«ويبو».. الوجه الصيني لمواقع «تويتر» و«فيس بوك» العالمية

رغم القيود.. المدونات الصغيرة تحقق انتشارا بين فئات المجتمع

هجوم صيني على المواقع الاجتماعية الناطقة بالصينية («نيويورك تايمز»)
TT

يستخدم وانغ يين (24 عاما)، خريج جامعة تسينغوا المتميزة في بكين، باستمرار «سينا ويبو»، موقع التواصل الاجتماعي الشبيه بموقع «تويتر» في الصين.

قال وانغ: «عندما أستخدم موقع «سينا ويبو»، فإن أكثر ما يشد انتباهي هو الأحداث الجارية وتعليقات أصدقائي وبعض المعلومات المتعلقة بالصحة وعلم النفس». وأضاف وانغ: «في كل يوم، أسجل الدخول إلى الموقع أكثر من خمس مرات، مستخدما جهاز الكومبيوتر أو الهاتف المحمول خاصتي. وأستمر في استخدام الموقع لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات».

ويعتبر وانغ ومستخدمو موقع «ويبو» الآخرون المسجلون البالغ عددهم 140 مليون مستخدم سببا رئيسيا يدفع شركات الإنترنت الأميركية، أمثال «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» إلى الرغبة في الوصول إلى الصين. فالصين تمتلك أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في العالم، نحو 457 مليون مستخدم، وغالبيتهم من الشباب الذين يمضون فترات طويلة في المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الإنترنت وأنشطة التجارة الإلكترونية.

ولكن حتى الآن، لم تستطع تلك الشركات الوصول إلى الصين. فعلى الرغم من أنه لا توجد أي قيود تمنع الشركات الأميركية من العمل داخل الصين، تم حجب مواقع الإنترنت الأميركية الثلاثة الشهيرة في الصين لعدة سنوات. ويرى المحللون أن هذا ربما يرجع إلى أن الحكومة الصينية ترغب في منع تلك المواقع من نشر معلومات غير خاضعة للرقابة.

في الوقت نفسه، تزدهر مواقع التواصل الاجتماعي الصينية. فمنذ أسبوعين، ارتفعت قيمة حصص أسهم موقع التواصل الاجتماعي الصيني «رين رين» بعد طرحها في اكتتاب عام ابتدائي في «وول ستريت»، والذي حقق لفترة قيمة سوقية أولية تقترب من 7 مليارات دولار.

غير أن موقع «رين رين»، في الوقت الذي يشار إليه فيه باسم «فيس بوك الصين»، ليس حتى الموقع الذي يتصدر قائمة مواقع الإنترنت الأكثر زيارة داخلها. فالموقع الذي جاء في الصدارة هو Sina. com، البوابة الإلكترونية التي يعود ظهورها إلى 13 عاما مضت والتي أعادت تجديد نفسها بطرح موقع «سينا ويبو». وقد ارتفعت حصص أسهم الشركة «سينا» المدرجة في بورصة «ناسداك» بنحو 250 في المائة خلال العام الماضي، ويقدر بعض المحللين أن وحدة المدونات الصغيرة الخاصة بالشركة يمكن وحدها أن تساوي نحو 5 مليارات دولار.

إن الأمر كله يتعلق بمعدل الزيارات للمواقع. ففي فترة العامين منذ أن أصبحت خدمات المدونات الصغيرة منتشرة على نطاق واسع في الصين، جذبت أكثر من 220 مليون مستخدم مسجل.

أما الآن، فمع التأثير القوي للمدونات الصغيرة على الخطاب العام وبدء المعلنين في توجيه حملات تستهدف مستخدمي المدونات الصغيرة، تسعى شركات الإنترنت الصينية الأخرى لتطوير خدمات المدونات الصغيرة الخاصة بها وترويجها.

قال تشاو تشانمينغ، محلل إنترنت في مجموعة «سسكويهانا إنترناشيونال غروب»: «لقد بات تركيز وسائل الإعلام الإخبارية والمشاهير، وكذلك رؤساء مجالس الإدارات، منصبا على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا يغير من الطريقة التي يتلقى من خلالها الناس الأخبار والمعلومات».

الأمر المثير للدهشة هو أن خدمات المدونات الصغيرة تشهد ازدهارا هنا على الرغم من تشديد الحكومة الصينية مؤخرا الإجراءات التي تفرضها على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب التظاهرات المطالبة بالديمقراطية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. بيد أن القيود، التي تتعلق في الأساس بحذف محتوى أو إخضاع محتوى سياسي لرقابة، تستهدف منع استخدام المدونات الصغيرة والمواقع الأخرى في تشجيع المعارضة أو تنظيم مظاهرات مضادة للحكومة.

ولا يزال مستخدمو الإنترنت الشباب في الصين يبدون غير قلقين من هذه القيود، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن خدمات المدونات الصغيرة تعتبر بديلا مغريا لوسائل الإعلام الحكومية في الدولة الخاضعة لرقابة مشددة، وربما بشكل أكثر أهمية، لأن المدونات الصغيرة تعتبر أداة قوية للتعبير عن الذات.

وقال غوبين يانغ، أستاذ مساعد بكلية بارنارد في نيويورك ومؤلف كتاب «قوة الإنترنت في الصين: النشاط الفاعل للمواطنين على الإنترنت»: «ثمة أناس كثيرون ثرثارون على موقع (ويبو)»، واستطرد قائلا: «إنهم يتحدثون عن كل شيء بدءا من ماركس وماكلوهان إلى العلاقات الشخصية وعلاقات الحب. ومن ثم، يتمثل نجاح (ويبو) الحقيقي في أنه يوفر مكانا لهذا النوع من الأحاديث الودية غير الرسمية».

ولم تستسلم الشركات الأميركية. فقد شكلت شركة «غروبون»، عملاق الكوبونات على الإنترنت، مؤخرا اتحادا مع شركة «تينسينت» أكبر شركات الإنترنت الصينية. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، زار مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع «فيس بوك»، بكين وتفقد مكاتب شركتي «سينا» و«بايدو»، أكبر محركي بحث على الإنترنت في الصين.

وقد نفى موقع «فيس بوك» الشائعات التي تقول إنه يخطط للوصول إلى الصين بالتعاون مع «بايدو». وقد ذكر مسؤولون بإدارة الموقع أنهم يبحثون فقط عن طريقة للوصول إلى الصين.

ويحذر المحللون من أن انتشار المدونات الصغيرة الصينية يمكن أن يعرقله اتخاذ الحكومة قرارا بأن هذه المدونات قد باتت قوة ذات تأثير خطير على الرأي العام. ولكن حتى الوقت الراهن، تلتزم خدمات المدونات الصغيرة بالمحاذير الرقابية، كما تفوز بعدد أكبر من المستخدمين الجدد، في الوقت الذي تسعى فيه مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «رين رين»، لمواكبتها، بحسب «آي ريسيرش»، شركة تحليلات مقرها في شانغهاي.

ويقول بعض الخبراء إن الحكومة ربما تحاول تحويل المدونات الصغيرة لمنفعتها الخاصة، من خلال الرقابة على التعليقات والزيارات للتعرف على مقاصد المستخدمين، وربما حتى لتوقع مظاهر السخط والاستياء على المستوى الاجتماعي واتخاذ رد فعل تجاهها. ويقول بيل بيشوب، محلل إنترنت مستقل في بكين: «إنه نظام استطلاع آني يهدف لاكتشاف ما يجري في الصين. كما أنه بمثابة صمام بخار نظرا لأن الصين أشبه بإناء طهي بالضغط». وهو يرى أنه إذا أصيب الناس بالضيق والانزعاج، «يمكنهم فقط التعبير عن آرائهم على موقع (ويبو)».

وإلى جانب ذلك، يقول المحللون إن استخدام موقع «ويبو» – الكلمة الصينية التي تشير إلى المدونة الصغيرة – لا يتعلق بممارسة نشاط فاعل؛ وإنما بحرية التعبير ومشاركة المعلومات والتواصل مع الناس. وحينما ظهر موقع «سينا ويبو» لأول مرة في عام 2009، شكلت الشركة خدمتها الخاصة بالمدونات الصغيرة عن طريق تحويل أشهر مدوني الإنترنت شهرة - نجوم السينما وملوك العقارات والرياضيين والكتاب - إلى عالم المدونات الصغيرة. وسرعان ما اشترك في المدونة الصغيرة ملايين الشباب.

ويواجه مسؤولو شركة «سينا» - الذين رفضوا أن نجري مقابلات معهم بخصوص موضوع هذا المقال - منافسة شرسة من «تينسينت» و«بايدو» وغيرهما من مزودي خدمات المدونات الصغيرة. ولكن حتى الآن، تعتبر هذه الشركة هي شركة خدمة المدونات الصغيرة الرئيسية بلا منازع، وذلك جزئيا لأنها قد أخذت خطوة البداية مبكرا وأيضا لأنها تجمع سمات كل من «تويتر» و«فيس بوك»، إلى جانب بعض العناصر المحلية المضمنة.

على سبيل المثال، لا يسمح موقع «تويتر» للمستخدمين بإرسال صور ومقاطع فيديو، في الوقت الذي يتيح لهم فيه موقع «سينا ويبو» ذلك. ويتيح موقع «سينا» للمستخدمين أيضا إعادة إرسال محتوى أو التعليق على أي موضوع ومشاركة مراسلات الآخرين وإنشاء مجتمعات مدونات صغيرة أكبر.

ويستهدف المعلنون المدونات الصغيرة، حيث يطلبون من المشاهير الترويج لمنتجاتهم أو توزيع كوبونات أو عروض ترويجية. ويقول بيوني وو، رئيس قسم الخدمات الرقمية بشركة «أوغليفي آند ماثر تشاينا»: «عملائي يقولون إن جميع المستخدمين يستخدمون موقع (ويبو)، إذن ما الذي نفعله؟ لذلك تستعد شركات عدة الآن لدخول هذا المجال».

* خدمة «نيويورك تايمز»