الصحافة المرافقة للقوات.. صورة مشوهة للحرب

المراسل الحربي رهينة محتملة

يكمن أحد مخاطر «الصحافة المرافقة للقوات» في أنها تضع الصحافيين في الموقع الخاطئ وفي الوقت غير المناسب
TT

يعتبر الصحافيون المرافقون للقوات الآن بمثابة الوسيلة القياسية لتغطية أخبار الصراعات والنزاعات. لكن، ما يصنع الخبر الجيد، في رأي باتريك كوكبرن، مراسل «الإندبندنت» لشؤون الشرق الأوسط والمراسل الحربي إلى العراق وأفغانستان، ربما لا يكون هو نقل الخبر الصحيح.

واكتسبت الصحافة المرافقة للقوات سمعة سيئة في العراق وأفغانستان. وأتى هذا المسمى ليعكس صورة المراسل المستقل التابع لمدربين عسكريين يلقنونه معلومات تفاؤلية على نحو غريب عن مسار الحرب. وبالنسبة للكثيرين، يمثل الصحافي المرافق للقوات ارتدادا مخيفا إلى أسلوب تغطية الأخبار في فترة الحرب العالمية الأولى، حينما كان يتم تصوير المذابح الوحشية التي تحدث في الخنادق على أنها سلسلة من صور التقدم المخطط لها بحكمة وحصافة من قبل الجنرالات البريطانيين.

كثير من الاتهامات الموجهة ضد نظام الصحافيين «المرافقين للقوات أو الوحدات العسكرية»، خاصة وحدات الجيش الأميركي أو البريطاني، غير عادلة. ويقدم الصحافي البريطاني خلاصة تجاربه كمراسل حربي في العراق وأفغانستان قبل وبعد سقوط طالبان حيث يقول: «عادة ما تكون مرافقة القوات العسكرية في ميدان القتال هي الوسيلة الوحيدة لاكتشاف ما يفعلونه أو ما يعتقدون أنهم يفعلونه. كما أنه لا يوجد أسلوب بديل واضح يمكن للمراسلين العمل من خلاله في الوقت الراهن. ونظرا لأن تنظيم القاعدة وحركة طالبان يستهدفان الصحافيين الأجانب بوصفهم رهائن محتملين، من المستحيل تفقد الأوضاع في العراق أو أفغانستان من دون التعرض لمخاطر جسيمة.

ويضيف: «لم يكن الأمر دائما على هذا النحو. فعندما بدأت كتابة مقالات في شمال آيرلندا في مطلع السبعينات من القرن الماضي، ربما كان العمل كصحافي أكثر أمانا من مزاولة أي مهنة أخرى. حتى إنني اعتدت أن أمزح قائلا إن المجموعات شبه المسلحة تعين صحافيا قبل أن تشتري سلاحا. وبعد بضع سنوات في لبنان، أعطت المجموعات شبه العسكرية للصحافيين خطابات تسمح لنا بالمرور بأمان عبر نقاط التفتيش. اللبنانيون معروفون بالحرص على قراءة الصحف، واعتدت أن أوزع صحفا محلية على الرجال المسلحين المتبرمين أثناء وردية الحراسة كتعبير عن الود. لكن في لبنان، بدءا من عام 1984، بدأت جماعات مدعومة من إيران في اختطاف صحافيين كوسيلة فعالة لممارسة ضغوط على الحكومات والترويج لقضايا المختطفين.

وفي مثل هذه الظروف، فإن الاعتماد المفرط على «الصحافيين المرافقين للقوات» باعتبارهم الوسيلة الوحيدة لجمع المعلومات ربما يكون أمرا حتميا، لكنه ينتج صورة مشوهة للأحداث. فليس بوسع الصحافيين أن يمنعوا أنفسهم من التأثر بدرجة ما بوجهة نظر الضباط الذين يرافقونهم. وحقيقة مرافقة جيش محتل في حد ذاتها تشير إلى أن الصحافي مقيد بقطاع صغير وغير نمطي من الساحة السياسية - العسكرية.

إضافة إلى ذلك، فإن أسلوب «الصحافة المرافقة للقوات» يفرض قيودا على الموقع والحركة.

العراق وأفغانستان بالأساس بؤرتان لحروب عصابات، وسوف يتجنب قائد حرب العصابات الناجح مهاجمة مواطن القوة الرئيسية للعدو، وسيركز على استهداف مواطن ضعف عدوه أو المواقع التي لا توجد بها أي قوات. ويعني هذا أن المراسل المرافق للوحدات العسكرية الأميركية أو البريطانية يكون عرضة لإغفال أو إساءة تفسير مراحل مهمة في النزاع.

لقد ركزت معظم تغطية وسائل الإعلام البريطانية والأميركية في أفغانستان منذ عام 2006 على المناوشات في معاقل حركة طالبان، مثل إقليمي هلمند وقندهار في جنوب أفغانستان. وعادة ما يتم تقليل المشكلات إلى مجرد تساؤلات تتعلق بدرجة ما بالنواحي الفنية أو تساؤلات تكتيكية عن التكيف مع القذائف المزروعة بجانب الطريق أو عدم توفر المعدات. وإلى وقت قريب، لم يكن هناك سوى قدر محدود من التغطية الإخبارية أو التفسير لكيفية تمكن حركة طالبان من توسيع نطاق سيطرتها حتى أطراف كابل.

في نهاية عام 2001، في الأيام التي تلت مباشرة هزيمة طالبان، توفرت لي القدرة على القيادة من كابل إلى قندهار دون أن أسمع صوت إطلاق نيران. لكن، في العام الماضي، لم يكن بوسعي التحرك من دون التعرض لمخاطر متجاوزا آخر قسم شرطة جنوب العاصمة.

وعلى بعد بضعة أميال على طول الطريق إلى قندهار، كانت دوريات على درجات بخارية تابعة لحركة طالبان تقيم متاريس مؤقتة وتقوم بفحص جميع المارين.

وهذا العام، ازداد الوضع سوءا. فحركة طالبان، بقدر محدود من النجاح، واجهت هجوم قوات التحالف في الجنوب بتوسيع نطاق سيطرتها في شمال أفغانستان، والسيطرة على معظم أجزاء إقليمي قندوز وبغلان وقطع طرق نقل الإمدادات لحلف الناتو المؤدية إلى طاجاكستان وأوزبكستان.

وقبيل الحرب في 2001، سافرت عبر جبال هندوكوش من شمال كابل مرورا بإقليم بدخشان شمال شرقي أفغانستان وحتى طاجاكستان. واستغرقت الرحلة أربعة أيام، لكن لم يكن هناك وجود لأي عناصر من حركة طالبان، على الرغم من أنهم ما زالوا يحتلون معظم بقية أجزاء أفغانستان. ولم يمكنني القيام بالرحلة نفسها اليوم نظرا لأنه حتى في بدخشان، بدأ المتمردون، الذين أغلبهم من الطاجيكيين ويفترض أنهم معادون لحركة طالبان، يشنون غارات.

ويكمن أحد مخاطر «الصحافة المرافقة للقوات» في أنها تضع الصحافيين في الموقع الخاطئ وفي الوقت غير المناسب. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2004، اقتحمت قوات المارينز الأميركية، مدينة الفلوجة، غرب بغداد، التي كانت خاضعة لسيطرة المتمردين. وكان يرافق تلك القوات صحافيون أجانب، والذين كانوا يعرضون أنفسهم لخطر كبير. وكانت رواياتهم وصورهم للمعركة مقنعة، وجاءت النتيجة ممثلة في نصر مؤكد للولايات المتحدة.

غير أن أخبار النجاح الأميركي كانت مضللة نظرا لأن المتمردين قد استغلوا تركز القوات الأميركية حول الفلوجة في شن هجومهم على مدينة الموصل الأكبر حجما الواقعة شمال العراق، والتي قاموا بالاستيلاء عليها لفترة وجيزة.

فرت قوات الجيش والشرطة العراقية، وتم احتلال 30 قسم شرطة والاستيلاء على أسلحة تقدر قيمتها بأربعين مليون دولار من قبل المتمردين. ونظرا لأن الموصل هي ثالث أكبر مدينة عراقية، كانت بمثابة انقلابا لوضع القوات التي تقودها الولايات المتحدة رأسا على عقب، غير أنه لم تتم تغطية أخبار عنها، نظرا لعدم وجود أي قوات أميركية هناك، وبالتبعية عدم وجود صحافيين مرافقين.

ثمة عيب أكثر وضوحا في «الصحافة المرافقة للقوات»: أنها تؤدي بالمراسلين الصحافيين إلى مشاهدة النزاعات العراقية والأفغانية بالأساس من منظور عسكري، في حين أن أهم التطورات سياسية، أو، في حالة كونها عسكرية، ربما لا تكون مرتبطة بدرجة كبيرة بالقوات الأجنبية.

لقد بات هناك اعتقاد أساسي سائد بين الكثيرين في الولايات المتحدة مفاده أن الجيش الأميركي حقق في نهاية المطاف الانتصار في الحرب في العراق في الفترة من 2007 إلى 2008 نتيجة لأنه قد انتهج مجموعة جديدة من التكتيكات وأرسل قوات تعزيز إضافية عددها 30.000 جندي. اختفت الإصابات بين القوات الأميركية، وقلت الإصابات بين العراقيين عن مستوياتها المريعة السابقة. وكان هذا التفسير مرضيا بدرجة كبيرة لثقة النفس الوطنية الأميركية وحفظ ماء وجه الجيش الأميركي. وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية في عام 2008، بات من المستحيل بالنسبة لأي ساسة أميركيين الادعاء بأن «القوات الإضافية» لم تحقق نجاحا من دون أن يواجهوا اتهامات بعدم الوطنية.