استطلاع جديد يكشف أن «الإعلام القديم» لا يزال محتفظا بمكانته في مواجهة الإنترنت

مع تدفق الأنباء عبر الكومبيوتر والهواتف الذكية والـ«فيس بوك»

TT

مع تدفق الأنباء والأقاويل عبر شاشات الحواسب الآلية النقالة والهواتف الذكية وصفحات موقع الـ«فيس بوك»، ساد اعتقاد في الوقت الراهن بأن وسائل الإعلام التقليدية باتت تواجه موتا محتوما.

إلا أن أمر مثيرا وقع في الطريق نحو الجنازة، حيث أصبح الناس يقضون مزيدا من الوقت في متابعة الأنباء، بدلا من التخلي عن هذا الأمر كلية وتحويل الانتباه إلى العناصر الإعلامية الأخرى المشتتة للانتباه.

الواضح أن وسائل الإعلام التقليدية لا تزال مسيطرة على الفكر العام، حيث كشفت دراسة جديدة أنه في المتوسط يقضي الأميركيون 57 دقيقة في متابعة الأنباء عبر التلفزيون أو الصحف أو الراديو، وهو المعدل ذاته الذي كان قائما عام 2000. إلا أنهم يقضون 13 دقيقة إضافية يوميا في متابعة الأنباء عبر شبكة الإنترنت، وهو رقم لا يتضمن الفترة التي يتابعون خلالها الأنباء عبر الهواتف النقالة. ومن غير المثير للدهشة أن نجد أن الأفراد أصحاب المستوى الرفيع من التعليم يقودون هذه الزيادة.

إلا أن ذلك لا يعني أن جميع الأميركيين أصبحوا مدمنين لمتابعة الأخبار، حيث أشار 17 في المائة ممن شملهم المسح إلى أنهم لم يطلعوا على أي أنباء مطلقا في اليوم السابق. لكن نسبة الـ83 في المائة التي فعلت ذلك استقت معلوماتها من مجموعة مصادر أكثر تنوعا.

في هذا الصدد، قال أندرو كوهت، رئيس المركز الذي أجرى الدراسة، إن وسائل الإعلام الرقمية لا «تضغط» على الأخرى القديمة، بل ربما تسهم في «إعادة تنشيطها». ونوه إلى أن قرابة واحد من بين كل 10 تطوعوا بالمشاركة في المسح من دون الـ30 في العمر، أشاروا إلى مطالعتهم موقع صحيفة «نيويورك تايمز» الإلكتروني لدى مطالبتهم بذكر بضعة مواقع على شبكة الإنترنت يستغلونها في استقاء الأنباء والمعلومات. وكما أن ظهور التلفزيون لم يقتل الراديو، فإن التعايش السلمي بين وسائل الإعلام الرقمية الحديثة والأخرى التقليدية يبقى ممكنا.

إلا أن الوقت لم يحن بعد للاحتفال، حيث لا تزال الصورة العامة مختلطة أمام الصحف التي تناضل من أجل البقاء. وقال 26 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع إنهم قرأوا صحيفة مطبوعة في اليوم السابق، بانخفاض عن 36 في المائة عام 2006، وهو انحسار كبير بالتأكيد. لكن هذا التراجع جرى تعويضه جزئيا بمواقع الإنترنت التي بنتها الصحف، كشريان حياة مستقبلي. وعند إضافة النسخ الإلكترونية إلى معدلات الاطلاع على النسخ المطبوعة، ذكر 37 في المائة من الأميركيين أنهم اطلعوا على الأنباء من الصحف في اليوم السابق، بانخفاض عن 43 في المائة عام 2006.

باختصار، كان يمكن أن يصبح الوضع أسوأ من ذلك. ومع ذلك، تبقى الرسالة واضحة، بأن بناء قاعدة قراء عبر شبكة الإنترنت ليس أمرا هامشيا واعدا فحسب لأصحاب الصحف المطبوعة، وإنما أمر يتعلق بالبقاء. وأشار 19 في المائة فقط ممن شملهم المسح إلى أنهم قرأوا مجلة في اليوم السابق، بانخفاض عن الثلث عام 1994. وفي المقابل، قال 58 في المائة إنهم يشاهدون نشرات الأخبار بانتظام. أما بالنسبة للمواقع الإلكترونية، فكانت المواقع التي ورد ذكرها غالبا هي «ياهو» (28 في المائة) و«سي إن إن» (16 في المائة) و«غوغل» (15 في المائة) و«إم إس إن» (14 في المائة).

وأكد تقرير أصدره معهد «بيو» حدوث تحول ذي طابع حزبي في أوساط مشاهدي قنوات الكيبل، حيث أشار 4 من كل 10 جمهوريين الآن إلى أنهم يشاهدون «فوكس نيوز» بانتظام، التي تضم أمثال غلين بيك وسيان هانيتي. ووصف 12 في المائة فقط من الجمهوريين أنفسهم بأنهم من المشاهدين بانتظام لـ«سي إن إن»، وبالنسبة لـ«إم إس إن بي سي»، وما تضمه من حشد من المعلقين الليبراليين، بلغت النسبة 6 في المائة فقط. ونوهت الدراسة إلى أنه في عام 2002، كان من المحتمل أن يشاهد الجمهوريون «سي إن إن» (28 في المائة) بنفس نسبة احتمال مشاهدتهم لـ«فوكس نيوز» تقريبا (25 في المائة).

في المقابل، يشكل الديمقراطيون 21 في المائة من جمهور «فوكس»، و47 في المائة من جمهور «سي إن إن» و53 في المائة من جمهور «إم إس إن بي سي».

الملاحظ أن وسائل الإعلام المختلفة تتمتع بقدرات متباينة على اجتذاب الجمهور، حيث أشار 64 في المائة من المشاهدين بانتظام لـ«سي إن إن» إلى أنهم يعتمدون على الشبكة للتعرف على أحدث الأنباء والعناوين، بينما نسب 44 في المائة السبب ذاته لـ«فوكس»، بينما عزا آخرون مشاهدتهم للقنوات الإخبارية لأسباب أخرى، مثل الاطلاع على برامج الرأي.

وعلى النقيض، أشار نحو ثلث قراء «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» إلى أنهم ينجذبون لقراءة هاتين الصحيفتين لما تطرحانه من تحليل عميق للأخبار.

وتشكل الآيديولوجية عنصرا واضحا في التقييم، ذلك أن ثمانية من كل 10 أميركيين يتابعون هانيتي أو روش ليبمغ من المحافظين، فإن الجمهور المتابع بانتظام لكيث أولبرمان ورايتشيل مادو على محطة «إم إس إن بي سي»، وجون ستيوارت وستيفين كولبرت بقناة «كوميدي سنترال»، يتضمن ضعف نسبة الليبراليين الموجودة في الجمهور العام.

ومن السمات المميزة لعهد أوباما أن تيار اليسار أصبح كئيب المزاج وكثير الشكوى. فعام 2008، عندما كان أوباما لا يزال مرشحا، أعرب 67 في المائة من الديمقراطيين الليبراليين عن استمتاعهم بمتابعة الأخبار. الآن، ومع اقتراب فترة رئاسته من منتصفها، تراجعت هذه النسبة إلى 45 في المائة، أما الجمهوريون المحافظون المستمتعون بمتابعة الأخبار، فظلت نسبتهم ثابتة تقريبا، حيث بلغت 57 في المائة عام 2008، وتبلغ حاليا 56 في المائة.

وتوصلت كل دراسة مسحية من هذا النوع إلى اعتقاد غالبية كبيرة أن وسائل الإعلام منحازة في تغطيتها، وهي النتيجة نفسها التي خلصت إليها هذه الدراسة، حيث أعرب 82 في المائة من الأميركيين عن اعتقادهم بأنهم يلاحظون بعض التحيز على الأقل في تغطية الأنباء، وهو تحيز ليبرالي في معظمه. أما بالنسبة لمن يعتقدون أن المؤسسات الإعلامية الإخبارية تبدي تحيزا شديدا، فإن 62 في المائة من الجمهوريين راودهم هذا الشعور، مقارنة بـ47 في المائة من الديمقراطيين (و53 في المائة من المستقلين). كما توصلت الدراسة إلى نتيجة مثيرة بخصوص مدى معرفة العامة بالشؤون السياسية، مقارنة بالاعتقاد الشائع بين صفوف النخبة السياسية في واشنطن، حيث تمكن 22 في المائة ممن شملهم المسح من توصيف منصب إريك هولدر باعتباره النائب العام. وبين المشاهدين الأكثر ثقافة من مشاهدي البرامج التحليلية على قناتي «فوكس» و«إم إس إن بي سي»، ارتفعت النسبة إلى 30 في المائة فقط.

* هوارد كيرتز يعمل أيضا لحساب «سي إن إن» ويستضيف برنامجا إعلاميا أسبوعيا بعنوان «ريليابل سورسيز»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»