مردوخ المنتظر

توقعات أن يختار روبرت أبناءه الثلاثة لإدارة الإمبراطورية الإعلامية

روبرت مردوخ يمازح ابنه جيمس (رويترز)
TT

في مساء أحد الأيام الأخيرة من شهر يناير (كانون الثاني)، وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يكون في قرية دافوس السويسرية، ذهب جيمس مردوخ إلى مأدبة عشاء داخل لندن مع والده روبرت والعديد من الصحافيين من «ذي صن»، وهي صحيفة تابلويد تمتلكها عائلة مردوخ منذ 1969.

وداخل الغرفة الخاصة في «يلرز أوف سانت جيمزيس»، دار نقاش اتسم بالأدب بين الأب والابن بشأن جدل عام حول إمبراطورية مردوخ: إقالة أندي غراي، ناقد كرة القدم البارز في شبكة «سكاي سبورتس» بسبب ذكره تعليقات جنسية. وتساءل روبرت مردوخ: «هل يمكن أن نوقف فصل أفراد بسبب ذكر طرفة؟» ودافع جيمس مردوخ عن قرار إقالة غراي، وبعد ذلك وقف، وأخذ رشفة من كأس، وذكر الحضور أنه قبل 25 عاما قام والده بتفكيك الاتحادات الصحافية في لندن، وهو تصرف غير مسبوق في تاريخ العمال داخل بريطانيا وحدث تاريخي بمملكة مردوخ الإعلامية «نيوز كوربوريشن».

ولم يذكر في هذه الليلة التحقيق الكبير بشأن ممارسة صحافيين في «نيوز أوف ذي ورلد»، وهي تابلويد أخرى تابعة لمردوخ، وقيامهم بالقرصنة على البريد الصوتي لشخصيات بارزة. ولم يكن من شأن هذه الفضيحة وحدها أن تدفع جيمس مردوخ إلى إلغاء رحلته إلى المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. (ولم يكن مخططا أن يكون روبرت مردوخ في دافوس، وفقا لما نقلته الصحافة البريطانية). ولكن كان السبب في ذلك حالة لغط قد تهدد أكبر صفقة مفردة في تاريخ «نيوز كوربوريشن»: عملية استحواذ قيمتها 12 مليار دولار على «بريتيش سكاي برودكاستينغ». وكانت الصفقة تواجه معارضة في وسائل الإعلام البريطانية والحكومة، ووجهت بعض الانتقادات من حلفاء لمردوخ منذ فترة طويلة.

ثمة تكهنات تدور منذ وقت طويل حول ما إذا كان جيمس مردوخ (38 عاما) سيتولى في يوم من الأيام إدارة «نيوز كوربوريشن». والحقيقة أنه بحكم أنه في منصب الرئيس والرئيس التنفيذي المسؤول عن أنشطتها داخل أوروبا وآسيا، فإنه يدير بالفعل جزءا كبيرا ومتناميا منها. وإذا تمت الموافقة على صفقة «سكاي»، ستكون الأنشطة التجارية التي تصل التقارير الخاصة بها إلى جيمس مردوخ تمثل قرابة نصف عوائد «نيوز كوربوريشن» السنوية.

وقد ترقى جيمس مردوخ في الشركة أكثر من شقيقه لاكلان (39 عاما) وشقيقته إليزابيث (42 عاما) اللذين عملا مع والدهما، قبل أن يتركا ذلك. ومع اقتراب روبرت من عامه الثمانين، تحظى قضية من سيخلفه بقدر أكبر من الأهمية. وربما لا يختار روبرت وريثا واحدا فقط، ويقول مسؤولون تنفيذيون إن ما يفضله هو أن يكون للثلاثة دور. وقد حاول إعادة لاكلان إلى الشركة مرة أخرى، ولكن لم يفلح في ذلك، ولكن من المحتمل خلال هذا الأسبوع أن يعلن عن صفقة لإعادة إليزابيث، من خلال شراء شركة الإنتاج التلفزيوني الخاصة بها «شين».

وفي الوقت الحالي يواجه جيمس أكبر اختبار له، ويتمثل ذلك فيما إذا كان في مقدوره إنهاء فضيحة القرصنة الهاتفية - من دون أن تواجه الشركة المزيد من المشاكل أو كمية كبيرة من الأضرار أو انهيار محاولة الاستحواذ على «سكاي». وتسيطر «نيوز كوربوريشن» بالفعل على حصة نسبتها 39 في المائة على «سكاي»، ويبقى جيمس رئيس مجلس الإدارة بعد أن شغل منصب الرئيس التنفيذي في الفترة من 2003 حتى 2007. (ولو نجحت عملية الاستحواذ فإنها سوف تجعل «نيوز كوربوريشن» في النهاية تعزز الأرباح المتنامية لـ«سكاي» في ميزانياتها».

ويحاول جيمس مردوخ أن يحقق نجاحا في الشركة التي بناها والده، ولكن شخصيته مختلفة تماما عن أبيه، حيث إنه أكثر حدة وبيروقراطية وأقل قدرة على امتصاص غضب الآخرين. لدى جيمس الطابع الهجومي الذي يتسم به والده، ولكن من دون القدرة على ضبط النفس.

وفي النهاية يمكن ألا تتم صفقة «سكاي» بسبب حساسيات لدى «نيوز كوربوريشن». ولكن يواجه جيمس هذا التحدي في وقت أصبح له وجود أكثر ثباتا داخل الشركة، بعد أن انتهى من فترة شهدت خلافات داخل الشركة، ولا سيما في 2009 ومطلع 2010. وكانت محاولته حينها للعب دور داخل كيانات تابعة لـ«نيوز كوربوريشن» خارج نطاق صلاحياته سببا في نفور العديد من المسؤولين التنفيذيين القدامى وأثارت توترات بين نيويورك ولندن، بحسب ما أفاد به العديد من المسؤولين التنفيذيين شريطة عدم ذكر أسمائهم من أجل المحافظة على علاقاته مع العائلة.

ورفض جيمس مردوخ إجراء مقابلة للنشر، ولكنه اقترح العديد من الشخصيات التي لها معرفة جيدة به ويستطيعون الحديث نيابة عنه، وطلب من آخرين بينهم أصدقاء منذ الطفولة في مدينة نيويورك وداخل هارفارد، عدم الحديث في هذا الأمر. (وبعد أن وافق أحد أفضل أصدقائه في المرحلة الجامعية على الحديث، بعث برسالة عبر البريد الإليكتروني قال فيها: «معذرة على عدم الرد في وقت مبكر. وكما يحتمل أن تكون قد فهمت، ينظر العاملون في العلاقات العامة داخل نيوز كوربوريشن في الأمر») وتحدث آخرون كثر من دون السعي للحصول على موافقة مسبقة من جيمس.

وخلال قرابة 24 مقابلة، تتنوع ما بين مقابلات للنشر وأخرى غير قابلة للنشر، مع أشخاص عملوا بصورة مباشرة معه أو قريبين منه بصورة شخصية، تظهر صورة عن شخصية جيمس يبدو فيها مسؤولا تنفيذيا هجوميا وطموحا تمكن من تعزيز سمعته المتميزة داخل قطاع التلفزيون المدفوع في آسيا وأوروبا قام في بعض الأحيان بالقيام بأشياء حازمة من أجل توسيع قاعدة سلطاته داخل الشركة، وتمكن من إيجاد عدد من السياسات المحافظة دائما ما تجعله في مواجهة مع مركز الأرباح «فوكس نيوز»، كما أبدى حماسا للعب دور في دهاليز السلطة بصورة أحدثت صخبا أكبر من مناورات والده الأكثر ذكاء. ويقول فرانك لونتز، المستطلع الجمهوري الذي عمل مع جيمس: «توجد حدة فيه، لدى هذا الفتى حدة تحيط بالحماسة».

ويظهر عمل جيمس من غرفة مكتبه الثابت بمقر داخل لندن شخصيته كمسؤول تنفيذي سريع الغضب – فالجلوس أقل فعالية في إتمام الأعمال. وكذا يمكن التعرف على شخصيته بالنظر إلى أن الحزام الأسود الذي حصل عليه في الكاراتيه وهوايته المنافسة في مجال ركوب الدراجات. وكذا تبدو شخصيته من الطريقة التي يقدم بها كارت العمل إلى الزائرين، حيث يقدمه بيديه الاثنين، مثلما يفعل داخل آسيا، التي أدار فيها من قبل القطاع التلفزيوني الإقليمي التابع للشركة داخل هونغ كونغ. كما تتبدى شخصيته في موقف تناولته الصحف البريطانية، وفيه ذهب إلى مكتب صحيفة «ذي إندبندنت» المنافسة في أبريل (نيسان) كي يوجه انتقادات لرئيس التحرير بسبب نشر إعلانات فيها انتقادات لتأثير مفترض لإمبراطورية مردوخ على الانتخابات البريطانية.

وقال سعد محسني، القطب الإعلامي الأفغاني الذي عمل مع جيمس من أجل تأسيس «فارسي 1» وهو مشروع مشترك ينقل بث تلفزيون عبر الأقمار الصناعية إلى إيران: «شخصيته تعبر عن نفسه، ويقسم يمينا إذا احتاج إلى ذلك، وقد يدخل في خصام عنيف».

وخلال الفترة من 2009 إلى 2010 – تلك الفترة التي شهدت خروج نائب روبرت مردوخ بيتر تشرنين – كان التصور داخل مقرات نيويورك الخاصة بـ«نيوز كوربوريشن» أن جيمس يسعى بشكل واضح ليضع نفسه في وضع يمكنه من خلافة والده.

وأكد على هذا الإحساس علاقة جيمس القوية مع الأمير السعودي الوليد بن طلال، وهو ثاني أكبر مساهم بالشركة بعد عائلة مردوخ. تقابل الرجلان قبل تسعة أعوام تقريبا، على متن يخت الأمير في مدينة كان الفرنسية. وتطورت العلاقة خلال اجتماعات في لندن والشرق الأوسط، وبلغت ذروة التطور العام الماضي باستثمار مردوخ في شركة الأمير الإعلامية «روتانا»، ومقابلة مع تشارلي روز قال فيها الأمير إن جيمس يجب أن يخلف والده.

وأثارت التعليقات غضب روبرت مردوخ ومسؤولين تنفيذيين بارزين. وطبقا لما أفاد به أحد المسؤولين التنفيذيين، شعر روبرت أن الأمير تجاوز الحد، فيما رأى آخرون داخل «نيوز كوربوريشن» التعليقات على أنها دليل يظهر سعي جيمس للضغط على والده فيما يتعلق بالخلافة – على الرغم من أن الأمير في مقابلة أواخر العام الماضي مع صحيفة «نيويورك تايمز» قال إنه لم يتحدث مع جيمس في قضية من سيخلف والده أبدا.

وفي المقابلة، قال الأمير الوليد إن روبرت لم يبد اكتراثا لما ذكر في المقابلة مع تشارلي روز، وقال للأمير: «سأبقى حتى أبلغ من العمر 130 عاما». وأوضح الأمير قائلا: «لا أقول إن روبرت يجب أن يرحل الآن»، مشيرا إلى أنه يعتقد أن جيمس «لديه كل الإمكانات التي تؤهله لخلافة روبرت». وأضاف: «في الواقع إن جيمس عبارة عن روبرت مردوخ في مرحلة الإعداد».

وعلى الرغم من أن جيمس مردوخ ليس له اهتمام كبير في التعبير عبر الصحافة، فإنه لا يتردد في عرض آرائه عما يدور من حوله في العالم من دون ترشيحها. وفي 2009، ألقى محاضرة «ماكتاغارت» في مهرجان أدنبره التلفزيوني الدولي، وهي المحاضرة التي لا تزال في الذاكرة بسبب الهجوم الكبير على هيئة الإذاعة البريطانية والدعم الكبير من الدولة الذي تحظى به.

وتحدث جيمس على وجه الخصوص عن تأثير خدمة الأخبار المجانية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية عبر شبكة الإنترنت على المنابر الإخبارية الأخرى. وقال: «إغراق الأخبار المجانية المدعومة من الدولة تضع صعوبة أمام ازدهار الصحافة على شبكة الإنترنت». وأضاف: «من الضروري من أجل مستقبل صحافة مستقلة أن يتاح فرض سعر عادل على الأخبار وذلك بالنسبة إلى الناس الذين يثمنونها».

وفي خريف 2009، قرر جيمس امتلاك «ذي صن» - التي كان لها تأثير كبير على الانتخابات البرلمانية البريطانية – حيث حولت الولاء من حزب العمل بزعامة غوردن براون إلى الحزب المحافظ وديفيد كاميرون. وأعلنت الصحيفة عن توجهها في وقت مبكر من العملية الانتخابية، في الوقت الذي كان فيه حزب العمل يعقد مؤتمره الحزبي. وقد كانت هذه خطوة هجومية أغضبت حتى والده، الذي كانت له علاقة قوية مع براون.

وبحسب ما أفاد به أحد المسؤولين التنفيذيين شريطة عدم ذكر اسمه، دعم روبرت مردوخ في النهاية كاميرون ولكنه اعترض على التوقيت والأسلوب الذي انتهجته «ذي صن». وفي الوقت الحالي تتسبب هذه النظرة عن العلاقة القريبة مع حكومة كاميرون في مشاكل لصفقة «سكاي»، وتضع ضغوطا على الحكومة كي توقف العملية. (لم يبدد المخاوف لدى الصحافة البريطانية مأدبة عشاء جمعت جيمس مع كاميرون في أواخر ديسمبر (كانون الأول) داخل منزل ريبيكا بروكس، الرئيسة التنفيذية لـ«نيوز إنترناشونال» التابعة لـ«نيوز كوربوريشن» والمسؤولة عن إدارة الصحف اللندنية ورئيسة التحرير السابق لـ«ذي صن») وتقول كلير إندرز، المحللة الإعلامية داخل لندن صاحبة شركة «إندرز للتحليلات»: «لا توجد أي علاقة بقصة القرصنة على الهواتف وهذه العملية التجارية، ولكن تأتي في السياق السياسي والسياق القصصي لعائلة مردوخ داخل المملكة المتحدة». وتعارض إندرز صفقة «سكاي». وتقول عن نفسها: «أنا ليبرالية وأحب اللاعنف، وأناصر قضايا المرأة». وتخلت عن جنسيتها الأميركية احتجاجا على الحرب داخل العراق.

وتقول: «عائلة مردوخ موجودة في هذه الدولة منذ 30 عاما، وخلال هذه الأعوام الثلاثين كانت لهم علاقات قوية مع رؤساء وزراء ووزراء وأعضاء بارزين في البرلمان».

إذا نشأت على يد رجل مكانته في تاريخ الصحافة لا يضاهيها ربما إلا ويليام راندولف هيرست، فإن بعض الناس سيحكمون عليك بكمية الحبر داخل أوردتك. وفي هذا الصدد، غالبا ما يشير من يعرفون جيمس مردوخ إلى أنه لا يتلذذ بثقافة الصحف مثل والده. ولا يبدو أنه يشعر بالسعادة في صحبة صحافيين وبالكلام المنتشر في عالم الصحف والذي يستمتع به والده.

وتقول إميلي بيل، مديرة مركز تاو للصحافة الرقمية بجامعة كولومبيا والصحافية السابقة بصحيفة «الغارديان إن لادن» التي غطت عائلة مردوخ: «لا يبدي جيمس أي إشارة إلى أنه يحب الصحافيين. وفي الواقع يبدي عكس ذلك نوعا ما». واستطردت قائلة: «نشأ جيمس في فترة لم تكن تجربته مع الصحافة خلالها متعلقة بإدارتها، ولكنه وجدها توجه انتقادات لعائلته».

وعلى الصعيد الداخلي، يقول مسؤولون إن جيمس مردوخ يستوعب مستقبل وسائل الإعلام والدور المتراجع للصحف، على الأقل من الناحية المالية. وقد تولى دورا بارزا داخل القطاع فيما يتعلق بالضغط من أجل فرض رسوم على المحتوى الإلكتروني، وفرض رسوم مقابل الإطلاع على محتوى «تايمز أوف لندن» العام الماضي. وتقدم الصحف اللندنية الأربع التابعة للشركة - «ذي صن» و«ذي نيوز أوف ذي وورلد» و«ذي تايمز» و«ذي صنداي تايمز» - تطبيقات مقابل رسوم على جهاز «آي باد» التابع لشركة «آبل»، وذلك قبل أي من منافسيها.

وقالت بروك، رئيسة «نيوز إنترناشونال» في مقابلة داخل لندن: «يعد روبرت شخصية بارزة بالنسبة لمعظم الصحافيين في العالم لأنه استثمر قدرا كبيرا من المال في مهنة نحبها، ولذا ليس عدلا أن نقارن أي أحد معه». (كما ذكرت تفاصيل مأدبة العشاء خلال شهر يناير/كانون الثاني) وأضافت بروكس: «نشأ جيمس وسط الصحف في المنزل، ولا يمكن أن تنشأ داخل منزل كهذا ولا يكون للصحف مكان خاص في قلبك. إنه جزء من إرثهم».

ولكن لدى جيمس مردوخ موقف مختلف إزاء المهنة، حيث أراد روبرت مردوخ أن يجعل الصحافة تنتشر، فيما يعمل جيمس على أن يحقق عوائد منها. وتقول بروكس: «تنتشر هذه الروح في الشركة وفي كل شيء نقوم به». وأضافت لا تولي الشركة حاليا اهتماما كبيرا بالتوزيع، فالمعيار المفضل هو متوسط العائد بالنسبة للمستخدم.

وتتذكر بروكس: «عندما جاء جيمس من سكاي قال هل تستطيعين أن تعطيني بيانات عن قرائك؟» وأضافت أنه في الوقت الحالي «نفكر في قطاع الصحافة كنشاط يعتمد على اشتراكات». ويعني ذلك أن «نيوز إنترناشونال» تنهمك في بحث تسويقي على غرار ما تعلمه جيمس عندما كان يدير «سكاي». وعندما تمت ترقية بروكس من منصب رئيسة تحرير «ذي صن» إلى الرئيسة التنفيذية لـ«نيوز إنترناشونال»، أصر جيمس على أن تذهب إلى مدرسة لندن للاقتصاد، وهو طلب لم يكن ليتخذه روبرت مردوخ.

ولكن ما ورثه جيمس مردوخ بالفعل من والده هو صورته كشخص دخيل يتخذ منحى هجوميا إزاء المؤسسة – وهي شخصية ظهر بها جيمس على الرغم من أنه ولد داخل واحدة من العائلات الإعلامية الثرية في العالم. وفي مقابلة عام 2009 مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية قال جيمس: «دائما ما نكون كدخلاء، ونقبل التحديات لنكون الأفضل وأكثر كفاءة من لاعبين قائمين».

انضم جيمس مردوخ إلى فريق عمل «نيوز كوربوريشن» عام 1996 بعد شراء المؤسسة لاسم الشركة الموسيقية التي تحظى بالاحترام رغم خسارتها وهي «راوكوس ريكوردز». لم يكمل جيمس دراسته بجامعة هارفارد حتى يتفرغ لإدارة تلك الشركة التي كان من أشهر فنانيها موس ديف. لم يكن جيمس يتخيل وقتها أنه سوف يتبنى المدرسة التكنوقراط في الإدارة. وقال جيسون هيرشهورن، الرئيس السابق لـ«ماي سبيس»، التابعة لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» وزميل جيمس أثناء المرحلة الثانوية في مدرسة «هوراس مان» والمرحلة الإعدادية في ريفيردال في بروكس: «إن أردت أن تصنف جيمس آنذاك فيمكن القول إنه كان ضد كل ذلك». ويتذكر جيسون أول مرة التقى فيها بجيمس قائلا: «لقد كان يرتدي قميصا بالعكس وشورتا بلون الزي العسكري وكانت رأسه مليئة بالأفكار ويرتدي قرطا».

فقط عام 2007 تولى جيمس مسؤولية الأعمال في أوروبا وآسيا. لقد قضى الجزء الأكبر من حياته المهنية في الإشراف على نشاط التلفزيون المدفوع الأجر أولا في آسيا ثم رئيسا تنفيذيا لـ«سكاي» لمدة أربع سنوات.

إن تتبع مسيرة جيمس مردوخ المهنية يقدم نظرة على وضع «نيوز كوربوريشن» عالميا، حيث تجاوزت المنظور الذي تسيطر عليه مؤسسة «فوكس نيوز» ويؤمن به الكثير من الأميركيين. بطبيعة الحال تعد مؤسسة «نيوز كوربوريشن» في الولايات المتحدة ولندن قوة بحد ذاتها، حتى إن قوتها ونفوذها يفوقان في بعض الأحيان قوة المؤسسة التي تتظاهر بازدرائها. لكن في أي مكان آخر من الهند إلى إيطاليا ومن ألمانيا إلى إيران، التعبير عن ذاتها بأنها دخيلة أمر حقيقي. لقد سيطرت «سكاي إيطاليا» فرع المؤسسة في إيطاليا على الإعلام من خلال «ميديا سيت» الإمبراطورية العائلية لرئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني. لقد استثمرت مؤسسة «نيوز كوربوريشن» نحو 1.9 مليار دولار في إيطاليا قبل أن تعود «سكاي إيطاليا» لتحقيق أرباح. ويتوقع محللون أن تحقق أرباحا تصل إلى نحو 200 مليون يورو خلال العام الحالي.

قالت ماري لا تيلا، محررة بإحدى المجلات في ميلانو ومقدمة برنامج حواري يذاع صباح الأحد، عن «سكاي»: «أعرف أن نيوز كوربوريشن في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعد الأخ الأكبر». وأوضحت أن مؤسسة «نيوز كوربوريشن» تمثل في إيطاليا «الصوت المعارض وصوت الحرية». وقد أطلق برلسكوني على مؤسسة «نيوز كوربوريشن» في إيطاليا اسم «صديقة اليسار».

لقد أثنت الصحافة على استثمارات «سكاي إيطاليا» في قطاع الإنتاج خاصة مسلسل العصابات «رومانزو كريمينالي» عن أفراد العصابات الإيطالية في فترة السبعينات والثمانينات وصلتهم بوكالات الاستخبارات الإيطالية وذلك لإعادة إحياء الإبداع الإيطالي. وقد تمت استضافة جيمس مردوخ في دار عرض سينمائي ذات شاشات متعددة العام الماضي في روما خلال العرض الأول للموسم الثاني من المسلسل وقد استغل هذه الفرصة للتحدث عن الركود الاقتصادي في إيطاليا والضوابط الحكومية على الاقتصاد.

وفي ميونيخ بعد مواجهة شكوك الذين قالوا إن ألمانيا غير مستعدة للدفع للتلفزيون وبعد استثمار ما يقرب من 1.5 مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، يرى المسؤولون التنفيذيون في «نيوز كوربوريشن» بارقة أمل في تحقيق «سكاي داتشلاند» أرباحا مثلما فعلت «سكاي إيطاليا». لكن ما زالت «سكاي» الألمانية تفقد أموالا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بمشتركيها بل وصل عددهم إلى أكثر من 130 ألفا خلال الربع الرابع من العام الماضي.

وتم إيفاد جيمس عام 2000 عندما كان في السابعة والعشرين من العمر إلى هونغ كونغ لإدارة «ستار»، خدمة التلفزيون الآسيوي التابعة لـ«نيوز كوربوريشن»، التي كانت متعثرة في ذلك الوقت. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يترك فيها بصمة على الشركة. فعندما وصل إلى هناك كان طموح «ستار» أن تصل الخدمة للجمهور في مختلف البلاد مثل الصين وتايوان وإندونيسيا والهند وغيرها.

لقد كانت مقاومة الصين للإعلام الأجنبي تزداد، لذا قرر جيمس التركيز بشكل أساسي على الهند قبل فترة طويلة من اتجاه شركات الإعلام الأميركية إلى زيادة أعمالها هناك. وتتمتع قنوات الشركة في الهند، التي تمتلك حصة في قمر اصطناعي، بأعلى نسبة مشاهدة في الهند وتعد الأسرع نموا من بين الشركات التي يتولى جيمس الإشراف عليها.

بحسب شركة «ميديا بارتنرز آسيا»، من المتوقع أن تحقق الشركات التابعة لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» في آسيا عائدات قدرها مليار دولار وأرباح عاملة قدرها 250 مليون دولار خلال العام الحالي. عندما انضم جيمس إلى فريق عمل شركة «ستار» كانت تخسر في آسيا. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن العام الحالي سوف يشهد تحقيق التلفزيون التابع للمؤسسة في الهند أرباحا تفوق أرباح «نيوز إنترناشونال». ويمثل هذا مقياسا يؤكد تراجع أهمية الصحف في مقابل زيادة أهمية المحطات التلفزيونية بالنسبة إلى الوضع المالي العام للشركة.

لكن لم يشفع النجاح الذي حققه جيمس له أمام الاتهامات بالمحسوبية عندما تم تعيينه كرئيس تنفيذي لـ«سكاي» بلندن عام 2003. وقالت دان هول، مديرة شركة «جيه سي إيه غروب» للتوظيف والتي كلفها مجلس إدارة «سكاي» بإدارة عملية اختيار المسؤول التنفيذي الذي توصلت في النهاية إلى اختيار جيمس: «لقد كانت الصحافة تطلق عليه اسم الرجل ذو القرط الذي يستثمر في الموسيقى المستقلة والذي لم يكمل دراسته في هارفارد». وأضافت: «لقد حاولت جاهدة الهروب من الذين لديهم أسباب تدفعهم إلى التعامل معه بلطف ولم يقل أي شخص شيئا مختلفا. لقد شعروا جميعا بأن لديه نفس جينات روبرت».

وتحدث جيمس في أول عرض له عن الاستثمارات عن خطط استثمارية جريئة ووضع هدف زيادة عدد المشتركين من 7.4 إلى 10 ملايين. فقد انخفض سعر سهم «سكاي» بنسبة 20 في المائة تقريبا. لكن قبيل مغادرته عام 2007 ارتفع عدد مشتركي «سكاي» وكان لجيمس الفضل في تطوير التكنولوجيا وإعادة إحياء اسم «سكاي».

لقد أظهر جيمس اهتماما بالجوانب المختلفة للعمل الإعلامي التي لا تثير اهتمام أبيه خاصة التسويق والاتصالات. وفي «سكاي» وظف لانتز لإجراء بحث تسويق وإدارة مجموعات مناقشة. وفي اجتماع في ويست لندن ناقشت مجموعة من الناس ما الذي يعنيه اسم مردوخ لهم. وكان جيمس ومسؤولون تنفيذيون آخرون يشاهدون ذلك. وقال لينتز: «يعارض البعض مردوخ ليس فقط في أميركا بل أيضا في بريطانيا. لقد كان البعض قاسيا جدا وكان هجومهم حادا للغاية. وكان الموقف في غاية الإحراج حيث ظل عشرة من المسؤولين التنفيذيين يهجون مردوخ الواحد تلو الأخر».

دخل جيمس إلى الغرفة واشترك في تعليقاتهم. لقد قال لوتنز: «لقد دخل وشعر بالصدمة. لم يكن أكثر المسؤولين التنفيذيين ليدخلوا إلى غرفة مليئة بالعملاء الغاضبين العدوانيين».

وبحسب استطلاع رأي أجراه لونتز، أحيانا يحتل شعار «سكاي»، الذي تم تطويره تحت قيادة جيمس ليصبح «آمن بالأفضل»، المركز الثاني بعد شعار «ميكروسوفت» «إلى أين تريد الذهاب اليوم؟». وأطلقت مجلة «ماندجيمنت توداي» عام 2009 على «سكاي» لقب أكثر الشركات الحائزة على الإعجاب في بريطانيا. وقالت كلير إندرز، المحللة التي انتقدت عرض «سكاي» لشراء أسهم، عن جيمس مردوخ: «أرى أنه عبقري في مجال الأعمال». لقد كان مردوخ دوما محافظا كوالده خاصة حينما يتعلق الأمر بالأسواق الحرة. لكن فيما يتعلق بالأمور الأخرى، خاصة البيئية منها، فإنه يختلف كثيرا مع الاتجاه المحافظ الحالي.

ويقيم جيمس في لندن حفلات عشاء يلتقي خلالها ناشطون في مجال البيئة وأكاديميون ومسؤولون تنفيذيون. وفي صيف 2008 أقام جيمس حفل عشاء على شرف فريد كراب، رئيس صندوق الدفاع عن البيئة ومقره في نيويورك. وكان من بين الحضور بوريس جونسون، عمدة لندن، وتوني هيوورد، الرئيس التنفيذي لشركة «بي بي» آنذاك.

وقال جيمس للصندوق إن الجهود التي تبذلها مؤسسة «نيوز كوربوريشن» في مجال البيئة وفرت عليها 35 مليون دولار. وبهذه الطريقة قدم جيمس نفسه كمحافظ يشبه تيدي روزفلت وسعى إلى الربط بين حماية البيئة والممارسات السليمة في السوق. وقد شنت لجنة مراقبة الإعلام الحر «ميديا ماترز» حملة ضد تغطية «فوكس نيوز» لقضية المناخ ونشرت رسائل إلكترونية حصلت عليها العام الماضي والتي قال فيها محرر في «فوكس» للعاملين: «بالنظر إلى الجدال الدائر حول حقيقة البيانات الخاصة بالتغير المناخي... ينبغي أن نحجم عن القول بارتفاع أو انخفاض درجة حرارة كوكب الأرض دون توضيح فوري بأن هذه النظريات قائمة على بيانات يشكك البعض في صحتها».

وأثارت آراء جيمس مردوخ التساؤل ما إذا كان سيتدخل في تغطية «فوكس نيوز» إذا كان يدير مؤسسة «نيوز كوروبوريشن». وفي مقابلة نشرت عام 2009، قال جيمس: «توضح كل النماذج الخاصة بالتنبؤ بالمناخ أننا نسير في أسوأ طريق وفي بعض الأحيان أسوأ من ذلك. وهذا سبب إحباطي».

في مراحل أخرى، خاصة في محاضرة في إدنبرة، كان جيمس مؤيدا للأسواق المتحررة من القيود الحكومية والاقتصاد الحر بشدة مما جعله يتلقى كل اللوم في الإعلام البريطاني. وقالت دان: «لقد أصبح بطلا بالنسبة إلى السوق الحرة في الإعلام ولم يرق ذلك لكثيرين. لا يريد الجميع سوقا حرة مثل التي يناضل من أجلها».

كذلك يرحب جيمس بالمشروع الإيراني، حيث يراه طريقة لنشر الحرية والانفتاح في مجتمع منغلق. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن هذا المشروع مربح، حيث من الجهات المعلنة منتجع تزلج خارج طهران، وتعتزم الشركة إطلاق قناة أخرى موجهة إلى النساء الإيرانيات.

وتكمل «فارسيل» صفقة تنفيذ إعادة عرض برنامج «أوبرا وينفري»، الذي تصور آخر حلقاته العام الحالي حيث افتتحت أوبرا شبكة قنوات الكابل الخاصة بها وتبحث عن امرأة تتحدث الإيرانية لتصبح صوتها.

تنتظر هذه الصفقة حصول موافقة مكتب إدارة الأصول الأجنبية ووزارة الخزانة على الطلب المقدم من «سي بي إس»، التي تتولى مهمة توزيع برنامج أوبرا، للحصول على استثناء من العقوبات المفروضة على إيران.

وفي الوقت الذي غادر فيه الأب والابن شقة روبرت مردوخ في لندن في ليلة من ليالي شهر يناير (كانون الثاني)، كان ينتظر صحافي بجريدة الـ«إندبندنت» في الخارج ليسأل عن آخر فضيحة تنصت على الهاتف. وكان هذا محور اهتمام الصحافة البريطانية فيما يتعلق بزيارة مردوخ إلى لندن.

حتى إن صحيفة الـ«إندبندنت» قد أحصت الكلمات الخاصة بهذا الموضوع في تسع صحف قومية اليوم التالي وكان 12.585 وتصدرت صحيفة الـ«غارديان» هذه القائمة، حيث أوردت 4.703 كلمة، بينما بلغ عدد الكلمات الخاصة بهذا الموضوع في صحيفة الـ«صن» 41 كلمة.

وكتب إيان هارغريفز، المحرر السابق بصحيفة الـ«إندبندنت» والذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة كارديف، ذلك الأسبوع: «لقد وضع مردوخ وابنه الطموح جيمس نفسيهما في بؤرة جدل مجتمعي على نحو يمثل خطأ خطيرا في الحسابات في نظرهما». يسود الرأي القائل بأن جيمس ومسؤوليه التنفيذيين أساءوا التعامل مع التحقيق بين أوساط بعض الصحافيين والدوائر العليا في «نيوز كوربوريشن». وقد توصل المسؤولون التنفيذيون إلى تسوية خارج قاعات المحاكم وحملوا مبدئيا أحد الصحافيين المخادعين مسؤولية الأمر برمته رغم قول «نيوز أوف ذا ورلد» إنها رفتت محررا بعد العثور على «دليل مادي» يؤكد تورطه في التنصت على رسائل الهواتف المحمولة الخاصة بمشاهير. لم يكن جيمس يشرف على «نيوز إنترناشونال» عندما حدثت عملية القرصنة، إلا أنه وافق على التسوية وبالتالي يتحمل مسؤولية وضع حد لتلك الفضيحة. صفقة شركة «سكاي برودكاستينغ» في الميزان الآن، حيث تنتظر مؤسسة «نيوز كوربوريشن» لترى ما إذا كان سيتم إحالتها إلى لجنة المنافسة البريطانية للنظر بها، وهو ما قد يستغرق ما بين ستة إلى تسعة أشهر. في حال حدوث ذلك، ربما تقرر مؤسسة «نيوز كوربوريشن» أن تسحب العرض على حد قول المسؤولين التنفيذيين. وستحدد أحداث الأسابيع والأشهر المقبلة في لندن مستقبل جيمس مردوخ وما إذا كان سوف يخلف أباه أم لا.

* خدمة «نيويورك تايمز»