لندن: صحافيون يهربون من فخ البطالة بتعلم لغة الضاد

الإعلام الدولي أطلق خدمات باللغة العربية

أصبحت اللغة العربية اليوم مهارة إضافية تحت الطلب بعد أحداث الثورات العربية
TT

في حين تستمر بلدان الشرق الأوسط في خلق ثورات تاريخية، اتجه صحافيون صغار في الغرب إلى تعلم اللغة العربية بحثا عن مكان لهم في غرف الأخبار. ووسط منافسة يشهدها العمل في قطاع الإعلام في المملكة المتحدة، تتمثل في شح الوظائف وتقليص مؤسسات الإعلام العاملين فيها بسبب ضغط الأزمة المالية، إلا أن جميع هذه العوامل يقابلها اتجاه كثيف من قبل المؤسسات الكبرى لإطلاق خدمات إخبارية باللغة العربية ربما تكون الوسيلة لإنقاذ الصحافيين من فخ البطالة.

وقد تسابق الإعلام الاجتماعي والدولي في الغرب مؤخرا إلى إطلاق خدمات إعلامية باللغة العربية من أجل زيادة أعداد متابعيه، آخرها خدمة شبكة «سكاي نيوز العربية» التي أطلقت مشروع قناة تلفزيونية خاصة بالأخبار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أطلقت صحيفة «الغارديان» البريطانية خدمة «غارديان العربية» لتشمل ترجمة أهم المقالات والتقارير المنشورة في الصحيفة إلى اللغة العربية. ووصل الاهتمام إلى مواقع التواصل الاجتماعي كـ«تويتر» الذي قام موقعه الرسمي بنشر أول تعليق له باللغة العربية في مايو (أيار) الماضي. هذا الدعم لقطاع الخدمة الإخبارية الموجه للشعوب الناطقة بالعربية أصبح يغري طلاب الإعلام في الغرب لتعلم لغة الضاد لتساعدهم على الحصول على وظيفة «صحافي» بعد التخرج.

وتدفع إيلينور نايت (80 جنيها استرلينيا) إضافية لحضور صف مخصص لتعليم اللغة العربية للمبتدئين إلى جانب رسوم دراستها العليا في مجال الصحافة (3000 جنيه)، في إحدى الجامعات وسط لندن، وتقول: «اللغة العربية مهارة قيمة بالنسبة لي في ضوء الأهمية الاستراتيجية لمنطقه الشرق الأوسط بالنسبة للحكومات الغربية»، مضيفه أن اهتمامها بالسياسة في المنطقة العربية يتطلب منها معرفة اللغة الفصحى. وتكشف «أوساط صناعة الرأي في الغرب أصبحوا مدركين لأهمية مخاطبة العالم العربي بلغته وهذا ما يحفزني لتعلمها».

ويمكن القول إن ذلك سبب آخر لهذا الإقبال، لا سيما مع صعوبة توظيف الخريجين في حقل الأخبار بدوام كامل بسبب ما يعانيه هذا القطاع من انفجار في عدد الخريجين من تخصصات إعلامية مختلفة لا يوجد لهم من شواغر كافية في ظل تقليص الحكومة البريطانية دعمها لقطاع الإعلام، الأمر الذي أدى إلى تقليص عدد الموظفين والخدمات الإعلامية المقدمة أملا في التغلب على قصور في الموازنة.

وتشير آخر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات المحلية في بريطانيا، إلى أن معدل البطالة بين الصحافيين ارتفع عام 2009 لأعلى نسبة له منذ عام 1981، حيث ذكر التقرير أن 1880 صحافيا تقدموا بطلب بدل بطالة بسبب شح الوظائف. وتؤكد أليسا غورمان من مكتب للتوظيف، أن مجال الإعلام بشكل عام هو أكثر المجالات منافسة، مشيرة إلى أن مئات الآلاف من الخريجين يتنافسون على مواقع عمل في مؤسسات الإعلام والصحف، وكثير منهم لا يستطيع الحصول على فرص مما يجعلهم يلجأون إلى مجالات أخرى متصلة بالإعلام كالدعاية أو العلاقات العامة. ويقول كريستيان رايدون (26 عاما) وهو طالب على أعتاب التخرج: «لا أشعر بالاطمئنان حيال الوضع الحالي لسوق العمل في الصحافة.. مجالنا جذاب ولكن يتطلب اكتساب مهارات إضافية ليجد من خلالها الصحافي مكانا له في إحدى المؤسسات الإعلامية».

هذا، وأكبر ما يواجهه قطاع الإعلام من تحد يتمثل في الانتقال إلى شبكة الإنترنت أو ما يعرف بصحافة المواطن، التي أصبحت الوسيلة الأسرع للتعرف على آخر الأخبار التي يتم تصفحها من «تويتر» أو «فيس بوك» وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية. كل ذلك جعل من المؤسسات تتجه نحو تقليص النشر وبالتالي تقليص النفقات، مما أثر بقوة على التوظيف والاقتصار فقط على التوظيف بنظام جزئي أو تدريب مسائي غالبا يتم بدون عائد مادي. وتصنف رواتب الصحافيين في العالم في مراتب متدنية. وبحسب شركة التوظيف «Graduate recrutment bureau» فإن المرتب المتوسط للصحافي في بريطانيا لا يزيد على 18000 في العام فيما يرتفع إلى 20000 - 27000 سنويا بعد التدريب أو الممارسة.

وتقول لوفدي موريس، وهي صحافية بريطانية متعاونة مع إحدى الصحف الإماراتية ولديها مبادئ اللغة العربية «لا يوجد كثير من الصحافيين في بلدي لديهم تمكن من اللغة في سياق العمل على الرغم من أنه أمر مطلوب بالفعل، ولهذا أتوقع أن يكون هناك طلب متزايد عليهم في العربية في السنوات المقبلة». وعلى الرغم من أنها غير متمكنة تماما من اللغة التي تعلمتها في مصر فإنها ترى بأنها ضرورية في تكوين فكرة حول ما يتم تداوله في الصحف العربية والتحدث مع العامة لإثراء التحقيقات الصحافية. وأضافت «الوضع مختلف بالنسبة لي لأنني مهتمة بالشرق الأوسط والحياة والثقافة قبل العمل كصحافية، إلا أنني أجد بأنني أرغب في الاستمرار في تعلم اللغة لا سيما في الوقت الحالي الذي يشكل مرحلة تاريخية في الإقليم بأكمله»، لافتة إلى أنها ترغب في إكمال تعلم العربية في سوريا على الرغم من صعوبة الحصول على تأشيرات طلبة على عكس مصر. وفي الشام ومصر تبقى مهمة الصحافي غير سهلة في تطوير بعض الأخبار، ولكن يظل هناك عدد كبير من المراسلين الأجانب في المنطقة لا يعرفون العربية إلا أنهم يستأجرون مترجمين لمساعدتهم، كما أن عددا منهم يفضل أن يردد أنه يعرف العربية إلا أنهم لا يعرفونها تماما لاستخدامها في عملهم»، لافتا إلى أنه لا يزال هناك شعور في الخارج يتجنب الأجانب ممن يتحدثون اللغة العربية يرون بأنه لا يمكن الوثوق بهم بسبب مواقف ذات حساسية من المستشرقين.

من جهتها فإن أكاديميات الإعلام والصحافة في بريطانيا مدركة تماما للمنافسة التي يشهدها هذا القطاع، مما دفع عددا منها لتقديم دورات في اللغة العربية إلى جانب دورات في مهارات مختلفة، إحداها جامعة سيتي لندن المعروفة بتخصصات الإعلام التي تقيم دورات مجانية للطلبة ممن يرغبون في تعلم اللغة العربية، أهمها فصل خاص بمبادئ القراءة والكتابة باللغة العربية الفصحى، وآخر مخصص للغة التواصل، إلى جانب صف متخصص للمستوى الابتدائي. وبحسب المسؤول عن دورات اللغات في الجامعة فإنه إلى جانب 60 طالبا ملتحقا بصفوف اللغات فإن 12 من طلبة الإعلام بجميع تخصصاته يدرسون العربية.

بدوره يقول لـ«الشرق الأوسط» مدير مجلس التفاهم العربي- البريطاني كريس دويل، التي تدعم مبادرات السلام لمنطقة الشرق الأوسط، إن الاهتمام بالدراسات العربية ازداد خلال العشر سنوات الماضية مع تزايد اهتمام الغرب بالشرق الأوسط عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، حيث قام الجيش الأميركي وعدد من المعاهد بطلب متحدثي العربية بسبب الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان، مشيرا إلى أنه منذ ذلك الوقت انتقل هذا الاهتمام إلى المؤسسات الإعلامية التي أصبحت مهتمة بالصحافيين متعددي اللغات وخصوصا العربية، الأمر الذي دفع عددا من صحافيي الأخبار والتحقيقات للتوجه للدول العربية لدراسة اللغة خصوصا في مصر وسوريا.

وربما تكون الأحداث السياسية غير المستقرة في مصر مؤخرا قلصت عدد الصحافيين المتوجهين إلى هناك لدراسة اللغة العربية في المعاهد والجامعات المصرية، إلا أنه لم يلغها تماما بحسب مديرة مركز العربي للدراسات العربية في القاهرة لمياء منجد، التي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن معظم الإعلاميين من الدول الغربية لديها يرغبون في معرفة الأخبار والتعامل في المؤتمرات باللغة العربية إلى جانب آخرين من طلبة في قسم اللغات الشرقية وحوار الثقافات بالجامعات الأميركية والإنجليزية العاملين في منظمات حقوق الإنسان، لافتة إلى أن أكثر البرامج المطلوبة هي اللغة العربية الفصحى الحديثة وذلك لأنها تجمع ما بين الفصحى ويليها العامية المصرية، مشيرة إلى أن الإقبال على دراسة اللغة العربية في مصر وسوريا يرجع إلى أن اللغة العربية بلهجاتها تكون أوضح للطالب في هذه الدول.

وحول أهمية اللغة العربية للصحافيين في الغرب يعود دويل ليؤكد أن اللغة العربية اليوم أصبحت مهارة إضافية تحت الطلب خصوصا بعد أحداث الثورات العربية، مشيرا إلى أن هناك صعوبة في نشر جميع القصص التي تحدث في المجتمعات المنغلقة وخصوصا الشرق الأوسط لنشر قصص حصرية دقيقة حول ما يحصل في المنطقة. مضيفا أن الصحافيين المتخصصين في الحروب والصراعات السياسية والكوارث هم أكثر من يحتاج إلى اللغة العربية إلى جانب مراسلي وكالات الأنباء العالمية التي وإن كانت تشكل خطرا (لا سيما أن معظم الأشخاص يرتابون من الأجانب الذين يتحدثون العربية خوفا من أن يكونوا على اتصال بجهات استخباراتية) إلا أنه ومن جهة أخرى فإنها تساعد المراسل في أحيان أخرى.

وربما تكون الحادثة التي تعرض لها ميغيل ماركويز مراسل قناة (إي بي سي) في فبراير (شباط) الماضي أقرب مثال لحاجة الصحافيين الغربيين لتعلم اللغة العربية، بعد أن تعرض للضرب على الهواء مباشرة فيما كان يغطي التظاهرات في البحرين خلال إخلاء دوار اللؤلؤة بعنف في المنامة، حيث ردد على الهواء «أرجوكم اتركوني.. أنا صحافي»، حيث ذكر بعد أشهر من الحادثة مخاطبا طلبة الإعلام في إحدى الجامعات البريطانية: «أرغب أن أستيقظ صباحا وأجد نفسي أتحدت العربية» من جهتها قالت زوي هولمان طالبة أسترالية في إحدى الجامعات البريطانية بأنها تعلمت العربية من خمس سنوات بعد قضاء وقت متنقلة بين الدول العربية. وأشارت إلى أن أكثر التحديات التي واجهتها هي البحث عن معلم جيد على الرغم من وجود كثر لغتهم الأم هي العربية.

وحول الصعوبات التي واجهتها قالت «القواعد بالنسبة لي كمسألة رياضيات حسابية، إلى جانب التفاوت العميق بين الفصحى والعامية» مشيرة إلى أن اللهجات المختلفة متفرعة وصعب ممارستها في غير البلدان العربية.