جدل حول دفع مؤسسات صحافية مقابل الحصول على معلومات من المصادر

تلقت وصية «لا تدفع» مقابل معلومة داخل عالم الصحافة ضربة موجعة

TT

في البداية كانت صحف التابلويد مثل «ناشيونال إنكويرر» هي من قام بذلك. وفيما نأت وسائل الإعلام «المحترمة» بنفسها عن هذه الممارسة، صاغت «ناشيونال إنكويرر» عادة «الدفع مقابل المعلومات الصحافية» وأخذت تدفع للمصادر مقابل تصريحات خاصة مثيرة مثل صورة إلفيس بريسلي في كفنه أو «معلومات» عن دونالد ترومب كشف عنها حارس منزله السابق.

ولكن بفضل المنافسة المحتدمة من أجل الحصول على الشيء الأكثر أهمية، بدا أن وصية «لا تدفع» مقابل معلومة داخل عالم الصحافة قد تلقت ضربة موجعة أخيرا. وقد سجلت بعض المواقع الإخبارية وغيرها من تلك المواقع التي تدفع مقابل الحصول على معلومات بعضا من القصص الأكثر إثارة وأهمية في الفترة الأخيرة. وانضمت الشعب الإخبارية التلفزيونية إلى هذا الأمر مما استثار سباق تسليح من أجل شراء القصص الهامة.

هل ثملت المرشحة التي أخفقت في سعيها للحصول على مقعد داخل مجلس الشيوخ كريستين أودنيل من ولاية ديلاوير وقضت ليلة الهالوين قبل ثلاثة أعوام مع رجل يبلغ من العمر 25 عاما كانت قابلته منذ وقت قصير؟ زعم موقع Gawker.com الإلكتروني الكثير من هذا الكلام الشهر الماضي وذلك في تقرير قرئ على نطاق واسع ووجهت له انتقادات كثيرة وجاء في صيغة المتكلم وكتبه شاب لم تحدد هويته وجاءت معه صور لأدونيل في زي خنفساء خلال الهالوين. ويعترف مالك الموقع الإليكتروني أنه دفع إلى الكاتب نحو 4000 دولار مقابل هذه القصة.

وهل أرسل اللاعب برات فافر من مينيسوتا فايكنكز رسائل عنصرية صوتية عبر البريد وصورا لأجزائه الحساسة إلى موظفة شابة جذابة من نيويورك غيتس قبل عامين؟ يقول الموقع الإلكتروني Deadspin.com ذلك اعتمادا على تقرير عن رسائل صوتية وصور جرى شراءها من مصدر مجهول آخر مقابل نحو 12000 دولار.

وكيف حصل الموقع الإلكتروني التقني Gizmodo.com على نسخة أولية من الموديل الجديد لجهاز «آي فون» في أبريل (نيسان)، أي قبل أشهر من إعلان شركة «أبل» عنه؟ الإجابة هي: من خلال دفع 5000 دولار إلى مصدر مجهول آخر، قام بتسليم نسخة من الجهاز الذي قال إن مهندس تابع لشركة «أبل» تركه من دون قصد في مقهى بالقرب من مقر الشركة داخل وادي السيلكون.

لقد ظلت المؤسسات الإخبارية الرئيسية مترددة في الدفع مقابل معلومات لأسباب بسيطة قليلة. الأول عملي: فالدفع مقابل قصص يمكن أن يصبح شيئا مكلفا. والسبب الآخر هو النظر إلى عملية الدفع للمصادر على أنها تفسد مصداقية المصدر والمؤسسة الإخبارية. ويقول هاجيت ليمور، رئيس جمعية الصحافيين المحترفين التي تحظر هذه الممارسة في ميثاق الشرف الخاص بها: «عندما تدفع إلى مصدر مقابل الحصول على قصة، فأنت تشكل علاقة مع الشخص الذي يقدم هذه المعلومة ويعني ذلك أنك لا تتصرف بصورة مستقلة». وأضاف قائلا: «الناس يقولون أي شيء سعيا من أجل المال، ويجب على الجمهور أن يفترض أنك تورد أي شيء لأنه صحيح وليس لأن شخصا حصل على أموال مقابل ذكره».

وتقول صحف يومية مثل صحيفة «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» إنهم لا يدفعون إلى الناس مقابل إجراء مقابلات صحافية أو إعطاء معلومات بشأن أخبار معينة. وتقول شبكات تلفزيونية نفس الأمر، على الرغم من أنهم يبتكرون في الأغلب وسائل من أجل التعويض مقابل الأخبار الهامة بأي صورة من الصور.

وتعتمد الطريقة النمطية على الدفع إلى المصادر مقابل الحق في بث صور شخصية أو مقاطع فيديو داخل المنازل، وتقول الشبكات إن ذلك لا يعد مخالفة لأخلاقيات العمل حيث إن هذه المدفوعات من الناحية فنية ليست مقابل إجراء مقابلات.

وتعترف «إيه بي سي نيوز» و«إن بي سي نيوز» بأنهما دفعتا إلى عائلات ثلاثة عمال مناجم من شيلي ممن أنقذوا لظهورهم في تقارير «حصرية» على «صباح الخير أميركا» وبرنامج «اليوم» الشهر الماضي. وفي كلتا الحالتين قال مراسلو الشبكتين للمشاهدين إن مقاطع الفيديو المنزلية التي أدرجت في التقارير «سمحت» بها الشبكات، وهو كشف مبهم لا يظهر الكثير من تفاصيل الاتفاقات. ورفضت «إن بي سي نيوز» التعليق على ذلك.

وقالت «سي إن إن» و«إيه بي سي» و«نيويورك بوست» إنهم دفعوا مقابل صور التقطت بتليفونات جوالة غير واضحة للمتهم في محاولة التفجير خلال أعياد الميلاد من العام الماضي عمر الفاروق عبد المطلب وهو يمضي إلى خارج طائرة بعد أن كبلته السلطات بالأغلال العام الماضي. واشترت المؤسسات الإخبارية الصور من جاسبر شورينغا، الراكب الهولندي، الذي ساعد على إيقاف عبد المطلب والتقط الصور. وقام شورينغا ببيع الصور إلى مؤسسات إخبارية أميركية ويقال إنه حصل على 18000 دولار من عمليات البيع، بحسب ما أفاد به الموقع الإلكتروني TVNewser.com.

وأكد المتحدث باسم «سي إن إن» إدي إمري أنه رغم ذلك لا تقوم «سي إن إن» بالدفع مقابل إجراء مقابلات أو للمصادر. ونعم دفعت «سي إن إن» رسم ترخيص مقابل حقوق حصرية لصور شورينغا التي التقطها بالهاتف الجوال. ولكن لم يكن الدفع للترخيص الحصري لصور شرطا لإجراء مقابل مع الضيف. وفي الواقع، لقد قامت «سي إن إن» بإجراء مقابلة مع شورينغا.

وفي بعض الحالات يمكن أن يزداد المال، وكشف محامو كاسي أنطوني، وهي امرأة من فلوريدا متهمة بقتل ابنتها الصغيرة، في محكمة خلال مارس (آذار) إن «إيه بي سي نيوز» دفعت 200.000 دولار مقابل تعاونها في تغطية القصة. واستخدمت أنطوني الأموال كي تدفع رسوما قانونية.

وحصلت «إيه بي سي» أيضا على مقابلة حصرية العام الماضي مع والدي مايكل جاكسون، جوي جاكسون، بعد أن دفعت 200.000 دولار مقابل مقطع فيديو نادر لعائلة جاكسون.

وقال متحدث باسم «إيه بي سي نيوز» جيفري شنيدر إن الرسوم لم تكن مرتبطة بأي وعود لإجراء مقابلات. وقال شنيدر: «ندفع مقابل حقوق مالك لمقطع فيديو أو صور بنفس الصورة الذي تدفع بها واشنطن بوست لمصور مقابل صوره».

ولا تعد هذه الحالات متشابهة بالكامل، فالمصورون عبارة عن صحافيين ليس لهم مصلحة في القصة، فيما كانت أنطوني وكان جاكسون موضوع القصص ولديهم مصلحة كبيرة في صورتهما كما تعرضها «إيه بي سي».

وتروق تبريرات الشبكات إلى نيك دينتو، المؤسس والمالك لشركة «غاوكر ميديا» ومقرها نيويورك والتي تمتلك عدة مواقع إلكترونية من بينها Gawker وDeadspin وGizmodo. ولا يخجل دينتون و«غاوكر» من عملية الدفع مقابل قصص. وتزعم «غاوكر» صراحة أنها قبل ثلاثة أعوام عرضت 10000 دولار مقابل صورة غير معدلة استخدمت في مجلة. وحصلت على ما سعت إليه عندما عرضت بائعة لم تحدد هويتها صورة للمغنية فيث هيل التي استخدمتها مجلة «ريكبوك» بعد عملية بيع مطولة. وكانت الصور تصريحا مفاجئا عن وهم الجمال والأناقة.

ويرفض دينتون الانتقادات الموجهة إلى قصص فافر وأودنيل وآي فون، ويشير بفخر إلى أن الارتفاع الكبير في عدد رواد مواقعه الإلكترونية نتيجة لهذا الأمر. ويقول إن عدد زوار موقع Gawker ارتفع من 300.000 زائر أسبوعيا عام 2008 إلى 1.4 مليون ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى السبق الذي دفع الموقع مقابله.

وقال دينتون في رسائل إليكترونية: «أنا مدين للصحافيين القدماء لأنهم لم يدفعوا مقابل المعلومات، فهذا يبقي على أسعارها منخفضة. وعليه فأنا من أنصار هذه الوصية الصحافية طالما أنها تطبق على المؤسسات الأخرى».

ويقول دينتون إن الدفع مقابل قصص لا يحدث تغييرا كبيرا في العلاقة بين الصحافي والمصدر أو بشأن مصداقية المعلومة. ويقول: «كل المصادر (حصلت على تعويض أم لم تحصل) لديها اتجاه سواء كان هذا الاتجاه عبارة عن منافسة بيروقراطية أو إلحاق ضرر أو دافع الارتزاق. ودائما ما يجب الشك فيها.. وأنا راغب في الحكم بناء على النتائج».

وأدانت حملة أودنيل قصة الهالوين، وكذا فعلت منافسها الديمقراطية كريس كونز، ولكن لم يشكك أحد في مصداقيتها أو يقدم أدلة في مقابل الأحداث التي وصفت فيها. ورفض فافر التعليق على القصة الجنسية الخاصة به، حيث يوجد تحقيق من جانب رابطة الكرة الوطنية، وفي هذه الأثناء قالت أخريات إن فافر أرسل إليهن رسائل غير مناسبة.

وطلبت شركة «أبل» من غيزمودو استعادة الهاتف الخاص بها، وبهذا أقرت ضمنا أن النموذج الأول الذي حصل عليه الموقع كان صحيحا.

وعلى الرغم من الإيحاءات البغيضة في عملية الدفع مقابل الحصول على قصص، فالواقع أن المال دائما ما يستثير معلومات هامة ربما تعذر الحصول عليها من خلال الوسائل التقليدية. وفي عام 1987 دفعت «ناشيونال إنكويرر» مقابل صورة للعارضة مادونا رايس تجلس على جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بالمرشح الديمقراطي السيناتور غاري هارت مما حكم بالإخفاق على سعي هارت (خيانة هارت الزوجية كشف عنها صحافيون من ميامي هيرالد، الذين رأوا رايس خارجة من منزله داخل واشنطن في إحدى الليالي ولكن بدت الصورة تعطي تأكيدا يمكن رؤيته بالعين).

كما دفعت «ناشيونال إنكويرر» مقابل معلومات بدءا من 2007 ساعدت على الربط بين السيناتور السابق جون إدواردز (الديمقراطية من نورث كارولينا) وخليلته ريل هونتر وطفلهما وبعض من النساء ذوات الصلة بتايغر وودز والتي دشنت إحدى أبرز الفضائح لشخصية شهيرة خلال العقد الماضي عام 2009.

وتجذب صحيفة «ناشيونال إنكويرر» قراءها من خلال مثل هذه المعلومات، وتنشر إعلانات ملونة زاهية في أعدادها. وتعد هذه المدفوعات شيئا نمطيا داخل عالم صحافة المشاهير الذي توجد به منافسة كبيرة. ويدفع موقع TMZ.com أيضا. ولكن يمكن أن يكون لذلك نتائج عكسية، ففي 2003 اضطرت «ناشيونال إنكويرر» للتراجع عن قصة بشأن قضية اختطاف إليزابيث سمارت عندما علمت إنها مبنية على معلومات خاطئة اشترتها سرا من صحافيين في «سولت لايك تريبيون».

وبالنسبة إلى بعض المؤسسات فإن القضية لا ترتبط بسؤال هل تقوم بالدفع أم لا ولكنها ترتبط بدرجة أكبر بالمبلغ. وقال مسؤول تنفيذي في شبكة تلفزيونية شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول للحديث عن هذه القضية علنا، إن المبلغ تحدده بالضرورة القوى السوقية. وأضاف أن القصة الهامة التي يسعى عدد كبير إلى الحصول عليها حصرا ستؤدي بلا شك إلى ارتفاع التكلفة.

ولكن حروب العروض يمكن أن تثمر لصالح المشتري، وفي الأغلب تحقق مجلة المشاهير البريطانية «هالو» أرباحا من خلال ذلك عن طريق إعادة بيع المادة التي حصلت عليها إلى مؤسسات إخبارية أخرى، بحسب ما يقوله جاك فيتك، وهو أستاذ جامعي في الصحافة بـ«إدجوود كوليدج» داخل ميلووكي عمل لدى المجلة في أوروبا خلال التسعينات.

ومن خلال القدرة على تحديد عدد الزوار الذين سيجذبهم مقالا على شبكة الإنترنت، يستطيع دينتون أن يحدد المقابل ويقول إنه القاعدة لديه هي «10 دولارات مقابل 1000 زائر جديد» أو 100.000 دولار مقابل مليون زائر جديد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»