النشر من دون ناشرين

أصبحت العلامات التجارية شركات إعلامية

TT

في الماضي غير البعيد تماما، كان يمكن أن تستدعي علامة تجارية مترفة مثل شركة «ريتشمونت» السويسرية التي تطرح ساعات «بياغيت» و«دانهيل» و«مونتبلانك» قدرا قليلا من اهتمام جيريمي لانغميد، محرر مجلة «إسكواير» البريطانية.

والآن، يعمل لانغميد لصالح الشركة، حيث ينشئ موقع تجارة إلكترونية لملابس الرجال.

وكان يتم الإعلان عن العلامات التجارية المترفة دائما في مجلات مثل «فوغ» و«إسكواير» و«أركيتيكشورال دايغست». وحاولت هذه العلامات التجارية أن تبهر محرري هذه المجلات بشكل كاف لكي يتم ذكرها في الصفحات الافتتاحية أيضا. ولكن شركات مثل «ريتشمونت» تتواصل الآن بشكل مباشر مع العملاء، وتستغني عن الوسطاء.

وخلال العام الماضي، اكتسبت شركة «ريتشمونت» السيطرة على بوابة «Net - A - Porter»، وهي بوابة لبيع منتجات الأزياء المترفة بطريقة التجزئة على شبكة الإنترنت لمدة 10 ساعات. وعندما بدأت البوابة عملها للمرة الأولى، أظهر الأشخاص الذين يعملون في المهنة استنكارهم لبوابة «Net - A - Porter»، وأشاروا إلى أنه كان مجرد موقع ذابل للتجارة الإلكترونية ومتنكر في شكل مجلة أزياء رقمية.

ولم يعد هؤلاء الأشخاص يبدون اعتراضهم على هذه البوابة. وباعت بوابة «Net - A - Porter» منتجات بأكثر من نصف المليار دولار، وهو ما يجعلها واحدة من أغلى المشتريات بالنسبة لناشر استهلاكي - إن جاز الوصف - خلال عدة سنوات. وتوظف البوابة الآن أكثر من 900 شخص (وهو عدد أكبر مما توظفه الغالبية العظمى من الصحف والمجلات)، وتعرض منتجات لنحو 3000 مصمم من مصممي المنتجات الراقية، وتجتذب أربعة ملايين زائر شهريا، وهو عدد أكبر كثيرا من عدد زوار موقع «InStyle.com»، الذي تديره «شركة تايم»، وموقع «Style.com» الذي تديره شركة «كوندي ناست» أو موقع «هاربر بازار الإلكتروني».

وقال ستيف روبيل من شركة «إيديلمان ديجيتال»، وهي شركة اتصالات واستشارات رقمية: «أصبحت العلامات التجارية، خصوصا تلك التي تتركز حول اهتمامات أنماط الحياة أو الرفاهية، شركات إعلامية بشكل متزايد».

وربما لا تزال آنا وينتور، رئيسة تحرير النسخة الأميركية من مجلة «فوغ» للأزياء والموضة تثير الاهتمام في كل مرة تقترب فيها من منصة لعروض الأزياء، ولكن المنتجات التجارية مثل بوابة «Net - A - Porter» تشير بصراحة إلى أن التقدم لن يحدث للموضة فحسب، ولكن للنشر أيضا. وقد انتقدت وسائل الإعلام العادية، وبعد ذلك احتفت بالثورة الرقمية، ولكن الحقيقة هي أن إنتاج وتوزيع المحتوي أصبح أرخص.

وخلال يوم السبت الماضي، بثت مجموعة «بيربيري» بشكل حي عرض أزياء ملابس الرجال التي طرحتها من مدينة ميلانو الإيطالية. ولم يتمكن المستهلكون الذين دخلوا إلى موقع البوابة من مشاهدة عارضي الأزياء البارعين، أثناء سيرهم على منصة العرض، وهم يرتدون تشكيلة من الملابس الخارجية فحسب، ولكنهم تمكنوا أيضا من الضغط على أي منتج كانوا يرغبون فيه وشرائه، وتسليمه إلى بابهم خلال فترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أسابيع.

وتمتلك العلامة التجارية الفاخرة «LVMH» موقعا إلكترونيا اسمه «Nowness» يعرض كل أساليب العروض اليومية الخاصة. وفي الولايات المتحدة، تضيف مجموعة «غليت غروب»، وهي جنة صائدي الصفقات الذين يهتمون بمنتجات الرفاهية، الآن عناصر تحريرية كل يوم ويشاهدون الزوار وهم يشاهدون المزيد والمزيد من الوقت هناك.

ولا يتعلق الأمر بالموضة فحسب؛ حيث دأبت شركة «Best Buy» على مشاهدة مبيعاتها الداخلية، وهي تتقلص تحت ضغط من الموقع، وقد ردت بإصدار موقع «On»، وهو عبارة عن مدونة إعلانية رقمية مزودة بمحتوى تحريري وإعلانات لعلامات تجارية أخرى. وترسل شركة «Thrillist» رسائل إلكترونية إلى المشتركين مع قائمة منسقة من خيارات الترفيه والتجزئة المحلية.

واستحوذت شركة «وان كينغز لين»، وهي شركة للتجارة الإلكترونية تبيع ديكورات تصميم منزلية ومفروشات على شركة «هيليكوبتر» وهي شركة تصميم فائقة ساعدت في بدء صدور مجلة «دومينو» التي تتمتع بحرفية عالية، والتي تم افتقادها إلى حد كبير، بالإضافة إلى أداء أعمال لناشرين عاديين مثل جريدة «وول ستريت جورنال» ومجموعة «هاشيت» وشركة «تايم» ومؤسسة «هيرست».

وبغض النظر عن موقعها الإلكتروني المزدهر، فقد نقلت تطبيقات جهاز «آي باد» لبوابة «Net - A – Porter» التجارة والمحتوى ليس فقط المتنقل خطوة واحدة إضافية. وتعرض المجلة (إن جاز التعبير) سردا افتتاحيا جميلا في القالب الأفقي مع استعراض لعارضات أزياء وفساتين متعددة، ولكن عندما يحول المستخدم الجهاز إلى نمط الصور، تظهر مواد فردية في محيط تجارة التجزئة، تكون جاهزة للشراء بضربة أصبع. وتجعل مصادر الدخل المزدوجة من الإعلانات من علامات تجارية أخرى والصفقات من هذه التطبيقات مسألة واعدة.

وكانت مجلة «لاكي»، وهي مجلة تسوق طرحتها شركة «كوندي ناست»، قد تنبأت بشكل دقيق بهذا المستقبل للعناصر الافتتاحية والإعلانية التي تمتزج في تجربة واحدة للقارئ، ولكن الشركة لم تتخذ الخطوة الأخيرة، لكي تجعلها مكانا يمكن للناس أن يشتروا منه. ويعتقد آدم لافيل، رئيس مكتب الاستراتيجية لوكالة «آي كروسينغ»، وهي وكالة تسويق تمتلكها مؤسسة «هيرست» أن هذه الخطوط القديمة تختفي بشكل سريع.

وفي ظل الاستحواذ على وكالة «آي كروسينغ»، تعمل مؤسسة «هيرست» بشكل سريع من أجل بناء تجارب استهلاكية تتجاوز الصبغة المزدوجة للمواد التحريرية الممزوجة بالإعلانات، لأن المعلنين يتوقعون بذل جهود أكبر بشكل جزئي، وسوف يذهبون إلى مكان آخر - أو يفعلون ذلك بأنفسهم - من أجل تحقيق هذا الهدف.

وتم شراء مصداقية التحرير التي كانت يوما تقع في نطاق مسؤولية دور النشر التقليدية ودفع ثمنها أصحاب العلامة التجارية أنفسهم. وسيتولى لانغميد، المحرر السابق في مجلة «إسكواير»، الإشراف على موقع «مستر بورتر» لتجارة التجزئة الذي يتمحور حول الرجال سيكون بمثابة رفيق لـ«نت إيه بورتر».

وأصبحت أندريا لينيت، مديرة إبداع سابقة في «لاكي»، المديرة الإبداعية للموضة في «إي باي»، بينما أصبحت ميليسا بيغز برادلي، المحررة المؤسسة لـ«تاون آند كاونتري ترافيل فور هيرست» المسؤولة التنفيذية في موقع السفر «إنداغاري». الكثير من الصحافيين الذين تواروا إلى الظل مع تراجع حركة النشر، يرون حاليا أن هذه العلامات التجارية ما زالت مهتمة بما تفعل في بحثها عن جمهور.

وقالت كلوديا بلانت، مديرة التحرير في «نيت إيه بورتر»: «لا يعد هذا أمرا جديدا بالنسبة إلينا. لقد ظللنا نزود الناس بمعلومات يريدونها بشكل ترفيهي أثناء تسوقهم على مدار عشر سنوات. فنحن نمزج المضمون بالتجارة والموضة».

وأصبحت سوزان لاين، المسؤولة التنفيذية السابقة لـ«مارثا ستيوارت ليفينغ»، رئيسة مجموعة «غيلت غروب». ومع إضافتها للمزيد من العناصر الخاصة بالتحرير، لن يتسوق المستهلكون فقط، بل سيتصفحون ويقرأون ويستقصون وهو ما كان يقع ضمن نطاق عمل المجلات. وأوضحت قائلة: «نحن لا نعمل في مجال النشر، بل في مجال التحرير. لكن إذا كنت في مجال الإعلام، لكنت شعرت بالقلق لأن أصحاب العلامات التجارية كانوا يشترون مساحات إعلانية في مجلات ذات صلة بمنتجاتهم أو في برامج تلفزيونية بعينها من أجل الوصول إلى فئة محددة من المستهلكين. لكن من الواضح أن الحال لم تعد كذلك الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»