«ويكيبيديا» ستخبرك بالسر

في عصر التخمة المعلوماتية تزداد صعوبة الاحتفاظ بطابع الغموض

TT

في كل مرة عند نهاية عرض مسرحية «مصيدة الفئران» (ماوس تراب) لأغاثا كريستي، يتقدم الشخص الذي يتضح أنه القاتل نحو الأمام، ويخبر الجمهور بأن عليهم «الإبقاء على سر من هو الفاعل في قلوبهم».

ورغم مرور 58 عاما على العرض المستمر لهذه المسرحية في ويست إند بلندن، حرص غالبية النقاد والكتاب والغالبية العظمى من الـ10 ملايين شخص الذين شاهدوا المسرحية حتى اليوم على الإبقاء على هذه النهاية الغريبة وعدم الإفصاح عن هوية القاتل.

بيد أن الاستثناء الوحيد البارز لهذا الأمر هو موقع «ويكيبيديا»، حيث يطرح المقال الذي يعرضه الموقع أحداث المسرحية المؤلفة من فصلين، وفي جملة واحدة يكشف عن هوية القاتل.

وقد سبب ذلك صدمة لماثيو بريتشارد، حفيد كريستي، الذي أعرب أمام صحف بريطانية الشهر الماضي عن شعوره بصدمة بالغة لدى علمه بأن «ويكيبيديا» لم تحفظ السر.

وقال في تصريحات لصحيفة «إندبندنت»: «لا أزعم أنني خبير بشؤون (ويكيبيديا) أو التقنية الحديثة، لكن كل ما يمكنني قوله إنه من وجهة نظر مرتادي المسارح، أعتقد أن هذا الأمر يضر بمتعة الحصول على أمسية ممتعة بالمسرح، وهي متعة يتمثل جزء منها في تخمين شخصية القاتل».

في عصر تخمة معلوماتية، تزداد صعوبة الاحتفاظ بطابع الغموض والتشويق الذي تحمله المواد الترفيهية، ويعني ذلك أن نتائج المسابقات الأولمبية يمكن إذاعتها عبر موقع «تويتر» قبل إعلانها مساء عبر شاشات التلفزيون، أو تتبع البعض لنهاية حلقات المسلسلات التلفزيونية الشيقة عبر مواقع الإنترنت التي تعرض نهايات الأفلام والمسرحيات الشهيرة.

على أي حال، يمكن أن تظل الأفلام والمسرحيات الحديثة، بل والقديمة، جديدة على الأفراد الذين لم يشاهدوها من قبل قط.

من جهته، قال بريتشارد، الذي حصل على حقوق المسرحية كهدية عيد ميلاده التاسع عام 1952: «كانت جدتي تشعر بالاستياء دوما لدى الكشف عن حبكات كتبها أو مسرحياتها من جانب المراجعات النقدية. ولا أعتقد أن هذا الأمر يختلف إطلاقا».

ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن «مصيدة الفئران» استغرق تسريب سرها 6 عقود كاملة، بينما كشفت «ويكيبيديا» النقاب عن النهاية المفاجئة للفيلم الوثائقي «سمك الصلور» (كاتفيش) حتى قبل طرح الفيلم في دور العرض - واعتمد المقال الموجز حول حبكة الفيلم ونهايته على عرض الفيلم خلال «مهرجان سندانس للأفلام» هذا العام.

من ناحيته، أعرب أندرو جاركي، منتج الفيلم الذي احتوى أيضا فيلمه «القبض على فريدمانز» (كابتشرنغ ذي فريدمانز) على حبكات درامية مثيرة بالغة الأهمية، عن اعتقاده بأن «من العسير إيجاد حجة فكرية أو أكاديمية تؤيد التعمق في أسرار فيلم ما لم تشاهده الغالبية العظمى من الجمهور بعد». وأضاف جاركي أنه كحد أدنى، ينبغي على «ويكيبيديا» أن تعرض ما يطلق عليه «إنذار بالكشف» لتنبيه القراء إلى أنهم «على وشك الاطلاع على قسم ربما يضر بتجربة مشاهدة الفيلم».

بيد أن احتمالية تحقق ذلك تبقى ضعيفة، حيث تعتبر «ويكيبيديا» نفسها مرجعا شاملا، وبالتالي لا تفرض رقابة على الحقائق أو حتى تحذر القراء من إمكانية اطلاعهم على معلومات تضر بتجارب لم يخوضوها بعد.

ومثلما أوضح جاي والش، المتحدث الرسمي باسم المؤسسة التي تتولى إدارة «ويكيبيديا»، فإنه «بوجه عام، يبدو أن معظم زائري موقع (ويكيبيديا) يؤيدون فكرة أن المواقع الموسوعية غالبا ما تتسم بطابع شامل بشأن تناول الحقائق، وأن الشخص الذي يبحث عن مقال حول قصة ما ينبغي أن يكون على استعداد لمواجهة موجز لأحداث القصة».

وأشار جاركي إلى أنه شخصيا يعرف الكثير من مستخدمي «ويكيبيديا» من المتعاطفين مع فيلمه، «الذين حاولوا تعديل وصف الفيلم باعتبارهم مستخدمين مسجلين بالمواقع، لكن من دون جدوى».

وربما تواجه الأفلام والمسرحيات والكتب مأزقا عسيرا في ظل الوضع الراهن.

في هذا الصدد، أشار كارلتون كوز، المنتج التنفيذي لمسلسل «المفقود» (لوست) الذي تعرض «ويكيبيديا» موجزا لأحداث كل حلقة من حلقاته، إلى أن «هناك اختلافا بين الإضرار بشيء، والكتابة عن شيء بعد وقوعه. وتعد مسرحية (مصيدة الفئران) عملا يقع في كلا المجالين».

وأكد كوز أنه لا يرى ضيرا في نشر «ويكيبيديا» النهاية التي يترقبها الكثيرون لمسلسل «المفقود»، مستطردا بأنه «بمجرد بدء بثه رسميا، تصبح القصة متاحة أمام الاستهلاك العام». لكنه أبدى اعتقاده بأنه من الأفضل ألا يتجه المشاهدون إلى «ويكيبيديا» لمعرفة الأحداث «إذا رغبوا في عدم الإضرار بمتعة المشاهدة».

في المقابل، بدا الموسيقي ومؤلف قصص الغموض والإثارة روبرت هولمز، أقل تسامحا حيال ميل «ويكيبيديا» لكشف النقاب عن الحبكات المثيرة لقصصه، سواء كان ذلك في الأغاني أو المسرحيات الغنائية التي يكتبها.

وكتب عبر رسالة بريد إلكتروني: «لا تنطبق قواعد (الكشف الكامل) على الإبداعات الخيالية. إذا ما كشفتم سر حبكة درامية ساحرة، فإن هذا لا يكافئ حماية مستهلكين من إهدار أموالهم على فنان محتال. إننا نرغب، بل ونأمل، في أن يتم خداعنا ومفاجئتنا وإدهاشنا. إن المخادع هنا لا يبيعنا أرضا بورا أو أدوية سحرية مزعومة أو أسهما (خردة) أو استثمارات زائفة، وإنما يبيع لنا الإثارة التي كنا نتعطش لها في طفولتنا، للحظة واحدة، حيال إمكانية وجود جانب سحري بالفعل في هذا العالم».

كما شكك في دوافع الشخص الذي يسعى تجاه كشف النقاب عن الإثارة التي يحملها عمل إبداعي، سواء كان ذلك عبر مدونة شخصية أو مشروع تعاوني، مثل «ويكيبيديا» - واصفا ذلك بأنه يضفي على صاحبه في أفضل الأحوال «شعورا مؤقتا بالتفوق».

وقال «إنه تخريب متعمد للمتعة المحتملة لشخص آخر. إنه أشبه بكتابة اسمك بالطلاء على وجه الموناليزا والاعتقاد بأنك بذلك تفوقت على دافينشي».

إلا أن محاولة تقييد التأثير الذي قد يخلفه مفسدو متعة الآخرين تمثل مهمة هائلة. جدير بالذكر أن موقع مثل «إنترنت موفي داتا بيس»، الذي بدأ عمله منذ 20 عاما كموقع تعاوني مثل «ويكيبيديا» ويملكه حاليا موقع «Amazon.com»، يتمسك بالتزامه بحماية جمهوره من الاطلاع مصادفة على واحدة من النهايات التي تحمل بطياتها مفاجأة.

ويشجع الموقع على استخدام «إنذار الكشف» لتنبيه الزوار لدى الاطلاع على موجزات الأفلام، حسبما أوضح كيث سيمانتون، رئيس التحرير التنفيذي لـ«إنترنت موفي داتا بيس»، إضافة إلى أنه يتضمن زرا يضمن عدم رؤية الفقرات التي تكشف أسرار حبكات الأفلام إلا إذا طلب شخص ما إلغاء الرقابة المفروضة على النص. ومع ذلك نجد أنه حتى قوائم التقييم الكاملة قد تكشف أحيانا عن غير قصد عن الحبكات الشيقة.

وأكد سيمانتون أنه «نتلقى الكثير من ردود الفعل من جانب مستخدمينا، وهذا أحد الأسباب التي تستدعي التزامنا بالحرص البالغ». يذكر أن سيمانتون أضاف بصورة شخصية حماية ضد الإضرار بمتعة المشاهدة لموجز فيلم «المشتبه بهم المعتادون» (يوجوال سسبيكتس).

من جهته، قال ديفيد تومسون، الناقد الفني المعني بالأفلام الذي ألف العمل الموسوعي «القاموس الجديد لسير الأفلام»، إنه تعلم عدم الكشف عن نهايات الأفلام بعد «تلقي اتصالات أو خطابات من قراء اتهموني بأنني شخص مزعج».

وأشار تومسون، الذي ولد في بريطانيا ويعيش حاليا في سان فرانسيسكو، إلى أن قلقا أقل ساوره حيال «مصيدة الفئران».

وأضاف «لقد نشأت على الاعتقاد بأن كل شخص في بريطانيا شاهد (مصيدة الفئران). لقد شاهدتها عندما كنت طفلا، ولا يمكنني الآن تذكر نهايتها».

* خدمة «نيويورك تايمز»