النساء يهيمن على صالات التحرير في الفلبين

حققن الانتشار بعد اعتقال حكومة ماركوس العرفية معظم الصحافيين الذكور

قبل بضع سنوات من سقوط حكم ماركوس، منحت النساء فرصة تحقيق الذات داخل صالة التحرير بسبب تفوقهن في كتابة مقالات تهاجم الاستبداد»
TT

عندما دافعت هيئة من المسؤولين التنفيذيين من كبرى الشبكات الإذاعية في الفلبين عن المجال في سبتمبر (أيلول) الماضي قبل أن ينظر المشرعون في سلوك الصحافة خلال عملية إنقاذ غير متقنة، لم يلتفت البعض إلى أن 4 من الـ5 مسؤولين كن من النساء.

بدأ هذا التطور خلال السنوات القليلة الماضية من حكم فردناند ماركوس الاستبدادي الذي حكم لنحو عقدين وتمت الإطاحة به بفضل الثورة عام 1986. فعندما فرض ماركوس الأحكام العرفية عام 1972، تم اعتقال الكثير من المحررين والصحافيين المعارضين والمنتقدين له والذين كان أكثرهم من الذكور، بينما اتجه البعض الآخر إلى حركات مقاومة سرية. كان النظام هو من يختار من بقي في صالات التحرير من الصحافيين الرجال، في حين كان يعمل البعض الآخر بشكل سري في إصدار منشورات مناهضة للنظام.

وهنا ظهرت النساء اللاتي كن مهمشات آنذاك في وظائف بالملاحق أو وظائف أقل شأنا. وللمرة الأولى، تولت النساء مناصب هامة في مؤسسات صحافية، وتحدين النظام في عدد من المواقف من خلال موضوعات وتعليقات صحافية في إطار حملة رأي عام شنتها حركة المعارضة لماركوس. وتهيمن هؤلاء السيدات حاليا، فضلا عن المحررات اللاتي قمن بتعيينهن، على أكبر شبكات إذاعية في الدولة وعلى كبرى الصحف والمجلات ومنظمات الصحافة الاستقصائية التي لا تهدف إلى الربح.

وتقول آندي إسبينا فارونا، التي تعمل صحافية منذ حقبة ماركوس والتي تتولى حاليا إدارة برنامج صحافة المواطن في شبكة «إس بي إس - سي بي إن»: «لا يمكن تفسير بزوغ نجم الصحافيات دون الإشارة إلى الأحكام العرفية. فعندما كان الرجال يحاولون جاهدين العودة إلى مجال الصحافة، كانت السيدات بالفعل قد سيطرن عليه».

كان لديكتاتورية ماركوس عظيم الأثر على الكثير من الفلبينيات خاصة بليندا أكينو، أستاذة التاريخ بجامعة هاواي في مانوا، التي ألفت كتابا بعنوان «النساء والسياسة حول العالم» عام 1994.

وتقول لورديز مولينا فرناندز، المديرة التنفيذية للموقع الإلكتروني «Interaksyon». ورئيسة التحرير السابقة لصحيفة «بيزنيس ميرور» في مانيلا: «قبل بضع سنوات من سقوط حكم ماركوس، منحت النساء فرصة تحقيق الذات داخل صالة التحرير بسبب تفوقهن في كتابة مقالات تهاجم الاستبداد». وكانت لورديز آنذاك حديثة التخرج بينما كانت الاستبدادية في أوجها وعملت لحساب مطبوعات يسارية مناهضة لماركوس.

لقد نهضت السيدات في الفلبين أسرع من أقرانهن في بلدان جنوب شرق آسيا الأخرى. من أسباب ذلك أن التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عن الأمم المتحدة العام الماضي اعتبر الفلبينيات نموذجا للمنطقة، فعلى سبيل المثال، نجحت النساء في الحصول على عضوية مجلس الشيوخ قبل الحرب العالمية الثانية وكانت تتولى السيدات إدارة الكثير من المدارس. لكن على نحو ما لم يتجل ذلك في صالات التحرير خلال تلك الفترة على حد قول لويس تيودورو، بكلية الإعلام بجامعة الفلبين. ويضيف أنه في الوقت الذي كانت تعمل فيه بعض النساء في المجال الصحافي، كان الرجال هم من يهيمنون على صالة التحرير في الفلبين خلال سنوات حكم ماركوس.

وحققت النساء اللاتي تولين زمام الأمور منذ ذلك الحين تقدما كبيرا تحت ظروف تعد هي الأسوأ في ظل هيمنة الرقابة واعتقال وتعذيب الصحافيين في محاولة كانت لتسهم في تعزيز مكانة المؤسسات الصحافية التي ترأسها السيدات حتى يومنا هذا.

تقول بليندا: «كان يتعين على المرأة اختبار حدود الرقابة على الصحف تحت حكم ماركوس».

وقد قامت بذلك ماريا سيريس دويو، الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي كتبت مقالا عن ماكلينغ دولاغ، شيخ القبيلة الذي قاد قبيلته في معركة مقاومة مشروع السد وقتل على أيدي الجيش. وتقول ماريا: «لم يكن أحد يكتب عن هذا، لذا قررت الكتابة عنه والتقطت صورا بنفسي وأرسلتها إلى رئيسة تحرير مجلة (بانوراما) التي لم أكن أعرفها». وأضافت: «ربما كنت نصف حمقاء ونصف شجاعة». كانت «بانوراما» مجلة تصدر يوم الأحد تابعة لصحيفة «بوليتين توداي» التي تشتهر بأنها جزء من الصحافة «الموالية» لماركوس. لكن قررت ليتي جيمنزي ماغسانوك، التي كانت تتمتع بالاستقلالية، أن تنشر المقال.

وما كان من النظام إلا استدعاء ماريا للتحقيق، لكن هذا لم يؤثر عليها، حيث دافعت ليتي عنها وتجرأت إلى حد كتابتها مقالا افتتاحيا لاذعا «سخرت فيه من ماركوس وزوجته إميلدا» في مجلة كانت تعد في السابق مجلة متخصصة في الموضوعات الخفيفة عن نمط الحياة. وتم رفت جيمنزي عام 1981 بعد نشر مقال ينتقد الحكومة.

واستمر التحرش من قبل النظام، حيث تم تعيين دوميني توريفيلاس سوراز خلفا لليتي وكذلك محررات أخريات تحت رقابة الجيش. وأجرى الجيش تحقيقات مع محررات من إصدارات أخرى تحت ظروف سخرت منها ماريا. وناضلت النساء من خلال موضوعات ومقالات أخرى معارضة للنظام.

عام 1983 بعد اغتيال بنينيو أكينو الأصغر، المعارض الشهير ووالد الرئيس الفلبيني الحالي، دشنت يوغينيا أبوستول، التي كانت تمتلك مجلة «مستر أند مسيز» - عن نمط الحياة - مجلة «مستر أند مسيز» - الطبعة الخاصة. وتقول إنها شعرت بالغضب من التعتيم الإعلامي الذي كانت تمارسه الصحف الموالية لماركوس فيما يخص جنازة أكينو التي حضرها نحو مليوني شخص. وقالت في مقال عام 2010: «أصدرت تعليمات لصحافيي (مستر أند مسيز) بالعمل على إصدار عدد خاص من المجلة عن الجنازة في اليوم التالي».

وخلال السنوات الأخيرة من نظام ماركوس كانت الطبعة الأسبوعية الخاصة من المجلة تتضمن موضوعات سياسية منتقدة للنظام.

وفي عام 1985 ردا على تغطية النظام على اغتيال أكينو، أسست يوغينيا وليتي الصحيفة الأسبوعية «فليبيني إنكوايرار». وعندما أعلن ماركوس عن إجراء انتخابات مبكرة العام الماضي، جعلوا الصحيفة تصدر يوميا حتى تقدم المزيد من التغطية لحركة المعارضة. وتعد هذه الصحيفة اليوم من الصحف الأكثر توزيعا وتتولى ليتي رئاسة تحريرها، بينما تعمل يوغينيا كاتبة للموضوعات الصحافية بها.

كانت مرحلة «بانوراما» حاسمة بالنسبة لماريا، فبعد نشر المقال الذي كتبته عن شيخ القبيلة، تحولت إلى صحافية تعمل بدوام كامل. وقالت: «لقد كانت رحلة رائعة ومذهلة».

يشبه هذا ما حدث لكثير من الصحافيات اللاتي عملن في هذا المجال أثناء الصراع مع نظام ماركوس ومن بينهن شيلا كورنيل التي أسست المركز الفلبيني للصحافة الاستقصائية والتي تتولى حاليا إدارة مركز توني ستابلي للصحافة الاستقصائية بجامعة كولومبيا في نيويورك.

تقول ماريا ريسا، مراسلة سابقة لقناة «سي إن إن» والتي كانت نائب رئيس قطاع الأخبار والعلاقات العامة في شبكة «إيه بي إس - سي بي إن» حتى العام الماضي: «كل مؤسسة إعلامية مستقلة في الفلبين ترأسها امرأة». وكانت ماريا من المسؤولين التنفيذيين في الصحافة الذين أدلوا بشهادتهم أمام مجلس الشيوخ.

بحسب مركز حرية الإعلام والمسؤولية وهو مؤسسة بحثية ورقابية مقرها مانيلا، تشغل النساء أهم المناصب القيادية في مجال الصحافة والإذاعة. خلال 6 سنوات قضتها ريسا في الشبكة، كان عدد السيدات في الإدارة 13 من مجموع 15.

وبلغ عدد السيدات اللاتي حصلن على أكبر جائزة للصحافة الاستقصائية والتي تمنحها مؤسسة «جيمي أونغبين أواردز إكسيلينس إن جورناليزم» خلال الـ21 عاما الماضية 15. وأكثر من 70% من المسجلات في دورات الإعلام والصحافة من النساء.

قالت مليندا دي جيسوس، الرئيسة التنفيذية لمركز حرية الإعلام والمسؤولية الذي ينشر «فليبين جورناليزم ريفيو»، إن التحديات التي تواجهها النساء اللاتي يعملن في مجال الصحافة حاليا هي الحفاظ على كفاءتهن واستقلالهن ومواكبة التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات.

لكنها أشارت إلى أنه رغم إسهامات الصحافيات في إسقاط نظام فاسد، لا يزال هناك الكثير من المشكلات في المجتمع الفلبيني مثل الفقر والفساد وعدم كفاءة الأداء الحكومي، موضحة أن تغطية الصحافة لهذه القضايا «سطحية».

وأضافت: «الجزء الأصعب هو تطوير المحتوى الصحافي ليصل إلى المستوى الذي يستحقه الفلبينيون».

* خدمة «نيويورك تايمز»