مراسلة «نيويورك تايمز».. امرأة على خط النار

سعاد مخنيت روت لـ «الشرق الأوسط» تفاصيل ساعات اعتقالها في مصر

سعاد مخنيت خلال تغطيتها المظاهرات الاحتجاجية في مصر لصحيفة «نيويورك تايمز» («الشرق الأوسط»)
TT

* سمعنا في الزنزانة المجاورة بمبنى أمن الدولة أشخاصا يصرخون من الألم

* ذهبت إلى الشوارع الخلفية داخل مدينة الزرقاء الأردنية وأجريت مقابلات مع شبان ذهبوا للحرب في العراق

* المناطق القبلية القاحلة داخل وزيرستان وأفغانستان من أشهر المناطق التي زرتها

* تعودت على زيارة أماكن تجد فيها دوما رائحة البارود منتشرة في الهواء

* ما تحقق داخل مصر وتونس حدث لا يصدق.. ولا أحد يدري ما الدولة التالية

* تركت سعاد مخنيت مراسلة «نيويورك تايمز» أكثر من بصمة صحافية خلال حواراتها مع الجهاديين والوجوه التي ارتبطت بـ«القاعدة» سواء في مسقط رأسها ألمانيا أو عندما ذهبت إلى باكستان في الشريط القبلي حيث تجري أحداث ومشاهد العنف مجرى الدم في العروق، وهي أشبه بامرأة على خط النار.. من أبرز قصصها التي نشرتها في الصحافة الغربية «مدونون داخل الأراضي الأميركية متخصصون في نشر رسائل بن لادن»، و«100 موقع إنترنت بالإنجليزية تعكس وجهات نظر كتيبة الإعلام الجهادي»، و«(جيش الإسلام) أول تنظيم فلسطيني يتبنى أجندة (القاعدة)»، وحديث مع الإسلامي السوري عمر بكري قبل أن يخرج من لندن، يتوقع فيه موجة تفجيرات جديدة تضرب بريطانيا.

تقول مخنيت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت مغرمة بالعمل الصحافي وهي في الثالثة عشرة من العمر، وعندما بلغت السابعة عشرة، قامت بتأسيس مجلة مدرسية في المدرسة العليا، وتضيف أن «العمل الصحافي يعطي لنا القدرة على الكشف عن الأشياء الموجودة في طي الكتمان ومن ثم تغييرها، كما يساعد على التعامل مع الناس من مختلف الفئات؛ الفقراء والأغنياء والمضطهدين وذوي النفوذ، ويمنح القدرة على الحضور لطرح الأسئلة». وجاء الحوار مع مراسلة «نيويورك تايمز» على النحو التالي..

* من هي سعاد مخنيت؟

- أعمل صحافية لدى «نيويورك تايمز»، وفي بعض الأحيان أنفذ بعض الأعمال لمحطة تلفزيونية ألمانية عامة، وذلك منذ عام 2004. وقبل الانضمام إلى فريق العمل داخل «نيويورك تايمز»، كنت أعمل محررة بصحيفة «واشنطن بوست»، إلى جانب صحف ومجلات ألمانية أخرى. ومنذ هجمات سبتمبر (أيلول) سافرت لأغطي الكثير من الصراعات والهجمات الإرهابية داخل أوروبا وشمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. كما شاركت في تأليف كتابين «أطفال الجهاد» و«الإسلام»، ونشر كلا الكتابين داخل ألمانيا. وأعمل مع زميلي نيكولاس كوليش في الوقت الحالي على تأليف كتاب جديد. ذهبت إلى مدرسة «هنري -نانين» الصحافية داخل هامبورغ. وبعيدا عن ذلك، حصلت على درجات علمية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والتاريخ وعلم النفس.

* كيف كانت طفولتك داخل ألمانيا وأنت طفلة لمهاجرين مسلمين؟

- إنها حياة الكفاح الطبيعية التي يعيشها المهاجرون، لا سيما المهاجرين المسلمين، مع أبنائهم في كل يوم داخل دول أوروبية. وليس من السهل أن ينشأ طفل داخل عائلة مسلمة في مجتمع غير مسلم، حيث ينظر الناس إليك بصورة مختلفة، ويتعاملون معك بصورة مختلفة. كما لا تشعر يوما بالانتماء إلى هذا المجتمع بغض النظر عن اجتهادك في العمل. وتلعب المكانة الاجتماعية دورا أكبر في الطريقة التي يُنظر بها إلى الشخص، وكيف يتعامل معه الناس. ولدت في فرانكفورت، بألمانيا، لعائلة من الطبقة العاملة. أمي تركية ووالدي مغربي. وكان الاثنان يعملان في وظائف يدوية، فقد كان والدي يعمل طباخا في حين كانت أمي تقوم بأعمال التنظيف. وكان يعملان بجد، وضحيا بالكثير حتى يمكنني مع أخوتي النجاح في حياتنا الدراسية. ودائما ما كنت أشعر أن علي العمل بجد والتميز على الأطفال الألمان، ولم أشعر يوما أني أحظى بقبول كامل. وللأسف هذا هو حال الكثير من العائلات المهاجرة في مختلف أنحاء أوروبا.

* ما أول شيء جذبك إلى العمل الصحافي؟

- أردت أن أصبح صحافية وأنا في الثالثة عشرة من عمري، وعندما بلغت السابعة عشرة، قمت بتأسيس مجلة مدرسية في المدرسة العليا، حيث إن العمل الصحافي يعطي لنا القدرة على الكشف عن الأشياء الموجودة في طي الكتمان ومن ثم تغييرها من خلال الكتابة. كما يساعد على التعامل مع الناس من مختلف الفئات، الفقراء والأغنياء والمضطهدين وذوي النفوذ، ويمنح القدرة على الحضور لطرح الأسئلة.

* هل كان اعتقالك داخل القاهرة أثناء تغطية مظاهرات ثورة مصر أول تجربة من هذا النوع في حياتك المهنية؟

- لقد تعرضت لمواقف صعبة، وفي بعض الأحيان كانت بها مخاطر، ففي تقرير «داخل الجهاد» الذي قمت به لصالح صحيفة «نيويورك تايمز» ذهبت إلى الشوارع الخلفية داخل مدينة الزرقا في الأردن، حيث أجريت مقابلات مع رجال شباب ذهبوا للحرب داخل العراق. كما سافرت إلى المناطق القبلية القاحلة داخل وزيرستان وإلى أفغانستان والعراق. وقمت بزيارة أماكن تجد فيها دوما رائحة البارود منتشرة في الهواء. كما قابلت رجالا اعتقوا وتحدثوا والدموع تترقرق في أعينهم عن التعذيب الذي تعرضوا له. كما واجهت مواقف أخرى تعرضت فيها لاستجوابات. ولكن الشيء الصعب تحمله داخل مصر هو سماع ضرب المواطنين وصراخهم من وراء الحوائط. لقد كان شيئا مروعا.

* ما السبب وراء اعتقالك في القاهرة؟

- كنا في طريق عودتنا إلى القاهرة بعد قضاء بعض أيام في كتابة تقارير عن الاحتجاجات داخل الإسكندرية لصحيفة «نيويورك تايمز». كنت أسافر مع زميل لي عائدين إلى القاهرة مع صحافيين آخرين من محطة «زد دي إف» التلفزيونية الألمانية العامة، ومن الشائع في مثل هذه الظروف أن نجد نوعا من الأمان في تجمعنا سويا. كان المناخ متوترا بشدة في مختلف أنحاء البلاد، وسمعنا عن طواقم تلفزيونية تتعرض للضرب وتتهم بالقيام بدعاية مناهضة لمصر. وقبل يوم من رحلة العودة إلى القاهرة، علِقنا مع زملائنا الألمان في وسط أعمال شغب. وفي ضواحي القاهرة، تم استوقفتنا ما بدت كأنها نقطة تفتيش مدنية، وكنا قد اجتزنا العديد من نقاط التفتيش من دون أي مشكلات، ولكن هذه المرة عندما قام السائق بفتح صندوق السيارة، انفجر حشد من الناس عندما رأوا حقيبة سوداء كبيرة ويخرج منها ميكروفون برتقالي اللون لمحطة «زد دي إف». وتبين أن زملاءنا في محطة «زد دي إف» وضعوا بطريق الخطأ معداتهم في سيارتنا، وكانت الحقائب معها كاميرات ومعدات لإرسال الأفلام عبر الأقمار الصناعية، إلى جانب بعض المال. وارتفع صياح الحشد، وأخذوا يضربون بأيديهم على السيارة وفتحوا الأبواب. وتمكن طاقم «زد دي إف» في السيارة الأخرى من الانطلاق بالسيارة، في حين تم اعتقالنا.

* ما مدة اعتقالك؟ وهل تعلمين المكان الذي احتجزت فيه؟

- اعتقلت مع زميلي نيكولاس كوليش ظهيرة يوم الأربعاء، وكانت هذه بداية رحلة استغرقت 24 ساعة داخل أحد مراكز الاعتقال في مصر، وانتهى الأمر - بحسب ما قاله لنا جنود سلمونا إلى هناك - بنا عند الشرطة السرية. وطلبنا من سجانينا أن يعرفونا بأنفسهم، ولكنهم رفضوا ذلك.

* ذكرت في مقالك أنك سمعت أشخاصا يتعرضون للضرب.. وكيف أثر ذلك عليك؟

- شعرت أننا لا حول لنا ولا قوة، وسمعنا أفرادا يصرخون من الألم، وسمعنا صوت الضرب، وشعرنا أنه ليس في مقدورنا القيام بشيء. كان ذلك هو أسوأ شيء في عملية اعتقالنا، لا سيما سماع هذا الصراخ المرعب من وراء الحوائط.. المعاملة السيئة للمصريين الذين شاركوا في الاحتجاجات أو تحدثوا إلى وسائل الإعلام على يد مواطنيهم.

* هل تم استجوابك باللغة العربية أم اللغة الإنجليزية؟

- تم استجوابي باللغة الإنجليزية.

* هل تعتقدين أن كونك صحافية أميركية كان له تأثير على الطريقة التي تم التعامل بها معك عند اعتقالك؟

- حسنا، لست أميركية. أنا بالفعل أحمل جواز سفر ألمانيا، ولدي أصول تركية ومغربية ولكن زميلي أميركي. وكما قلنا في مقالنا بصحيفة «نيويورك تايمز»، فإننا لم نتعرض لأي نوع من الضرر المادي، وكنا متأكدين من ذكر ذلك، ولكننا أشرنا إلى الطريقة السيئة التي كان يتم التعامل بها مع المصريين داخل مركز الاعتقال. سمعت بعد ذلك من صحافيين أجانب أنهم مروا بتجارب مشابهة داخل القاهرة، وتعرض بعضهم لمعاملة بالصورة نفسها، وقال آخرون لي إنهم تعرضوا للضرب. من الصعب معرفة معيار هذا السلوك غير الإنساني وغير القانوني.

* هل ساعدتك قدرتك على الحديث بالعربية خلال هذه التجربة؟

- ساعدني ذلك في بعض المواقف، لا سيما عند الحديث مع الرجال الذين احتجزونا، فهم لا يستطيعون الحديث بالإنجليزية.

* هل غير اعتقالك من الطريقة التي تنظرين بها إلى القاهرة أو إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها؟

- لا، مطلقا، لا علاقة لمصر أو الشعب المصري بذلك، وقد تأثرت كثيرا عندما رأيك جميع هذه الرسائل التي أرسلت عبر البريد الإليكتروني من الشعب المصري قالوا فيها إنهم يشعرون بالأسف لما وقع معنا. علاوة على ذلك، لو ألغينا من حساباتنا أي مدينة أو دولة نتعرض فيها لحادث سيئ، فلن نجد نحن الصحافيين الكثير من الأماكن لنقوم بتغطيتها. لقد قمت أيضا بتغطية عمليات نقل قسري واعتقال داخل المنطقة. ولكن عندما كنت أجلس في الزنزانة خلال فترة اعتقالنا مع زميلي وسائق السيارة نسمع ما يحدث من حولنا، فكرت في جدي عبد القادر الذي تعرض للاعتقال والتعذيب على يد الفرنسيين في المغرب خلال الكفاح من أجل الحصول على الاستقلال. وكان عضوا في حركة الاستقلال المغربية التي قاتلت الاحتلال الفرنسي. وفكرت أيضا داخل الزنزانة: «ماذا عن منطقتنا.. والمواطنين من أمثال جدي الذين حاربوا الاحتلال؟ بالتأكيد لم يعتقدوا يوما أن عربيا سوف يتعرض للتعذيب على يد أحد مواطنيه لمجرد أنه تجرأ على الحديث إلى الصحافة أو شارك في احتجاجات سلمية. لم يكن هذا هو العالم الذي تخيلوا أنهم سيتركونه لأطفالهم وأحفادهم».

* هل ما زلت تقومين بتغطية الأحداث داخل القاهرة؟

- أتابع عن قرب ما يحدث داخل مصر وأنا على تواصل مع الناس هناك، وعلى الرغم مما حدث، فإن من المؤكد أني سأذهب إلى هناك في مرحلة ما.

* ما رأيك في الثورة المصرية؟

- من وجهة نظر صحافية، فإن ما حدث داخل مصر سيؤثر حتما على الطريقة التي ينظر بها زعماء آخرون في المنطقة وداخل أماكن أخرى إلى علاقتهم مع شعوبهم. وبالمناسبة، لا أعتقد أن ذلك محصور داخل العالم العربي، فقد انتفض الناس ضد نظم قمعية على مدار التاريخ وفي مختلف أنحاء العالم. إن ما تحقق داخل مصر وتونس، من نظرة صحافية، حدث لا يصدق. لم يكن أحد يتخيل ذلك قبل أسابيع قليلة، وهذا ما جعل الانتفاضتين داخل تونس ومصر - ولا أحد يدري ما هي الدول التالية - حدثا تاريخيا مهمّا. سيعكف علماء التاريخ والمتخصصون في العلوم السياسية على دارسة كلا الثورتين لأعوام. وداخل الإسكندرية، تحدثت مع كثير من المتظاهرين، وكانوا جميعهم متحدين في دعوتهم لتنحي حسني مبارك والحكومة، ولكن اختلفت تطلعاتهم وأمنياتهم بناء على المجموعة التي ينتمون إليها. يعد ذلك شيئا مدهشا، ولكن من الصعب تحليله. ومن المؤكد أنه في مرحلة ما عندما يستقر الوضع، لن يكون جميع من نزلوا إلى الشوارع ورفعوا أصواتهم شاعرين بالرضا عن النتيجة، ولكن هذه هي طبيعة الثورات. الأمل حاليا أن فترة ما بعد مبارك ستفضي إلى دولة مصرية ديمقراطية تنعم بالرخاء. ما حدث داخل تونس ومصر درس للمواطنين في الغرب يحثهم على الاعتراف بالعرب أيضا، بغض النظر عن الدين، فالرجال والنساء والكبار والشباب والأثرياء والفقراء قد يناضلون أيضا من أجل الحرية والعمل بكد لإحداث تغيير حقيقي من خلال احتجاجات سلمية.

* كمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، هل تعتقدين أن لديك ميزة على ضوء أهمية منطقة الشرق الأوسط في الأخبار اليوم؟

- في الواقع أعتقد أن خبرتي الشخصية الخاصة ومهاراتي اللغوية ميزة لدي، حيث إن ذلك يجعل الناس يشعرون بالراحة عندما أتواصل معهم بلغتهم، كما يساعد على معرفة الثقافة وكيف تسير الأمور داخل المنطقة.

* أي من مقالاتك أو قصصك الإخبارية تعتقدين أنها ذات أثر كبير؛ سواء عليك أو على قراءك؟ وأيها وجدت فيها تحديا أكبر؟

- توجد ثلاث قصص أفكر فيهم حاليا: القصة التي عملنا عليها لصحيفة «نيويورك تايمز» وتتناول اختطاف ونقل خالد المصري قسرا، وهو ألماني من أصل لبناني اختطفته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتبين أن هناك خطأ في تحديد الهوية. وتتعلق القصة الثانية بقصتنا الشخصية حول ما حدث لي ولزميلي في مصر. والقصة الثالثة عن امرأة باكستانية تظهر قصتها بوضوح النفاق المشترك الموجود في العالمين الإسلامي والغربي، حيث تعرضت لمعاملة سيئة من جانب زوجها، الذين خانها، ومن دون خجل أو حياء أخبرها عن ذلك. ويعتقد هذا الزوج المسلم أن له الحق في القيام بذلك مع زوجته المسلمة. كما أنها اختبرت أيضا المشاعر المناهضة للمسلمين التي شاعت وأصبحت رائجة داخل دول غربية في الوقت الحالي.

* كيف هو الوضع بالنسبة للمسلمين داخل الغرب؟

- للأسف تتحرك أوروبا بصورة متزايدة يمينا، ويجد الساسة الخطاب العنصري المناهض للمسلمين له رواج ولا يوجد من يدينه. دائما ما كانت مشاعر مناهضة للمسلمين داخل الغرب، ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، أصبح المسلمون الأوروبيون أهدافا يسهل إيقاع اللوم عليها، وأصبحوا يجدون أنفسهم في مأزق ويوصفون بأنهم متخلفون ومصدر تهديد محتمل للأمن القومي في هذه الدول. هؤلاء المسلمون مواطنون داخل دولهم، ويجب أن تتوافر لهم حماية القانون. ولكن من الصعب ضبط لغة الكراهية داخل دول أوروبية، لا سيما عندما يكون محط هذه الكراهية المجتمعات الإسلامية المعرضة لذلك. ولكن من الضروري أيضا أن ينظم المسلمون أنفسهم بصورة أفضل، والتوقف عن البحث عن نقاط الاختلاف، والتركيز على الأشياء المشتركة. يوجد كثير من المجموعات داخل أوروبا يقولون إنهم يمثلون المسلمين ولا يتعاونون بعضهم مع بعض، بسبب نظراتهم المختلفة للإسلام أو بسبب مذاهبهم المختلفة. ومن المهم أن يراعي الناس أن ذلك لا يعود بالنفع عليهم ولا على دينهم ولا على أطفالهم، فستبقى الاختلافات ولكن هناك الكثير من الأشياء المشتركة بين هذه المجموعات، وسيكون لهم أثر كبير إذا ما حققوا ذلك.

* ما المطلوب من أجل تغيير وضع المسلمين في الغرب والعالم الإسلامي؟

- خلال الأعوام العشرة الأخيرة قمت بتغطية الأعمال المسلحة داخل أوروبا والعالم الإسلامي، وهناك أشياء أعتقد أن المحتجين السلميين داخل مصر مشتركون فيها مع الرجال والنساء الذين أجريت معهم مقابلات في الماضي وفي مرحلة من حياتهم قرروا حمل السلاح والذهاب للقتال داخل العراق أو أفغانستان أو الجزائر أو اليمن أو الصومال.. جميعهم يفتقد النموذج الجدير بالاتباع داخل العالم الإسلامي، وضعفت ثقتهم في قياداتهم وساستهم، حيث يرونهم فاسدين ولا علاقة لهم بواقع حياتهم. ويشعرون أن مظالمهم لا توضع في الاعتبار. وبالطبع، اختار المحتجون المسلمون وسائل سلمية من أجل تغير وضعهم، ويجب الثناء عليهم لأنهم قاموا بذلك. ولكني أعتقد أن هناك حاجة كبيرة لإيجاد نماذج قدوة داخل العالم الإسلامي وبناء الثقة بين الحكام والمواطنين. كما يعوز المسلمون في الغرب النماذج القدوة التي يمكنهم البحث عنها. عندما أتحدث إلى أطفال المدارس داخل ألمانيا دائما ما أؤكد على أنه لا يجب أخذ أي شيء في حياتهم على علاته وأنه يجب عليهم العمل بجد من أجل الاستفادة من طاقاتهم. لم يأت الكثير من أصدقائي، وكذا أنا، من بيئات ثرية أو مؤثرة، ولكن من خلال العمل الجاد كنا قادرين على أن نحقق ما نحن فيه حاليا. عملت في مخبز، أثناء الدراسة، وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وكنت أنظف الأرضيات، وعملت داخل دار للمسنين وأنا فخورة بذلك، ودائما ما كنت أخبر هؤلاء الأطفال بأن عليهم النظر للأمام وأنه من خلال العمل الجاد والمثابرة سيكون كل شيء ممكنا.

* هل توجد منطقة معينة أو موضوع محدد ترغبين بصورة شخصية في تناوله؟ أم يعتمد الأمر على مكان القصة؟

- يوجد مزيج من ذلك، هناك بالتأكيد بعض الأفراد أود أن أجري معهم مقابلات، ولكن بالطبع أبحث عن قصص جديدة.

* هل وجدت أي اختلافات بين العمل لدى دورية أميركية والعمل لدى دوريات ألمانية؟

- أستطيع الحديث عن تجربتي مع الصحف التي عملت لديها، وبالتأكيد لدى صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» معايير أخلاقية رفيعة. ومن بين الاختلافات الكبرى عن الصحافة الألمانية، على سبيل المثال، هو أنه عند العمل مع صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» غير مسموح لك بأن تضع رأيك أو تحليلك في مقال. ولكن الوضع مختلف داخل ألمانيا، حيث يريدون من الصحافي أن يذكر وجهة نظره.

* على ضوء الاستخدام الكبير للإنترنت، هل تعتقدين أن الصحف والكتب المطبوعة تواجه تهديدا، وما رأيك في القرار المقترح بفرض رسوم على تصفح المحتوى عبر الإنترنت بدلا من إتاحة المعلومات مجانا؟

- حسنا، أنا متأكدة من أن المواطنين سيفهمون أن الجودة لها ثمن، وبالطبع أن إرسال صحافي أو مصور إلى أماكن من أجل تغطيتها، لا سيما خلال العمل الصحافي التحقيقي، بمثابة استثمار للصحيفة، كما أنه استثمار كبير لوسائل الإعلام. ومما لا شك فيه أن القدرة على الوصول إلى المعلومات تتغير، وبذلك نرى تغييرا في العادات والثقافات. ولكني أعتقد أنه لا يزال هناك أشخاص لا يزالون يفضلون ملمس الصحف بين أيديهم.

* هل تودين توجيه أي نصيحة للصحافيين العرب الطموحين؟

- قابلت صحافيين شجعان وعظماء يعيشون ويعملون داخل العالم العربي، وقد أعجبت بالعمل الذي يقومون به. ولكني قابلت البعض قد ينشر إشاعة في قصته كـ«حقيقة» ولا يفكر في أهمية التأكد من المعلومة. ولذا، فإن النصيحة التي أرغب في توجيهها إلى الصحافيين الطموحين، هي أن عليهم دوما التأكد من المعلومات التي لديهم، فالمصداقية بالنسبة للصحافي أو الصحيفة أو أي من المنابر الإعلامية الأخرى شيء مهم في هذا المجال. وتنوع المصادر سيساعد دوما في التخلص من الشائعات والحفاظ على المعلومات السلمية.