خطوبة ملكية وخبطة صحافية

الأمير وليام وكيت ميدلتون اختارا الصحافي توم برادبي ليقود أول مقابلة متلفزة لهما بعد الخطوبة

كيت ميدلتون خطيبة الأمير وليام تصدرت عناوين الأخبار في معظم الصحف والمحطات التلفزيونية خلال اليومين الماضيين (رويترز)
TT

تاريخ 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، تاريخ جديد في أهم أحداث العام وتاريخ جديد يطبع في ذاكرة التاريخ. ومادة دسمة تهافتت عليها وسائل الإعلام في بريطانيا والعالم، والدقائق التي تلت الساعة 11 من صباح يوم الثلاثاء، قلبت عناوين النشرات الإخبارية التي كانت مرتقبة لذلك اليوم، فما إن أعلن قصر كلارنس هاوس، مقر ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، خطوبة نجله الأمير وليام على صديقته كيت ميدلتون، حتى انقلبت موازين الصحافة وخصصت نشرات الأخبار عناوينها لزف الخبر، وغطت هيئة الإذاعة البريطانية الخبر طيلة النهار من دون توقف وواكبت الخبر لحظة بلحظة، وقامت جميع وسائل الإعلام البريطانية من دون استثناء ببث الخبر والتوقعات والتحليلات على مدى دقائق الساعة، ولم تكن الوسائل الإعلامية البريطانية هي الوحيدة التي سارعت إلى بث الخبر وتصديره العناوين الرئيسية، إنما تبنت الخبر أيضا جميع وسائل الإعلام على الكرة الأرضية، ففي تقرير بثته «بي بي سي» الإخبارية تم نقل مقتطفات من النشرات الإخبارية من الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين وإندونيسيا وإسبانيا وفرنسا إلى العالم العربي، ولم يكن هناك أي خبر أهم من خبر إعلان الخطوبة.

ولا بد أن يكون هناك الرابح الإعلامي الأكبر في القصة، وكان هذه المرة نصيب الأسد لقناة «آي تي في» البريطانية بعدما قام الأمير وليام وخطيبته كيت ميدلتون باختيار توم برادبي رسميا ليقود أول مقابلة تلفزيونية رسمية لهما بعد إعلان الخطوبة، وبثت المقابلة جميع وسائل الإعلام وكان الحظ الأكبر لرئيس تحرير النشرات السياسية في قناة «آي تي في» برادبي الذي طلب منه شخصيا أن يجري المقابلة، واستطاع برادبي بذلك أن يسرق الخبطة الصحافية من هيئة الإذاعة البريطانية و«سكاي نيوز»؛ إذ شاهد المقابلة أكثر من 100 مليون مشاهد حول العالم ويمكن القول إن هذه المقابلة دخلت التاريخ وسوف تبثها وسائل الإعلام بعد 30 عاما أو أكثر.

وفي مقابلة مع توم برادبي خلال برنامج «داي برايك» الصباحي الذي تبثه «آي تي في» قال برادبي إنه فوجئ جدا عندما تم إعلامه بأنه اختير شخصيا من قبل الأمير وخطيبته لإجراء المقابلة، وأبدى برادبي بالغ سعادته وأعرب عن فخره بإجراء خبطته الصحافية التي ستذكرها الأجيال المقبلة، وعلق برادبي بالقول: إن المقابلة نفسها لم تكن طويلة إنما التحضير لها استغرق نحو نصف ساعة. وعن اختياره قال إنه تربطه علاقة طيبة بالأمير وليام والأمير هاري وقام بتصوير عدد من البرامج الوثائقية معهما من قبل، ولكنه فوجئ بالقرار، وهو ممتن جدا. وعن المقابلة قال برادبي إنها كانت حقيقية ولم يكن فيها أي نوع من التصنع، فالأمير وخطيبته كانا مرتاحين للغاية ولو أن السؤال عن الأميرة الراحلة ديانا، والدة وليام، أحرج كيت ميدلتون التي بدت مرتبكة عندما ذكر اسم ديانا، غير أن وليام كان متنبها للأمر، خاصة أنه متمرس أكثر في الحضور الإعلامي وله عدة تجارب سابقة في إجراء المقابلات المتلفزة والمكتوبة. وقال برادبي إنه عمل في السابق مراسلا لأخبار العائلة المالكة في لندن لصالح قناة «آي تي في» وحينها بنى علاقة طيبة مع عدد من أفراد العائلة المالكة، وهذا هو السبب الوحيد لاختياره.

قد لا يكون برادبي وجها إعلاميا مألوفا، إنما يعتبر واحدا من ألمع الصحافيين في بريطانيا وهو الذي كشف عن قضية التجسس على هواتف المسؤولين عام 2007، مما أدى إلى سجن مراسل صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» كلايف غودمن الذي كان مسؤولا في القضية، وتنبه برادبي حينها للأمر بعدما قرأ خبرا في الصحيفة جاءت فيه معلومات لا يعرفها سوى الأمير وليام وشخصين آخرين وهو نفسه فقط لا غير.

وعرضت وسائل الإعلام البريطانية مساء يوم الثلاثاء عدة برامج خاصة بالأمير وليام وخطيبته، وهذا يثبت أن وسائل الإعلام حضرت للمناسبة منذ سنوات، وذلك لأن الأمير ارتبط بكيت منذ أكثر من 8 سنوات، فإعلان الخطوبة كان مفاجأة سارة ولو أنه كان متوقعا منذ سنوات.

ومن بين التحليلات التي لحقت الإعلان عن الخطوبة: أن زواج الأمير وليام العام المقبل سيعزز الاقتصاد البريطاني بما قيمته 620 مليون جنيه إسترليني (مليار دولار).

وجاءت هذه التقديرات في الوقت الذي قالت فيه «أسدا»، ثاني أكبر مجموعة بريطانية لمتاجر التجزئة إنها بدأت بيع أكواب بسعر 5 جنيهات للقطعة للاحتفاء بخطبة وريث عرش بريطانيا وصديقته، التي أُعلنت الثلاثاء.

وأمس تصدرت الخطوبة الملكية عناوين جميع الصحف في بريطانيا ومختلف أنحاء العالم، فعنونت صحيفة «الدايلي تلغراف» صفحتها بعنوان «كيت مميزة جدا»، في حين جاء في صدر الصفحة الأولى في «الغارديان» عنوان «زفاف ملكي في عصر التقشف»، وصحيفة «التايمز» عنونت صفحتها الأولى بـ«الرومانسيون الجدد»، أما صحيفة «الدايلي مايل» فعنونت صفحتها الأولى بـ«أخيرا حققنا أمنيتنا يا حبيبتي»، وخصصت ملحقا مجانيا خاصا مؤلفا من 16 صفحة، يتضمن صورا ومحطات مهمة في حياة العروسين، و«المترو» المجانية عنونت صفحتها بـ«عرض زواج وخاتم خطبة مألوف»، ولم تكن الصحف السياسية هي الوحيدة التي عنونت صفحاتها الأولى بخبر الخطوبة؛ إذ عنونت الصحيفة الاقتصادية المرموقة «الفاينانشيال تايمز» صفحتها الأولى بعنوان «اتحاد ملكي» وعنونت صحيفة «الوول ستريت جورنال» صفحتها الأولى بعنوان غريب هو «قائمة بما يجب أن أفعله اليوم: أتقدم بالزواج إلى صديقتي (فعلت).. أتزوج وأصبح ملكا»، وإلى جانب هذا العنوان العريض، وضعت صورة لخاتم الخطوبة الذي ورثه وليام عن أمه بعدما توفيت عام 1997، وأهداه أول من أمس لخطيبته ليكون عربونا لحبه وتقديره لها. يشار إلى أن وليام لم يطلب سوى خاتم أمه عندما توفيت ليكون أفضل ذكرى يحتفظ بها في حياته. وبالنسبة للصحافة الغربية والعالمية، فاستقبلت الخبر بالترحاب؛ لأن المشاهدين والقراء متعطشون لسماع خبر سعيد، بعيدا عن الأخبار السياسية المؤلمة وأخبار الأزمة المالية التي لا تزال تعصف بالعالم، ولاقت خطوبة وليام وصديقته كيت ميدلتون استحسان الصحافة الغربية التي تشجع على زواج الملكيين من أفراد عامة الشعب، وعلقت الكثير من الصحف العالمية بالقول إن كيت بدت متواضعة وغير متصنعة، وعنونت صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية صفحتها الأولى بعنوان «سندريلا باكلبوري» بالإشارة إلى المدينة التي تعيش فيها ميدلتون مع عائلتها في إنجلترا.

صحيفة «ذا ناشيونال بوست» الكندية وضعت عنوانا عريضا على صفحتها الأولى يقول: «اسم حقيقي يشهق بالحياة الطبيعية».. وهنا يشير العنوان إلى خلفية عائلة ميدلتون العاملة؛ فهي تأتي من عائلة عادية جدا ووالدها رجل أعمال ناجح صنع ثروته بنفسه. وأكثر الصحف مبيعا في ألمانيا، «بيلد»، عنونت صفحتها الأولى على الموقع الإلكتروني بـ«كيت ووليام.. الزفاف الخرافي» وجاء في مقدمة الموضوع: «كان هناك في قديم الزمان فتاة جميلة وبسيطة، جدتها كانت تعمل في المنجم ووالدتها كانت مضيفة طيران، كانت في سن الـ20 عندما غيرت قبلة واحدة حياتها كلها»، وهنا تشير الصحيفة إلى أن عائلة أم ميدلتون كانت عائلة بسيطة جدا وكان يعمل معظم أفرادها في المناجم وبالفعل كانت والدة كيت، كارول، مضيفة طيران.

صحيفة «الدايلي تلغراف» الأسترالية عنونت صفحتها الأولى بـ«ويل وكيت سيتزوجان.. الجيل الملكي الجديد».

الـ«نيويورك تايمز» اختارت عنوان «نوع مختلف من العرائس الملكية»، والمفهوم من العنوان أن الصحيفة ترى أن كيت مؤهلة أكثر من ديانا لتخوض دورها الملكي على أكمل وجه، وهذا التحليل تبنته عدة صحف بريطانية رأت أن فشل زواج ديانا من الأمير تشارلز كان سببه أنها لم تكن مهيأة لخوض الدور الملكي؛ لأنها كانت صغيرة في السن عندما تزوجت (19 سنة) في حين أن كيت ستكون في سن (29 سنة) العام المقبل، كما أن ديانا لم تتمتع بمستوى ثقافي عال بالمقارنة مع تحصيل كيت العلمي.

واستقبلت قناة «سي بي إس» خبر الخطوبة بتغطية شاملة في البرنامج الصباحي «ذا إيرلي شو»، وسارعت الصحافية إيريا هيل بالكتابة إلى منتج الأخبار أنها مستعدة للذهاب إلى لندن الصيف المقبل لتغطية الزفاف، وفي غضون دقائق وجدت نفسها على متن أول رحلة متوجهة إلى لندن لتغطية أحداث الخطوبة من خارج قصر باكنغهام الملكي. وأرسلت قناة «إن بي سي» الإعلامية ناتالي موراليس لتغطية أحداث الخطوبة في برنامج «اليوم» في حين أرسلت «غود مورنينغ أميركا» المذيعة بيانا غولودريغا إلى لندن لتغطية الحدث الأبرز. ويقول المنتج المنفذ في «غود مورنينغ أميركا» جيم ميرفي: إن الخبر مهم جدا، وتوقيته أهم، وبالنسبة للأميركيين فهم يعشقون العائلة المالكة في بريطانيا وتهمهم أخبارها، كما أن قصة وليام وكيت جميلة ورومانسية، ووليام تربى أمام أعين الناس، فالناس يذكرون وليام الطفل والمراهق والتلميذ وواكبت الصحافة جميع مراحل حياته، وهاهي اليوم ترصد أهم خطوة يتخذها في حياته الشخصية.

وبرأي جيم بيل، المنتج الإخباري التنفيذي في قناة «إن بي سي»، فإن الخطوبة جاءت في وقت صائب جدا، فالناس يأملون بسماع أخبار إيجابية تتمتع بنهايات سعيدة، بعد سماع أخبار مأساوية عن الاقتصاد والأخبار المأساوية الأخرى.

وعادت صور الراحلة ديانا إلى الإعلام من جديد منذ إعلان الخطوبة، وعمدت عدة صحف إلى المقارنة بين كيت «الأميرة القادمة» والأميرة ديانا الراحلة، ورأى عدد من المحللين والمراسلين الملكيين أنه يتعين على القصر الملكي رسم الصورة المطلوبة لدور كيت الملكي، لتفادي المأساة التي حصلت مع الأميرة ديانا. فمن اليوم وصاعدا أصبحت حياة كيت ملكا للشعب، فهي اليوم وصفت على صفحات الجرائد بأنها «أميرة قلب وليام» ولكن الأيام المقبلة من شأنها أن تثبت ما إذا كان باستطاعة كيت أن تتحول إلى «أميرة قلب الشعب»، فالمقارنة بين كيت وديانا صعبة جدا، ولا بد أنها تؤلم كيت نفسها، فديانا لم تكن أميرة عادية، ومع أنها كانت أميرة مثيرة للجدل إنما كانت أميرة شعبية أحبها البريطانيون لأنها كانت أشبه بالنسمة العصرية التي من شأنها أن تطري جفاف الأجواء الملكية داخل جدران القصر.

ولم تكتف وسائل الإعلام بالمقارنة بين شخصيتي ديانا وكيت، إنما راحت الصحف والتلفزيونات تطلق العنان لمخيلتها وتصوراتها للزفاف الملكي التي تنتظره بريطانيا الربيع أو الصيف المقبل، فلم تشهد بريطانيا زفافا ملكيا على هذا المستوى منذ زواج الأمير تشارلز والأميرة ديانا عام 1981، ولكن المشكلة اليوم مالية، فموضوع البذخ غير مقبول في زواج الأمير وليام، في وقت تقوم به الحكومة البريطانية بقطع الرواتب والتقشف المالي في جميع القطاعات.