المراقب الصحافي

القرضاوي والحوار الجريء

TT

أكاد أجزم بأن الحوار الصحافي الذي أجرته صحيفة «الشرق الأوسط» مع المفكر الإسلامي د. يوسف القرضاوي، هو أجرأ حوار ديني تنشره الصحيفة هذا العام، لأسباب عدة..

هذا الحوار، الذي رفع سقف الحرية، تطرق إلى قضايا دينية خلافية في مجتمعات دول الخليج وبعض الدول العربية، غير أن الصحيفة أفردت له مساحة كبيرة. وقال القرضاوي في الحوار بكل صراحة إن السلفيين في السابق «لم يكونوا يتحدثون في الشؤون السياسية، إلا أنهم حاليا باتوا يشاركون في المعارك السياسية، وخوض الانتخابات، بعد أن عابوا الأمر زمنا طويلا على حركة (الإخوان)»، ويضيف أنهم تطوروا في قضايا فقهية مثل «التصوير الذي عد من الجرائم الكبرى، وأصبح في الوقت الراهن من المباح» وفق قوله. بل ودعا إلى «تسليف الصوفية وتصويف السلفية». ولمح إلى أن تيار «الإخوان» في دول الخليج تأثر بالتيار السلفي. وأكد أن «الإسلام لم يقم بالفصل العنيف الحاصل ما بين الجنسين».

وجدد الشيخ القرضاوي فتواه بجواز الغناء «سواء كان بآلة أو بغير آلة.. بضوابط»؛ منها أن لا يخالف الغناء الأخلاق والشريعة الإسلامية. وأباح الاستماع إلى المرأة قائلا: «فماذا في الاستماع لامرأة تغني (ست الحبايب يا حبيبة؟)، فالرسول الكريم استمع لجاريتين»، محذرا من الميوعة وما يثير الشهوات.

هذا اللقاء، الذي لم يترك بابا إلا طرقه، هو خطوة تحسب لصالح الصحيفة، خاصة إذا ما نشر النص كاملا من دون أن يصله مقص الرقيب. وحتى تكتمل الصورة، يتوقع القراء أن تجري الصحيفة مقابلة أخرى مع شخصية دينية بحجم القرضاوي تخالفه في التوجه حتى تتوازن المسألة؛ ففي القضايا الخلافية تجنح الصحف عادة إلى نشر الرأي الآخر. والصحافة في الأصل نافذة على مختلف التوجهات، لا يفترض بها أن توجه القارئ، بل نحن القراء من نحكم في نهاية المطاف. والنشر في عالم الصحافة لا يعني تأييد وجهة النظر، إنما هو عمل إعلامي مجرد، يتوقع منه أن يكون محايدا إلى أقصى حد ممكن.

أكاد أجزم بأن هذا الحوار لو نشر قبل عشرين عاما لكانت ردود الفعل المضادة عنيفة، ولكنها على ما يبدو جاءت نتيجة الحراك الإعلامي المذهل من حولنا؛ إذ صارت تطل علينا أفكار الناس من كل حدب وصوب، وتقتحم أجواءنا بسرعة البرق، الأمر الذي جعل صدور بعض أطياف المجتمع العربي تتسع قليلا للرأي الآخر؛ فليس هناك مفر من قبول الآخرين واحترامهم في هذا العالم الذي ينفتح إعلاميا بصورة مذهلة.