الإعلامي السوري فهد المصري لـ «الشرق الأوسط» : الثورة السورية أفرزت «صحافة المواطن الثائر»

قال إن الإعلام الإيراني الموجه للعرب يروج للمشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة

الإعلامي السوري فهد المصري
TT

انتقادات عديدة تواجه وسائل الإعلام السورية منذ انطلاق الثورة السورية قبل نحو خمسة أشهر، لعل أبرزها تبنى روايات وصفت بـ«الكاذبة» بهدف تضليل الرأي العام، الأمر الذي جعل واحدا مثل الإعلامي السوري «فهد المصري»، الذي يعد أحد أبرز الوجوه المعارضة في الخارج، يتبنى مهمة أن يكون مصدرا للصور والتسجيلات المرئية والمسموعة وبعض الأخبار الواردة من سوريا، وتأمين شهود العيان، والمساعدة في اختيار بعض الضيوف المناسبين في بعض البرامج التلفزيونية لقرابة 60 وسيلة إعلامية أغلبها محطات تلفزيون أوروبية.

ويعد المصري صحافيا مستقلا لعدد من وسائل الإعلام منها التلفزيون الفرنسي، إلى جانب كونه باحثا مختصا في الشؤون الإيرانية في مؤسسة «سيرت» الفرنسية المتخصصة بالقضايا الاستراتيجية والاستخباراتية والدفاعية والعسكرية، كما له اهتمام بحثي في الإعلام الموجه للعالم العربي.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» بالقاهرة، التي حل عليها قادما من فرنسا لتنسيق الجهود بين المعارضين السوريين، لفت المصري إلى أن الإعلام السوري يتعمد تشويه الثورة والمعارضة، مؤكدا أن ما يصل للرأي العام العربي والدولي حتى الآن لا يمثل سوى ما بين 10 إلى 20 في المائة من حقيقة ما يحدث على أرض الواقع من بشاعة المجازر والفظائع ضد المتظاهرين الذين يطالبون بالحرية. كما أشار إلى أن الثورة حولت الشباب المتظاهر إلى صحافيين يعملون بمهنية، على الرغم من ضعف الموارد المتاحة لديهم. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما تقييمك لتغطية الإعلام السوري للأحداث منذ بدء الثورة؟

- الإعلام السوري إعلام سلطة موجه، لكنه فاشل تبنى ويتبنى روايات مضللة كاذبة، حاول منذ بداية الثورة المس بالوحدة الوطنية ووحدة المجتمع السوري وتجييش الجماهير طائفيا وتبني روايات طائفية، كما يمارس «البروباغندا» أي التسويق والدعاية للنظام، وخير دليل على ذلك تصريح لوزير الإعلام السوري الأسبق محمد سلمان الذي قال في لقاء لإحدى الصحف العربية إن مهمة الإعلام السوري هي تسويق وترويج سياسات النظام.

الإعلام السوري يتعمد تشويه الثورة والمعارضة، والتسويق لأفكاره وسياساته، واللافت أنه في بداية الثورة كانت هناك بعض الأطياف أو الشرائح من الناس تتبنى ما يقوله الإعلام السوري لأسباب متعددة، منها أن هذه الشرائح لا تريد أن تسمع وترى حقيقة ما جرى ويجري في سوريا حتى تبرر تخاذلها عن اللحاق بالثورة وتبحث عن مبرر لأزمتها الأخلاقية قبل البحث عن مبررات سياسية.

* وماذا عما تردد من تعمد الإعلام السوري فبركة الأخبار وبثها؟

- الإعلام السوري والإعلام الموازي (وسائل إعلام لبنانية وإيرانية) اعتمد فبركة أخبار، كشهادات مزورة ومصطنعة، حيث يبث وينشر اعترافات لسوريين انتزعت منهم بالقوة، وتحليلات موجهة، والاعتماد على تشويه صورة المعارضين والتشكيك في وطنيتهم ونعتهم بشتى الأوصاف إلى جانب التهم الجاهزة بالعمالة والخيانة. وعلى سبيل المثال، قامت قناة «دنيا» التي يمتلكها رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بنقل محاولة رفع العلم الإسرائيلي في منطقة باب عمرو في مدينة حمص، وقالت حينها إن إمارة إسلامية شكلت هناك بتعاون إسرائيلي، هذه فضيحة لقناة «دنيا» وللنظام السوري.

* ما مدى تأثر المواطنين بهذا التعتيم الذي يمارسه الإعلام السوري؟

- منذ سنوات طويلة وهناك مساحات شاسعة وحالة جفاء بين الإعلام السوري والمواطن، ناتجة عن الأداء وانعدام الثقة بين السلطة المسيطرة على وسائل الإعلام والجمهور، وبالتالي فإن جزءا من جمهور وسائل إعلام السلطة يتأثر برواياتها نتيجة عوامل تتصل بقضايا الوعي السياسي والثقافي، وهي شريحة محدودة يمكن أن نسميها مجازا «جمهور سلطة»، وهي شريحة تبحث عن مبرر ليكون غطاء لتخاذلها مع الشارع، لكن الجمهور السوري عموما جمهور انتقائي يمتلك سلاحا فعالا هو جهاز التحكم «ريموت كنترول» للتنقل بين القنوات الفضائية ومشاهدة ما يلبي رغباته من برامج أو أخبار، وبالتالي مع كثرة وتعدد القنوات الفضائية أصبح لدى المشاهد خيارات مفتوحة إلى درجة الثمالة، وهذا يعني أن قدرة إعلام السلطة في التأثير على الجمهور السوري باتت محدودة وربما تصل إلى درجات متدنية من حيث قوة التأثير.

* على العكس من إعلام السلطة، رأينا قنوات تناصر الثورة مثل «أورينت» و«الصفا».. فهل نجحت هذه القنوات جماهيريا؟

- قناة «أورينت» بالتأكيد لعبت دورا كبيرا ولها جماهير وهناك من يسميها قناة الثورة، وأعتقد أنها تمكنت من احتلال المركز الرابع بعد قنوات «الجزيرة» و«العربية» و«بي بي سي عربي»، في سلم اهتمامات المشاهد السوري. وأحد أهم أسباب نجاح قناة «أورينت» أنها كانت قناة منوعات سورية ناجحة قبل الثورة، وتمكنت من اقتحام كل بيت سوري نظرا للسياسة البرامجية التي اتبعتها والأسلوب العصري في الطرح، ثم بدأت تدريجيا في طرح القضايا السياسية ومناقشتها واستضافة وجهات النظر والمواقف المختلفة، وصولا إلى اندلاع الثورة في سوريا وتكريس مساحات مهمة لمواكبة المظاهرات والاحتجاجات السلمية.

أما بالنسبة لقناة «الصفا»، فهي بالتأكيد تجذب جمهورا له طابع معين وحققت جماهيرية معينة في أوساط جمهورها خاصة مع الشيخ العرعور، لكن أداء القناة ليس بالمستوى المطلوب، ولربما كان لها دور سلبي في بعض الأوقات من خلال تسويق أخبار من نوع معين خدمت تلك الأخبار أو التحليلات، من حيث النتيجة، روايات السلطة، وخاصة في ما يتعلق بالتيارات الدينية أو السلفية.

* برأيك، إلى أي مدى تستغل الأنظمة العربية وسائل الإعلام في تضليل شعوبها والعالم؟

- الإعلام لدى الأنظمة الشمولية أو الديكتاتورية والاستبدادية كالنظام السوري والليبي واليمني هو جزء من الآلة العسكرية لتبرير عمليات القتل والمجازر والتمهيد للقيام بمجازر أخرى، ومن الطبيعي في أي حرب يشنها نظام ضد شعبه حاجته إلى آلة إعلامية تتمتع بنفس المستوى المتدني من المعايير الأخلاقية والإنسانية، لكن علينا أن ندرك أيضا أنه ليس كل الإعلاميين والصحافيين العاملين في وسائل الإعلام هذه موافقين أو مقتنعين بما تقدمه وسائل الإعلام التي يعملون بها، فهناك من لم يحتمل ورفض أن يكون «شاهد زور» فاستقال وغادر البلاد.

* إلى أي مدى ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في تغطية أحداث سوريا، وهل دورها يقتصر على إيصال المعلومة أكثر أم تجميع الجماهير كما حدث في الثورة المصرية؟

- أستطيع أن أؤكد أن هناك تضخيما لدور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، التي كانت آخر دولة عربية يدخلها الإنترنت، والتي لم تدخل حيز الخدمة إلا بعد عام 2000 بعدما تم تأمين واستحضار كافة الوسائل التقنية اللازمة للرقابة والتجسس ووسائل الحجب، إلى جانب القيود الكبيرة على الاستخدام ومحدودية سرعة الخدمة وضآلة عدد المشتركين، لكن في السنوات الأخيرة تطور الوضع، لكن عدد المستخدمين في سوريا ما زال أقل من عدد المشتركين في معظم الدول العربية، وهناك آلاف من المواقع المحجوبة إلى جانب قوانين «ستالينية» جديدة للصحافة الإلكترونية.

مما لا شك فيه أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا في فضح النظام والمجازر التي ترتكب، لأن كل متظاهر تحول للإسهام في ما يمكن أن نسميه «صحافة المواطن»، ينقل الحدث من مكان وقوعه عبر الجوال، لكن على الرغم من ضعف خدمة الإنترنت وقطعها وقطع الكهرباء والاتصالات بين الحين والآخر، وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية أطلقت العنان للجيش الإلكتروني المضاد؛ تمكن المتظاهرون وببساطة أدواتهم تعرية نظام شمولي وفضحه أمام الرأي العام العربي والعالمي أمام التغييب المتعمد لوسائل إعلام عربية ودولية لكي تكشف الحقيقة وتنقل الحدث.

* كإعلامي.. كيف استفدت من مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لأحداث سوريا؟

- بالتأكيد، استفدت من مواقع التواصل الاجتماعي كالـ«فيس بوك» للاطلاع ومن كثب عن صحافة المواطن «الثائر»، خاصة في نشر بعض التسجيلات المرئية المسموعة التي تصلني من المتظاهرين لتصبح متاحة أمام الجميع، لأنه مهما حاولنا كإعلاميين سوريين في الخارج نشر وبث تلك الفيديوهات على عدد من محطات التلفزة سيبقى محدودا، لأنه بكل بساطة هناك آلاف القنوات التلفزيونية حول العالم التي تريد الحصول على تلك الصور لإطلاع مشاهديها، لكن المشكلة الأساسية التي كانت تواجهني بشكل خاص أن أغلب المحطات تمتنع عن بث صور تعتبرها مؤذية لمشاهدها كصور جثث أطفال أو شباب مقطعة الأوصال، وكذلك كانت مشكلة معرفة مكان وزمان الحدث، وهذه المشكلة تم تخطيها بسرعة نظرا للوعي الكبير لدى الشباب الثائر، فسرعان ما تحول الشبان إلى صحافيين يعملون بمهنية حسب الموارد المتاحة لديهم بتحديد المكان والزمان بالصوت والصورة، وأحيانا تصوير تاريخ يوم الحدث من صحيفة يومية محلية، مما دحض افتراءات النظام ورواياته حول ما أشاعه عن التزوير أو استخدام الفوتوشوب. وهو ما مكنني بمساعدة عدد من الشبان من أن نصبح مصدر الصور وبعض الأخبار وتأمين شهود العيان والمساعدة في اختيار بعض الضيوف المناسبين في بعض البرامج التلفزيونية لقرابة 60 وسيلة إعلامية أغلبها محطات تلفزيون أوروبية.

* بوجهة نظرك، ما الذي لم يسلط عليه الضوء الإعلام ولم يصل للرأي العام العالمي بعد؟ - على الرغم من مضي خمسة أشهر على الثورة، لم يصل الرأي العام العربي والدولي حتى الآن سوى ما بين 10 إلى 20 في المائة من حقيقة ما يحدث على أرض الواقع من بشاعة المجازر والفظائع والانتهاكات التي تمارسها بعض الأجهزة الأمنية وبعض القوى العسكرية والشبيحة الموالية للنظام، ويعود ذلك بسبب فصل القوى الأمنية والعسكرية للمدن والضواحي والأحياء وتقطيع أوصال أي امتداد للمظاهرات بين حي وآخر ومدينة وأخرى كنموذج المظاهرات القادمة. وهناك أيضا نقطة مهمة وأساسية حول الأرقام المعلنة لعدد الشهداء والمعتقلين أو المفقودين أو النازحين واللاجئين، فالأعداد تفوق الأرقام المعلنة بعدة أضعاف، وسيأتي يوم قريب تكشف فيه كل الحقائق التي ستظهر فيه بشاعة المجازر التي ارتكبت ووحشية التعذيب الذي يمارس على المعتقلين وحجم المأساة الإنسانية والصبر الهائل الذي تكبده وعايشه أبناء سوريا للحفاظ على سلمية الثورة.

* ما أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها الإعلاميون في سوريا؟

- الإعلاميون في سوريا شأنهم شأن أي مواطن سوري يتعرضون للقتل والتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري مثل الأستاذ نجاتي طيارة، وهناك قسم منهم ما زال مجبرا على العمل في تبني رواية النظام ومحاولة إقناع الناس بها عبر وسائل إعلام السلطة، وهناك قسم منهم تعرض للتهديد والوعيد والابتزاز والتخويف كنموذج بعض الإعلاميين السوريين العاملين في بعض الفضائيات العربية، الذين هددوا صراحة بضرورة الاستقالة من عملهم، لكنهم رفضوا التهديد واستمروا في نقل الحقيقة بمهنية عالية، فشعار النظام «إما معنا أو ضدنا»، وهناك بعض ضعاف النفوس ممن كان استقال قبل الثورة لأسباب شخصية من فضائيات محددة واختار الوقوف إلى جانب السلطة للتشهير بالوسيلة الإعلامية التي كان يعمل بها والتي صنعت منه نجما.

* لو أتيحت لك الفرصة للعودة إلى سوريا حاليا.. ما الحدث الذي سوف يكون في قائمة اهتماماتك كإعلامي؟

- بالتأكيد سيكون على رأس اهتماماتي التوثيق بالصوت والصورة لجرائم ومجازر النظام وجرائم الإبادة والمقابر الجماعية، وتوثيق المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، وحجم الدمار الذي ألحق في الأحياء السكنية والمساجد والأماكن والمباني العامة، وأيضا توثيق سلمية الثورة وجرائم الاغتصاب التي حدثت، وعمليات التجييش الطائفي التي يسعى إليها أهل النظام والمحاولات الفاشلة والبائسة لجر الثورة إلى الصدام المسلح. وبالمناسبة، كنت أقدم برنامجا تلفزيونيا في لندن عبر إحدى الفضائيات ووعدت المشاهد السوري بأن ألقاه قريبا في ساحة الأمويين في قلب العاصمة دمشق لمواكبة انتصارات ثورة الحرية، فما أتمناه كإعلامي أن يكون لي شرف إذاعة وإعلان البيان رقم واحد لانتصار الثورة والإطاحة بنظام الظلم والاستبداد، وإعلان خبر اعتقال آل الأسد وكل المسؤولين الذين أجرموا بحق الشعب السوري تمهيدا لمحاكمتهم محاكمة علنية عادلة.

* لماذا هناك نجاح إعلامي غربي عن نظيره العربي في تغطية أحداث ثورة سوريا؟ - لو أردنا أن نطرح نموذجا للقنوات التلفزيونية غير الناطقة بالعربية كنموذج نشرة الأخبار في القناة الفرنسية الثالثة، التي توقفت كصحافي عن التعاون والعمل معها احتجاجا على سياسة التحرير، فمثلا عندما اندلعت فضيحة مدير صندوق النقد الدولي الفرنسي دومينيك ستروس - كان شغلت قصته مع خادمة الفندق أكثر من 70 في المائة من الفترة الإخبارية اليومية للقناة، هذا عدا البرامج الخاصة بالموضوع، لكن قضية شعب يذبح لم تنل أكثر من عدة دقائق إخبارية أسبوعيا في نشرات الأخبار، وبالتالي بقي الإعلام الغربي صامتا متواطئا إلى حد كبير حتى الفترة الماضية، لكن الأداء تحسن بعد كسر حواجز الصمت وتطور الموقف الدولي والعربي، ولا بد أيضا من الإشارة إلى الدور الذي لعبه الإعلام الإسرائيلي في تشويه صورة الثورة والمعارضة في آن معا.

* برأيك، ما المعايير الإعلامية التي يجب أن يتحلى بها الإعلامي عند تغطية أحداث الثورات العربية؟ - أخلاق العمل الصحافي وقواعد المهنية والتجرد من العواطف لتوضيح كل الجرائم والأخطاء، والعامل الأخلاقي هو المعيار، فالتعاطف مع الثورات هو مسألة أخلاقية وإنسانية أكثر منها سياسية، ويجب أن يتوافر دائما الوازع الأخلاقي، لأن الصمت يعتبر تواطؤا مع القاتل والمستبد، وبالتالي مشاركة غير مباشرة في الجريمة.

* ما ردك على إسهامك في ترتيب لقاء بين عبد الحليم خدام والتلفزيون الإسرائيلي؟

- هذه المسألة سبق أن رددت عليها، ولكن للتأكيد مرة أخرى أقول إنني كنت في بروكسل لإجراء حوار صحافي خاص مع السيد عبد الحليم خدام، الذي تربطني به علاقة مودة واحترام متبادل، وفي مكان اللقاء كان هناك العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية منها تلفزيون وكالة «رويترز» والتلفزيون الياباني والتلفزيون الإسباني، التي تنتظر إجراء حوار مع السيد خدام، وكان اللقاء الثاني له بعد التلفزيون الياباني لقاء مع التلفزيون الإسباني، وبترتيب مسبق مع جهاد خدام نجل نائب الرئيس السوري، وهذا ما تم تأكيده ببيان رسمي صدر عن المكتب الإعلامي للسيد خدام، ولم أفهم سبب قيام مصور التلفزيون الإسباني بتصويري خلسة إلى جانب السيد خدام قبل اللقاء، وخلال خروجنا من الفندق والصحافي الذي أجرى الحوار مع خدام كان يتحدث بالإسبانية ويقوم بالترجمة من وإلى العربية فلسطيني مرافق له.

وبعد أيام، اتضح أن اللقاء مع التلفزيون الإسباني خدعة مدبرة مسبقا لصالح التلفزيون الإسرائيلي، وبالتالي أؤكد مجددا أن لا علاقة لي بترتيب اللقاء لا من قريب ولا من بعيد، وأنني كنت موجودا كباقي الصحافيين لأداء عملي الصحافي ويتحمل نجل السيد خدام مسؤولية الإهمال في التدقيق في هوية طلب التلفزيون الإسباني عبر المراسلات التي تمت بينه وبين المرافق الفلسطيني للصحافي الإسباني، وأعتقد أن هذه الخدعة الإسرائيلية هدفها تشويه كل من يعارض النظام السوري الذي يعتبر حاميا للحدود الشمالية لإسرائيل.

* كباحث مختص في الشؤون الإيرانية، كيف ينظر الإعلام الإيراني إلى الثورات العربية؟

- الإعلام الإيراني مرآة لسياسة ورؤى الولي الفقيه في إيران، فقد انحاز للثورة المصرية لتصفية حساباته مع نظام حسني مبارك، وانحاز إلى جانب الثورة الليبية لتصفية حساباته مع القذافي، وانحاز للاحتجاجات في البحرين وصنع منها ثورة ليس لدعم طموحات أو مطالب المحتجين، بل تنفيذا لمصالحه واستراتيجية تعميق نفوذه في الخليج العربي. وفي الثورة السورية، انحاز الولي الفقيه إلى النظام السوري واعتبر ما يجري في سوريا مؤامرة، فمنح النظام فتاواه وتأييده ودعمه السياسي والعسكري والأمني والإعلامي والمادي والمعنوي وسخر له كل أدواته في المنطقة، لأن إيران تعلم أن سقوط نظام الأسد يعني انهيار جبهتها المتقدمة على شواطئ المتوسط وخسارتها لحليفها العربي الوحيد، وأن إيران باتت أكثر عزلة في محيطها العربي والإسلامي، إلى جانب فقدانها للبنان عبر انحسار دور ميليشيا حزب الله، وفقدانها الورقة الفلسطينية وكذلك في الخليج العربي، وبالتالي فإن الإعلام الإيراني سخر كل إمكاناته وأدواته لدعم نظام بشار الأسد، لأن سقوطه سيعني بداية سقوط نظام طهران.

* ما أهداف الإعلام الإيراني الموجه للعالم العربي؟

- الإعلام الإيراني الموجه للعالم العربي، جزء من استراتيجية المشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة العربية وتعزيز نفوذ طهران السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري والديني المذهبي، ورصدت إيران لهذه الاستراتيجية ميزانية مالية كبيرة وسخرت له كل الإمكانات العلمية والبشرية والمادية لتنفيذ هذا المشروع، الذي بات في المرحلة الثانية من التطور والتجذر.

ونلاحظ أن الخطوط الأساسية في استراتيجية الإعلام الإيراني الموجه للعالم العربي هو الترويج لمشروعها على عدة محاور، مستفيدة من العديد من العوامل، مستعينة بأحمر الخدود والشفاه ومواد التجميل (مثل «إسلامية» إيران - شؤون الإسلام والمسلمين - دعم «المقاومة» في فلسطين ولبنان)، وهذا ما عكسته السياسة البرامجية والإخبارية والخط التحريري العام، وينعكس ذلك أيضا على البرامج الدينية التبشيرية للمذهب الشيعي الإثني عشرية، وفق الرؤى والأفكار الإيرانية.

ومن يتابع تلك البرامج بعين وأذن المراقب سيتأكد دون أي مجال للشك أنها تهدف إلى إذكاء التعصب والتشدد المذهبي والطائفي وبث الفتنة من جهة، ومحاولة استمالة أبناء الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى نحو التشيع الإيراني من جهة أخرى. ومع مراقبة المسلسلات التاريخية الإيرانية المدبلجة للعربية، نتأكد أيضا أن هناك استراتيجية ذكية وخطيرة تحور الحقائق ووقائع التاريخ. وهنا تكمن خطورة الأدوار المنوطة بالفضائيات المرئية الموجهة نحو العالم العربي كالفضائيات الإيرانية (قناة «العالم»، «الكوثر»، «المنار»، «الفرات») .