الصين: المدونات قوة كبرى تتخطى حدود الرقابة

26 مليونا على «ويبو» بديل «تويتر» تعليقا على مأساة تصادم القطارات

صيني يتابع احداث بلاده لحظة بلحظة عبر المدونات الالكترونية («نيويورك تايمز»)
TT

«بعد كل الرياح والعواصف، ما الذي سيحدث مع القطار السريع؟».. جاء هذا التساؤل في رسالة نُشرت مساء السبت الماضي على موقع التدوين المصغر «سينا ويبو». «إنه يزحف بسرعة أبطأ من قوقعة الحلزون، آمل آلا يحدث شيء له».

كانت هذه جمل قصيرة قليلة كتبتها فتاة صغيرة السن، اسمها على الإنترنت سمم مياو. وبعد 5 أيام، كان الإعصار الذي تبعها لا يزال يغمر شبكة الإنترنت داخل الصين، ووصل إلى بيروقراطيين حكوميين ومسؤولين عن الرقابة وصحافة تسيطر عليها الدولة.

بعد ذلك بدقائق قليلة، صدم من الخلف القطار الذي رأته الفتاة على قضبان خارج ونزهو بمقاطعة تشجيانغ الساحلية. وأدى ذلك إلى مقتل 40 شخصا وجرح 191 آخرين. ومنذ ذلك الحين، نشر على موقعي التدوين المصغر الشبيهين بـ«تويتر» داخل الصين 26 مليون رسالة حول المأساة، وكان من بينها رسائل أجبرت بعض المسؤولين الذين يشعرون بالخجل على مراجعة أنفسهم. يُشار إلى أنه يطلق على هذا النوع من المواقع «ويبو». وكان في الرسائل مزيج من التعبير عن الازدراء من هيئات السكك الحديدية وشكوك في التفسيرات الحكومية ونهج صحافي تقليدي من جانب المواطنين والحرفيين على السواء.

وجاءت المدونات السريعة والشاملة حول حادث القطار هذا الأسبوع في تناقض واضح مع تباطؤ وزارة السكك الحديدية، التي كانت تئن بالفعل تحت وطأة فضيحة رشا. كما أنها نموذج مذل للمنابر الإخبارية والتلفزيون الحكومي التابع للحزب الشيوعي، التي أدت تغطيتها ضيقة الأفق عن أطفال أنقذوا إلى ظهور تقارير تتسم بالحرص حول الشعور بعدم الرضا لدى المواطنين.

وعلى الرغم من أن المدونات قد كشفت عن أشخاص يرتكبون تصرفات خاطئة وأخبار سيئة من قبل، فإن أداء هذا الأسبوع ربما يكشف عن تحول مواقع التدوين «ويبو» إلى قوة اجتماعية، على الرغم من جهود الحكومة للحد من تأثير الإنترنت.

وترك المراقبون الحكوميون المكلفون بمتابعة الرأي العام معظم أو كل الرسائل التي يبعث بها عبر مواقع «ويبو» على شبكة الإنترنت من دون أي معوق. ولكن يقول الكثير من الخبراء إن هؤلاء المراقبين الحكوميين بمثابة شخص يمتطي ظهر نمر. وتوجد سمة أساسية في رسائل هذه المواقع، التي تنتشر بسرعة تجعل المراقبين عاجزين عن التصرف معها؛ لذا تكون هذه المواقع عصية على المراقبة. وأضفت الشعبية المتزايدة سريعا لها حساسية خاصة على مراقبة هذه المواقع.

وتعتبر كارثة القطار يوم السبت نموذجا بارزا على ذلك، وقد كان لهذا الحادث صدى واسع بين الطبقة الوسطى المتنامية في الصين ومستخدمي أجهزة الكومبيوتر القادرين على السفر باستخدام القطار السريع، كما زاد تشككهم في الدعاية الرسمية.

وبينما خُصص التلفزيون الحكومي، مساء السبت، لتقارير عن حادث القتل الجماعي داخل النرويج، نشر موقع التدوين «سينا ويبو» خلال 4 دقائق من حادث تصادم القطار رسالة من مكان وقع الحادث؛ حيث أورد راكب انقطاعا للتيار الكهربي و«حادثي تصادم ضخمين». وبعد 9 دقائق نشر راكب آخر استغاثة، وأعيد نشر هذه الاستغاثة 100 ألف مرة: «الأطفال يبكون في كل أنحاء القطار، لا يوجد مضيف واحد هنا!». وبعد ذلك بساعتين ازدحمت المستشفيات بالراغبين في التبرع بالدم بعد نشر رسالة طلب مساعدة تدعو إلى ذلك.

وبعد ذلك بدأت ردود الفعل تتدافع. وقال تساي تشي، المسؤول البارز في مقاطعة تشجيانغ: «كيف يمكن إرجاع هذا الحادث الكبير إلى الطقس وأسباب فنية؟». وأضاف متسائلا: «من يجب أن يتحمل المسؤولية؟ يجب على وزارة السكك الحديدية أن تفكر بجد في هذا الحادث الأليم وأن تأخذ دروسا مستفادة من هذا الحادث».

وقال مدون من مقاطعة هوبي: «شاهدت للتو الأخبار عن حادث تصادم القطار في ونزهو، لكن ما زلت أشعر كأنني لا أفهم ما حدث. لا يوجد شيء يمكن الثقة فيه. أشعر أنني لا أستطيع الثقة حتى في النشرة الجوية. هل يوجد شيء ما زلنا نثق فيه؟».

وفي نهاية الأسبوع الماضي، أمر بيروقراطيو ونزهو محامين محليين بعدم قبول قضايا عائلات الضحايا من دون تصريح. وبعد أن فضحتهم مواقع التدوين الصينية، قاموا بسحب التعليمات وقدموا اعتذارا.

كان عمال السكك الحديدية قد قاموا بدفن أول عربة للقطار المقبل في موقع الحادث. ويوم الاثنين، وبعد حالة من الغضب على شبكة الإنترنت واتهامات بالتستر على الحادث، قاموا بإخراجها مرة أخرى وأخذها إلى ونزهو لتحليلها. وأشارت صحيفة «تشينا ديلي»، وهي صحيفة ناطقة باللغة الإنجليزية تديرها الدولة، إلى أنه لُبي طلب «الكثير من مواطني الإنترنت».

وقال تشان جيانغ، أستاذ الصحافة الدولية والاتصالات في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، في مقابلة أجريت مؤخرا: «أصف هذه بأنها ثورة التدوين المصغر». وأضاف: «في العام الماضي، لعبت مواقع التدوين المصغر، لا سيما (سينا) و(تينسنت) دورا أكبر في التغطية، لا سيما الأخبار العاجلة».

ولا يكتفي العدد القليل من الصحف والمجلات الذين ينالهم دوما مقص الرقيب بطبع نتائج بحثهم في حادث القطار، لكن ينشرونها على مواقع «ويبو» ليراها الملايين. وكذا فعلت المئات من المنابر الإخبارية التقليدية التي تسيطر عليها الدولة.

وحتى صحيفة «الشعب» الناطقة باسم الحزب الشيوعي لها «ويبو». لكن يسيطر على هذا المجال موقعان. ويوجد على موقع «سينا ويبو»، التابع لشركة «سينا القابضة»، 140 مليون مستخدم. وفي المعتاد يكون هؤلاء أفضل تعليما وأكثر اهتماما بالأحداث الجارية مقارنة مع المستخدمين لدى المنافسين. ويستضيف موقع التدوين التابع لشركة «تينسنت» 200 مليون مستخدم عادة ما يكونون من الشباب المهتمين بالتواصل الاجتماعي بدرجة أكبر.

وفي بضع نواحٍ، تحاكي مواقع «ويبو» الصينية المواقع المناظرة الغربية؛ حيث تجعل الرسائل لا تتجاوز 140 حرفا (ولكن في الصينية يمكن ذلك من كتابة معلومات أكثر؛ حيث توجد حروف في اللغة الصينية تمثل كلمة واحدة) وتمكن إعادة نشر الرسائل أيضا.

وتوجد اختلافات أيضا؛ حيث يمكن لمدونين التعليق على ما ينشره آخرون، مما يجعل الرسالة تتحول إلى محادثة. ويمكن للمستخدمين أيضا ضم صور وملفات أخرى مع رسائلهم، ويكون لذلك أثر واضح: يوم الخميس نشر مدونون صورا لأنشطة رسمية قام بها رئيس الوزراء وين جياباو لتكون في مقابل تأكيده في مؤتمر صحافي بونزهو أن المرض منعه من زيارة موقع الكارثة قبل ذلك.

وبينما تحظر شبكات اجتماعية غربية مثل «فيس بوك» و«تويتر» داخل الصين، فإن المواقع المماثلة الصينية مزدهرة، ويرجع ذلك إلى أن أصحابها موافقون على مراقبة حكومية، وربما لأن الحكومة تخشى من رد الفعل إذا قامت بإغلاقها. ويبدو أن الحديث عن مأساة القطار قد نال على الأقل نوعا من الموافقة الرسمية، ويعتقد الكثير من المحللين أن الحكومة ترى مواقع التدوين المصغرة مكانا يمكن للمواطنين التنفيس فيه عن شكواهم بأمان.

وإذا اقتضت الحاجة، يوجد في مواقع «ويبو» عشرات الوسائل التي يمكن استخدامها لتلطيف وإخفاء وحذف الرسائل، وفقا لما أفاد به محرر بموقع «تينسنت»، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفا من الفصل لنشره هذه المعلومات. لكن تستطيع مواقع «ويبو» التحايل على المراقبين.

وقال المحرر: «إذا لم يكن لدينا حرية في الكلام فإن هذه الشركة لن يكون لها أي تأثير؛ لذا يجب أن تتصرف الشركة بصورة استباقية لتأمين مساحتها. ولذا ندخل في مساومات مع الإدارات الحكومية». ويجد المراقبون أنه من الصعب الحد من مواقع «ويبو». ويمكن لمسؤولين حكوميين أن يزيلوا رسائل تحتوي على كلمات معينة مثل «حقوق الإنسان» و«احتجاج». لكن كما الحال مع «تويتر»، فإن القدرة على بعث الرسائل فورا للعشرات من المستخدمين تعني أن الرسائل يمكنها أن تنتشر قبل تنفيذ أوامر الرقابة.

ودائما ما توجد وسائل لحفظ الرسائل التي يجري حذفها، مثل ما ذكره الممثل الشهير جي يو: «إذا مات قيادي رفيع المستوى، سيكون هناك غضب غير محدود. لكن عندما مات الكثير من المواطنين العاديين، كان هناك توافق لا محدود وحسب» - كناية عن الرقابة. «وإذا مات قيادي رفيع المستوى، سيكون هناك حداد على مستوى البلاد. لكن عندما مات الكثير من المواطنين العاديين، لم تكن هناك كلمة اعتذار واحدة. وإذا مات مسؤول رفيع المستوى، ستكون هناك جنائز مترفة، ولكن عندما مات الكثير من المواطنين العادين، فكأن شيئا لم يحدث».

* أسهم في التقرير جوناثان أنسفيلد وأسهم في البحث أدام سنتشري ولي ميا ولي بيبو وإدي ين

* «نيويورك تايمز»