السلطة الرابعة في المجر تدافع عن مواقعها أمام قانون الصحافة الجديد

بيردار لـ «الشرق الأوسط»: أخطر ما في القانون هو فرضه على الصحافي كشف مصادر معلوماته

TT

خيمت حالة من الذهول على الإعلاميين في أوروبا، ولا سيما المجر (10 ملايين نسمة) وغرب البلقان، بعد مصادقة البرلمان المجري الذي تغلب عليه النزعة اليمينية على قانون الإعلام الجديد، والذي جاء كحلقة في سلسلة قوانين جديدة شملت الجنسية، والملكية، وقضايا اجتماعية أخرى، تنحو جميعها باتجاه تشديد قبضة السلطات، وهو ما عده كثيرون تراجعا عن مكاسب الحريات التي تحققت في أوروبا منذ العصور الوسطى، لا سيما أنها تزامنت مع تولي المجر الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، حتى نهاية يونيو (حزيران) القادم.

قانون الصحافة الجديد، لم يقابل بالذهول من قبل الصحافيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الحرة فحسب، أو انتهت القضية عند هذا الحد، كما هو الحال في كثير من المناطق الأخرى من العالم، بل إن هذه القوى امتصت الصدمة، وباشرت عمليات ردود الفعل من خلال التحرك على المستوى الداخلي، والأوروبي لدفع الحكومة المجرية للتراجع عن قرارها الذي وصف بأنه «يهدد دور الصحافة الرقابي، ويعطي للفاسدين المجال للعبث بمقدرات البلاد بعيدا عن مجهر الصحافة ومتابعات الرأي العام».

وقد اضطرت الانتقادات الصادرة من الجهات الإعلامية والحقوقية في المجر والاتحاد الأوروبي، الحكومة المجرية لإعلان استعدادها لتعديل قانون الإعلام، الذي تبناه البرلمان يوم الثلاثاء الماضي 29 ديسمبر (كانون الأول) 2010 ووعدت بذلك.

هذا الموقف يأتي بعد الانتقادات العنيفة والحادة التي وجهتها بعض العواصم الأوروبية للحكومة المجرية، مذكرة إياها بأنها «ترأس الاتحاد الأوروبي، وليس الاتحاد الأفريقي».

وفي خضم هذا الضغط الشديد أعلن جانوس لازار، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الحاكم «فيديس» والذي يحظى بأغلبية الثلثين داخل البرلمان أنه «سيتم إدخال تعديلات على قانون الصحافة الجديد، من شأنها أن تزيل القلق على حرية الصحافة الذي عبرت عنه الكثير من الجهات الأوروبية»، مشددا في نفس الوقت على «عدم إساءة سلطة الإعلام القيام بمهامها».

وجاء هذا التراجع كما قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون المجرية وغرب البلقان أنس دجوزونوفيتش لـ«الشرق الأوسط»: «بعد جدل واسع دار في المجر والفضاءات الأوروبية حول قانون الإعلام المجري الجديد الذي يضيق من الحريات الإعلامية، ويخضعها لسيطرة الرقيب، وهي ممارسات أصبحت غريبة عن الإعلام الأوروبي، وتذكر بحقبة سوداء في تاريخها، ويمكن في حال اعتمادها أن تجعل من الدول التي تطبق معاييرها أشبه ما تكون بدول العالم الثالث المتخلفة على جميع الأصعدة».

الإعلامي والنقابي بيردار، نوه في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» بالأصوات الأوروبية المستهجنة لقانون الإعلام في المجر بقوله: «لا شك أن الانتقادات الشديدة التي وصلت إلى حد التحذير كان لها دور كبير في تراجع الحكومة عن المضي قدما في إنفاذ القانون الجديد، ولكن نضالات الصحافيين، والتراكم الزمني للحريات، حال دون نكوص المجر للحقبة المظلمة من تاريخ البلاد والتي لم يمض على تجاوزها سوى عقد ونيف».

وذكر بأن «الانتقادات والتحذيرات صدرت من برلين، ولندن، وروما، وباريس، وفيينا، وحتى من دول انضمت حديثا للاتحاد الأوروبي مثل المجر كسلوفينيا»، وأشاد بموقف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي وصفت القانون بأنه «خرق لحرية الإعلام والصحافة، ويشكل خطرا على التعددية الإعلامية، بنصه على إسكات الأصوات المعارضة، ويمنع بالتالي النقاش حول الوضع العام».

بيردار أكد لـ«الشرق الأوسط» أيضا أن «قانون الصحافة يشمل وسائط الاتصال عموما، ويركز على الصحافة المكتوبة، والعالم الافتراضي، ويهدف لخلق حالة من الرقابة الذاتية، ومن ينفلت من ضغوط هذه المراقبة ويمارس حريته، يتعرض لدفع غرامات مالية»، كاشفا عن محاولات فاشلة قامت بها الحكومة المجرية لتمرير القانون من خلال «التظاهر بحسن النية، والدعوة للصبر فترة من الزمن باسم المصلحة العامة، وذلك لتثبيت القانون ومن ثم صعوبة تغييره».

وأردف: «رغم أن الحكومة لا تتمتع بحسن النية، فإنها تؤكد مقولة (في جهنم كثير من أصحاب النوايا الحسنة)».

وعن أشد ما يثير الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في المجر في القانون الجديد أشار إلى أن «بعض مواد القانون تنص على ضرورة كشف الصحافي عن مصادر معلوماته، ويتعرض للعقوبة في حال الامتناع عن ذلك، وهذا تدمير للعمل الصحافي من أساسه، فبعد ذلك لا يمكن لأي مسؤول في أي قطاع من قطاعات الدولة أو غيرها من المصادر الدبلوماسية وما شابه أن يدلي بتصريحات صحافية، لأنه غير مخول قانونيا بذلك، أو لتأكد تعرضه لعقوبات قد تطال حياته إذا تمت معرفة أنه من قام بتسريب المعلومات».

وأضاف: «الحكومة لا ترى في القانون تعارضا مع حرية الصحافة، وتزعم أنها تتبع المعايير المعتمدة في دول أوروبية أخرى، ولكن موقف المفوضية الأوروبية ينسف من الأساس هذه الإدعاءات».

وعما إذا كانت تسريبات «ويكيليكس» وراء ظهور مرحلة جديدة من التعاطي الحكومي مع قضية النشر، ليس في المجر وحدها، وإنما في أوروبا والولايات المتحدة، والعالم، أكد بيردار أن «قضية ويكيليكس، يجب أن تكون مرحلة جديدة من تجذير الشفافية السياسية، والمالية، والثقافية وغيرها، وليس تعميق الميكافيلية أكثر فأكثر، فالجرائم لا تجابه بالإمعان في التخفي، وإنما بالوضوح والنظافة في كل شيء».

الصحافي دوشان تسوغار رأى في قانون الصحافة الجديد في المجر «نزعة نحو الشمولية»، وتابع: «هذه من تبعات الحزب القائد، في الدول المتحولة حديثا إلى الديمقراطية، فبعد الفوز التاريخي لحزب (فيدس) الذي يقوده فيكتور أوروبان في الانتخابات الماضية، بحصوله على ثلثي مقاعد البرلمان، هناك سكرة الانتصار، والتي تخول لصاحبها فعل ما يريده من أجل الاحتفاظ بما حققه».

وواصل دوشان: «الحكومات الائتلافية أقل نزعة للتسلط، ولكن قدر المجر أن تكون نتائج الانتخابات فيها أشبه بالاستفتاءات في الأنظمة العسكرية، ورغم أن الآليات مختلفة فإن النتائج واحدة، وهي ما تعيشه المجر بفعل قانون الإعلام والنشر، ويمكن أن نشهد قانونا جديدا للانتخابات ذاتها».

وأشار تسوغار إلى أن «الحزب الحاكم أطلق العديد من الوعود، والتي ترى المعارضة أنه غير قادر على تلبيتها، مثل إنعاش الاقتصاد وتخفيف سياسة التقشف، لذلك بادر بإصدار قانون للحد من الحريات الصحافية، إذ إن الإعلام الحر، هو أصوات الشعب وآذانه وعيونه، ولذلك عمد لكتم الأصوات وسد الآذان وتعصيب العيون».

وكانت الصحافة المجرية قد شنت يوم الاثنين الماضي حملة ضد قانون الانتخابات، معتبرة عهد أوروبان «نهاية الصحافة الحرة» و«نهاية حرية الصحافة في المجر» وطبع «المانشيت» بـ23 لغة يتحدث بها الاتحاد الأوروبي، المشكل حاليا من 27 دولة.

وقال المحلل السياسي فاطمير علي سباهيتش: «المجر تقود الاتحاد الأوروبي بعنوانين متناقضين، الحد من حرية الصحافة، وشعار الاتحاد الأوروبي في ظل رئاستها، وهو أوروبا قوية، في حين أن أوروبا لم تصبح قوية إلا بعد أن أصبحت الصحافة فيها حرة».

وألمح سباهيتش إلى أن «المجر مقدمة على مرحلة مظلمة، إذا ما تم تمرير قانون الصحافة الجديد، فهناك قضية الغجر، التي هدد الحزب الحاكم أثناء الحملة الانتخابية بإجراءات متشددة حيالهم، وهناك الأزمة المالية التي تعصف بالمجر، وقضية الديون التي تأتي المجر منها في موقع القلب مع اليونان وايرلندا وإسبانيا والبرتغال، وستتوجه المجر للأسواق المالية للاقتراض لتمويل ديونها، وهناك إرهاصات صراع ونزاع بين المجر والدول المجاورة التي بها جاليات مجرية كبيرة مثل صربيا، وسلوفاكيا، وأوكرانيا، ورومانيا وغيرها، وهذه القضايا حساسة ولا تريد الحكومة أن يتم تناولها في الصحافة بحرية تامة لذلك أصدرت قانون التكميم والتعتيم الإعلامي، وقد اعتبرت دولة مثل سلوفاكيا الإجراءات المجرية تهديدا لأمنها القومي».

وفعلا توترت العلاقات بين البلدين إلى حد إلقاء زجاجات حارقة في بودابست على السفارة السلوفاكية، بعد منع براتيسلافا رئيس المجر من زيارتها على خلفية قانون الجنسية.

ويخشى سباهيتش من أن تنتقل عدوى «القمع» الإعلامي إلى السينما، فهناك امتعاض من بعض الأفلام مثل فيلم «بوليغامي» (التعددية الزوجية) والذي يروي وقائع قصة شخص، يقوم بالتعدد كلما اكتشف أن زوجته حامل. وقد حاز الفيلم على عدة جوائز داخل المجر وخارجها. وتزيد نسبة البطالة في المجر على 11 في المائة بينما كانت عام 2009 8.4 في المائة، وتم إلغاء أكثر من 100 ألف وظيفة في حين لم تتجاوز الوظائف الملغاة سنة 2009 الثلاثين ألف وظيفة، وهناك خلاف داخل الاتحاد الأوروبي حول منح المجر ودول شرق أوروبية مبلغ 10 مليارات يورو للتغلب على الأزمة المالية، وكلها كما يقول المراقبون كافية لتكميم أصوات الصحافة وإصدار القوانين التي تضمن ذلك.