قاض يكرر آراء منتقدي «غوغل» في حكم متعلق بالكتب الرقمية

أسهم الحكم في تعقيد جهود الشركة لإنتاج نسخ رقمية من 130 مليون كتاب عالمي

TT

مع تطور شركة «غوغل» من شركة صغيرة محببة، وتحولها إلى إمبراطورية للإنترنت، أصبح النقاد يصورون الشركة على أنها مؤسسة تنتهك حقوق الملكية وشركة احتكارية انتهازية. ولكن الوضع يصبح مختلفا عندما يتم رسم هذه الصورة غير الجذابة من قبل قاض فيدرالي.

وأسهم الحكم الذي أصدره ديني تشين، قاضي الدائرة الأميركية، في ما هو أكثر من مجرد تعقيد جهود شركة «غوغل» لإنتاج نسخ رقمية من 130 مليون كتاب عالمي، وربما بيع هذه النسخ عبر متجر إلكتروني لبيع الكتب، كان قد افتتح خلال العام الماضي. ولمس هذا الحكم أيضا قضايا عدم الثقة وحقوق الملكية والخصوصية التي تهدد بتكبيل شركة «غوغل» مع محاولتها للاعتماد على سيطرتها في عالم البحث على الإنترنت من أجل اقتحام أسواق جديدة.

وقال غاري ريباك، وهو محام في وادي السيلكون يمثل مجموعة بقيادة منافسي «غوغل»، وهما شركتا «مايكروسوفت» و«أمازون» لمقاومة عملية تسوية الكتب الرقمية: «هذا الرأي يبدو مثل نموذج مصغر لكل المشكلات الكبيرة التي تواجه شركة (غوغل)».

وتأمل شركة «غوغل» فقط في أن لا تصبح بعض النقاط التي أثارها تشين «أفكارا متكررة» مع مواجهة الشركة لعوائق قانونية خلال الشهور المقبلة.

وما زالت الشركة تحاول إقناع وزارة العدل الأميركية بالموافقة على شراء برامج إلكترونية تابعة لوكالة السفر الدولية من أجل تعقب أجرة تذاكر الرحلات الجوية على شبكة الإنترنت بمبلغ 700 مليون دولار، بعد تسعة أشهر تقريبا من الإعلان عنها. ويركز المشرعون الآن تحقيقهم في ما إذا كانت وكالة السفر الدولية سوف تمنح شركة «غوغل» قوة الدفع التقنية لتحقيق ميزة غير عادلة تتفوق على شركات خدمات السفر الإلكترونية الأخرى.

وتؤكد شركة «غوغل» أنها سوف تكون قادرة على توفير المزيد من الصفقات والراحة للمسافرين، إذا تم الترخيص لها بامتلاك تقنية وكالة السفر الدولية.

وفي أوروبا وولاية تكساس، يبحث مشرعو عدم الثقة في شكاوى بشأن انتهاك «غوغل» لسيطرتها على مواقع البحث على الإنترنت من أجل الترويج لخدماتها الخاصة بشكل غير عادل، من أجل رفع أسعار إعلاناتها.

وما زالت شركة «غوغل» تحاول مواجهة استئناف مقدم في قضية أخرى عالية المستوى لحقوق النشر، وهي قضية تنبع من استحواذها في عام 2006 على موقع «يوتيوب»، موقع نشر ملفات الفيديو الرائد على شبكة الإنترنت.

وتسعى شركة «فياكوم» إلى الحصول على أكثر من مليار دولار في شكل تعويضات، بعد اتهام موقع «يوتيوب» بإساءة استخدام مقاطع من قناة «إم تي في» الكوميدية المركزية وقنوات أخرى تابعة لشركة «فياكوم». وقد وقف قاض فيدرالي في صف شركة «غوغل»، وقال إن موقع «يوتيوب» كان قد فعل ما فيه الكفاية من أجل الالتزام بقوانين حقوق النشر الرقمية في بداياته الأولى.

وتحاول شركة «فياكوم» استئناف هذا القرار في محكمة دائرة الاستئناف الأميركية الثانية بمدينة نيويورك، حيث يعمل تشين الآن بعدما تم ترقيته خلال العام الماضي. وقال جون سيمبسون، وهو ناقد دائم لشركة «غوغل» كان يتابع ممارسات شركة «غوغل» التجارية لصالح جماعة للدفاع عن حقوق المستهلكين: «طبقت شركة (غوغل) احتكارا في عالم محركات البحث، وتحقيق احتكار ليس غير مشروع بالضرورة. وتكمن القضية في كيفية استخدام الاحتكار عندما تكون في هذا الوضع؟ وأنا أعتقد أن شركة «غوغل» كانت قد أساءت استخدامها بشكل متكرر، وقد انتهت هذه الممارسة بهذا القرار».

وكانت شركة «غوغل» صامتة في ردة فعلها تجاه قرار تشين حتى وقتنا هذا. وقال هيلاري وير في بيان: «هذا أمر محبط بشكل واضح، ولكننا سوف نراجع قرار المحكمة وندرس خياراتنا».

وجاءت انتكاسة يوم الثلاثاء الماضي بعد أقل من أسبوعين من تسلم لاري بيدج، المؤسس المساعد لشركة «غوغل»، لزمام الأمور في الشركة، بعدما تسلم مهام الرئيس التنفيذي للشركة من إريك شميدت.

وكانت فكرة بناء نسخة رقمية من مكتبة الإسكندرية المصرية الأسطورية القديمة أحد المشاريع المحببة لبيدج. وقال هو وشريكه سيرغي برين، المؤسس المشارك في شركة «غوغل» إنهما يريدان توفير إمكانية الوصول لكل المعرفة في كتب العالم إلى أي فرد يمتلك وصلة إنترنت، وهو طموح يوفر جاذبية أو محاولة لجعل التسوية المراجعة أكثر احتمالية.

وعلى الرغم من استحسانه لفكرة الكتاب الرقمي، توصل تشين إلى أن «غوغل» كانت تتعامل مع هذه الفكرة بطريقة خاطئة.

وعاقب القاضي شركة «غوغل» بسبب مشاركتها في عملية بيع بالجملة ونسخ صارخة من دون أن تحصل أولا على إذن حقوق النشر. وتفاوضت الشركة بدلا من ذلك مع المكتبات لإنتاج نسخ إلكترونية من الكتب المطبوعة على أرففها. وقد مكنت الاستراتيجية شركة «غوغل» من مسح أكثر من 15 مليون كتاب منذ عام 2004، حتى إن احتج المؤلفون والناشرون الذين اعتقدوا أن حقوق النشر الخاصة بهم كانت قد انتهكت داخل المحكمة. وقد أظهرت شركة «غوغل» حتى الآن قصاصات من الكتب الرقمية فقط تم مسحها من دون الحصول على ترخيص من ملاك حقوق النشر الخاصة بهم.

ويكرر رأي تشين بشأن عدم احترام شركة «غوغل» لحقوق النشر الشكاوى التي تم تقديمها منذ فترة طويلة من قبل بعض الناشرين والقنوات التلفزيونية والاستوديوهات التلفزيونية. وكانت هذه الجهات قد أكدت على أن شركة «غوغل» قد تربحت من عرض محتويات تابعة لهم محمية بحقوق الملكية من دون الحصول على إذن واضح. وتؤكد شركة «غوغل» أنها كانت قد أظهرت فقط قصاصات مسموح بها بموجب فقرة من قانون «الاستخدام العادل» لحقوق النشر، وأنها أزالت بسرعة أي مادة بناء على طلب من حامل حق النشر، حسبما يشترط القانون.

وتدور قضية شركة «فياكوم» حول إدعاءات بأن موظفي موقع «يوتيوب» كانوا قد سمحوا بالاحتفاظ بفيديوهات مقرصنة على شبكة الإنترنت بشكل منظم، في جهد يهدف لاجتذاب المزيد من المشاهدين، وهي ممارسة كان يعرفها مسؤولو شركة «غوغل» قبل شراء الخدمة. ومنذ الاستحواذ على هذا الموقع، أنتجت شركة «غوغل» تقنية لحجب أو إزالة مقاطع فيديو محمية بحقوق النشر بسرعة من على موقع «يوتيوب».

وقد يكون نص قرار «تشين» قويا بما فيه الكفاية لإقحام شركة «غوغل» في إعادة التفكير في توجهها إزاء قانون حقوق النشر، حسبما ذكر جيم بيتكو، الرئيس التنفيذي لشركة «أتربيوتر»، التي تصنع أدوات لتحديد انتهاكات حقوق النشر على شبكة الإنترنت.

وقال: «إذا كانت شركة (غوغل) ستبدأ في تنفيذ مشروع (الكتاب) هذا في عام 2011، أشك في أن الشركة سوف يكون لديها منظور مختلف عما فعلته عندما بدأوا هذا المشروع في البداية طوال هذه السنوات الماضية».

وتوصل تشين أيضا إلى أن شركة «غوغل» حددت التسوية المقترحة من أجل السيطرة على المادة التي ربما تكون قد اجتذبت مرورا أكبر إلى محرك بحثها، الذي يعمل كمحور لشبكة الإعلانات على الإنترنت التي جمعت أكثر من 100 مليار دولار أميركي خلال السنوات الست الماضية. وتعالج شركة «غوغل» بالفعل طلبين من بين كل ثلاثة طلبات للبحث، وهي ميزة يقول المنتقدون إن الشركة تسيء استخدامها، عبر التركيز على خدماتها الخاصة، مثل خدمات الخرائط والفيديو، للتفوق على منافسيها.

وكتب تشين يقول: «يمكن القول إن التسوية المقترحة سوف تمنح (غوغل) السيطرة على سوق البحث». ومن بين الأسباب الرئيسية التي تجعل صفقة وكالة السفر الدولية لا تزال قيد المراجعة، هي أن وزارة العدل الأميركية ما زالت تبحث فيما إذا كانت شركة «غوغل» يمكن أن تدمج «قوتها السوقية» مع تقنية وكالة السفر الأميركية لخنق وتقييد المنافسة في سوق السفر على شبكة الإنترنت.

ومن جهتها، تؤكد شركة «غوغل» أن تفوقها الضخم في سوق البحث على شبكة الإنترنت يمكن أن يتآكل بسرعة في ظل إنفاق شركة أكبر، وهي شركة «مايكروسوفت»، لملايين الدولارات من أجل تحسين وترويج محرك البحث الخاص بها والمعروف باسم «بينغ» (Bing). وفي نفس الوقت، تعكف شركة «فيس بوك»، مالكة موقع التواصل الاجتماعي الشهير الذي يحمل نفس الاسم على تطوير منتجات مصممة من أجل غمس موقعها بشكل أكثر عمقا في حياة الناس على شبكة الإنترنت.

وفي نفس الوقت، كان تشين متعاطفا أيضا مع مخاوف تفيد بأن شركة «غوغل» سوف تكون قادرة على معرفة معلومات إضافية عن مستخدميها بشكل أكبر مما تعرفه بالفعل؛ إذا سيطرت على هذه المكتبة الواسعة من الكتب الرقمية، لأن الشركة سوف تمتلك سجلات عما يقرأه الناس.

وكانت شركة «غوغل» قد تعرضت لانتقادات بالفعل في شتى أنحاء العالم بسبب جمعها لمعلومات شخصية ترسل عبر شبكات لاسلكية غير محمية، بينما صورت سياراتها الضواحي والشوارع في أكثر من عشر دول خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2010. وخلال هذا الأسبوع فقط، غرمت هيئة فرنسية لمراقبة الخصوصية شركة «غوغل» نحو 141 ألف دولار أميركي بسبب انتهاكاتها لهذه المعلومات في فرنسا.

وعلى الرغم من تأكيد تشين على أن مشاعر القلق بشأن جمع البيانات بأنفسهم لم تكن كافية لمنع التسوية، فإن المخاوف المتعلقة بالخصوصية كانت حقيقية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»