العاملين في «التايمز» قلقا إزاء إمكانية تعديل بريستون، الذي ينظر إليه على أنه أقل التزاما بالنهج المحافظ عن والده، لوجهة الصحيفة بالابتعاد عن النهج الآيديولوجي. وحتى بعد رحيله مؤخرا يخشى البعض من أن يكون سولومون، محرر «واشنطن تايمز» الأسبق قد أسرف في اعتدال التغطية الصحافية. وقال تشارلز ساذرلاند، المدير السابق للتنمية في الصحيفة، إنه وبعض رؤساء التحرير السابقين وضعوا خطة لنشر مقالين أسبوعيا يبرزان الإنفاق الزائد في خطة الرعاية الصحية، وقاموا بتوزيع لافتات في مبنى «التايمز» كتب عليها «كن حازما وإلا فلا» تدافع عن التخفيضات في خطة الرعاية الصحية.

وقال ساذرلاند: «كثير من العملاء والقراء كانوا يتصلون بنا ويقولون: «لماذا نشتري (التايمز) في الوقت الذي نستطيع فيه قراءة الموضوعات ذاتها في (البوست)؟ فلم يكن بريستون مقتنعا بفكرة امتلاك صحيفة محافظة».

لكن بريستون أخبر بعض المديرين التنفيذيين في الصحيفة أنه رغب في صحيفة أكثر ربحية. وقال مسؤول «التايمز» السابق: «يمثل التهديد الصيني مشكلة كبرى بالنسبة له، وقوة أميركا ضرورية، لكنه يعتقد أن غزو بوش للعراق كان مأساة كبرى».

من دون المال القادم من الكنيسة، وقعت الصحيفة في دوامة الموت، ويرى بعض العاملين في «التايمز» أنهم سمعوا عن خطط للتخلي عن الطبعة الورقية والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية فقط. في حين قال آخرون إن مجموعة من رجال الأعمال العالميين عرضوا مبلغ 15 مليون دولار مقابل الصحيفة.

وفي يوليو (تموز) من العام الحالي نشرت رسائل إنترنت تظهر الشقاق الواقع بين أبناء مون وتناقلها أفراد الكنيسة. كانت الرسالة الأولى رسالة من شركة «يو سي إل» التي يديرها بريستون، تحمل تقريعا للأخ الأصغر جاستن على إلغائه تبرعات الكنيسة الموجهة لدعم «التايمز» وقالت المذكرة إن «جاستن ينتهج استراتيجية خفض النفقات وحرق المؤسسات الخاسرة».

بعد أسبوع، كتب جاستن وأخته تاتيانا إلى جانب ماكديفيت وكوبررايدر وجوو ردا على ذلك بالقول إن تبرعات الكنيسة توقفت لأن المستثمرين فقدوا إيمانهم بالصحيفة عندما علموا أن أموالهم تنفق على تكلفة الصمت. وأكدوا على أن بريستون أساء استغلال أموال الكنيسة وعارض مطالب أبيهم، وأن على بريستون أن يعيد «التايمز» إلى مديريها السابقين ورعاية المؤسس.

وفي ليلة 19 أغسطس (آب) هدد بريستون بإغلاق الصحيفة، بحسب مسؤول سابق في «التايمز» على اطلاع بمحادثات بيع الصحيفة، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان بريستون يقصد من وراء ذلك المناورة أم لا.

وقالت مصادر إن القس مون وماكديفيت وكوبررايدر وجوو كونوا شركة تحت اسم «نيوز وورلد ميديا ديفيلوبمنت»، وقال مون في تهديد لبريستون إنه سيدشن صحيفة جديدة مدعومة بـ100 مليون دولار.

وفي 23 أغسطس توصل بريستون وشركة «نيوز وورلد ميديا ديفيلوبمنت» إلى اتفاق، للتوصل إلى اتفاق نهائي حول إعادة الصحيفة إلى الأب، بحسب مذكرة مايكل مارشال، مستشار شركة بريستون. تم الوفاء بالشرط الوحيد للبيع في أواخر أغسطس، بحسب مسؤول «التايمز» السابق الذي قال إن الصحيفة سوت الدعوى القضائية التي أقامها محرر صفحة الرأي السابق ريتشارد مينيتير، الذي قاضى «التايمز»، موضحا أنه أجبر على حضور حفل زفاف جماعي في نيويورك.

وقال مينيتير إنه لم يسمح له بمناقشة التسوية، لكنه أصدر بيانا قال فيه: «إنني سعيد للغاية بالنتيجة العادلة والمنصفة». وأشار تقرير نشر على مدونة «فيش باول دي سي» يوم الجمعة أن مينيتير حصل على 20.000 دولار، بحسب نسخة من اتفاقية التسوية التي حصلت عليها المدونة.

وأعرب كثير من مسؤولي «التايمز» السابقين والحاليين عن سعادتهم بعودة مون المحتملة، ومعوناته المالية التي لا تنتهي. فيقول كينث هانر، محرر الشؤون القومية السابق في «التايمز» الذي قضى 26 عاما في الصحيفة: «حصلت الصحيفة على أفضل مكانة لها في عهد جوو. أما بريستون فكان أشبه ما يكون بالمنشق والآن يعودون بها إلى مهدها. أتمنى أن تعود إلى مجدها السابق، ولن تتمكن من القيام بذلك إن انخفض الدعم المالي وحيدَ بها عن نهجها.

لكن المسؤولين الحاليين والسابقين لا يزالون يبدون قلقا من أن يضم الفريق الذي ينوي مون إعادته إلى الصحيفة الأفراد أنفسهم الذي تسببوا في حدوث الأزمة المالية في الصحيفة. ويخشون من أن يتسبب أبناء مون في تدمير أو بيع الصحيفة حال موت والدهم. وقال أحد المسؤولين البارزين في «التايمز» الذي طلب عدم ذكر اسمه: «الشخص الوحيد الذي يكترث لأمر الصحيفة هو الأب، أما الأبناء فلا يلقون بالا لذلك، ولذا، فإن معنويات غرفة تحرير الأخبار منخفضة للغاية. نحن نشعر وكأننا في حالة موت، والمالكون لا يأبهون لما يملكون وما تعنيه (واشنطن تايمز)».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»