كليات الإعلام أمام تحدي الإعلام الإلكتروني الجديد

المطلوب أن يكتب كل واحد كما يكتب الصحافيون

طلبة كلية الإعلام في كوينز يبحثون تأثير الإعلام الإلكتروني على الصحافة الورقية («نيويورك تايمز»)
TT

قال مؤخرا هنري هيابماري، خبير الإعلام في معهد «بوينتر» في سانت بيترسبورغ (ولاية فلوريدا) التابع لصحيفة «سانت بيترسبورغ تايمز»: «عندما كنت طالبا في كلية الصحافة في جامعة إنديانا قبل ثلاثين سنة، لم أكن أبدا أتوقع أن يأتي يوم تختفي فيه الصحف واحدة بعد أخرى، وتقل قراءة الصحف. كان ذلك اليوم بالنسبة لي مثل يوم القيامة، يوم نهاية كل شيء، صحافة وغير صحافة. وطبعا لم أكن أبدا أتوقع أن ذلك سيكون بسبب تكنولوجيا كانت في بدايتها في تلك الأيام، وهي تكنولوجيا الكومبيوتر».

وأضاف: «كنت أخرج من غرفتي كل صباح لألتقط صحيفة (إنديانا ديلي ستيودنت) التي كان يصدرها طلاب كلية الإعلام، وكانت الصوت الناطق باسم الجامعة. كانت فيها كل الأخبار التي أحتاج إليها، خاصة المحلية، عن المباريات الرياضية والمسرحيات. وفي المساء، كنت أجلس إلى التلفزيون لأسمع وولتر كرونكايت ينقل آخر أخبار حرب فيتنام. الآن، لم أعد احتاج إلى صحيفة الصباح، مع الاعتذار لزميلتنا صحيفة (سانت بيترسبورغ تايمز)، ولم أعد أحتاج إلى نشرات الأخبار المسائية، التي لم تعد مسائية، لأنها صارت على مدار الساعة». وقال، وهو أستاذ الإعلام، إن تكنولوجيا الإعلام الجديدة حتمت مقررات جديدة في كليات الإعلام.

وحتى في مقررات الصحافة في المدارس الثانوية.

مثلما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مدرسة «هيلكريست» الثانوية في نيويورك، وقالت: «يتعلم التلاميذ فنين: فن التكنولوجيا الجديدة، وفن الكتابة الصحافية. رغم كل محاسن صحف الإنترنت، صار واضحا أن كثيرا من الكتاب فيها، وكثيرا من أصحابها، لم يذهبوا إلى كليات إعلام، ولا يعرفون كثيرا عن فن الكتابة الصحافية». وأضافت: «يقول المختصون إن الكتابة الصحافية سهلة وفعلية، وتقدر على تقديم مساهمات كثيرة في عهد الاتصالات السريعة».

وقالت ايسثار وجيسكي، أستاذة الإعلام في مدرسة بالو آلتو الثانوية في بالو آلتو (ولاية كاليفورنيا): «أعرف جيدا أن الطلاب، عندما نطلب منهم الكتابة عن قضايا هامة، لا يتحمسون جدا للكتابة. لكن، عندما نطلب منهم كتابة أي شيء يفضلونه، يتحمسون. في الحقيقة، ثبت أن الطلاب يلجأون إلى الغش والسرقة الأدبية عند كتابة مواضيع المقررات المدرسية الجادة».

وأشارت إلى «مقال الخمس فقرات» الجاد، الذي يكاد يكرهه كل طالب ثانوي. لأنه جاد، ولأن الطالب ربما لن يستفيد منه أبدا في المستقبل. وقالت إنه ليس غريبا ازدهار سوق «مقال الخمس فقرات» في الإنترنت، حيث صار الطلاب يستفيدون منه، أو ينقلونه حرفيا.

لكن في الجانب الآخر، لاحظت وجيسكي أن الطلاب يتحمسون للمقررات الصحافية، لا التي تتحدث عن تاريخ الصحافة الأميركية، ولكن التي تطلب من الطلاب كتابة شيء جديد، ومفيد، ومثير، ومختصر.

ولهذا، خلصت وجيسكي إلى أهمية نشر الكتابة الصحافية، ليس فقط في المدارس الثانوية، ولكن أيضا في كتابات الإنترنت.

لماذا؟

أولا: الكتابة الصحافية تنطوي على اهتمام شخصي بالموضوع، بالمقارنة مع كتابة بيانات أو كتابة تقارير.

ثانيا: الكتابة الصحافية تنطوي على ملكية الطالب لما يكتب.

ثالثا: الكتابة الصحافية تتيح فرصة للتعاون الحقيقي بين الطلاب (مثلما يتعاون الصحافيون).

وضربت مثالا: في المدرسة الثانوية في بالو آلتو، من أوائل متطلبات مقررات الصحافة كتابة ملف تعريف شخصي حول أي شخص يريد الطالب: زميل، صديق حميم، أحد الوالدين. ولهذا، يتحمس الطلاب لأكثر من سبب:

أولا: لأنهم يحبون الكتابة عن الناس في حياتهم.

ثانيا: لأنهم يحبون الكتابة الحرة غير المقيدة.

ثالثا: لأنهم يقرأون سيرا شخصية أخرى قبل كتابة سيرهم الشخصية.

رابعا: لأنهم يحبون احتمال نشر كتاباتهم.

هذا بالإضافة إلى أن فن الكتابة الصحافية يختلف عن فن الكتابات الأخرى: الجمل القصيرة، ميكانيكية تكوين الجملة، الاهتمام بالجانب الخبري، أي الجانب المعلوماتي الذي يفيد في اختصار وفي سرعة. وأشارت إلى «قيف مي ذا فاكتز» (مثل أميركي معناه: لا تتكلم كثيرا، أعطني المعلومة).

غير أن فن الكتابة الصحافية لا يستحق أن يدرس بشكل مستقل، بل كجزء لا يتجزأ من موضوع الكتابة، وذلك حتى لا يحس الطالب أنه أمام تلقين روتيني آخر. لهذا، كما قالت: «لا يشعر الطالب أنه مجبر على الكتابة، لأن الكتابة يمكن أن تكون عن مطعم، عن لعبة، عن أكلة مفضلة، عن رياضة مفضلة.. إلخ».

وبسبب الصلة بين الكتابة الصحافية والإنترنت، دخلت شركة «غوغل» المجال لتشجع تحسين الكتابة في الإنترنت. وقال مسؤول فيها: «ليست الاتصالات الإلكترونية بسبب الاتصالات، ولكن بسبب أن تكون مفيدة، وسريعة، ومتبادلة. وطبعا، الكتابة المفيدة تحتاج لأن تكون بسيطة. وربما يشمل ذلك حتى الكتابة الأكاديمية».

لهذا، في خطابها في كلية «غوغل» (في ولاية كاليفورنيا)، أكدت أستاذة التربية في جامعة ستانفورد (في ولاية كاليفورنيا) ليندا دارلينغ هاموند التوقعات الجديدة. وقالت إنها تشمل:

أولا: الاتصال بالآخرين.

ثانيا: التكيف مع التغير.

ثالثا: العمل في فرق ومجموعات.

رابعا: يكون الهدف هو حل المشكلة.

خامسا: تشجيع التفكير وتحسين الأداء.

سادسا: الاعتماد على الإدارة الذاتية.

ونقلت دارلينغ على لسان جون ديوي، من رواد فن التعليم الأميركي في القرن العشرين، أنه قال في عام 1916: «ليس هناك أي شيء اسمه المعرفة الحقيقية والتفاهم المثمر، إلا إذا جاء نتيجة العمل الفعال. لن يكون سهلا أن يتعلم الطلاب تعليما نظريا من دون أن يمارسوا ما يتعلمون». وأضاف «حتى أفراد الشعب الأميركي، يجب أن يحاولوا ممارسة الأشياء التي يرغبون في معرفتها. هذا هو الدرس المستفاد من المختبرات التعليمية والتربوية التي أجريناها. وهذا هو الدرس للجميع».