صحافية تحولت إلى شرطية تحقيق

دور نينا بيرلي في إطلاق سراح أماندا نوكس

اماندا فوكس بعد اطلاق سراحها («نيويورك تايمز»)
TT

في الأسبوع الماضي، أمرت محكمة استئناف في إيطاليا بإطلاق سراح الطالبة الجامعية الأميركية أماندا نوكس، وصديقها الطالب الجامعي الإيطالي رفائيل سولوكيتو، بعد أن قضيا أربع سنوات في السجن كجزء من حكم بالسجن عشرين سنة على كل واحد منهما بتهمة قتل زميلتهما الطالبة الجامعية البريطانية ميرديث كيرشر سنة 2007. وبسبب الإثارة في التلفزيون والإنترنت، تحولت القضية إلى منافسات وطنية حماسية بين أميركيين (تأييدا لأماندا) وإيطاليين (تأييدا للقضاء الإيطالي)، وبريطانيين (نقدا للقضاء البريطاني).

حسب وثائق المحكمة الإيطالية الأولى في سنة 2008، أيد القاضي المعلومات التي قدمها المحققون الإيطاليون: خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفي ليلة في شقة الأميركية والبريطانية (كان الثلاثة يدرسون في جامعة بيروغيا)، اشترك الثلاثة في أعمال ثلاثية غريبة وخطيرة. وكانت البريطانية هي الضحية عندما تحول تعذيبها الجنسي إلى جريمة قتل، لسبب ما، وبطريقة ما.

منذ البداية، كانت الصحافية الأميركية نينا بيرلي، التي كانت عملت في مجلة «تايم» الأميركية، ثم انتقلت إلى تلفزيون «آي بي سي»، تغطي الحادث المثير الغريب الذي جمع بين الجمال، والقتل، والحماس الوطني. وشعرت بأن العملية الثلاثية يمكن أن تكون إثارة ثلاثية وطنية بين الأميركيين والإيطاليين والبريطانيين. واقترحت على رئيس تحرير مجلة «تايم»، التي كانت تعمل معها في البداية، الانتقال إلى إيطاليا لتتابع التطورات (لم تقل لهم إنها تريد أن تكتب كتابا، لكنها كانت تعرف أن الموضوع يستحق كتابا يمكن أن يكون ناجحا) بحسب «نيويورك تايمز».

في سنة 2009، أصدرت نينا كتاب «الجمال القاتل: محاكمة أماندا نوكس»، وشرحت فيه كل كبيرة وصغيرة. وبحكم سنها (51 سنة)، كانت مثل صحافية حكيمة تحقق في تصرفات شباب من الجيل الجديد. ولم ينجح الكتاب كثيرا، وذلك لسببين:

أولا: قال عكس ما قال القضاء الإيطالي: «الأميركية والإيطالي قتلا البريطانية خلال ممارسات جنسية».

ثانيا: وجد الكتاب منافسة من كتاب آخر اختلف معها، واتفق مع القضاء الإيطالي، وركز على الممارسات الجنسية: كتاب «وجه الملائكة: حقيقة الطالبة القاتلة أماندا نوكس» الذي كتبته صحافية أميركية أخرى هي باربي نادو، وكانت تعمل في مجلة «نيوزويك».

وهكذا، صارت هناك منافسة أخرى: بين صحافية «تايم» وصحافية «نيوزويك».

ماذا قال كتاب صحافية «تايم»، الذي صار واضحا أنه وراء قرار محكمة الاستئناف الإيطالية بإطلاق سراح الأميركية والإيطالي؟

كرر الكتاب الجملة الآتية: «أماندا (الأميركية) لم تغير قصتها أبدا». وهذه هي الحقيقة: داخل المحكمة الأولي، وداخل محكمة الاستئناف، وفي مقابلات صحافية من داخل السجن مع أماندا (مجلة «تايم») ومع باربي (مجلة «نيوزويك»)، كررت أماندا (الطالبة الأميركية) نفس القصة: إنها لم تكن موجودة في شقتها في اللحظة التي قتلت فيها ميرديث (الطالبة البريطانية). لكنها لم تنف أنها كانت في الشقة.

وقال صحافية «تايم»: «ليس سهلا الدفاع عن أماندا في جو وطني مثير. ركز الرجال على قضية أماندا لأن الرجال، حسب طبيعتهم، يركزون دائما على الإثارة. خاصة لفتاة جامعية جميلة، تركت أهلها، وسافرت إلى إيطاليا، ليس فقط بحثا عن الدراسة الجامعية، ولكن أيضا بحثا عن إثارة جنسية، كما يعتقد الرجال، اعتقادا طبيعيا وفطريا. في الجانب الآخر، ركزت النساء على هذه الفتاة التي ربما تراها كل امرأة (عدوا). لأنها جميلة، و(سرقت) الإيطالي من فتاة إيطالية كان خطبها. وبسبب دفاع الإعلام الأميركي عنها، أحست كثير من النساء غير الأميركيات (خاصة البريطانيات والإيطاليات) أن أماندا أميركية متعالية ومجرمة، وارتكبت جريمة، وتستغل الإعلام والمال لتبرئة نفسها».

لكن، كتاب نينا بيرلي (صحافية «تايم») لم يدافع عن كل شيء فعلته أماندا (الطالبة الأميركية). قال إنها «أميركية بريئة، لم تكن تعرف كثيرا عن الحياة، وكان عمرها ثمانية عشر سنة. لكنها، لأنها صارت بعيدة عن أهلها وعن وطنها، لم تضع حدودا لمغامراتها». وأضاف الكتاب: «في الحقيقة، أماندا نوكس من النوع الغريب المزعج للتي تشاركها شقتها».

لكن، ركزت الكتاب على الرجل الثاني في الجريمة: رودي غودي، الأفريقي الأسود المهاجر من ساحل العاج. وكان اعتقل بتهمة الاشتراك في قتل الطالبة البريطانية. وحكمت عليه المحكمة الإيطالية الأولى بالسجن سبع سنوات. ولم يستأنف الحكم عليه. وحسب أقوال المدعي العام في تلك المحكمة، اشترك الأفريقي في ممارسات تلك الليلة التي قتلت فيها البريطانية ميرديث. ولم يقل المدعي العام إنه هو الذي قتلها، لكنه قال إنه اشترك في الممارسة التي أدت إلى القتل.

ركز كتاب نينا بيرلي على الأفريقي. وأجرت نينا سلسلة تحقيقات صحافية كانت أشبه بتحقيقات شرطة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي)، بعد أن انتقلت إلى إيطاليا، وسكنت في منزل قريب من مكان الحادث، استأجرت مترجما قانونيا إيطاليا. وحققت في خلفية الأفريقي. ووجدت الآتي:

أولا: تبنته واحدة من أغنى الأسر في بيروغيا، المدينة الجامعية، لكنها تخلت عنه بسبب تصرفات رديئة ارتكبها.

ثانيا: وجدت بصمات أصابعه الدموية في المكان الذي قتلت فيه البريطانية ميرديث.

ثالثا: كان أدين قبل قتل أماندا نوكس في جرائم سرقة ومشكلات مع الشرطة.

وحققت الصحافية في هذه الجرائم، وجمعت معلومات ووثائق عنها: سرق من روضة أطفال، ومن مكتب محامين، ومن جاره.

وكان يفعل ذلك في جرأة غير عادية: يطبخ وجبة ويتناولها قبل أن يترك المكان. أو يراجع دفاتر قانونية في مكتب محامين، أو يتصل بتليفون المكان مع أصدقاء وصديقات. وكان جريئا أيضا عندما يكشف أمره: يضحك، أو يسترجي، أو يعتذر، أو يطلب الغفران.

وحققت الصحافية في دور الأفريقي، وقالت إنه كان يعرف الطالبتين الأميركية والبريطانية لأنهما كانا يسكنان بالقرب من المقهى الذي يعمل فيه. ويبدو أنه كان يرغب فيهما. أو اشترك معهما في ممارسات، وتطورت المشاركة، بطريقة ما، إلى قتل البريطانية. أو انفرد بالبريطانية وقتلها، قبل أن تأتي الأميركية. أو دخل شقتهما وهما في الخارج، ودخلت البريطانية واشتبكت معه وقتلها.

في كل الأحوال، ومع كل الاحتمالات، أكدت الصحافية نينا بيرلي على أن الأفريقي هو الذي قتل البريطانية. وخلال السنتين الماضيتين، وبسبب شهرة الكتاب، وبسبب وجود أسباب منطقية، وبسبب دور عائلة الأميركية في استئجار محامين، وشحن الإعلام الأميركي، أعاد القضاء الإيطالي النظر في القضية، وبرأ الأميركية (وصديقها الإيطالي).