المكافآت سبب استمرار جذب احتجاجات حركة «احتلوا وول ستريت» للأنظار

مؤسسة «غانيت» مالكة صحيفة «يو إس توداي» مثال على ذلك

TT

منذ أسبوعين تقريبا، وضعت صحيفة «يو إس توداي» يدها على سبب استمرار جذب احتجاجات حركة «احتلوا وول ستريت» للأنظار. وذكرت الصحيفة في المقال الافتتاحي: «لقد تجاوز نظام منح المكافآت المواهب وبات هذا هو العمل الأساسي في (وول ستريت). لقد انخرطت المؤسسات في مقامرات لأن العائدات قصيرة الأجل تبرر حصولهم على المكافآت، لكن حتى عندما تطاردهم عواقب ما ارتكبوه من أفعال متهورة، يظلون يحصلون على مكافآت ضخمة».

من الجيد القول إنك إذا كنت تبحث عن المزيد من المكافآت رغم إخفاقك في العمل، أفضل مثال على ذلك هو مؤسسة «غانيت» التي تمتلك صحيفة «يو إس توداي». قبل أسبوع من نشر المقال الافتتاحي، استقال كريغ دوبو من منصبه كرئيس تنفيذي لـ«غانيت».

لقد كانت فترة توليه المنصب لست سنوات كارثية، حيث انخفض سهم «غانيت» في البورصة إلى 10 دولارات بعد أن كان 75 دولارا في اليوم التالي لتوليه المنصب، وتقلص عدد العاملين من 52 ألفا إلى 32 ألفا، مما أدى إلى تراجع مكانة الصحف الـ82 التي تمتلكها المؤسسة. لم يكن أداء المؤسسة في عالم الصحافة متميزا يوما، حيث لم تحرص على تقديم أخبار جادة حقيقية للجمهور بسبب بحثها عن الأرباح.

وبالنظر إلى هذا التاريخ، كان من المفترض أن يرحل دوبو، أليس كذلك؟ لا ليس في هذا العالم الذي نعيش فيه. بمجرد أن استقال دوبو لأسباب صحية، تلقى رسالة قوية من مارجوري ماغنر، عضو مجلس إدارة «غانيت» قال فيها جادا إن كريغ هو بطل العملاء، وإنه دعم احتياجاتهم المتغيرة باستمرار للأخبار والمعلومات.

مع ذلك منحه مجلس الإدارة تقديرا لا يستحقه. لقد غادر دوبو منصبه بعد حصوله على معاش قدره 37.1 مليون دولار ومزايا تتعلق بالرعاية الصحية والإعاقة، فضلا عن إجمالي ما حصل عليها من راتب ومكافآت يقدر بـ16 مليون دولار على مدى العامين الماضيين.

في حالة ما إذا اعتقدت أنهم يدفعون كل هذا المال حتى يتخلصوا من طريقة معينة لإدارة الأعمال، حلت غراسيا مارتور، رئيسة الشركة ومسؤولة العمليات، محله. لقد كانت شريكته في الجانب المالي من العمل دون أن تحصل على الكثير من المال، بينما بدأت في جني الملايين في صورة مكافآت وبانتظار المزيد. دعك من حركة «احتلوا وول ستريت»، فربما قد حان وقت احتلال «مين ستريت» الذي تقدم فيه مؤسسة «غانيت» القليل من الأخبار، في الوقت الذي تتخلى فيه عن الصحافيين كل ربع سنة تقريبا.

قد يكون من المغري الهجوم على ثراء «غانيت» الذي يبدو غير مبرر وسط كل هذا الخراب، إلا أن «غانيت» ليست المؤسسة الإعلامية الكبيرة الوحيدة التي أثرت عواقب القرارات الخاطئة فيها على الجميع باستثناء متخذيها، فقد قضى سام زيل على شركة «تريبيون»، صاحبة سلسلة من الصحف والمحطات التلفزيونية، بعد شرائه لها عام 2007 وتدفع الشركة عشرات ملايين الدولارات كمكافآت في إطار صفقة تحميها من إشهار الإفلاس. وفقد أكثر من 4 آلاف شخص يعملون في الشركة وظائفهم وتم تقليص العمل الصحافي في صحف كانت في الماضي بارزة ومنها «لوس أنجليس تايمز» و«شيكاغو تريبيون» و«بالتيمور صن».

ورغم ذهاب راندي مايكلز وبعض أشقائها الذين أداروا الشركة خلال الإفلاس، ظل أكثر من 600 مدير في ذلك الوقت. لم يحافظ هؤلاء على وظائفهم في الوقت الذي فقدها فيه آخرون وحسب، بل ظلت القيادات الباقية تحصل على مكافآت تتراوح بين 26.4 و32.4 مليون دولار طبقا للخطة الحالية. من خلال خفض النفقات، التي وصلت إلى 800 مليون دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، والتي كانت ناتجة عن تسريح العاملين على حد قول محامي أحد الدائنين للقاضي المكلف بقضية الإفلاس التي من المحتمل أن توفر 517 مليون دولار نقدا عام 2011.

كانت المكافآت تصل إلى 115 مليون دولار خلال الثلاث سنوات الماضية بحسب «شيكاغو تريبيون». ولم تمنع الإجراءات القانونية المحامين والمديرين الحاليين من الحصول على أكبر قدر من المكاسب. وتتضمن حالة «تريبيون» شراء بأجل وإدارة مستهترة وثقافة الثراء الشخصي، وكل معالم طريق «وول ستريت» الذي شهد احتجاجات غاضبة. ولا يعد هذا توبيخا للإشارة إلى أن بعض حالات الاستغناء عن العاملين كانت أكثر ضررا من الأخرى لأنها أثرت على أشخاص مثلي ممن يجنون رزقهم من الكتابة.

الجدير بالذكر أن كلا من آرثر سلزبيرغر، ناشر صحيفة «نيويورك تايمز» ورئيس شركتها وغانيت روبنسون، الرئيسة والمسؤولة التنفيذية، واجها انتقادات من عدة اتحادات بسبب الحصول على حوافز ومكافآت قدرها 12 مليون دولار. الجدير بالذكر أيضا أن سلزبيرغر اختار التنازل عن حوافز إضافية في سنوات أخرى.

مجال الصحافة يعاني كثيرا والذين تمكنوا من العثور على وظيفة محظوظون لأنهم لا يزالون يحتفظون بها. مع ذلك كيف يمكن لأي مجلس إدارة في العالم تبرير هذه الرواتب الهائلة في وقت كهذا؟ الأمر ليس أنهم كانوا يغامرون وبحاجة إلى حافز للتعامل مع الإفلاس. لم يكن لدى أكثر الناس وظيفة وإذا وجدوها، سيعاني الكثيرون منهم التخلص من السمعة التي لوثت فترة توليهم المنصب.

فضح بيتر لويس، عمل في السابق لدى الـ«تايمز» و«دي موينس ريجيستير»، اللتين اشترتهما مؤسسة «غانيت» بعد أن غادر الصحيفة، المكافآت التي تقدمها «غانيت» على مدونته «وردذ أند أيديز» في تلخيص توجه تقليص عدد الوظائف الذي بات استراتيجية. وكتب: «هل يمكن لأحد أن يدعي أن صحف (غانيت) أفضل اليوم وأن مستهلكي الأخبار يحصلون على خدمة أفضل؟».

واستطرد لويس قائلا «كيف يمكن لدوبو وغانيت خدمة المستهلك؟ لقد كانا يسرحون الصحافيين ويخفضون أجور الذين ظلوا في وظائفهم، في الوقت الذي يطلبون فيه منهم العمل لساعات أطول. لقد أغلقوا مكاتب المراسلة وقلصوا الميزانية المخصصة للتحرير. ومع تراجع العائدات، انخفضت أسعار أسهمهم وتراجعت جودة المخرج الصحافي، ومع ذلك كافأوا أنفسهم برفع رواتبهم والحصول على مكافآت».

لقد كان يتحدث عن «غانيت»، لكن يمكن أن ينطبق ذلك على شركة «تريبيون» أو الجزء الأكبر من الاقتصاد الأميركي الذي اعتاد على تحقيق أرباح أكثر مما اعتاد على إنتاج أشياء. وتعمل الكثير من الشركات المسؤولة عن صحف جاهدة لمواجهة التحديات للدخول إلى مستقبل جديد، لكن يبدو أن دوبو وفريقه راضون عن قيادة انهيار مؤسساتهم. لا يقول أحد، على الأقل أنا، إن إدارة شركة صحافية بالأمر الهين السهل، لكن لا يستحق اللاعبون في هذا المجال والراضون بالتخلص من العاملين حتى نفاد الوقود، مكافآت بعشرات الملايين بل ولا يستحقون وظائفهم.

ما تبدو عليه المكافآت أسوأ كثيرا من تأثيرها الفعلي، فالصحف تطلب من العاملين لديها التضحية، ومن قراء النسخة الإلكترونية الدفع مقابل قراءتها. لن يكون هناك خفض للنفقات الهائلة. وفي الوقت الذي تحاول فيه الصحف في أنحاء البلاد جاهدة التنبؤ بمعنى احتجاجات حركة «احتلوا وول ستريت»، ربما ينبغي على بعض الشركات التي تمتلك تلك الصحف الإنصات وإرهاف الأسماع لمعرفة ما إذا كانت الرسالة التي تحملها تلك الاحتجاجات موجهة إليهم أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز»