دراما الثورات العربية في تغطية الإعلام العربي

البعض يفضل متابعة أخبار العالم عبر «فيس بوك» و«يوتيوب» و«تويتر»

TT

قبل بدء الانتفاضة الليبية على نظام العقيد القذافي، الذي أدخل بلده عن قصد أو من دونه، في دوامة حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. كانت تجربة الانتفاض على النظام، محليا، في كل من مصر وتونس ما تزال ماثلة كنموذج يمكن أن تحذو خلفه شعوب وأمم. ليس في العالم العربي، وحده، حيث الفساد والديكتاتوريات والتوتاليتارية ليست حكرا على بعض دوله وجمهورياته، بل على دول عديدة في العالم من الصين إلى فنزويلا.

لكن وحيث إن تونس ومعها مصر، كانتا البادئتين في هذه الانتفاضات الشعبية. فقد كانت بعض دول العالم العربي، محط استقبال الإشارات الثورية. خاصة، أن بعض هذه الدول، يعيش ومنذ أكثر من نصف قرن، تحت قانون الطوارئ كحالة سورية المشهود لها، عالميا، بالمس بحقوق الإنسان وانتهاكها بشكل عنيف ومحاربة أصحاب الرأي وسجنهم، وهم بالآلاف يقبعون في سجونها. إلى ميزة إعلامها الموجه الذي يبرز بأسلوبه وتقنياته حتى الأساليب الستالينية في الإمساك بالإعلام في وقتها.

تجربة القذافي مختلفة، فهو لم يكن يسجن خصومه إنما كان يستخدم التصفية الجسدية مع معارضيه، وثمة الكثير من الشواهد على ذلك. حتى إنه خطط لعملية اغتيال للملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه. لنصل إلى البحرين، التي لا يوجد فيها قانون طوارئ ولا سجناء رأي وإنما مطالب ثورتها، كانت تتمثل في تغيير صفة المملكة الصغيرة في بطاقة الهوية من مملكة مطلقة إلى مملكة دستورية، إلى جانب بعض المطالب الأخرى المقتصرة على تحسين ظروف الحياة. هذا الطلب يترك للبحرينيين، أصحاب البلد أنفسهم، فهم أدرى ببلدهم من أي شخص آخر. لكن القضية التي حلت بالبحرين، فتحت الباب واسعا، أمام القدرات الإعلامية في تغطية هذا الحدث.

كانت التغطية في مصر، واضحة وتمشي على خطى واثقة من أنها، بالنهاية تقف إلى جانب أبطال ميدان التحرير، الذين كانت مطالبهم واضحة منذ اليوم الأول. وقت ارتكب النظام المصري السابق أخطاء شنيعة في محاربته لوسائل الإعلام.

أما في تونس التي سبقت التجربة المصرية فكان دور الإعلام، مرتبكا وغير قادر على متابعة ما يحدث، كما أنه لم يتمكن من أخذ موقف واضح وصريح إلا بعد أن بدأ خبر رحيل التونسي من تونس يصل إلى العالم.

خلقت هذه الثورات الشعبية، بلبلة إعلامية كبيرة. كما أنها فتحت الباب واسعا، أمام آليات التحريض السياسي، وبعض الدول ذات النبرة الطائفية الفاقعة. فقامت إيران بما تمثل من فكر سياسي - ثيوقراطي يتجه نحو الهيمنة على أصوات الشيعة العرب، إلى إدخال إعلامها، في حرب تشبه واقع أوبرا مسرح المِيت met الذي هيمنت عليه تقاليد البيل كانتو السخيفة، بحيث لا يمكن المرء، أن يتحمل حضور هذا المسرح الأوبرالي حتى النهاية، دون أن يصاب بالملل، أو أن تتحرك في داخله نوازع كثيرة، يغلب عليها الاستياء مما يحصل. ولا يمكن الجزم، هنا، بأي حال من الأحوال، بأن هذا الإعلام، الموجه، المعتمد لنبرة جماهيرية هادرة، تدعي الممانعة وتستخدم المقاومة كتعبير فضفاض يستهوي الجماهير، إعلام صادق وحيادي.

إذ إن أحد شروط العمل الإعلامي المحايدة في النقل والتعاطي مع أي خبر. وليس التحريض والدفع نحو إثارة نعرات طائفية سخيفة تفعل فعلها في من يعتبرون أنفسهم مضطهدين دون أن يكون لذلك مرجعية واضحة على الأرض. وهذا ما يجعل من الإعلام مسؤولا أو سلطة رابعة؛ على ما يسمى في الغرب.

وجلي أن التعاطي الإعلامي، مع هذه الثورات، بدا سياسيا في الكثير من وجوهه. ويكفي متابعة بعض النماذج في هذا التعاطي، تقنيا، لكي نصل إلى نتيجة مفادها، أن القنوات الإيرانية الصرفة وتلك التابعة لما يسمى المقاومات الهادرة، تكيل بمكاييل عديدة مع هذه الانتفاضات الشعبية. دون أن تتبنى لا الميثاق الإعلامي العربي الذي عليه الكثير من الملاحظات، أو حتى قضايا هذه الانتفاضات بواقعية.

والحق أن الانتفاضة الحاصلة في سورية، القريبة من لبنان، ومن مرمى كلام حزب الله، لم تستدع خروج حسن نصر الله من حيث هو لتبنيها ومساعدتها، كما حصل في موضوع البحرين تحديدا واليمن عرضيا. وكما يحصل، في الموضوع الفلسطيني، حيث يقف إعلامه المتبجح في تبني القضية الفلسطينية، وهو من ضمن آخرين في المجلس النيابي اللبناني، ساهم قبل أكثر من عشر سنوات في التضييق على حياة الفلسطينيين في لبنان، حتى منعهم، من تملك بيت صغير للإقامة اللائقة بكرامة.

وينسحب هذا الإعلام على كثير من القنوات اللبنانية والعربية التي تتحدث اليوم عن ما يحصل في سورية وكأنها تتكلم عن كوكب الزهرة، وليس عن البلد الذي تبعد عاصمته عن بيروت، فقط مائة كيلومتر.

حزب الله الذي عبثا يحاول تبني قضية البحرين، بعد أن فقد شرعية سلاحه في لبنان. يخوض إعلامه، حربا ضروسا، ليست مع إسرائيل هذه المرة، بل مع المشاهدين أنفسهم، مما يفقده أكثر من أي وقت مضى المصداقية التي يعتقد بأنها عصبه الرئيسي. أما الموضوع الإيراني فإنه يغيب تماما، إلا حين يقف علي خامنئي لتحريض الشعوب على أوطانها. أو حين يقف حسن نصر الله نفسه ليصدح كما لو أنه بافاروتي لكن ليس على خشبة مسرح بل من خلال شاشة تلفزيونية.

بعيدا عن هذه القنوات التي لتغطيتها لأي حدث كان، هدف سياسي كامن. فإن القنوات التلفزيونية العابرة للأجواء والفضاءات. لم تكن في تغطيتها لأي حدث، سوى أداة لفكر سياسي معين. مما يستدعي، ربما، وبشكل عاجل، إجراء مراجعة كبيرة لدور الإعلام العربي في التعاطي مع القضايا المحلية. ليس من قبل من يخطط لسياسات الإعلام بل من قبل المشاهدين أنفسهم، أي الزبائن غير المرئيين بلغة الإعلام نفسه.

حري القول بأن، زبائن الإعلام، خاصة المرئي منه، يعيشون اليوم، رد فعل، يصل أحيانا إلى حد العنف مما يشاهدونه. فغياب الموضوعية والصراحة مع المشاهد الذي ليست القناة الفضائية اليوم هي مصدر معلوماته الوحيد. يضع هذه القنوات أمام مصير مجهول فيما يتعلق بنسب مشاهديها.

فحين يفضل البعض متابعة أخبار العالم عبر «فيس بوك» و«يوتيوب» وقنوات فضائية لم يكن يعتقد بمهنيتها، إذا ما نسينا الإعلام الغربي كليا. فإن السقوط المريع هو النتيجة الحتمية لهذه المؤسسات. ذلك أن الدراما العربية، التي لطالما كانت مشدودة نحو فلسطين، كونها قضية العرب الكبرى والوحيدة، إلى السياسة التي هي محط اهتمام، مبالغ به، أحيانا. ولدت، هذه الدراما، قضايا جديدة لم يعتدها بعض الإعلام العربي لغاية الآن، وهو كان يعتبرها من النوافل. بين رغيف الخبز والحريات العامة وقضايا الدخل الفردي من النتاج القومي والحد الأدنى للأجور.. إلخ.

وهي المواضيع التي رفعت في هذه الانتفاضات. بقي بعض الإعلام غارقا في القضايا الكلاسيكية التي كان وما يزال يرفعها. إذ تبدو المحاولات الحثيثة التي يقوم بها هذا الإعلام للإبقاء على قضاياه، ضرب من الجنون والانفصام.

جدير بالذكر، أن الحدث الذي يجري في درعا السورية، البعيدة مسافة عشرات الكيلومترات عن إسرائيل خير شاهد. إذ تمثلت المطالب هناك بأمور لا علاقة لها بالصراع العربي الإسرائيلي تماما كما حدث في مصر حيث بقي الموضوع الإسرائيلي بعيدا كليا عن مطالب الجماهير.

والحال هذا، فإن القنوات الفضائية إلى جانب الصحف، ذات التوجه القديم، حين تحيك مؤامراتها الصغيرة ذات البعد الطائفي الضيق. تقع أو وقعت بالفعل من أعلى سلم شعبيتها إلى درك لا يمكن التكهن اليوم بأي قاع حضيض هو. وهي إن وصلت إلى شيء ملموس فقد وصلت إلى الإضرار بمصالح مواطنيها أنفسهم، تماما كما فعل خطاب حسن نصر الله الأخير باللبنانيين المقيمين بالبحرين.