الصحافة الإسرائيلية تتخذ لنفسها دور المعارضة

في غياب شخصية قوية وحضور جدي لدى تسيبي ليفني

الصحف الإسرائيلية الصادرة في 1 يونيو الماضي وعلى صدر صفحاتها الأولي عناوين خبر الهجوم على سفن قافلة الحرية التي حاولت إيصال المساعدات إلى قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هل هو أمر إيجابي أن تصبح الصحافة سلطة رابعة؟ بالتأكيد. ولكن هل تكتفي الصحافة الإسرائيلية بمرتبة السلطة الرابعة؟ ألا تلاحظ أن شهيتها أخذت تنفتح في السنوات الأخيرة وتريد أن تصبح سلطة ثالثة وثانية وحتى أولى؟».. بهذه الكلمات المغموسة بمرارة شديدة نابعة من ألم ملائم لمن ذاق على جلده لسعات الصحافة، طرح ايهود أولمرت تساؤله. وصمت. لم يرغب في الحديث أكثر. ليس لأنه يكتفي بهذه الكلمات. ولا لأنه أفرغ كل ما عنده من كلام في الموضوع. بل لأن معركته أكبر من معركة مع الصحافة. وهو، على الرغم من أن الصحافة لعبت دورا أساسيا في إسقاطه عن كرسيه كرئيس للحكومة، وعلى الرغم من أنها ساهمت كثيرا في إدخاله قفص الاتهام في عدة ملفات قضائية، فإنه ما زال بحاجة ماسة إليها. فمعركته لم تنته بعد، هو يريد أولا أن يخرج بريئا من التهم ضده، وقد تمكن فعلا من الخروج بريئا من قضيتين حتى الآن، وبقيت خمس قضايا في طور البحث في المحكمة، ويؤمن أنه سيخرج منها بريئا. وهو يريد فيما بعد أن ينظف اسمه تمهيدا للعودة إلى مقدمة الحلبة السياسية، وهو يريد ثالثا أن يحقق انتصارا في المعركة ويعود لرئاسة الحكومة، وفي هذه المعارك الثلاث هو بحاجة، بل بحاجة ماسة، إلى الصحافة. وقصة أولمرت هذه تلخص قصة الصحافة في إسرائيل، مكتوبة ومرئية ومسموعة. فهي ذات قوة جبارة، تجعلها بحق سلطة رابعة. ففي كل قضايا الفساد التي انتابت إسرائيل في العقدين الأخيرين، كان للصحافة دور حاسم. في كثير من الأحيان، كانت الصحافة أول من لفت النظر إلى هذا الفساد أو ذاك الفاسد. وبسبب التنافس الشديد، الذي يصل إلى حد الحرب الشعواء بين وسائل الإعلام، فإن كل وسيلة إعلام فتشت عن فاسد تلاحقه وتتفنن في صلبه أمام الناس، قبل أن تتدخل الشرطة والنيابة والقضاء. لقد دخل إلى السجن في إسرائيل، بعد الإدانة في المحكمة، مجموعة غير قليلة من الوزراء والنواب خلال العقدين الأخيرين، بينهم وزير المالية أبرهام هيرشنزون، ووزير الداخلية أريه درعي، ووزير العمل والرفاه شلومو بن عزري، والنائب عومري شارون نجل رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون، ويمثل أمام المحكمة اليوم رئيس الحكومة السابق أولمرت بعدة تهم حول تلقي رشوة، ورئيس الدولة موشيه قصاب، المتهم بالاغتصاب، وتم منع قائد شرطة مرموق كاد ينتخب في الشهر الماضي مفتشا عاما للجهاز، وهي الرتبة المقابلة لرئيس أركان الجيش، ولكن الحكومة تراجعت وطلبت منه أن يعلن عن سحب ترشيحه للمنصب في أعقاب ما نشر عنه من شبهات بالتحرش الجنسي.

والصحافة لا تكل. فهي تستغل كل ما تملكه من نفوذ لمتابعة هذه القضايا. وهناك قضايا لا تحتاج فيها الصحافة إلى محاكم لكي تتخلص من هذه الشخصية أو تلك. فبعيد حرب لبنان الثانية، اضطر وزير الدفاع عمير بيرتس إلى الاستقالة بسبب فشل الجيش في الحرب. وكذلك فعل رئيس أركان الجيش دان حالوتس، وغيره من قادة الجيش في تلك الحرب. وهذا النهج بدأ في إسرائيل مع انتهاء حرب أكتوبر (تشرين الأول)، التي اعتبرت في إسرائيل «فضيحة فساد»، واضطرت الحكومة يومها إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية بضغط من الصحافة للتحقيق في إخفاقاتها. ومع أن لجنة التحقيق خرجت بتوصيات ضد قادة الجيش ولم تقترح محاسبة رئيسة الحكومة، غولدا مائير، ولا وزير الدفاع موشيه ديان، وكلاهما من القادة الأسطوريين في إسرائيل. فإن الصحافة قادت معركة جماهيرية يومها، جنبا إلى جنب المعارضة اليمينية (الليكود بزعامة مناحيم بيغن). واضطرت مائير ومعها ديان إلى الاستقالة وتقديم موعد الانتخابات. فما سر هذه الصحافة في إسرائيل؟ هل هي فعلا سلطة رابعة؟ وهل هي تعبير صاف عن الديمقراطية وحرية التعبير؟ وكيف وصلت إلى هذه المكانة؟ وهل ستظل بهذه القوة، أم أنها تحفر قبرها بأيديها؟ خريطة الصحافة وتطورها

* الصحافة المكتوبة في إسرائيل بغالبيتها الساحقة، ولدت قبل قيام إسرائيل. وفي البداية كانت مقسمة إلى صحافة حزبية وصحافة تجارية، كلها تنتمي إلى الحركة والآيديولوجيا الصهيونية، باستثناء صحافة الحزب الشيوعي وصحافة التنظيمات الدينية «الحريدية» (التابعة للأحزاب الدينية غير الصهيونية). واستمرت كذلك بعد قيام إسرائيل لفترة معينة. ولكنها شيئا فشيئا، بدأت تنحسر الصحافة الحزبية حتى انقرضت تقريبا. ولم يبق اليوم من صحافة حزبية إلا صحف الأحزاب الدينية اليهودية (3 صحف يومية ونحو 20 صحيفة أسبوعية) والدينية الإسلامية (صحف أسبوعية تابعة للحركتين الإسلاميتين) وصحيفة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. فقد أغلقت صحيفة حزب العمل «دفار»، التي مولها اتحاد النقابات، وصحيفة حزب مبام اليساري الصهيوني «عل همشمار» وصحيفة لحزب الليكود.

والصحف ذات الانتشار الواسع اليوم هي الصحافة التجارية. والصحافة التجارية تابعة لثلاث عائلات، واحدة تصدر صحيفة «يديعوت أحرونوت» (عائلة موزيس)، وهي أوسع الصحف انتشارا وتوزع يوميا نحو 300 ألف نسخة، وأخرى تصدر صحيفة «معاريف» (عائلة نمرودي)، وهي الثانية من حيث الانتشار حيث إنها توزع يوميا 170 ألف نسخة، والثالثة «هآرتس» (عائلة شوكن)، ومع أنها تعتبر الثالثة من حيث الانتشار (80 ألف نسخة)، فإنها ذات أهمية وتأثير كبير في الحياة السياسية والاقتصادية؛ لأنها صحيفة النخبة. وتوجد صحيفة جديدة توزع مجانا أسسها رجل أعمال من أصل روسي مقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتوزع 220 ألف نسخة في اليوم وتدعى «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم). وهناك صحف عديدة أخرى، أبرزها: الصحف الروسية، ويصل عددها إلى 45 صحيفة تصدر باللغة الروسية، بينها ثلاث صحف يومية، إحداها تابعة لعائلة موزيس. وهناك صحف بلغات أخرى، منها الإنجليزية والبلغارية والرومانية والأمهرية، إضافة إلى الصحف العربية (نحو 30 صحيفة بينها صحيفة «الاتحاد» اليومية و15 صحيفة أسبوعية بعضها صحف حزبية وأخرى تجارية). وهناك إذاعات عديدة أهمها: إذاعة رسمية تعتبر الأوسع انتشارا، تليها إذاعة الجيش وكلاهما باللغة العبرية، وللإذاعة الرسمية توجد محطات بلغات أخرى أكبرها «صوت إسرائيل» باللغة العربية، ومحطات بالفارسية والأمهرية (لليهود الإثيوبيين) وثماني إذاعات محلية (بينها إذاعة عربية).

وتوجد في إسرائيل قنوات تلفزيونية عديدة: القناة الرسمية وقناتان تجاريتان مستقلتان (القناة الثانية التي تعتبر صاحبة أكبر نسبة مشاهدة، تليها القناة العاشرة)، إضافة إلى قنوات عديدة أخرى متخصصة بينها قناة روسية وأخرى علمية وعدة قنوات أفلام وموسيقى.

ومع انتشار الشبكة العنكبوتية الإلكترونية (الإنترنت)، انتشرت مواقع صحافية عديدة يصعب حصرها بمختلف اللغات، بعضها تابعة للصحف ووسائل الإعلام الأخرى وبعضها الآخر مستقل. وكذلك توجد لكل حزب بل لغالبية النواب البرلمانيين مواقع خاصة بهم. عملت الصحافة في إسرائيل من دون قانون ينظم نشاطها، وهي حتى اليوم تسير من الناحية الشكلية والرسمية حسب نظام قوانين الانتداب البريطاني المؤقتة. في بداية إسرائيل، خضعت الصحافة لتوجيه عام من السلطة. وفي مرحلة لاحقة، حاولت الصحافة التمرد على الحكومة وقررت تجاهل الرقيب العسكري باعتبار أن الرقابة تحد من الحريات، وتقييد الحريات يفقد الصحافة مصداقيتها ومهنيتها. ولكن الحكومة بادرت إلى التفاهم مع رؤساء التحرير واتفقت معهم على وضع أنظمة الطوارئ على الهامش واستخدامها فقط في حالة الطوارئ الأمنية، كما اتفق على عقد لقاء شهري بين رؤساء التحرير ورئيس الحكومة، يسمعهم فيه عددا من أسرار الدولة شرط الالتزام بعدم النشر. ولكن الصحافة دأبت على توسيع رقعة حريتها سنة بعد الأخرى وتحررت من قيود الرقابة العسكرية تقريبا بشكل نهائي وتمكنت من احتلال موقع مؤثر بين الناس لدرجة أصبح السياسيون والقادة العسكريون ورجال الاقتصاد يركضون وراء الصحافة لتسويق أنفسهم.

سلطة رابعة

* تجربة أولمرت، عبرت عن مدى سطوة الصحافة في إسرائيل. فما من شك أن لها دورا كبيرا للغاية في تحطيمه، مع أن الصحافة نفسها وهي تتابع نشاط رئيس الحكومة الحالي نتنياهو، تتذكر أن أولمرت كان أفضل وأعقل منه ألف مرة. وقد نشرت عدة مقالات قال فيها كتابها، بمن في ذلك أعدى أعداء أولمرت، إنه كان من أفضل رؤساء الحكومات في إسرائيل من حيث الأداء اليومي ومن حيث إقامة طاقم عمل مهني مخلص ومن ناحية تحريك عملية السلام بإخلاص، على الرغم من الحربين العدوانيتين اللتين أدارهما ضد لبنان وقطاع غزة.

لقد بدأت الحرب على أولمرت في الصحافة بعد الحرب العدوانية الثانية على لبنان سنة 2006. وهنا توجد عملية تضليل غير قليلة. فالصحافة نفسها كانت قد أيدت الحرب منذ اللحظة الأولى، طيلة أسبوع على الأقل منذ بدايتها، وعمليا شاركت في الترويج لها وإعطائها المصداقية. ولكن مع ظهور الفشل في تحقيق أهداف الحرب، بدأت الصحافة تتنصل من شراكتها وتنقلب على الحكومة. وهناك وجهة نظر تقول إن الحرب على لبنان كانت متسرعة. ولجنة فينوغراد، التي حققت في إخفاقات هذه الحرب، خرجت بالانطباع أن «الجيش نجح في جر الحكومة إلى حرب لم تكن مدروسة استراتيجيا». وقد فعل الجيش ذلك لأسباب أخرى، لا تتعلق بحزب الله أو غيره من الأهداف المعلنة لها. ففي الحقيقة أن الجيش دخل في صدام مباشر مع أولمرت، بصفته رئيسا للحكومة، ووزير الدفاع الجديد، عمير بيرتس، لأنهما اتفقا قبل الحرب إياها بشهرين فقط على تقليص موازنة الجيش بمبلغ 1.25 مليار دولار، وتحويل هذه الموازنة إلى مجالات أخرى في المجتمع مثل التعليم والرفاه.

لقد صعق الجيش من هذا الاتفاق، واعتبره تطاولا غير مسبوق. وخشي من أبعاد القرار، لأنه سيؤدي إلى إلغاء 2300 وظيفة في قيادات الجيش الميدانية (من رتبة رائد فما فوق). وهذه وظائف ذات تكاليف عالية، حيث إن كل ضابط ينهي خدمته يحصل على تعويضات عمل بقيمة مليون شيكل فأكثر (الدولار يساوي 3.6 شيكل). وانتهز الجيش فرصة خطف ثلاثة جنود إسرائيليين بأيدي حزب الله، لكي يشن الحرب. وكانت النتيجة النهائية أن موازنة الجيش، ليس فقط لم تقلص بل زيدت بقيمة 3 مليارات دولار بعد الحرب، والحكومة دفعت المبلغ من دون نقاش.

وكما يبدو فإن الجيش تمكن من تجنيد الصحافة، التي هي في الأصل كانت وما زالت تدلل الجيش (نسبة إلى دلال). جندها ليس فقط مع الحرب، بل ضد أولمرت. وقد وضعت علامة عليه للتصفية السياسية. ومع أن الصحافة عموما تؤيد عملية السلام وأولمرت كان قد تقدم إلى حد كبير في المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ومع أنه كان واضحا من البداية أن البديل عن أولمرت في رئاسة الحكومة هو بنيامين نتنياهو، فقد كان واضحا أنه ليس بديلا مفيدا لعملية السلام، إلا أن الصحافة فضلت بشكل عام مواصلة الحرب على أولمرت حتى إسقاطه. وسقط فعلا. وانتخب نتنياهو بديلا عنه.

هنا كانت سلطة رابعة حقا وأكثر، حيث إنها سمحت لنفسها لعب دور المحقق والقاضي، قبل أن يعرف مصير القضايا المرفوعة. وقد يبدو من هذه الصورة أن الصحافة الإسرائيلية موبوءة هي أيضا بالفساد، حيث إن حساباتها لم تكن موضوعية وانجرت وراء الجيش ضد أولمرت وعمير بيرتس من قبله. ولكن من يلاحظ كيف تدير معركتها اليوم ضد حكومة نتنياهو، لا يوجه اتهام كهذا للصحافة بسهولة. ويتوصل إلى نتيجة أن النظام السياسي في إسرائيل يترك في العقود الأخيرة حيزا واسعا من الفراغ، تملأه الصحافة. والفراغ ناجم عن غياب دائم للمعارضة الديمقراطية الناجعة. والوضع اليوم، حيث يحكم نتنياهو على رأس ائتلاف يميني متطرف زينه بحزب العمل المعدود في إسرائيل على اليسار، يظهر بوضوح كم أن المعارضة غائبة. معارضة بغياب المعارضة

* لقد اتخذت الصحافة الإسرائيلية موقف المعارضة للحكومة بوعي كامل لهذا الدور. فهي تدرك جيدا أن المعارضة الحالية بزعامة تسيبي ليفني، رئيسة أكبر الأحزاب في إسرائيل (29 نائبا مقابل 28 نائبا لليكود)، لا تؤدي دورها.

فقد كتب باروخ ليشم في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 12 الشهر الحالي، أن هناك فرصة لرئيسة المعارضة، تسيبي ليفني النائمة لأن تستيقظ وتبني نفسها كقائد بديل لنتنياهو.. «وإلا فإن بنيامين نتنياهو، الإعلامي المفوّه، سيواصل إدارة مكتب العلاقات العامة المسمى دولة إسرائيل على عادته». وقد نشرت صحيفة «هآرتس» مقالا افتتاحيا في عددها الصادر يوم 13 من الشهر الحالي، اختارت له العنوان «مطلوب معارضة»، أوضحت فيه هذا الموقف بكلمات في غاية الوضوح. وقد جاء في هذا المقال: «رئيسة (حزب) كديما، النائبة تسيبي ليفني، تتباهى منذ نحو سنتين باللقب الفارغ من المضمون (رئيسة المعارضة). وفضلا عن لحظات من توجيه الانتقادات الشخصية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يهتم ببقائه، لا يقول الحقيقة)، لم تقدم ليفني بديلا لسياسة الحكومة القائمة ولم تعمل على تجنيد الدعم الجماهيري لتغيير الحكم. ويراقب الجمهور هزالها، والنتيجة واضحة في الاستطلاعات، حيث تدل على أن نتنياهو يتصدر قائمة القادة بثقة».

وتضيف الصحيفة: «إن وهن المعارضة واضح على نحو خاص على خلفية سلوك الحكومة، التي تكاد توفر في كل يوم تقريبا فرصا للانتقادات الحادة: إهمال منظومة الاطفائية قبل الحريق في الكرمل، إضراب المدعين في النيابة العامة، التآكل المتواصل في الجهاز القضائي، التشريع المناهض للديمقراطية وإجراءات القمع والتحريض ضد المواطنين العرب، الاستسلام للأصوليين وقوانين التهويد، العزلة الدولية لإسرائيل ودمار وزارة الخارجية بقيادة أفيغدور ليبرمان، وفوق كل شيء، الرفض والتعنت من جانب نتنياهو في المسيرة السياسية، رفضه البحث مع الفلسطينيين في القضايا الجوهرية ورفض العرض الأميركي لتجميد إضافي للبناء في المستوطنات مقابل ضمانات سياسية وأمنية كبيرة. في كل هذه المواضيع كان على ليفني أن تقدم موقفا واضحا وتكافح في سبيل موقفها في الرأي العام. كان عليها أن تدعو الحكومة إلى أن تقول: نعم للرئيس الأميركي، باراك أوباما، وحماية نظام الديمقراطية وحقوق المواطن. ولكن ليفني اكتفت بالجلوس خارج الحكومة، في ترقب عابث لأن يلين نتنياهو فألمحت بذلك أنها تترقب الانضمام إلى ائتلاف بقيادته. والأخطر من هذا، فقد صمتت ليفني حين أيد نواب من حزبها مبادرات تشريعية عنصرية». وتختتم «هآرتس» مقالها مؤكدة: «فشل المساعي لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين يجب أن يشكل جرس إنذار للمعارضة. هذا هو أوان الاستيقاظ. عليها أن تبين للجمهور الخطر الذي تلحقه حكومة نتنياهو بمستقبل إسرائيل وتعرض بديلا. ليفني لن تبنى بلقاءات مع وزيرة الخارجية الأميركية مثلما حصل في نهاية الأسبوع الماضي، بل من إقناع مواطني إسرائيل بأن في وسعها أن تقودهم. كلما واظبت على ضعفها المعارض، فإنها أيضا لن تظهر كمرشحة مناسبة لرئاسة الوزراء».

ولكن «هآرتس» لا تكتفي بأن تقول رأيها بهذه الافتتاحية. فهي قبل هذا النشر وبعده، وكذلك بقية الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، بما فيها وسائل الإعلام الرسمية، تواظب على توجيه النقد للحكومة في كل إخفاقاتها وفي شتى المجالات. الصحيفة الوحيدة الخارجة عن هذا السرب هي صحيفة «يسرائيل هيوم» وصحف الأحزاب الدينية اليهودية. وعندما نشب الحريق الكبير في غابات الكرمل، مطلع الشهر الحالي، خرجت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمطلب شبه إجماعي لإقالة وزير الداخلية، ايلي يشاي، رئيس حزب شاس لليهود الشرقيين، ولم يجد يشاي من وسيلة لصد هذا المطلب سوى الادعاء بأنهم يريدون التخلص منه لأنه يهودي شرقي. ورفعت الصحافة مطلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لمحاسبة الحكومة على إهمالها القاتل. وتبنت الصحافة قضية العائلات الثكلى، التي فقدت 43 شخصا من أبنائها وبناتها الذين ماتوا حرقا وهم أحياء، وخرجت «يديعوت أحرونوت» بعنوان صارخ «نتنياهو كذاب وجبان»، مقتبسة جملة قالها والد طوباز ايبن حين، السجانة التي قتلت في الحريق المذكور.

وتمتلئ الصحافة الإسرائيلية بمواقف شبيهة ضد الحكومة بسبب أسلوبها المخادع في عملية السلام وبسبب مواقفها التي تجر إسرائيل إلى عزلة دولية وإلى خلاف مع الولايات المتحدة. فالإعلام الإسرائيلي يتقدم نحو الحرية والمهنية بخطوات كبيرة إلى الأمام، محددا لنفسه دور السلطة الرابعة وأكثر. ولكن هذه الصورة لا تكتمل، إلا إذا سجلنا عليه أيضا النقاط السلبية. فهو ما زال يقيد نفسه في مواقف تناقض توجهه الحر. فهذا الإعلام ما زال يتعاطى بتمييز ضد العرب من سكان إسرائيل نفسها (فلسطينيي 48)، ومع أن هذه الشريحة من السكان تقرأ الصحف العبرية وتشاهد التلفزيون وتستمع إلى الإذاعات الإسرائيلية، فإنها تعتبر على هامش الاهتمام. والإعلام الإسرائيلي يتخذ موقف العداء للعرب عموما وللفلسطينيين خصوصا، يصدق غالبية ما يقال عنهم في أجهزة المخابرات وفي كثير من الأحيان يعطي صورة مشوهة أو يبرز فقط الجوانب السلبية. وما زال الإعلام الإسرائيلي متحيزا بشكل شبه أعمى للجيش الإسرائيلي ويتجند بشكل شبه أعمى لصالح كل حرب إسرائيلية عدوانية على الأقل في أيامها الأولى، ويقع في حبائل حرب المصالح التجارية لصالح أصحاب الصحف وحلفائهم.

وفي هذه السلبيات يبدو كمن يحفر قبره بيده، لأنه عمليا يوقع نفسه في مطب لطالما حلم خصومه إيقاعه فيه. وليس صدفة أن الصحافة تحتل مكانة غير مرموقة في سلم الثقة للجمهور الإسرائيلي. صحيح أن الجمهور يثق بالإعلام أكثر من السياسيين والأحزاب والحكومة، ولكنه يحصل على درجة الثقة 3.6 من مجموع 5 درجات. وهذه نسبة تحتاج إلى تعديل إلى الأعلى.