محرر معماري يجمع أفكارا بناءة في مكان واحد

دان غريغوري يتمتع بمهارات فريدة ومعرفة عميقة بمجال تصميم المنازل

يلقي العمل الذي يقوم به المحرر المعماري على الثناء والتقدير من العاملين في هذا المجال (واشنطن بوست)
TT

خلف كل كاتب رائع بحق يقف محرر لا يقل روعة في موهبته ويعمل بمثابة البطل الخفي الذي يعرض النصيحة حول سبل صياغة الكلمات والتخلص من الزائد منها والتعبير عن الحجج على نحو أكثر بلاغة وإضفاء مزيد من الروح والإثارة على الروايات.

ويستعين المخرجون أيضا بمحررين، وهو عمل يلقى تقديرا كبيرا لدرجة أن صناعة السينما تضمه لقائمة جوائز «أوسكار».

أما المهندسون المعماريون فيفتقدون وجود محررين يمدونهم بتعليقات على تصميماتهم (وهي خدمة ربما يرى كثير من النقاد وأصحاب العقارات أن هناك ضرورة ملحة لها). وهناك محررون معماريون تشبه مهمتهم إلى حد بعيد محرر التوريدات داخل دور النشر الضخمة الذين تتمثل مهمتهم في اكتشاف المواهب وبيع أعمالهم. ومن بين هؤلاء دان غريغوري، رئيس تحرير «نوفاتو»، التابعة لـ«Houseplans.com» ومقرها كاليفورنيا، وهي أكبر مؤسسة إلكترونية تعمل عبر شبكة الإنترنت بفي جال تصميم المنازل.

ويتمتع غريغوري بمهارات فريدة ومعرفة عميقة بمجال تصميم المنازل لا يضاهيه فيها أحد. وقد حصل على درجة الدكتوراه في التصميم المعماري من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث تضمنت دراسته عامين في تصميم الاستوديوهات مع طلاب يتدربون للعمل مهندسين معماريين. وخلال مقابلة أجريت معه مؤخرا، وصف هذه الفترة بأنها «كانت تجربة لا تقدر بثمن لتفهم كيفية تفكير هؤلاء الطلاب».

خلال الأعوام الـ27 الماضية، عمل محررا في مجلة «سنست»، واطلع خلالها على أعمال المئات من المصممين المعماريين التي تضمنت بعض أكثر المنازل تفردا وروعة على مستوى الغرب الأميركي بأكمله، وهي المنطقة التي يتركز عليها اهتمام «سنست». بجانب مسؤولياته التحريرية، شارك غريغوري في تصميم وبناء منازل على أرض الواقع. وساعد في اختيار المصمم المعماري لـ«المنازل المبتكرة» السنوية لـ«سنست»، ثم تعاون عن قرب مع المصمم المعماري وشركة البناء المعنيين بهذه المنازل.

على مدار الأعوام الثلاثة منذ انضمامه إلى «Houseplans.com»، بث غريغوري النشاط في أرشيف هائل يتألف من 30.000 خطة وأضاف بعض المقترحات الاستثنائية.

وكما هي الحال مع أي محرر توريد جيد، تتبع غريغوري المصممين المعماريين المعنيين بالمباني السكنية الذين رأى أن أعمالهم تحظى بقبول واسع النطاق. وأشار إلى أن بعضهم عمد إلى التملق كي يعرض عمله أمام جمهور أوسع وأصحاب المنازل ممن لا تجمعهم بهم صلات شخصية، بينما كان هناك آخرون، مثل ساره سوسانكا، مؤلفة سلسلة كتب «ليس بهذه الضخامة» (نوت سو بيغ) حول تصميم المنازل والذي كان من أعلى الكتب مبيعا، يقومون بذلك بالفعل.

وعند استعراض قسم «الخطط الحصرية» لدى «Houseplans.com»، يتضح أن غريغوري يتسم بتوجه ليبرالي في اختياراته. وفي اعتراف ضمني منه بأن بعض مصممي المنازل الموهوبين بشدة ليسوا من المهندسين المعماريين المسجلين، تتضمن قائمة الخدمة الخاصة به حاليا خمسة مصممين و27 مهندسا معماريا. بصورة مجملة، تغطي مجموعة الممارسين الذين يعملون بصورة فردية أو الشراكات البالغ عددها 27 نطاقا واسعا بدء من شركة «كولونيال ريفيفال» التقليدية وصولا إلى التوجهات المعمارية الحديثة. ويضم كل جدول أربعا أو خمس خطط، وهي تكفي لاستشعار النمط المميز للمصمم.

بجانب أعمال المصممين المعماريين الذين لا يزالون على قيد الحياة، نجح غريغوري في الحصول على تصريح من «سجلات التصميم البيئية» بجامعة كاليفورنيا في بيركلي لبيع أعمال ثلاثة من المصممين المعماريين البارزين في تاريخ كاليفورنيا، وواحد من العاملين بمجال التنمية العقارية. ولدى الاطلاع على صور ورسومات كوخ «سي رانتش» الصغير الذي صممه الراحل ويليام تيرنبول (صمم المنزل عام 1980 لاستضافة العاملين لدى «سي رانتش كميونيتي» على ساحل المحيط الهادي، على بعد نحو 100 ميل إلى الشمال من سان فرانسيسكو)، سيجد زوار الموقع الإلكتروني أنفسهم مشدوهين بروعة تصميم السقف الذي يعكس نمطا من التفاصيل الدقيقة يحظى بإعجاب عام وربما لا يتخيل غالبية الأفراد إمكانية وجودها في منازلهم. وربما يلحظ بعض الزوار الجادين أن مساحة المنزل صغيرة للغاية (650 قدما مربعا) وربما تراودهم الرغبة في إدخال تغييرات، الأمر الذي يمكن تنفيذه بسهولة، حسبما ذكر غريغوري.

في ما وراء هذه العروض الفريدة على أصحاب المنازل من الأفراد، تبقى لدى غريغوري ورئيسته التنفيذية الجديدة، ليزا كالمباك، أفكار أخرى أكثر طموحا. مع استعادة صناعة بناء المنازل عافيتها ببطء، يعمد الاثنان لصياغة مجموعة من الخطط لعرضها على الجمهور الراغب في شراء منازل والذي أصبح معتنقا على ما يبدو فكرة مختلفة تماما عن «المنزل المثالي» تقوم على تصور لمنزل أصغر حجما وأكثر بساطة عن المنازل التي سبق أن نالت إعجابهم على مدار العقود الأخيرة. وبالنسبة لبعض الشركات العاملة في مجال التنمية العقارية، يعني ذلك اتباع نهج مغاير تماما.

انصب دوما اهتمام الشركات العاملة في مجال تشييد المنازل، خاصة تلك التي تبني 10 منازل أو أكثر سنويا، على المنازل التي تشكل في جوهرها صناديق بسيطة يمكن إعادة تصميمها بسهولة، حسب ما أوضح غريغوري. على مدار الأعوام الـ30 الماضية، مع ازدياد مساحة هذه الصناديق، جرت إضافة بعض العناصر الزخرفية، مثل الأطراف الزخرفية للسقف التي تخصص للغرف ذات الأسقف التي يتراوح ارتفاعها بين 10 و11 قدما، ومزيد من الدعائم ومزيد من الأسطح ذات الطبقات المنحدرة والتي تضفي على المنزل مساحة وفخامة أكبر.

أما «الصناديق البسيطة» التي تتركز حولها تصميمات غريغوري حاليا فيمكن لشركات البناء تنفيذها بسهولة حاليا ممن تفتقر إلى النجارين المهرة القادرين على تنفيذ الجمالون الدقيقة التي صممها تيرنبول. بدلا من ذلك، تكمن جاذبية المنزل في تناغم التفاصيل والنسب. ويعتقد غريغوري أن التفاصيل البسيطة الجيدة يمكنها خلق انطباع أول قوي على النحو الذي لطالما رغبت جهات البناء في تحقيقه، ذلك أن هذه التفاصيل تترك دوما أثرا مستمرا. وضرب مثالا على ذلك بأنه داخل المنازل التي يبلغ ارتفاع السقف بها تسعة أقدام، وهو الارتفاع الذي أصبح المعيار السائد الآن في جميع المنازل الجديدة تقريبا، فإن استخدام حواف أكبر نسبيا حول الأبواب والنوافذ والأجزاء السفلى من الجدران وخط السقف والاستمرار في ذلك في المنزل بأكمله، وليس الأجزاء المفتوحة من المنزل فحسب، يمنح أصحاب المنزل شعورا أكبر بالراحة ويضفي على المنزل شعورا بالانسيابية، وهو أحد العناصر التي تتطلع نحوها جهات البناء عند اختيار التصميمات.

وفي حديثه عن خططه لعام 2011، أوضح غريغوري أنه يتطلع نحو تصميمات للأرضية لا تجعل من المساحات الأساسية المخصصة للمعيشة دائرة مغلقة. مثلا، يرى أن غرف المعيشة التي تضم مدخلا واحدا قد تتحول إلى «مساحة عقارية غير مستغلة»، الأمر الذي يعد بمثابة رفاهة لا يمكن لمعظم الأسر حاليا تحمل تكاليفها.

ويتطلع غريغوري أيضا نحو الانسيابية. بالنسبة لشركات البناء، يسهم ذلك في اجتذاب المزيد إلى قطاعات السوق، أما بالنسبة لأصحاب المنازل فيعني إمكانية استغلال الغرف بصورة مختلفة على مر السنوات. ويفضل غريغوري، من جهته، التصميمات التي يمكن تنفيذها بصور مختلفة بناء على عدد غرف النوم التي يبغيها أصحاب المنزل، على سبيل المثال.

ويوفر غريغوري خطوط السقف البسيطة من دون أسقف منحدرة، وهي عناصر إضافية تزيد التكلفة من دون أن تحمل نفعا إضافيا.

* تحمل درجة علمية في التصميم المعماري من جامعة هارفارد وقد نشأت في واشنطن وفيرفاكس كاونتي وتعيش حاليا في ميتشغان

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»