المذيع ريكاردو كرم لـ «الشرق الأوسط»: علمتني مهنتي ألا آخذ نفسي على محمل الجد

حدد هوية مهنية خاصة به من خلال حوارات شائقة أجراها مع مشاهير العالم

ريكاردو كرم («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر نفسه مقاوما من نوع آخر، فهو يبث الأمل في نفوس شباب اليوم المحبطين الذين يعتقدون أن النجاح لا يحققه إلا الآخرون، وذلك من خلال البرامج التلفزيونية التي يقدمها وأحدثها «حديث آخر» الذي يعرض حاليا على شاشة الـ«أو تي في» بعدما سبق أن عرض جزءا أول منه على قناة الـ«إل بي سي» ويلقي فيه الضوء على مسيرات شخصيات لامعة استطاعت أن تتبوأ مراكز بارزة في شتى المجالات بفضل جهدها وتفوقها.

فريكاردو كرم استطاع منذ بداياته الإعلامية أن يحدد هوية مهنية خاصة به من خلال حوارات شائقة أجراها مع مشاهير من العالم ومع رؤساء ورموز سياسية وأخرى فنية وطبية وثقافية كتبت تاريخها بيدها، وحاول ريكاردو أن ينبش أسرار وخفايا نجاحات هذه الشخصيات التي لم تمر مرور الكرام على الكرة الأرضية، بل طبعت بأعمالها ومهاراتها، وأحيانا كثيرة بجهدها الشخصي، أجيالا من عالمنا فتأثروا بها ووضعوها نصب أعينهم ضمن هالة من النجومية فصارت تشكل بالنسبة لهم حلما يراودهم في يقظتهم ويزودهم بالأمل.

كثيرون تساءلوا عن سر ريكاردو كرم في اختراق قلاع تلك الشخصيات والأسوار التي تلفهم فقال «الشرق الأوسط»: «لم أكن أجد سهولة في الوصول إلى عدد كبير من تلك الشخصيات، ولكن شغفي بإنجاح الحوار معهم وتشبثي بهوية مهنتي ساهما في إقناعهم والجلوس معي على طاولة واحدة فتحدثوا براحة عن أهم محطات حياتهم»، ويضيف: «ولا مرة جعلت دوري هو دور النجم، فالإعلامي الذي يحاور ضيوفه وكأنه هو المحور فلا شك سيكون الفشل مصيره، فالاستمرارية في رأيي هي نتيجة المضمون الناجح». وعن الرسالة التي أراد إيصالها من خلال برامجه يقول: «لقد ابتعدت عن محاورة أصحاب الشهرة المكتسبة وصببت اهتمامي في برنامجي (حديث آخر) على مشاهير من نوع آخر في شتى المجالات للإضاءة على قصص نجاحات لرجالات عرب بدأت مسيرتها منذ الصغر ضمن قيم وأطر أخلاقية معينة، فأردت بذلك أن أعطي الأمل للشباب العربي وأقول لهم أنتم أيضا باستطاعتكم أن تنجحوا، فالنجاح ليس حكرا على أحد وهؤلاء أكبر دليل على ذلك».

وعن الحلقات التي تم الإفراج عنها بصعوبة وعرضت بعد مراقبة كبيرة من قبل أصحابها، كتلك التي استقبل فيها الملكة نور قال: «ضيوفي يطلعون دائما على طبيعة الأسئلة التي ستضمنها الحلقة، وهذا من حقهم لأن مكانتهم ومسؤولياتهم كبيرة وليست عادية، فيستعرضون الأسئلة لاختيار ما يسمح به البروتوكول بعيدا عن أي حساسيات قد تسبب لهم المشاكل، وهذا ما حصل مع الإمبراطورة فرح ديبا وألبير أمير موناكو وجيهان السادات وغيرهم». وعن الثورات العربية الأخيرة التي حصلت في المنطقة وعن مدى تأثيرها على الإعلام التقليدي، قال: «الناس ما عادت غبية اليوم، فنحن أمام تاريخ جديد يكتب بوضوح لا يتيح لأحد كتابة سطر منه غير واقعي، والمعلوماتية لعبت دورا كبيرا في هذا الشأن وكذلك وسائل الإعلام، وهنا أود أن أذكر حلقة استضفت فيها ابنة الملك فاروق الأميرة فريال، والمعروف أن الصيت الذي رافق هذا الملك لم يكن يصب في مصلحته أبدا، إلا أن الحلقة كشفت معلومات كثيرة لم يكن يعرفها أحد، فتغيرت نظرة الناس له مما ولد بعدها المسلسل التلفزيوني (ملكة في المنفى) الذي لاقى نجاحا كبيرا وعرضته شاشات فضائيات عربية عديدة وأزاح الستار عن الشخصية الحقيقية التي كان الملك فاروق يتمتع بها». وأكد أنه ينوي دون شك في المستقبل القريب أن يلتقي الرؤساء العرب الذين أطاحت بهم الثورات الأخيرة والوقوف على حقيقة أخطائهم، وفي رأيه من الشخصيات التي التقاها في مشواره الإعلامي أحمد فؤاد والأب بيار وأمين معلوف وأندريه أغاسي وبنازير بوتو وكارلوس غصن وسيلين ديون وشارل أزنافور والدالاي لاما وجورجيو أارماني ورأى ريكاردو كرم أنه اليوم صار يلاقي صعوبة في إيجاد شخصيات حقيقية وشفافة وواضحة يقنعونه بلقائهم ويخبرونه بمسيرتهم، وأشار إلى أنه تأثر بشخصيات عدة جديدة التقاها مؤخرا أمثال الموسيقار الفلسطيني سيمون شاهين مدير المعاهد التعليمية الموسيقية في الولايات المتحدة، الذي نقل في رحم موسيقاه تعاسة أطفال فلسطين، إضافة إلى فارس نجيم اللبناني الذي صنع نجاحاته بنفسه وتحول من ابن ميكانيكي إلى مدير المصرف الأميركي في الولايات المتحدة، وكذلك طبيب القلب اللبناني وليم زغبي الذي يشغل حاليا رئاسة جمعية أطباء القلب في الولايات المتحدة الأميركية، وخالد سماوي الذي أحدث نهضة لا مثيل لها في عالم اللوحات التشكيلية السورية.

ولكن كيف يستطيع ريكاردو كرم أن يتعرف إلى صدق ضيوفه عند لقائه بهم؟ فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتبع إحساسي دائما، فأشعر بسرعة بشخصية ضيفي، ولعل العينين هي المؤشر الرئيسي في هذا الموضوع فهي التي تنقل إلي الشرارة الأولى التي تخولني أن أكشف حقيقة صاحبها»، ويضيف: «بعد عشرين عام من العمل الحواري، شخصيتي تبلورت، وحاستي السادسة أصقلت، ولكن هذا لم يمنعني طبعا من الإصابة بخيبات أمل معينة فيخطئ إحساسي وأتقبل الامر. كما أن الصوت أيضا يلعب دورا كبيرا في هذا الموضوع فيدلني على خفايا شخصية ضيفي».

ويرى أن عددا من ضيوفه كانوا يتهربون من أسئلة يطرحها عليهم، ولكنه كان يناقضهم دون استعمال الأسلوب الهجومي بل بأسئلة بسيطة وعادية، فيحصل على الجواب الذي يريده. ورأى أن الخيط الرفيع الذي يجمع ما بين ضيوفه هي المحطات المهمة التي عاشوها في انكساراتهم وفي خيباتهم ونجاحاتهم ولحظات فرحهم وفي تصميمهم على التميز.

وعن الدافع الأساسي الذي يجعل ضيوفه يسترسلون ويتمتعون بالحديث عن أنفسهم، يقول ريكاردو كرم: «أولا يقتنعون بأنهم نموذج يحتذى به، ويجب أن يتعرف إليه الناس، كما أن هذا النوع من البرامج هو نوع من الدعاية لهم لتلميع الصورة والتسويق، فيها الكثير من التوجيه بقصص لافتة».

وينتقد كرم المحطات التلفزيونية جمعاء التي تعامل معها ويقول: «في البداية، ذقت الأمرين لتنفيذ برنامجي، فاكتشفت أن أيا من تلك المحطات لا تملك ميزانيات محددة لبرامج معينة، فلا يتعاملون معها من واقع احترافي، وهذا خطأ مؤكد أنه لم يتلق أي دعم من أي من مديري تلك المؤسسات»، وأشار إلى أنه ومنذ أن أسس لشركته الخاصة «RK productions» لم يعد يعاني هذه المشكلة، وخصوصا أنه أحيانا كثيرة قبلا كان يضطر إلى الاستعانة بأصدقاء له من هنا وهناك يقدمون له بعض الخدمات والتسهيلات ليستطيع تصوير حلقات من برامجه التي كانت تتطلب ميزانيات كبيرة تشمل تكاليف السفر والإقامة في الفندق والتقنية المستعملة وإلى ما هنالك من تكاليف أخرى لأفراد الفريق العامل معه في البرنامج.

أما من يلفته من زملاء المهنة فهم كثر على حد تعبيره، ولكنهم ينتمون إلى فئة الإعلاميين المحترفين أصحاب الفكر الحر أمثال منتهى الرمحي، وخديجة بن قنا، وطالب كنعان، وليس أولئك الذين يروجون لأسمائهم المرتبطة بالمنظومة الإعلامية العاملين في فلكها والتي بدورها تابعة لتيار سياسي معين يقيدهم بمحسوبيات معينة.

وعن طريقة تحضيره واختياره للشخصيات التي يلتقيها، فيلخصها بالتالي: «أقرأ كثيرا أبحث بدقة، وأستشير الأصدقاء الذين أحيانا كثيرة يمدونني بأسماء جديدة أو يساعدونني تلقائيا، ولم يخذلني أحد منهم». وعن العنوان العريض الذي استشفه من مشواره الطويل، فيقول: «تعلمت ألا آخذ نفسي على محمل الجد وألا أتوقع شيئا من أحد».

ومن المنتظر أن يكمل ريكاردو كرم في مشواره الحواري ضمن سلسلة برنامج «حديث آخر» مع شخصيات عربية جديدة، إضافة إلى أفلام وثائقية تتناول أيضا محطات مهمة في حياة عدد من المشاهير.

أما برنامج «قصة لقاء» ويتألف من ثلاثين حلقة، فسيرى النور قريبا، ويتضمن كواليس الحلقات التي سبق أن صورها مع ثلاثين شخصية معروفة وانطباعاته الشخصية عنها.