تونس.. شرارة الفرد

TT

حادثة بائع الخضار التونسي الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على أوضاعه المعيشية فاندلعت مظاهرات حاشدة أسقط على أثرها رئيس بلاده زين العابدين بن علي، تذكرنا بموقف تاريخي فعلته الأميركية من أصل أفريقي روزا باركس عندما رفضت القيام من مقعد في حافلة كان مخصصا لمواطنيها البيض بحسب القانون، فعنفت، وثارت ثائرة السود، فانتشرت مظاهرات كبيرة في أنحاء البلاد، انتهت بإيقاف العمل بقانون الفصل العنصري الجائر قبل بضعة عقود. هذان الموقفان يوضحان لنا كصحافيين وإعلاميين أن حالة فردية جريئة إن أحسنا تغطيتها إعلاميا، أو انفردنا بنشرها، ربما تدخِلنا التاريخ من أوسع أبوابه. وربما يكتب اسم مراسل صحيفتنا بأحرف من نور لأنه سلط الضوء على قضية مسكوت عنها. وما زلت أحتفظ بصورة صحافي أميركي أبيض من وكالة الأنباء الأميركية (UPI) حيث تم تصويره وهو يجلس في الحافلة «خلف» روزا باركس، ونشر الصورة مع تقريره الموسع. إن الخبر وما يتبعه من تقارير متزنة وعميقة يسهم أيضا في صنع التاريخ.

وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نشرت منذ يوم هروب رئيس تونس حتى أمس (الأربعاء) نحو 52 خبرا؛ 73 في المائة منها من مراسليها المختلفين. وتنوعت بين أخبار سياسية من ساحة الأحداث، وبضعة مواضيع اقتصادية، فضلا عن لقاءات مع أقطاب المعارضة وسفير تونس بالقاهرة ولقاءات قصيرة مع فنانات تونسيات. وجاء خبر من مراسل الصحيفة في باريس يتحدث عن أسباب عدم استقبال فرنسا لطائرة الرئيس التونسي الحائرة في الجو قبل أن تستضيفها السعودية. أما العنوان الرئيسي «انفجرت تونس.. وهرب الرئيس» فقد كان موفقا، وحاولت شخصيا أن أكتب بدائل لكلمة «انفجرت» فوجدتها الأوفق، وإن كانت غير مألوفة في السلوك الإنساني، إلا أنها كانت بليغة لأنها عكست واقعا مريرا محتقنا أفضى إلى انفجار الشارع. ربما كان لصحيفة «الشرق الأوسط» عذر في تواضع تغطيتها الصحافية من تونس في السابق بحجة ما أشيع عن تكتيم إعلامي شديد فيها، أما الآن فنتوقع كقراء أن ترفع الصحيفة سقف التغطية من خلال مراسلين متخصصين يركزون على جوانب أخرى اقتصادية وحقوقية وإنسانية واجتماعية وفنية، لنقدم الصورة الحقيقية لما يجري في بلد عربي بعيدا عن العناوين السياسية العاجلة في القنوات الإخبارية التي اعتادها المشاهد والقارئ. كما تجدر الإشارة إلى ضرورة زيادة تسليط الضوء على الفئة المهمشة من المعارضة الإسلامية، ليس تأييدا لها وإنما تثقيف للقارئ حول طبيعة صراعها الأزلي مع السلطة.

ما يجري في تونس ليس سوى صورة من صور ما يحدث في كثير من دولنا العربية من أمور تستحق الاهتمام والمتابعة والتعلم من دروسها، علها تكون عبرة لمن يعتبر.