الإعلامي المصري مفيد فوزي: لم أكن ضد الثورة.. فقط كنت أحتاج بعض الوقت كي أفهم وأغير جلدي

صاحب برنامج «حديث المدينة» لـ«الشرق الأوسط»: عصر الرقابة انتهى.. ولا يمكن أن تشتري ضميرا من الصيدلية

الإعلامي المصري مفيد فوزي
TT

رحلة عمل طويلة قضاها الإعلامي المصري مفيد فوزي، تنوعت ما بين العمل الصحافي والإذاعي والتلفزيوني. وذاع صيته خلالها كمحاور مشاكس، له أسلوبه الخاص في شكل التحاور وطرح الأسئلة، في سياق رؤية ترتبط بقضايا الوطن والإنسان.. من أبرز هذه الحوارات أكثر من حوار مع أركان المصري السابق النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع «حسنى مبارك»، حتى اشتهر بمحاور الرئيس، الأمر الذي جعله مغنما لحملة من الانتقادات، أطلقها شباب مؤيدون لثورة 25 يناير على «فيس بوك»، كما أشيع أنه تم الاعتداء عليه بالضرب في ميدان التحرير ومنع من التصوير.

الواقعة نفاها مفيد فوزي، مؤكدا في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» بمكتبه بالقاهرة، أنه لم يكن ضد الثورة ولكن كان يحتاج لبعض الوقت، ليعيد القراءة والفهم، حتى يمكنه أن يغير جلده وينتقل إلى الضفة الأخرى، ضفة الثورة.. كما تطرق الحوار إلى عدد من القضايا التي صادفها في مشواره الإعلامي، وأسلوبه الذي يعتمد على الاختصار والتركيز، في تحري الحقيقة والصواب.. وهنا نص الحوار:

* كيف ترى دور الإعلام المصري والعربي في ظل ثورات وانتفاضات شعبية تجتاح عددا من البلدان العربية؟

- الإعلام في كل العالم هو الذي يبشر بانتفاضة الشعوب، فهو نبض الشارع، أما الإعلام المصري فعليه في هذه اللحظات الحرجة أن يوجه الناس بدقة وصبر وتماسك وبإحساس أنها مرحلة انتقالية لا بد أن تمر بها مصر بحيث يبدأ بعدها التحول الاجتماعي، وعلينا أن نتمسك بشدة حتى نصل إلى مرفأ الأمان، والمرفأ هنا مصر.

* ما رأيك في دور الإعلام المصري أثناء الثورة؟

- من تابعوا الإعلام المصري خلال أيام الثورة، يدركون هل كان معها أم ضدها، ولكن من وجهة نظري أن الإعلام المصري رصد ما حدث تماما.. نعم هناك انتقادات وجهت للتلفزيون المصري قد تكون صحيحة.

* لكن ما رأيك فيما تناقلته بعض الجرائد من تصريح للرئيس السابق «مبارك» بأنه لم يكن يعرف مطالب المتظاهرين لأنه كان يتابع الأحداث عبر التلفزيون المصري؟

- المأساة دائما كانت في حجب المعلومات عن الرئيس السابق، فكان لا يعلم ما يحدث بالشارع ولا أدري إذا كان يتابع قنوات أخرى أم لا.

* برأيك كيف يمكن للتلفزيون المصري النهوض من كبوته واكتساب ثقة جمهوره من جديد؟

- ببساطة شديدة يتلخص حل المشكلة في ثلاث نقاط، الأولى أن يعطى للتلفزيون المصري حرية الإبداع، والثانية أن يمنح حرية الصدق، والثالثة أن يكون أمينا فيما يقدم للمشاهدين.

* قدمت للإعلام الكثير خلال رحلة طويلة من العمل، لكن ما الجديد الذي ستقدمه في المرحلة المقبلة؟

- قدمت خلال السنوات الماضية مجهودا ثريا وبه زخم، أما جديدي فهو أن كل ما سأكتبه أو سأقدمهعلى الشاشة بلا رقابة، وسأكون راصدا أمينا لمجريات الأحداث.

* اشتهرت بلقب «محاور الرئيس».. ما الآثار التي حصدتها بعد الثورة إثر انتمائك للنظام القديم؟

- أنا رجل مهني، لو لي رغبة اليوم في محاورة زعيم تنظيم القاعدة سوف أسافر له، هل بهذا سأكون منتميا إلى «القاعدة». ومعنى أنني مهني، أي مخلص لمهنتي ومثلما فعلت قبل الثورة وحاورت الرئيس السابق، سأحاور الرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب بعد الثورة، سأحاوره لأنه أصبحت له نفس الشرعية، شرعية الثورة.

* ظهر بعد الثورة إعلاميون صرحوا بأن محاورتهم للرئيس السابق لم يسعوا لها لأنها لن تضيف لهم، حتى إن مذيعا يمنيا مشهورا ظهر على التلفزيون اليمنى وتساءل أمام جمهوره، ماذا سيكون مصيري بعد سقوط النظام هل سأهاجم مثل إعلاميي مصر بعد سقوط النظام.. ما رأيك؟

- مستحيل ولم يحدث مثل هذا بالمرة، وربما كانوا يريدون محاورة «أوباما» مثلا حتى يضيف لهم. لا يوجد في الدنيا مبدأ يقول إنه من أجل العدالة والديمقراطية يصبح هناك عهد سائد وعهد بائد. وأنا، كرجل مهني أمتلك أدواتي، لا يمكنني الخوف أبدا.

* من برأيك الإعلامي الذي قاد الحوار بنجاح وانضم إلى الثوار دون أن تهتز شعبيته؟

- لا يوجد.. وهذا كلام تعبيري وحالم، لأن الواقع يقول إنه قبل الثورة هناك إعلامي مهني يقوم بإجراء حوارات مع النظام وبعد الثورة يحاور النظام الجديد، والذي انتقل من هنا إلى هنا هي المهنية والضمير.

* هل الإعلام المصري والعربي في مرحلة الثورة كان مفيدا أم مستفيدا؟

- من السذاجة والغباء أن نصنف هذا التصنيف، لأن الثورة لها إعلام والنظام السابق له إعلام والمهنية بين هذا وذاك واحدة، وأنا أتحدث عن نفسي فأنا أعرف التعامل مع الوضعين بمهنية خالصة.

* برأيك، هل أصبح الجمهور اليوم أكثر ذكاء من قبل أم أكثر حرية في إبداء آرائه؟

- الجمهور أصبح أكثر ذكاء وحرية وسعيا إلى سيادة الديمقراطية، حياة الميدان أثرت في الشعب المصري والجيل الحالي مميز وصنع معجزة والجيل القادم سيكون أكثر وعيا.

* هل حقا كنت ضد الثورة وصرحت بأنك تحتاج إلى وقت لتغيير جلدك والانتقال إلى الضفة الأخرى؟

- لم أكن ضد الثورة، وما قلته كان أشرف جملة تعبيرا عن موقفي وليس لديّ أكثر لأقوله في هذا الأمر.

* ما السبب الذي دفع سامي الشريف فور توليه رئاسة التلفزيون لإقصاء كبار المذيعين؟

- منطق رئيس الاتحاد بأخطائه وصوابه فهو المسؤول عن النتائج وحده.

* هل مصر في طريقها لتكون دولة مدنية أم دينية؟

- مدنية.. يجب أن تكون مدنية لأن في هذا سلامتها.

* هل ستنضم إلى حزب نجيب ساويرس؟

- لا.. ولكن إذا جاء حزب جديد للشباب ودرسته بعمق وتأكدت من جدوى أهدافه سأنضم له، فلا مانع لديّ أن أعيش هذا العصر بكل ما فيه من تأجج.

* كونك قبطيا مصريا وإعلاميا بارزا، ما الطرق الواجب اتباعها حتى نخمد نار الفتنة بين المسلمين والأقباط؟

- لا توجد فتنة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، ولكن توجد حالات احتقان ستنتهي إذا لم يتدخل السلفيون في الحياة السياسية.

* كيف ترى مستقبل مصر في المرحلة المقبلة؟

- مصر تمر بمخاض، ستصل بعده إلى كثير من القيم الجميلة التي ستغيرنا جميعا، ولكن لن يحدث هذا إلا مرورا ببعض الفوضى.

* من قادر اليوم على قيادة مصر؟

- جمال عبد الناصر كما أتذكر عندما قاد مصر كان لديه 33 سنة، ومن الممكن أن يظهر شاب مصري حالم وواع ولديه أفكار لقيادة مصر والخروج بها من محنتها فيتبوأ هذا المنصب ويكون بهذا مختلفا لقيادة بلد مختلفة. أما العودة للأسماء التقليدية القديمة فأعتقد أن كثيرا من الناس لن تعطيها أصواتها، وفي النهاية القرار للشعب.

* الإعلامية «بثينة كامل» رشحت نفسها للرئاسة، لماذا لم تحاول خوض هذه التجربة؟

- الإعلامية «بثينة كامل» امرأة طموحة، أنا لا أملك هذا الطموح.

* تنتمي إلى جيل ما قبل الإنترنت، ولكن بعد الثورة تعاظم دوره خاصة «فيس بوك» الذي لعب دورا مهما في حشد الجماهير.. ما رأيك؟

- «فيس بوك» أتى بثورة عظيمة وهذا أعظم إنجاز لشاشة الإنترنت، لأنه في الآونة الأخيرة كان الطريق للتواصل بين الشباب. و«فيس بوك» هو من أتى بهؤلاء الشباب إلى حقيقة الثورة وميدان التحرير. ولكن «الإنترنت» أحيانا ساحة باطل وفبركة ونوعية مهترئة من الأخبار تسيء إلى بعض الناس، والحسم في كل هذا يعود للضمائر، ولا توجد صيدلية في العالم يستطيع الإنسان دخولها لشراء ضمير.

* ما الأكثر إثارة لإعجابك، الإعلام المرئي أم المقروء؟

- بصفة عامة كل الإعلام الخاص يسعى إلى كشف الكثير للناس، وأبرز الإعلام المقروء جريدة «المصري اليوم»، يأتي بعد هذا جريدة «الوفد» و«صوت الأمة»، والصحافة بدأت بعد الثورة تتحرر من القيود. أما الإعلام المرئي فكان يعجبني برنامج 90 دقيقة لطريقة تناول معتز الدمرداش للقضايا.

* يقال إنك تعرضت لبعض المضايقات من الجمهور في ميدان التحرير، فهل أغضبك هذا؟

- بالعكس، ولكنى اعتبرته حادثا عارضا، وقع في الوقت الخطأ، فأنا لم أكن في ميدان التحرير لزيارة شخصية، ولكني كنت أحمل ميكروفون برنامج «حديث المدينة»، وبالتالي فقد كان من حق جمهوري أن أسجل ما يفكر به الناس في الشارع حول ثورة لا بد أن نقول لها ما نعتقد بشكل حازم تحديدا بالنسبة للديمقراطية. ولكن شعرت أننا بالثورة اجتزنا حاجز الخوف، وبدأنا بالفعل مرحلة التغيير.

* «حديث المدينة» من البرامج القليلة التي أبقى عليها التلفزيون المصري؟

- لأنه برنامج جماهيري وصاحبه ابن ماسبيرو منذ إنشاء هذا المبنى وقد رأيته على «الطوب» وقت إنشائه.

* ما الثوب الجديد الذي سيرتديه البرنامج في تناوله للأحداث؟

- لا شيء أكثر من صدق التناول والمعالجة وعدم التغابي أو الاستذكاء للهروب من الرقابة.

* حاورت أغلب رجال النظام السابق.. من المقترح لمحاورته في الفترة المقبلة؟

- سأحاور الشخصيات العاقلة الصادقة التي من الممكن أن تعبر بنا المرحلة الانتقالية بهدوء وسلام، وسيسعدني بشدة أن تكون هناك عقول واعية كقارب يمضي بنا بهدوء لنعبر هذه المرحلة ونحدد ملامح الطريق وهذه هي النوعيات التي سأجتهد في البحث عنها خلال الفترة المقبلة.

* سقف الحريات ارتفع وانكسر مقص الرقابة.. بماذا تنصح الإعلاميين حتى لا تجانبهم المصداقية؟

- الدقة وعدم المبالغة في النقل والرصد حتى لا يفقدوا مصداقيتهم لدى الناس، سواء على الشاشة أو على صفحات الجرائد، وليس من الصواب إخراج خفايا النظام كل يوم لخطب ود الجمهور، لأن هذا أرخص الأساليب للتقرب من الثورة، ولن يحترم شباب الثورة الذين راح منهم الشهداء هذا المنهج.

* ما الخلطة السرية من الإعلامي «مفيد فوزي» لتخريج إعلامي جيد؟

- الحضور، الوعي، الثقافة التي تمنح الإعلامي التدفق في المعلومات، الجاذبية، الذكاء، دقة المعلومة.. وأنا أرى الإعلامية اللبنانية «جيزال خوري» لديها كل هذه المقومات.