2011.. عام جديد من رؤساء التحرير في عالم المجلات

الجيل الجديد أكثر شبابا وفق المعايير السائدة بين الشركات التجارية

توم هارتي («نيويورك تايمز»)
TT

سيكون عام 2011 بالنسبة لعالم المجلات، عاما جديرا بالمشاهدة، ليس فقط لأنه قادر على تقديم إجابات للأسئلة العالقة بشأن التعافي المالي لهذه الصناعة.

يعد العام المقبل الأول خلال عقد ونصف العقد، الذي يشهد دخول أربع قيادات جديدة إلى المجلات الأميركية الأربع الكبرى، مما يتيح إمكانية الحكم على ما إذا كانت المشكلات الحالية في النشر يمكنها التعامل عبر التغييرات في المناصب التنفيذية، أو ما إذا كانت هذه المشكلات أعمق مما هي عليه.

خلال صيف العام الحالي، بدأت «الثورة المخملية» في عالم المجلات العالمية، حيث جرى تغيير كبار المسؤولين، من دون أن يسفر ذلك عن خلافات تذكر. في إطار ذلك، أقيلت آن مور من عملها كرئيس تنفيذي داخل «تايم إنك»، ليحل محلها جاك غريفين، الذي ترك بقسم المجلة بمؤسسة «ميريديث». ويذكر أن «ميرديث» تعد واحدة من المؤسسات العملاقة في مجال النشر ويصدر عنها «بيتر هومز» و«غاردنز» و«فاميلي سيركل». وحل محل غريفين أحد مساعديه، ويدعى توم هارتي.

وفي «كوندي ناست»، وافق تشارلز إتش. تاونسند، الذي لعب دورا مزدوجا كرئيس تنفيذي ورئيس منذ عام 2004، على التخلي عن منصبه كرئيس للشركة إلى أحد معاونيه، روبرت سوربيرغ. أما ديفيد كاري، الذي عمل مديرا تنفيذيا لفترة طويلة في «كوندي ناست»، فقد ترك المجلة إلى «هيرست مغازينز» ليحل محل كاثلين بلاك، إحدى ركائز صناعة النشر على مدى ثلاثة عقود، ووقع خيار عمدة المدينة مايكل بلومبيرغ عليها الآن لتكون مستشارة في مجال شؤون المدارس بمدينة نيويورك، وهو قرار أثار موجة من الجدال.

يذكر أنه منذ منتصف تسعينات القرن الماضي لم تتغير أي من هذه الوظائف في خلافة سريعة، ففي تلك الفترة كانت التغييرات تجرى عادة على مدار عامين. اللافت أن الصورة الاقتصادية في تلك الفترة كانت مشابهة لما يحدث اليوم، فعالم الأعمال التجارية بدأ في النهوض من الآثار المدمرة للركود، مما دفع الجهات الإعلانية بعيدا، وأجبر الناشرون على إغلاق مجلاتهم.

هذا الطاقم الجديد من المديرين التنفيذيين (ستيفن تي. فلوريو في «كوندي ناست» وكريستوفر ليتل في «ميريديث» ودون لوغان في «تايم إنك» وبلاك في «هيرست») سيوجهون شركاءهم عبر فترات التوسع والرخاء عبر الفترة المتبقية من العقد وما بعدها، وهي الفترة التي ولدت فيها إصدارات ناجحة مثل «أوبرا مغازين» و«تين فوغ» و«ريال سيمبل».

ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المجلات ستتعافى بقوة من الانهيار الاقتصادي الذي ألم بها عامي 2008 و2009، لكن الواضح أن الجيل الجديد من المديرين التنفيذيين يواجهون مشهدا إعلاميا تقلص فيه هامش الخطأ بصورة بالغة، ويفرض التساؤل حول ما إذا كان القراء والجهات الإعلانية سيبقون على ولائهم نفسه للمجلات التي يعتمدون عليها، على نحو أكثر إلحاحا عن أي وقت مضى.

من جانبه، قال جاستن سميث، رئيس شركة «أتلانتيك ميديا»: «هذا هو تغيير الحرس من مدرسة قديمة إلى أخرى أحدث»، مشيرا إلى أن هذه التغييرات كانت جزءا من التطور الحتمي في النشر الذي ربما تأخر كثيرا عن موعده. وأضاف: «من اللافت أن ظهور جيل جديد من القادة قد تأخر إلى عام 2010، أي بعد 15 عاما من استحداث شبكة الإنترنت».

من المؤكد أن الجيل الجديد من قادة الصحف أكثر شبابا، وفق المعايير السائدة بين الشركات التجارية على الأقل، فأصغرهم هارتي يبلغ من العمر 47 عاما، وكلا كاري وسوربيرغ يبلغ من العمر 49 عاما، وغريفين 50 عاما.

الملاحظ أن هذه القيادات الجديدة إما اتبعت مسارات غير تقليدية نحو القمة أو قدمت من خارج الشركات التي تساعد في قيادتها الآن. على سبيل المثال، تم اجتذاب غريفين بعيدا عن منصبه القيادي بمجموعة «ميريديث» لينتقل إلى «تايم إنك».

ورحل كاري عن «كوندي ناست» ليترأس «هيرست مغازينز»، وهي أحد منافسي «كوندي ناست». أما سوربيرغ فترقى عبر السلم المهني داخل «كوندي ناست» ليس من خلال المسار التقليدي داخل المؤسسة المرتبط بنشاطات النشر، وإنما عبر قسم التسويق لدى المستهلكين.

وجاء هارتي إلى «ميريديث»، التي تصدر منشورات تحمل طابعا نسويا، قادما من شركة «غولف دايجست».

في هذا الصدد، أعرب جاك كليغير، الرئيس التنفيذي السابق لـ«هاتشيت فيليباتشي ميديا»، دار النشر التي تصدر مجلات مثل «إل» و«كار آند درايفر»، التي أعلنت تعيين رئيس تنفيذي جديد لها في سبتمبر (أيلول)، عن اعتقاده بأن «تتعين الاستعانة بشخص يدرك طبيعة النشاط التجاري المرتبط بالمجلات، ولا أحد يرغب في الاستعانة بشخص عديم الخبرة. أعتقد أن الرسالة الكبرى التي تحملها هذه التحركات أن هذه الشركات تتطلع نحو عناصر تدفعها باتجاه التغيير». ومع ذلك، يبدو واضحا وجود تباين كبير بين التوجهات التي تتبعها «كوندي ناست» و«ميريديث» و«تايم إنك» إزاء إحداث التغيير، وإلى أي درجة يشعرون بضرورة التغيير. ويبقى الأمر المؤكد أن جميعها تبدي حذرا كبيرا في التعامل مع عائدات الإعلانات.

وأشار غريفيت، الذي يهوى ممارسة الهوكي والمشاركة في سباقات العدو لمسافات طويلة ويشتهر بنمط حديثه الواضح الموجز، خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا إلى أنه «خلال تسعينات القرن الماضي، عندما كانت الإعلانات بالمجلات تشهد تناميا بمعدلات جيدة عاما بعد آخر، ركزت الصناعة اهتمامها على نحو غير متوازن على الإعلانات. أما التركيز على منظور المستهلك، فاتخذ وضعا هامشيا لبعض الوقت. وما أقوم به في «تايم إنك» هو دفعه لمرتبة متقدمة من حيث الاهتمام مجددا.

داخل «تايم»، أكبر دار نشر للمجلات بالعالم، أبدى غريفين رغبته في إعادة إقرار فكرة «فرض ثمن عادل، وفرض رسوم على المستهلكين المهتمين بالمنتج».

ويعني ذلك أن المستهلكين ربما سيتعين عليهم دفع المزيد. وأضاف غريفين: «أننا ننفق أموالا طائلة لإنتاج محتويات أصلية وصحافة حقيقية والتحقق من المعلومات، ونبعث بمراسلين لنا للخارج لتغطية حروب. وما ينبغي أن نحصل عليه الآن هو تقدير منصف لقيمة هذا العمل».

وأشار غريفين إلى أنه سيجرى تكميل هذا التوجه عبر شراكات جديدة داخل «تايم وارنر»، الشركة الأم لـ«تايم إنك»، بما يسمح للمجلات بالاستفادة من الموارد المرئية الضخمة المتوافرة أمامها. وذكر أن من بين هذه الشراكات التي لا تزال في مرحلة التخطيط، اتفاقا بين شركة كبرى بمجال مستحضرات التجميل ومجلة «إنستايل» بهدف نقل مواضيع من المناسبات والاحتفالات الكبرى التي تشهدها هوليوود، مثل حفل توزيع جوائز «أوسكار» وجوائز نقابة ممثلي الشاشة.

الواضح أن هذا النمط من الشراكات يحتل مكانة محورية في رؤية غريفين، لكن بعضها ترك تأثيرات واضحة على فريق العمل لدى «تايم إنك»، حيث ألغت الشركة مؤخرا عددا صغيرا من المناصب في مجال العمليات التجارية في أعقاب دمج الموارد مع «تايم وارنر».

الملاحظ أن «كوندي ناست»، التي تربعت لفترة طويلة على عرش نظام الاشتراك القائم على دولار واحد للعدد الواحد، أقرت هي الأخرى فلسفة القيمة المنصفة في ظل قيادة سوربيرغ. أثناء مقابلة معه، قال سوربيرغ إنه وفريق العمل المعاون له عملوا على صياغة ما وصفه بـ«وجبات مكونة من 12 طبقا»، في إشارة إلى حزم تتضمن الحصول على الكثير من مجلات «كوندي ناست» عبر سبل متنوعة، مثل النسخ المطبوعة والنسخ المرسلة عبر الهواتف الجوالة والإنترنت، بجانب دعوات لحضور المناسبات التي ترعاها المجلة.

واستطرد سوربيرغ، المتميز بطابع هادئ ونبرة رقيقة وصوت أجش، قائلا: «إننا ننظر للمجلات التي نصدرها باعتبارها أشبه بوجبة شهية ذات محتوى جيد. وتدور التساؤلات التي نتناولها حول: ما العناصر الواجب توافرها بالوجبة الرائعة؟ ومما تتكون الوجبة المذهلة المؤلفة من 12 طبقا؟ هل ستأتي في صورة مجلة؟ وماذا عن تجربة الهاتف الجوال؟ وما المناسبة التي قد يود هذا الشخص المشاركة بها؟ وما النصيحة الشخصية التي قد أود الإنصات لها حول أمر مهم بالنسبة لي؟».

الواضح أن فرض سعر أعلى يعتبر عنصرا لا مفر منه في إطار هذه الحزمة. وأضاف سوربيرغ: «إن لدينا مجموعة من الأفراد الملتزمين بشدة بالمنتجات التي نطرحها. لذا، يمكنني بسهولة التوقع أنهم يرغبون في دفع اشتراك شهري أكبر، مقابل الكثير من المواد التي يحصلون عليها لأنهم باتوا مدمنين لهذه المواد».

داخل «هيرست» و«ميريديث»، اللتين كانتا بالفعل شركتين صغيرتين نسبيا وأقل تأثرا بالعوامل الجديدة عن «تايم إنك» و«كوندي ناست» عندما انهارت سوق الإعلانات، جرى النظر إلى التغييرات باعتبارها تنطوي على قدر أدنى من الإلحاحية.

من بين التغييرات التي أدخلها كاري بهدوء في «هيرست» هذا الخريف إلغاء الفصل القائم منذ أمد بعيد بين عمليات المبيعات عبر الإنترنت والمجلات نفسها. (وقد اتخذت «كوندي ناست» خطوة مشابهة أواخر الشهر الماضي).

وقال كاري، الذي يتميز بشخصية رقيقة وأناقة بالغة: «بدا الأمر وكأن هناك حاجزا فاصلا بين النسختين المطبوعة والرقمية. أعتقد أننا شعرنا بالحاجة لأن نعطي الناشرين الإذن ومنحهم شعورا بأن بمقدورهم تقديم مزيد من الحزم المركبة بين المطبوعة والرقمية لعملائهم». وقد أضاف كاري حاليا منصب «رئيس مسؤول العائدات» إلى مهام كل ناشر.

وأضاف أن «أسلوب نظر الناس إليها، وأسلوب تقديمها للعملاء، وأسلوب كتابتها بالصحافة ينبغي أن تعكس الاهتمام بجني العائدات».

وبالنسبة للمبادرات التجارية الجديدة، أشار كاري إلى أن «هيرست» تخطط لخوض المزيد من المشاريع المشتركة، على غرار اتفاقات قائمة بالفعل مع «هاربو»، وهي شركة إنتاج تمتلكها أوبرا وينفري، التي تنشر مجلة «أو» بالتعاون مع «هيرست»، و«فود نتورك» التي تعاونت مع «هيرست» لنشر مجلة «فود نتورك».

واكتفى بالقول: «ابقوا مستعدين لمزيد من الإعلانات على صعيد الشراكات».

من جانبها، لا ترى «ميريديث»، التي تعد الأكثر تنوعا بين دور النشر الأربع بقناتها التلفزيونية الناجحة وشركاتها العاملة في مجال نشر الكتب، وكانت الأكثر تأثرا بالركود، حاجة لإجراء تغييرات شاملة. وقال هارتي: «ليس لزاما علينا إجراء تلك العمليات الخاصة بإعادة التنظيم الدراماتيكي أو اتخاذ إجراءات كبرى لاجتذاب الأفراد. وليست هناك حاجة لأن نحطم الحواجز».

إلا أن هارتي أشار إلى أن الشركة تعمد إلى تفحص أمر واحد: توسيع دائرة منتجاتها.

يذكر أن الشركة تجني بالفعل أكثر من مليار دولار سنويا من وراء بيع منتجات مرخصة اعتمادا على ترخيص «بيتر هومز» و«غاردينز» لدى متاجر «وول مارت». وتخطط حاليا لبيع نباتات عبر الترخيص الذي تتمتع به المجلة إلى المستهلكين مباشرة.

وقال هارتي: «لدينا صلات بجميع هؤلاء المستهلكين. كيف يمكن التوصل لصيغة مناسبة لبيع سلع وخدمات؟ نعتقد أن هذا هو العنصر المحوري».

وعندما سئل عن الاستراتيجية العامة، ضحك هارتي وقال: «ما أحاول تحقيقه هو عدم الإضرار بما يسير على نحو جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»