طالبان .. الإعلام نصف المعركة

الحركة الأصولية تستخدم الإنترنت وأشرطة الـ«دي في دي» للترويج لعملياتها مجانا

بيت الله محسود زعيم طالبان السابق (وسط) خلال لقائه بمجموعة من ممثلي وسائل الإعلام في وزيرستان قبل مقتله بصاروخ من طائرة بدون طيار في أغسطس 2009 (آب)
TT

في منتصف عام 2010، ذكرت العديد من الصحف في باكستان أن حركة طالبان في شمال وزيرستان قدمت «تحذيرا أخيرا» لوسائل الإعلام الباكستانية لقيامها بتصوير عناصر الحركة على نحو سيئ. وقد تم تداول القصة بشكل كبير، مستشهدين برسالة بريد إلكتروني من محمد عمر، المتحدث باسم المركز الإعلامي لحركة طالبان، حسب ما ذكرت الصحف.

وكان المتحدث باسم حركة طالبان غاضبا من الطريقة التي يوصف بها عناصر الحركة في القنوات الإخبارية التلفزيونية الباكستانية الخاصة. وتساءلت الرسالة، التي تم إرسالها إلى العديد من وسائل الإعلام الباكستانية «لماذا تقوم وسائل الإعلام بنقل وجهة نظر الجيش وحسب؟ هل هذا دليل على أن وسائل الإعلام تعمل بالتحالف مع الحكومة والجيش أم أنها مضطرة إلى إخفاء الحقيقة؟». وتعرف طالبان ضمن قاموسها اليومي أن الإعلام نصف المعركة، ولذا فإنها تسعى إلى تقوية علاقاتها بوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة.

وفي أغلب الأحيان لا يكون هناك علاقات جيدة بين الحركة ووسائل الإعلام، إلا أنها في الغالب وعلى نحو يدعو للدهشة تفهم وسائل الإعلام بشكل جيد. وتعي جيدا أهمية التغطية الإعلامية الخارجية لأنشطتهم كما تستخدم الإنترنت وأشرطة الـ«دي في دي» التي تباع في الأسواق ويتم توزيعها بحرية وأحيانا مجانا على الجماهير المحلية والدولية بشكل جيد. كذلك فإن أغلب الصحافيين، المحليين والأجنبيين، على اتصال دائم بالمتحدثين باسم حركة طالبان.

هذا الاتصال لم يحم وسائل الإعلام والصحافيين الذين يعملون في المناطق القبلية من غضب حركة طالبان الباكستانية.

ويخضع الصحافيون الباكستانيون الذين يعملون في المناطق القبلية إلى ضغط من العناصر القبلية، بصورة متزايدة. ويعد الخطر الأساسي الذي يواجه وسائل الإعلام الباكستانية هو أعمال عنف من عناصر تابعة لتنظيم القاعدة وحركة طالبان الذين يحتمون في المناطق القبلية التي تقع على حدود باكستان.

وقد تم قتل تسعة صحافيين في المناطق القبلية منذ عام 2005، وفقا للأرقام التي ذكرها الاتحاد القبلي للصحافيين. ونادرا ما يكون هناك تسامح بين القبائل المتناحرة والعناصر القبلية وبين وسائل الإعلام. وهذا هو السبب وراء هجرة 50 في المائة من المراسلين من المناطق القبلية واستقرارهم في المدن الباكستانية، خاصة مدينة بيشاور.

وقال سافدار حيات، رئيس الاتحاد القبلي للصحافيين: «هناك عدد كبير من الصحافيين القبليين مستقر في بيشاور». وهناك نحو 230 صحافيا مسجلا في الاتحاد القبلي للصحافيين ونحو 100 في المدن.

وفي العديد من الحالات، قام أمراء الحرب المحليون في المناطق القبلية بحظر نشر الصحف في المناطق التابعة لهم بعد نشر مواضيع سلبية عنهم في الصحف المحلية.

وقال صحافيون قبليون بارزون، تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم: «هذه سمة شائعة في المناطق القبلية وهي أن يقوم أمراء الحرب بإرهاب الصحافيين القبليين وإجبارهم على سحب رواياتهم بشكل دوري».

وذكر الصحافيون المحليون في المناطق القبلية أن الرقابة الذاتية هي الطريقة الوحيدة لتجنب غضب أمراء الحرب القبليين. وفي أغلب الأحيان ينتقل الأشخاص الذين لا يقومون بعمل هذا النوع من الرقابة الذاتية من المناطق القبلية ويقومون بتغطية الأحداث في المناطق القبلية فيما هم يستقرون في المدن مثل مدينة بيشاور.

لكن الأمر الذي يثير السخرية هو عجز الحكومة ووكالات الأمن عن حماية الصحافيين في المناطق القبلية كما ينصحونهم في أغلب الأوقات بالانتقال من المناطق القبلية حتى يبتعدوا عن منطقة الخطر.

وقال صحافي بارز من المناطق القبلية «في أغلب الأحيان، عندما نقوم بالاتصال بالحكومة لطلب الأمن، ينصحنا المسؤولون بالانتقال من المناطق القبلية إلى بعض المدن الآمنة».

وفي الأسبوع الأخير من شهر يونيو (حزيران)، اجتمع صحافيون من جميع أنحاء باكستان في إسلام آباد ونظموا مظاهرة أمام مبنى البرلمان. وطالبوا الحكومة بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في مقتل الصحافي، سليم شاه زاد، كما طالب الصحافيون الحكومة بأن تفعل شيئا ما من شأنه تحسين الأمن للصحافيين في المناطق القبلية.

ورغم ذلك، فقد فشلت الحكومة في ملاحظة الوضع الخطير الذي يواجهه الصحافيون في المناطق القبلية.

وقبل خمس سنوات، بدأ الوضع في المناطق القبلية في التدفق إلى المدن الباكستانية الرئيسية التي تقع بالقرب من المناطق القبلية. وقد بدأ الصحافيون في بيشاور (مدينة تقع بالقرب من المناطق القبلية) بالشعور بحرارة القتال.

وقال شميم، شاهد وصحافي بارز ورئيس مكتب صحيفة «باكستان توداي» في بيشاور: «إنني أواجه خطرا حقيقيا من العناصر المسلحة وأقوم باتخاذ إجراءات وقائية لتجنب تلك المخاطر كلما أمكن».

وقال شميم في مكتبه، فيما يقوم حارس بفحص كل زائر: «تريد العناصر المسلحة استهدافي نظرا لتغطيتي للعمليات العسكرية التي يقومون بها».

ودائما ما كانت الصحافة تواجه صعوبة في تتبع الأخبار في المناطق القبلية. رغم ذلك، فقد جعلت العناصر المسلحة ذلك أكثر خطورة. ومنذ فبراير (شباط) عام 2005، قتل خمسة صحافيين هناك وانتقل العشرات إلى مناطق أكثر أمنا.

وقد قامت الهجمات الانتحارية وعمليات التفجير بتعريض المراسلين الذين يقومون بتغطية الأحداث للخطر، فقد قتل صحافيان قبليان في السادس من ديسمبر (كانون الأول) في هجوم شنته طالبان على شيوخ المناطق القبلية في غالاني بإقليم موهماند.

ويهدد العنف الذي امتد من المناطق القبلية الصحافيين في كل مكان، ولا سيما في إقليم سوات، حيث قاد الملا فضل الله حركة طالبان المسببة للفوضى من 2007 وحتى 2009 قبل أن تأمر الحكومة الفيدرالية بعملية عسكرية «حاسمة» في مايو (أيار) 2009.

ووصف غلام فاروق، محرر بـ«صحيفة الشمال» التي تتخذ من مينغورا، إحدى أكبر المدن في سوات، مقرا لها، التحديات التي واجهت وسائل الإعلام، فقال فاروق: «يستشيط المقاتلون غضبا عندما يوصفون بالعناصر المسلحة أو الإرهابيين، فهم يريدون أن تصفهم وسائل الإعلام بالمجاهدين».

ويرى البعض الآخر أن الوضع قد تحسن بعد قيام الجيش بمواجهة حركة طالبان. وقال شيرين زادا، رئيس مكتب قناة «إكسبريس نيوز» التلفزيونية: «ما من خوف الآن، فعندما كانت طالبان هي المسيطرة، كان الأمر شديد الصعوبة أن تعمل كصحافي مستقل».

وقد قامت طالبان باختطاف بعض الصحافيين الذين أرادوا تغطية الأحداث بصورة مباشرة في المناطق القبلية في باكستان وأطلقت سراحهم بعد دفع مبلغ مالي ضخم في مقابل ضمان إطلاق سراحهم.

وقد تم اختطاف أسد قريشي، مواطن بريطاني من أصل باكستاني في السادس والعشرين من مارس (آذار) عام 2010 وهو في طريقه إلى شمال وزيرستان، حيث كان قد خطط لإجراء حوار مع قادة طالبان من أجل قصة ما. وكان بصحبة مسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات الباكستانية، تم قتل كل منهما بعد ذلك بواسطة حركة طالبان.

ووفقا لصحيفة باكستانية، نشرت رسالة البريد الإلكتروني التي صاحبت الفيديو الذي اشتمل على قائمة من قادة طالبان المطلوب إطلاق سراحهم، فإنهم هددوا بقتل الرهائن التي لديهم ما لم يطلق سراح هؤلاء القادة، كما طالبوا أيضا بفدية قدرها 10 ملايين دولار مقابل إطلاق سراح قريشي.

من المفارقة في هذا الوضع بأكمله انعدام ارتباط الحكومة الباكستانية بالوضع في المناطق القبلية الباكستانية والمخاطر التي يواجهها الصحافيون الذين يعملون هناك من قبل العناصر المسلحة القبلية.

وقد طالبت المنظمات الإعلامية في باكستان مرارا وتكرارا الحكومة الباكستانية بتوفير الأمن للصحافيين العاملين في المناطق القبلية. غير أنه بدا أن مطالبهم وقعت على أذن صماء! وقد قتل سبعة صحافيين باكستانيين أثناء قيامهم بتأدية واجبهم المهني في الشهور الستة الأولى من عام 2011. كان معظمهم قد قتل من قبل جماعات عرقية ومسلحة متورطة في أعمال عسكرية مختلفة، وقتل عدد قليل في تفجيرات.

وفي أغلب الأحيان لا يكون هناك وجود للحماية الدستورية وإجراءات وقائية قانونية للرد على المناخ الخطير الموجود في باكستان التي تم تصنيفها من بين أسوأ الدول التي يعمل الصحافيون بها في أوضاع تهدد حياتهم. ووفقا للأرقام التي قدمتها منظمات صحافيين محليين فقد تم قتل ما يربو على أربعة عشر صحافيا باكستانيا أثناء قيامهم بتأدية واجبهم في عام 2010.