مخرج فيلم «شهيدة الانتخابات الإيرانية»: حولت ندا سلطاني من رمز وأيقونة إلى كيان حي

أنتوني توماس الفائز بجائزة رابطة المراسلين الأجانب البريطانية قال لـ«الشرق الأوسط» إن أول أفلامه الوثائقية عن العالم العربي كان في عام 1974

TT

ألقى فيلم «من أجل ندا» الوثائقي عن شهيدة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الذي حصد الجائزة الكبرى لرابطة المراسلين الأجانب في بريطانيا نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الضوء على حياتها وموتها، من خلال سلسلة من المقابلات التي تجري للمرة الأولى مع عائلتها إلى جانب بعض من مقاطع الفيديو التي تتناول حياتها قبل وبعد مصرعها. وتحولت ندا إلى رمز للاحتجاج الشعبي والقمع الذي تلاه إثر إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران في 12 يونيو (حزيران) 2009.

وفاز بالجائزة المخرج البريطاني الشهير أنتوني توماس، والمصور الإيراني سعيد كمال، والفيلم من إنتاج محطة «إتش بي أو». ورعى جوائز الحفل 15 هيئة ومؤسسة كبرى، أبرزها مملكة البحرين، وجريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، التي كانت من أبرز الداعمين لرابطة المراسلين الأجانب منذ أن بدأ الاحتفال بالجوائز قبل 11 عاما.

وعن فيلمه الفائز بأفضل جائزة في رابطة المراسلين الأجانب، قال المصور الإيراني سعيد كمال، شريك المخرج البريطاني في الجائزة: «قتلت ندا سلطاني في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها التي أقيمت في يونيو، وقد انتشر فيديو مصرعها في العالم أجمع في غضون دقائق معدودة».

قام بإخراج الفيلم، الذي كان فكرة شركة «منتورن ميديا» وقناة «إتش بي أو»، المخرج البريطاني الشهير أنتوني توماس، الذي قال «تعود أولى تجاربي مع قصة ندا إلى الفترة التي عملت فيها مراسلا مقيما لصحيفة (الغارديان) في طهران. وقد طلب مني في تلك الفترة أن أجري مقابلة مع عائلة سلطاني. لم تتوافر معلومات عن ندا سوى اسمها الأول، وكانت هناك بعض التكهنات بشأن سنها ومهنتها. بيد أنني تمكنت من التوصل إلى اسم عائلتها بفضل مكالمة من صديق لي يعرف شخصا في حيها، وكتب مقالا لصحيفة (الغارديان) باسم مستعار. وعندما عدت إلى إيران، هذه المرة من أجل الفيلم، لم أكن أدري أين سيمكنني العثور على طاقم للعمل معي في مهمة سرية في طهران، أو حتى ما إذا كانت العائلة ستوافق على المقابلة أم لا. كانت العائلة وهواتفها تخضع للرقابة، لذا لم أتمكن من الاتصال بهم بصورة مباشرة في بداية الأمر. لكن بعد بضعة أيام من وصولي إلى طهران تلقيت رسالة بموافقتهم على إجراء المقابلة معي».

ويقول أنتوني توماس: «لن أنسى اليوم الأول الذي توجهت فيه إلى منزل ندا. عندما قرعت الجرس شعرت باضطراب في معدتي خشية أن يلقي أحدهم القبض علي في أية لحظة. واعتبرت ندا رمزا للحرية، وبحسب المخرج الذي ألقى الضوء على حياتها، وكانت الحكومة الإيرانية قد نسجت كثيرا من الروايات الكاذبة في أعقاب مقتل ندا، بدأت بالزعم أنها لا تزال حية وتعيش في سعادة في اليونان، ثم زعموا أنها قتلت على يد مراسل «بي بي سي» في طهران، ثم عادوا بعد ذلك ليتهموا الحركة الخضراء بقتلها، ثم في مرحلة تالية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية».

وكانت طالبة الموسيقى الإيرانية البالغة من العمر 27 عاما قد أصيبت برصاصة في القلب في 20 يونيو الماضي 2009، وفي أعقاب صور المظاهرات التي توثق مقتلها على الهواتف الجوالة، تحولت إلى رمز للحرية للحركة المتزايدة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية المشكوك فيها.

وقال أنتوني توماس، الذي كتب وأنتج الفيلم الوثائقي: «لم أكن أرغب في أن يشعر الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع وخاطروا بحياتهم بشجاعة أن العالم تجاهل ما حدث ونسيهم». يعرض الفيلم مشاهد يصعب تحملها لندا وهي ممدة في الشارع والدماء تسيل على وجهها وقد زاغت عيناها، كما يعرض أيضا صورا وحشية للقوات الإيرانية وهي تضرب المتظاهرين. وبمساعدة صحافي تمكن من التسلل إلى إيران، يضم فيلم «من أجل ندا» مقابلات مع أصدقائها، والأهم من ذلك مع عائلتها. وقد عرضت والدة ندا المكلومة ثوبا زاهيا لابنتها اشترته قبل مصرعها بأيام، وكانت بطاقة السعر لا تزال على الثوب.

وأضاف بعد أن وصلت الأشرطة إلى لندن عملت بدوام كامل على الفيلم حتى أنتهي منه. ولحسن الحظ وافقت قناة «إتش بي أو» وشركة «منتورن ميديا» على إعداد نسختين؛ إحداهما عربية، والأخرى فارسية إلى جانب النسخة الإنجليزية من الفيلم. ثم نشر الفيلم بأكمله على «يوتيوب» قبل العرض الرسمي له وباللغات الثلاث ويمكن تحميله من (This is For Neda)، وعلى الرغم من فصل الحكومة الإيرانية التيار الكهربائي عن بعض الأماكن في إيران عندما عرضت (صوت أميركا) النسخة الفارسية للمرة الأولى قبل يومين، فإنه ينتشر الآن في كل إيران، وقد شاهده الملايين على شاشة التلفزيون، وشاهده البعض على شبكة الإنترنت وآخرون قاموا بتوزيعه مجانا. وعبثا حاولت الحكومة الإيرانية التقليل من تأثير موت ندا. وقد أمرت السلطات عائلة ندا بعدم الحديث إلى الصحافة وضغطت عليهم للمشاركة في الفيلم الوثائقي الرسمي حول قصة ندا، لكنهم رفضوا.

ويقول المخرج البريطاني «إن النظام إيراني معقد في قمعه، فهو يستخدم كل الوسائل التقنية في مساعيه لفرض روايته للحقائق، كما أنه يتخذ خطوات وقائية، فغالبا ما يتوقع الخطوة التالية للمعارضة. ولعل الأفلام الوثائقية التي أعدها النظام عن ندا أحد الأمثلة على ذلك. يجب على معارضي النظام تبني وسيلة أكثر تعقيدا، أيضا، خاصة في وقت تقمع فيه مظاهرات الشوارع. ولعل السبب في ذلك أننا بحاجة إلى أفلام مثل (من أجل ندا)».

وعن مشاريعه السابقة.. وهل كان مهتما في السابق بالشأن الإيراني، قال «كنت دائما ما أشعر برابط قوي تجاه المنطقة ككل، فقد قدمت أول أفلامي الوثائقية في العالم العربي عام 1974، ثلاثة أفلام تم تصويرها في مصر ولبنان والسعودية، التي لقيت استقبالا حافلا لدى عرضها. بعد ذلك بخمس سنوات قمت بإنتاج وإخراج فيلم وثائقي بعنوان (موت الأميرة)، يتناول حياة الأميرة السعودية التي أعدمت عام 1977، والذي كان مثارا للجدل آنذاك، وأدى إلى طرد السفير البريطاني من قبل السلطات السعودية. وفي عام 2008 قمت بإخراج فيلم وثائقي لمدة ساعتين حمل عنوان (القرآن) جرى تصويره في إيران ومصر وتركيا والأراضي المحتلة. وقد لقي الفيلم استقبالا جيدا في كل الدول التي عرض بها باستثناء إحدى المجموعات الشيعية في لبنان».

وعن فكرة الفيلم وماذا كان الهدف من وراء صنع فيلم وثائقي عن مقتل ندا، قال: «يجب علي أن أعترف أن فكرة تصوير هذا الفيلم لم تكن فكرتي، ففي أعقاب أيام من مقتل ندا، طلبت مني شيلا نيفيز رئيسة قسم الأفلام الوثائقية في مؤسسة (إتش بي) الحضور إلى نيويورك حيث عرضت علي هذا التحدي، وقالت لي: (أريد منك أن تصنع فيلما يسهم في تحويل ندا أغا سلطاني من رمز وأيقونة إلى كيان حي يمكننا الارتباط به جميعا على المستوى الشخصي. وأريد أن نفهم جميعا ما الذي دفعها إلى المخاطرة بحياتها بالنزول إلى الشوارع في تلك الأيام البالغة الخطورة التي شهدت مظاهرات الاحتجاج)».

وعن الكيفية التي تمكن بها الاتصال بسعيد كمالي دحجان، وما مدى خطورة دوره في هذا المشروع، قال «كنا نعلم أننا بحاجة إلى شخص مستعد للذهاب إلى طهران ومقابلة عائلة ندا. وقد فكرت جديا في الذهاب إلى هناك بنفسي لكن جميع الصحافيين الأجانب كانوا ممنوعين من لقائهم ومن ثم شعرت بأنني سأضع عائلة ندا في خطر داهم إذا ما شوهد شخص، مثلي، يدخل إلى شقة العائلة يوما تلو الآخر. ومن ثم اتصلت بالصحافيين الإيرانيين، ممن لديهم الرغبة في القيام بهذا الأمر. وقد رشح لي البعض سعيد كمالي دحجان، الذي وصفه لي البعض بأن: شجاعته تفوق حد الجنون. وقد واجه مخاطر بالغة خلال الأسابيع الخمسة التي قضاها في طهران».

وأضاف أن الكثير من الإيرانيين في المنفى شعروا بضرورة أن يكون الفيلم باللغة الفارسية، ولكن القرار الأخير بصنع نسخة باللغة الفارسية والعربية أيضا تم اتخاذه من قبل «جيه بي أو».

ويتمنى أنتوني أن يحقق الفيلم ثلاثة أهداف؛ الأول ضمان ألا تنسى ندا سلطاني على الإطلاق. والثاني ألا تذهب مظاهرات الملايين الذين شاركوا في الحركة الخضراء سدى، والثالث أن يساعد في تغيير وجهات النظر الغربية عن الشعب الإيراني. فالكثير من الغربيين ينظرون إلى إيران على أنها 72 مليون متعصب. لكني أتمنى أن أتمكن من خلال تقديم رواية صادقة للأحداث عما دار في يونيو ويوليو (تموز)، وتقديم عائلة ندا والكثير من شهود العيان الإيرانيين الشجعان والمشاركين في مظاهرات يونيو ويوليو للمشاهدين الغربيين أن أسهم في مساعدة الأفراد بالكلمة لإدراك كم القواسم المشتركة بيننا وبين أشخاص مثقفين للغاية كان من سوء حظهم أنهم وقعوا تحت سطوة سلطة دينية رجعية.

وختم أنتوني حديثه بالإشارة إلى مشروعه الجديد، حيث قال «سأصور فيلمي القادم في بريطانيا وسيكون تحت عنوان (أبناء بريطانيا)، قد لا تعرف ذلك، لكن البريطانيين يحملون أكثر وجهات النظر سلبية تجاه أطفال وشباب أوروبا الغربية. وقد أردت تحدي هذا التحامل من خلال صنع فيلم يحتفي بمنجزات أبناء بلدي»، مفيدا بأنه سيكون سعيدا جدا بعمل فيلم وثائقي عن العالم العربي أو الجيل الجديد في الشرق الأوسط.

أنتوني توماس في سطور

* ولد توماس في كالكوتا، وانتقل إلى جنوب أفريقيا وهو لا يزال في السادسة من عمره، ثم انتقل إلى إنجلترا عام 1967، وهناك كتب وأخرج وأنتج 40 فيلما وثائقيا وعملا دراميا. كما ألف سيرة ذاتية حظيت بالثناء على نطاق واسع تحت عنوان «رودس.. السباق على أفريقيا».

وقد حصلت أفلام توماس على جوائز مهمة خلال الكثير من مهرجانات الأفلام الوثائقية، ومن بينها جائزة إيمي الأميركية وجائزة جورج فوستر ببيبدي وجائزة الأكاديمية البريطانية وجائزة غريرسون لأفضل عمل وثائقي بريطاني. وحصل اثنان من أعماله الوثائقية «التوأم - النفس المنقسمة» و«رجل وحيوان» على 14 جائزة دولية مناصفة. ونجح توماس في عمل برامج بعثت برسائل قوية وحظيت بشعبية كبيرة. وحصل البرنامج الافتتاحي لسلسلته التي تعود إلى عام 1998 والتي كانت عن السمنة (الدهون) على 3 جوائز من الرابطة الطبية البريطانية وكانت من بين أكثر 10 برامج تحظى بشعبية خلال الأسبوع داخل المملكة المتحدة، وبلغ عدد المشاهدين 9.5 مليون مشاهد، فيما بيعت برامجه التي تعود لعام 2004 حول الأولمبياد اليونانية القديمة إلى 83 دولة.

وفي عام 2007 وجهت دعوة لعرض عمله الوثائقي «رجل الدبابة» لعرض خاص خلال الجمعية العامة لمنظمة العفو الدولية داخل الولايات المتحدة وداخل الكونغرس الأميركي.

وتضم أعماله الأخيرة فيلما وثائقيا لساعتين عن القرآن (شاركت في إنتاجه «تشانل 4» و«ناشيونال جيوغرافيك») والذي عرض لأول مرة داخل المملكة المتحدة في 14 يوليو 2008، وعرض بعد ذلك في 32 دولة. وعرض فيلم «كيف تعرف أن الله موجود؟» لأول مرة في 16 أغسطس (آب) 2009. ويروي «من أجل ندا»، وهو فيلم وثائقي خاص، قصة ندا أغا سلطان، وهي إيرانية شابة قتلها قناص برصاصة في قلبها خلال التظاهر ضد الانتخابات المزورة في إيران.

وجاءت صورة ندا أغا سلطان لترمز إلى المشاعر وتطلعات الثورة الخضراء داخل إيران، وبعد أكثر من عام تم عمل فيلم من أجل بقاء قصتها في الذاكرة.

شكل أنتوني توماس فريقا مع إيرانيين من أجل توثيق والتحقيق في حياة ندا، من خلال أفراد عائلتها وأصدقائها.

وأصبحت قصة ندا مرادفا للانتفاضة لأنه بعد موتها بثت صور لندا في مختلف أنحاء العالم، وتم التقاط اللحظات الأخيرة لها من خلال تليفون جوال.

وانتشرت قصتها سريعا وبصورة فورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما استخدمت مؤسسات إخبارية كبيرة موتها في تغطيتها للانتفاضة.

وقد عمل أنتوني توماس مع إيرانيين محليين من أجل البحث في حياة ندا وخلفياتها. ويلقي فيلم توماس نظرة على الكفاح الإيراني الأكبر والمشكلات الكبرى الكامنة داخل إيران.