الشرطة تستعين بمواقع التواصل الاجتماعي للقبض على أفراد العصابات

مفاتيح «فيس بوك» و«ماي سبيس» تقود إلى دهاليز عصابات المخدرات والأسلحة

TT

لم تتمكن الشرطة على مدى أسابيع من القبض على أحد أفراد إحدى العصابات بتهمة توزيع المخدرات، حتى استعانت بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك». ولم يحتَج ضباط الشرطة في مقاطعة برنس جورج سوى إلى الضغط على بعض الأزرار القليلة على لوحة المفاتيح لكي يتمكنوا من العثور على ملف المستخدم للرجل الذي يبحثون عنه، حيث كانوا يتوقعون أن يحتوي هذا الملف على سلوكه المعتاد تجاه الشرطة وأخبار عن التجارة التي يقوم بها، ولكنهم اكتشفوا أكثر من ذلك، حيث وضع الشخص الهارب صورة شخصية له على صفحته على «فيس بوك» وهو يرتدي ما وصفه أحد ضباط الشرطة بأنه قميص «مميز للغاية» باللون الأرجواني.

وبعد بضع ساعات تمكن ضباط الشرطة من القبض على هذا الشخص في الشارع بكل سهولة. وقال الرقيب جون أودونيل من وحدة مكافحة العصابات في مقاطعة برنس جورج: «لقد تمكنا من القبض عليه على الفور. كان من السهل أن نتعرف عليه. كان يعلم أننا كنا نبحث عنه، ولكنه سقط بفضل (فيس بوك)».

ويؤكد هذا أن عصابات الشوارع وعصابات توزيع المخدرات قد أصبحت تستخدم موقع «فيس بوك» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، بهدف بث الرسائل والتباهي بالنجاحات التي تحققها وتجنيد أعضاء جدد، وفقا للسلطات المحلية والفيدرالية. وتحتوي تلك المواقع على مجموعة متنوعة من تعليقات أفراد العصابات حول تجارة المخدرات والأسلحة والعنف، فضلا عن صور للوشم الذي يستخدمه أفراد العصابات وصور لأشخاص يقفون تحت شعارات ذات صلة بالعصابات، وهو ما تستخدمه هيئات تنفيذ القانون في القبض على المجرمين.

ويقول أفراد الشرطة والعملاء الفيدراليون إنهم غالبا ما يلجأون في البداية إلى «فيس بوك» وموقع «ماي سبيس»، وهما أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شعبية وشهرة، لجمع المعلومات حول العصابات وأفرادها.

وفي مقاطعة برنس جورج، على سبيل المثال، تدخل الشرطة السرية في «صداقات» مع الكثير من أفراد العصابات حتى يتم مراقبتهم بسهولة وفهم ما يحدث داخل تلك الجماعات. ولا تكون صفحات وسائل الإعلام الاجتماعية متاحة بشكل دائم للمشاهدة العامة، ولكنّ المستخدمين الذين لا يضبطون إعدادات الأمان الخاصة بهم بشكل جيد يتركون صفحاتهم مفتوحة ليراها الجميع، بما في ذلك الشرطة.

ويقوم الضباط بتقديم تقرير أسبوعي عن «وسائل الإعلام الاجتماعية» للمحققين، ويحتوي هذا التقرير على أحدث المعلومات المتعلقة بعصابات الشوارع في العاصمة. وقال الملازم مايكل بافليك، وهو قائد وحدة الاستخبارات في المقاطعة: «هذه المواقع تشبه شبكة عنكبوتية من الاتصالات، فيكفي أن تجد شخصا ثم تتبع أصدقاءه وهكذا. إنها كنز من المعلومات يساعدك على معرفة ما يقومون به بشكل لم نكن نتصوره قط قبل سنوات قليلة».

وتستعين السلطات الفيدرالية أيضا بـ«فيس بوك» و«ماي سبيس» في التحقيقات مع العصابات الكبيرة، حيث قام أفراد في إحدى عصابات المخدرات في جنوب شرقي واشنطن بمناقشة أمور تتعلق بتجارة المخدرات بشكل علني على صفحة أحد أفراد العصابة على موقع «فيس بوك»، وفقا للأوراق التي قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المحكمة في شهر مارس (آذار) الماضي.

وكتب أحد تجار المخدرات على صفحته على «فيس بوك» قائلا: «الوشاة يريدون أن يزجوا بي إلى السجن». وبعد ذلك بنحو 20 دقيقة، أضاف أنه قد تم تفتيشه من قبل الشرطة. وكتب بعد ذلك: «الشوارع لا تحبني. لقد هرع الناس بالأمس وكأنني مطوق بقنبلة». ويبدو أن أفراد العصابات شغوفون بوسائل الإعلام الاجتماعية لدرجة أن السجن نفسه لا يعوقهم عن الدخول على تلك المواقع، فعلى الرغم من اعتقال أفراد العصابات في جنوب شرقي المدينة، فإنهم ما زالوا يقومون بالدخول على صفحات «فيس بوك» الخاصة بهم وتحديثها عبر تطبيقات «موبايل ويب» (يحظر استخدام الهواتف الجوالة وغيرها من الأجهزة المماثلة في سجن العاصمة وغيره من السجون الأخرى).

وخلال العام الحالي استعان عملاء مكتب تطبيق قوانين الهجرة والجمارك بمعلومات على موقع «ماي سبيس» لأن أعضاء عصابة «إم إس 13»، وهي عصابة تشتهر باستخدام العنف الشديد، كانوا يستخدمون هذا الموقع في محاولة لإسكات أحد الشهود الفيدراليين. وكان فرد من أفراد العصابة يرسل إلى الشاهد رسائل عبر موقع «ماي سبيس» لإغرائه بالعودة إلى واشنطن.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي حصل عملاء مكتب تطبيق قوانين الهجرة والجمارك على أمر من المحكمة يمكنهم من الحصول على معلومات عن صفحة «فيس بوك» الخاصة بأحد أفراد عصابة «إم إس 13» على الرغم من أنه قد استخدم اسما مستعارا على الصفحة الخاصة به. وتمكن العملاء من تحديد الهوية الحقيقية للمستخدم بعد دراسة الصور الشخصية الخاصة به بدقة شديدة، وغيرها من الصور التي قام الشخص بتحميلها على الصفحة. وكان من بين تلك الصور، حسب ما كتبه العملاء، صورة لوشم على الكتف اليمنى للمتهم تصور «الوجه الضاحك والباكي»، وهي صورة شهيرة بين أفراد العصابة وتعكس المقولة الشهيرة: «ابتسم الآن، وابك في وقت لاحق».

وخلال الشهر الماضي تمكن عملاء الشرطة الفيدرالية ومقاطعة فيرفاكس من تعقب أحد أفراد عصابة «إم إس 13»، كان مطلوبا لأكثر من عامين. وقام عملاء الشرطة الفيدرالية بفحص صفحة «فيس بوك» الخاصة به ووجدوا أنه قد كتب اسم المدينة التي يعيش فيها (نيو أورليانز) ورقم الهاتف. وقام هذا الشخص بتوجيه الكاميرا على شعار عصابة «إم إس 13»، وفق تصريحات الشرطة.

وقال أحد المسؤولين عن تنفيذ القانون الاتحادي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه لم يكن مخولا له مناقشة كيفية استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لاستهداف أفراد العصابات: «يستخدم أفراد العصابات وسائل الإعلام الاجتماعية، ولا سيما (فيس بوك) و(ماي سبيس)، لاتصال بعضهم ببعض». وتقوم فرقة صغيرة من الضباط بمراقبة مواقع الشبكات الاجتماعية والحصول على معلومات ذات صلة بالعصابات لمساعدة المحققين في حل ألغاز الجرائم. وقال بافليك، الذي تقوم وحدته بتقديم تقرير أسبوعي عن استخدام العصابات لوسائل الإعلام الاجتماعية، إن الصور وقوائم «الأصدقاء» على صفحات التواصل الاجتماعي تكون مفيدة للغاية في ذلك الشأن.

ويصادف الضباط في كثير من الأحيان رسائل من أعضاء في عصابات يهددون باستخدام العنف أو رسائل تشير إلى استخدام أسلحة نارية، حيث كتب أحد المراهقين: «حصلت على دات 357، لذلك لا تجرب حظك»، في إشارة إلى أنه يمتلك مسدسا يدويا من عيار 357، وفقا لبافليك الذي أضاف أن الشرطة تأخذ هذه التعليقات على محمل الجد، ولذا قامت بزيارة منازل عشرات المراهقين خلال العام الماضي لتحذير آبائهم وأجدادهم أن مثل هذه التأملات «يمكن أن تكون بداية الكثير من المتاعب الحقيقية».

وتظهر بعض الصور رجالا ونساء يدخنون الماريغوانا ويحملون أسلحة أو يظهرون وشما ذا صلة بالعصابات. وقال بافليك وهو يضحك: «من الأشياء المنتشرة بين الشباب قيامهم بنثر النقود أمام الكاميرا، ولكنك إذا تأملت في ذلك فستكتشف أنهم يقومون بنثر نقود من فئة دولار واحد».

وعلى الرغم من قيام ضباط الشرطة بمشاهدة آلاف الصفحات على مواقع «فيس بوك» و«ماي سبيس»، فإنه من الصعب عليهم التمييز بين التهديدات الحقيقية وبين النكات أو تظاهر المراهقين بالشجاعة، فعلى سبيل المثال، حسب تصريحات بافليك، قام أحد أفراد إحدى العصابات بنشر صورة لنفسه وهو يحمل مسدسا بينما كان يجلس على مائدة عشاء مع سيدة يعتقد أنها جدته، ولذا لم تسرع الشرطة في التحرك للقبض على الرجل. وقال تقرير الإدارة عن وسائل الإعلام الرقمية: «الموجود في الصورة الآن يبدو أنه بندقية سوداء، ولكن من غير الواضح ما إذا كان السلاح حقيقيا أم لا، حيث إن اللمعان الموجود على البندقية يشير إلى أنها قد تكون بلاستيكية».

وقال بافليك: «لا يمكنك التأكد من ذلك لأن بعض الأشخاص يحملون ما قد تعتقد أنه مسدسا حقيقيا أو قد يصورون أنفسهم وهم يدخنون ما قد تعتقد أنه ماريغوانا. قد تكون مثل هذه الأشياء مفيدة في وقت لاحق». وأضاف بافليك أن هناك بروتوكولات صارمة تحكم كيفية مراقبة وسائل الإعلام الاجتماعية.

وفي الآونة الأخيرة نشرت صورة على موقع «فيس بوك» أثارت الذعر والفزع بين ضباط الشرطة، حيث كانت هذه الصورة لأحد أفراد العصابات في جنوب شرقي واشنطن وهو يحمل قاذفة صواريخ على كتفه. وبعد فحص الصورة عن كثب أدرك الضباط أن الرجل قد استخدم برنامج «الفوتوشوب» لتركيب الصورة التي لم تكن حقيقية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»