قناة «25».. البصمة الإعلامية لشباب الثورة المصرية

توظف ثوار التحرير.. وتفرد مساحات موسعة للمهمشين

TT

قبل سبعة أشهر لم يكن الأمير علاء الدين سوى أحد ثوار ميدان التحرير الذين خرجوا ليطالبوا بسقوط نظام الرئيس المصري السابق مبارك، لكنه اليوم أصبح مذيعا يقدم برنامجا سياسيا يوميا على قناة «25» التي ولدت من رحم ثورة يناير (كانون الثاني) وتعتمد على ثوارها الشباب كعنصر رئيسي في تشغيلها؛ كعلامة فارقة تميزها عن باقي القنوات التي ملأت لائحة الفضائيات بعد الثورة في مصر.

وعلى غير عادة القنوات التي خرجت للنور بعد الثورة من اصطياد نجوم الإعلاميين وكبار الفنانين والصحافيين لمغازلة المشاهدين، مما يعني تدفقا إعلانيا أغزر يستتبعه عائد مادي أكبر.. فإن قناة «25» التي تعد أول قناة فضائية تنطلق بعد الثورة، لا يعمل بها سوى شباب صغير السن أغلبهم من ثوار التحرير.

ورغم كونهم قليلي الخبرة الإعلامية أو معدميها في كثير من الأحوال، فإن شباب «25» معبؤون برغبة جارفة في تقديم الجديد. وبالنسبة لعلاء الدين، خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ذي الأربع والعشرين عاما، فإن الأمر يمثل تحديا خاصا له.. حيث قال لـ«الشرق الأوسط»: «القناة تقوم على الشباب المليء بالروح الثورية، ولكننا لا بد أيضا أن نكون مهنيين، وهو ما يمثل المعادلة الصعبة».

وتضم القناة قرابة 80 شابا من إجمالي 100 موظف يعملون بها، بما يعني أن متوسط أعمار العاملين لا يتجاوز 26 عاما، وهو ما خلق روحا مختلفة من الحيوية والانطلاق في القناة.

ويعتقد الخبير الإعلامي محمد جوهر، مالك القناة، أن صناعة الإعلام الجيد تعتمد على الاستقلالية، وهو ما يتطلب الاستعانة بالشباب ممن لا ينتمون إلى أي أحزاب أو جبهات، وهو ما يراه سيصنع الفارق. وقال إن «الشرط الوحيد هو أن يكون شباب القناة من شباب التحرير. العالم كله التفت لشباب الثورة المصرية، لذا كان القرار هو أن يقوموا هم بنقل رسالتهم بأنفسهم».

والقناة لا تضم فقط ثوار التحرير، بل أيضا بعض مصابي الثورة مثل المذيع عبد الرحمن عز الذي يقدم برنامج بعنوان «الشعب يريد»، وكذلك إبراهيم كمال معد برنامج «لحظة بلحظة».. وكلاهما أصيب بإصابات كبيرة أثناء مشاركتهما في ثورة «25 يناير».

اللافت أن جوهر، الرجل الستيني الأنيق، يتابع برامج القناة بنفسه من الاستوديو بحماس وحيوية تضاهي نفس حيوية شباب قناته، فهو لا يتردد في الوجود بين فرق عمل البرامج المختلفة والاتصال بمذيعيه بعد برامجهم لتشجيعهم وتوجيههم.

ورصدت «الشرق الأوسط» خلال وجودها في القناة، طريقة اتخاذ القرار بشأن المواضيع الخلافية والشائكة، وهو ما تم بطريقة تعبر عن سيادة الديمقراطية. فالمذيع الأمير علاء اقترح استضافة مسؤول إسرائيلي للرد على مظاهرة طرد السفير التي نظمت أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وهو ما لم يقتنع به مالك القناة (جوهر) في بادئ الأمر.. لكن نقاشا بناء تم بين كل الأطراف انتهى باقتناع جوهر، لدرجة أنه كان من أجرى اتصالات ترتيب اللقاء (الذي تم بالفعل بعد ذلك). وعن ذلك يقول جوهر «إنها الديمقراطية، لعقود كانت آراء الشباب مهمشة ولا يُستمع لها، وآن الأوان لنستمع».

وبعد 5 أشهر من البث، نجحت قناة «25» في حجز مكان متميز ومختلف لنفسها وسط غيرها من الفضائيات القائمة والجديدة. فمن خلال مدة برامجها القصيرة وطريقة عرضها المبتكرة وشخصيات ضيوفها وأعمارهم، وجدت مكانها كحلقة وصل بين الوسائط الإعلامية الإلكترونية التفاعلية الحديثة (مثل مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع تقديم الفيديوهات مثل «يوتيوب» ومواقع العالم الافتراضي) من جهة، وبين الإعلام التلفزيوني التقليدي الذي لم يألف المصريون غيره منذ إنشاء جهاز التلفزيون عام 1961، وذلك عبر الحرص على مشاركة المشاهد والمتابع العادي في برامج القناة المختلفة.

كما ساهم وجود برامج القناة من مواقع الحدث بشكل مستمر في إيجاد نوع من التواصل بين القناة ومتابعيها، مما يجعل هامش الخطأ في مثل تلك التجارب الوليدة مقبولا من جانب الجمهور الذي يشعر أنه شريك أصيل في صناعة التجربة.

وترفع القناة شعار «الهواء هوانا»، حيث تحرص على ألا تحصر ساعات بثها في الاستوديوهات المغلقة.. فواكبت أحداثا مهمة من موقع الحدث، جاعلة انطلاقها الرسمي يوم 6 أبريل (نيسان) 2011 ببرنامجها اليومي «كل يوم» من مدينة المحلة في ذكرى مرور ثلاثة أعوام على الأحداث العمالية بمدينة المحلة في عام 2008 (التي كانت أحد المؤشرات المبكرة لقيام ثورة 25 يناير).

وهو ما كررته القناة بعدها بشهر، حيث خرج البرنامج ذاته على الهواء مباشرة من الشارع في العريش ليواكب ذكرى النكبة (إعلان دولة إسرائيل في 15 مايو «أيار» 1948)، ودعوة الشباب المصري للزحف على إسرائيل. وأخيرا، عبر إيفادها لفريق عمل يخرج البرنامج مباشرة من طرابلس حيث الثورة الليبية.

أما بالنسبة للقناة نفسها، فأكثر ما يلفت الأنظار، في مقر القناة الذي يقع في طابقين في بناية على كورنيش النيل، هو صغر حجم الاستوديوهات الخاصة بها. فالقناة التي تضم 15 برنامجا، لا يتوفر لها سوى استوديو كبير بطول 9 أمتار وعرض 3 أمتار.. كما أن الديكور البسيط للغاية، المكون من منضدة خشبية ومقعدين وأريكة جلدية، يستخدم في 6 برامج ونشرة للأخبار.. لكن فريق العمل النشيط نجح في تجهيز غرفة أخرى مهملة (مساحتها 4 X 3 أمتار) لتكون بمثابة استوديو آخر.

وتفتقد القناة بشكل كبير للإعلانات، وبالتالي لا تتوفر لها موارد مادية كبيرة. وربما يرجع ذلك بالطبع لعدم وجود نجوم الإعلاميين بها واقتصارها على الشباب، لكنها تعتمد ماليا بشكل رئيسي على مجهودات شركة «Video Cairo Sat»، المملوكة لجوهر مالك القناة.. لكن جوهر يقول بحماس وتفاؤل بالغ إن «التجربة تستحق المجازفة».

ويعتقد ياسر دوارة، مدير البرامج السياسية بالقناة، أن التصاق اسم القناة بالثورة هو أمر جد مربك للقناة وفريق عملها، حيث قال «المشكلة أن المهنية تفرض علينا أن نكون موضوعيين، ولكن المشاهد لا ينتظر ذلك منا.. فهو يريدنا مع الثورة على طول الخط». وأضاف «أحيانا يكون علينا انتقاد ممارسات لا تعجبنا من طرف الثوار، وهو ما لا يتقبله الجمهور كوننا قناة الثورة».

وأوضح دوارة أن سياسة القناة تهتم بإعطاء أوقات متساوية لكل القوى والتيارات السياسية دون استبعاد لأي تيار أو فصيل، حيث أكد أن موضوعية القناة وحيادها يعتمد بشكل رئيسي على توفير مساحة تعبير لكل القوى دون تفضيل لتيار على آخر. وقال: «نحن نغطي مؤتمرات الليبراليين والسلفيين و(الإخوان) دون تمييز، كذا أحداث الكنيسة والأزهر، وهو ما يتماشى مع سياسة القناة التي تفرض ألا يكون ضيوف البرنامج من المشاهير ونجوم الصف الأول.. وحيث إن (قناة 25) تحاول أن تفتح الأبواب لكل الشباب، فنحن نستعين بمحللين سياسيين شباب وحزبيين شباب».

وتعتمد القناة على البساطة سواء في ملابس مذيعيها في برامج الهواء أو في ديكوراتها، وهو ما علق عليه دوارة بقوله «نهتم كثير بأن يشعر الناس أننا جزء منهم، فمذيعونا لا يلبسون الملابس الرسمية ولا نتهم أن يكونوا على درجة عالية من الجمال أو الوسامة».

وتضم القناة برامج تحرص على إظهار المصريين المهمشين الذين لم يأخذوا فرصهم من قبل في الظهور على شاشة التلفزيون، مثل المحجبات اللاتي أخذن حيزا كبيرا في الظهور على شاشة القناة، كذا الطبقات البسيطة التي تمثل أصل مصر وقلبها النابض.. حيث توفر لهم القناة حيزا من خلال برامجها مثل برامج «ولاد بلدنا»، و«الشعب يريد» وهي البرامج التي تتيح الفرصة لمواطنين عاديين للظهور وعرض مشكلاتهم بشكل موسع.

كما أعطت قناة «25» مساحة كبيرة لسيدة مصرية بسيطة لتقدم برنامجا يوميا للطبخ، وهو ما منحها لقب «طاهية الثورة المصرية». ورغم أنها من حي شعبي ولا تمتلك نفس ملكات مشاهير الطبخ في مصر، حيث تكتفي بتقديم وصفات طبخ مناسبة للأسرة المصرية البسيطة ودون الحاجة لتكاليف باهظة، فإنها وجدت تجاوبا كبيرا من المشاهدين.

ويعتقد جوهر أن الخطوط بين صانع الخبر ومتلقيه تتلاشى بصورة كبيرة، حيث قال «كل فرد يمتلك تليفونا جوالا أصبح صانع خبر في الإعلام»، وتابع «ذلك يتطلب منا عدم تجاهل أي فصيل أو طبقة، فالاستماع للكل نتيجة من نتائج الثورة وإحدى سمات قناة (25) الرئيسية».

وعبر 50 عاما، تمثل كل مدة ارتباط المصريين بالقنوات التلفزيونية منذ نشأتها، يمكن اعتبار قناة «25» أول تجربة شبابية متكاملة في الإعلام المصري، مما يحقق حلما انتظر الكثيرون تحققه منذ عهود، في أن يتصدر الشباب واجهة الإعلام المصري، ولو عبر قناة واحدة حتى الآن.