الصحافة البريطانية بين التقاليد الصحافية والقوانين الجديدة

أسبوع حافل بدأ باستدعاء مردوخ.. وبلغ ذروته بتحقيق قضائي لتنظيم عملها

جيمس مردوخ لدى مثوله أمام اللجنة البرلمانية الدائمة لشؤون الصحافة والرياضة والثقافة البريطانية (رويترز)
TT

أسبوع صحافي حافل سيكون له آثار تاريخية. بدأ بإعادة استدعاء اللجنة البرلمانية الدائمة (من جميع الأحزاب) لشؤون الصحافة والرياضة والثقافة، لجيمس مردوخ الابن الأكبر لإمبراطور الصحافة المعروف ورئيس مجلس إدارة المجموعة الصحافية من مطبوعات وفضائيات وإذاعة، وبلغ ذروته الاثنين والثلاثاء في تحقيق لجنة قضائية أخرى بشأن تنظيم عمل الصحافة، وباستماع اللجنة البرلمانية لشهادة أشهر مدوني البلاغات.

توصيات اللجنتين، بعد أشهر طويلة، قد تغير مسير الصحافة في بريطانيا وقد تشكل سابقة توضح الوضع القانوني لصحافة الإنترنت التي تهم قراءنا.

فقد لعبت صحافة الإنترنت دورا أساسيا في ثورات شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث ينظر المثقفون لتجارب دستورية في بلد كبريطانيا كمصدر مهم لتطوير ديمقراطيات تكون الصحافة الحرة أهم ركائزها.

أزمة التنصت على الرسائل الصوتية أدت إلى إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» العريقة واستدعاء البرلمان من الإجازة. وتشكلت لجنة تحقيق برئاسة اللورد ليفيسون، من كبار قضاة محكمة النقض العليا ورئيس لجنة تحديد العقوبات في إنجلترا وإمارة ويلز.

ليفيسون يرأس لجنة سداسية اختار مكتب رئيس الوزراء أعضاءها بعد التشاور مع زعماء المعارضة واللوردات المتخصصين في مجالات عمل اللجنة. الأعضاء يمثلون اتجاهات تؤكد الالتزام بالقانون وحق المواطن في الخصوصية، وحرية التعبير والصحافة والنشر.

الصحافة يمثلها اثنان: الصحافية الإذاعية المخضرمة، إليانور غودمان، التي تقاعدت في عمر 66 كرئيس الأخبار في القناة الرابعة التلفزيونية؛ وجورج جونز وترأس قبل تقاعده القسم السياسي في وكالة «برس أسوسياشين» (الوكالة القومية المستقلة عن الحكومة)، وقبلها المحرر السياسي للـ«ديلي تلغراف».

اثنان ليسا بصحافيين، لكن خبيران بمجال التحقيق: السير دافيد بل، رئيس إدارة الـ«فايننشيال تايمز» سابقا؛ ومن مجلس اللوردات البارون كيري رئيس مكتب الاتصالات وترأس حتى عام 2009، هي المصلحة العامة للاتصالات التي ترخص موجات الأثير لشركات الموبايل، ولا سلكي الشرطة والإسعاف، وموجات الإذاعة والتلفزيون، ولها لائحتها (OffCom – Code) من ناحية الحياد والموضوعية والدقة والذوق العام – كعدم عرض مشاهد عنف وحوادث في الأخبار قبل التاسعة مساء - ولها صلاحية إلغاء ترخيص البث بعد اللجوء للقضاء لازدياد الشكاوى أو انتهاك القوانين.

العضو الخامس السير بول سكوت، الحكمدار المتقاعد لشرطة مقاطعة غرب الميدلاند؛ واختير بعدما كشفت اللجنة البرلمانية لشؤون الصحافة والرياضة والثقافة (لا علاقة لها بلجنة ليفيسون) عن تزويد رجال شرطة للصحافيين بتفاصيل التليفونات موضع التنصت مقابل مكافآت مالية.

اللجنة ستدرس العلاقات بين الصحافيين وبعض رجال الشرطة الذين ينبهونهم إذا ما ارتكب أحد المشاهير مخالفة قد تثير فضيحة (للتذكير كثير من الصحف والمجلات المصرية كانت تدفع مكافأة شهرية للمخبرين في نقطة البوليس في مناطق سكن النجوم كجاردن سيتي والزمالك للغرض نفسه، وكذلك مأذون الحي ومكتب السجل المدني لمعرفة أخبار زواج وطلاق النجوم).

نواب البرلمان اعتبروا العلاقة «تحريضا من الصحافيين للشرطة على الفساد» وهو ما ينكره الطرفان حيث لم تخرق الشرطة قانونا أو تحرف مسار العدالة بتزويد الصحافيين بالمعلومات.

أصغر أعضاء لجنة ليفيسون سنا المحامية الهندية الأبوين شامي شاكريباتي ابنة الـ42، وحاملة وسام استحقاق الإمبراطورية «CBE» لعملها كمديرة منذ عام 2003 لمنظمة Liberty «حرية» التي تزعمت حملات الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان بتسليم أجهزة الأمن المشتبه في تورطهم في الإرهاب للمخابرات الأميركية فنقلتهم بدورها لبلدان غير غربية تمارس التعذيب، وهو ما يحرمه القانون حيث لا يدرج أي قاض في بريطانيا اعترافات المتهمين ضمن الأدلة.

وعلى الرغم من غياب خبرتها بالصحافة فإن الصحافيين يطمئنون لوجود المحامية شاكريباتي لالتزامها بحماية حرية التعبير كواجب مقدس؛ أكثر من اطمئنانهم لوجود صحافيين، فقد أثار غياب ممثلي الصحافة الشعبية (التابلويد) عن اللجنة التساؤلات، فهي الصحف التي يقرأها أغلب الشعب (توزع 11 مليون نسخة مقابل مليونين للصحف الجادة مجتمعة) ويستهدفها المشاهير بدعوتهم إصدار قوانين تنظيم الصحافة. قوانين نراها، كصحافيين، محاولة لمنع الصحافة من كشف قصور الساسة ونفاق مشاهير يتخذهم الشباب قدوة مثلى.

الصحافة البريطانية ترفض القوانين لأنها تسير وفق تقاليد متوارثة واختارت التنظيم ذاتيا بمفوضية الشكاوى من الصحافة press complaint commission وتضم رؤساء المطبوعات (بعضوية اختيارية لا إجبارية) بمجلس إدارة من المتقاعدين من الصحافيين ذوي الخبرة والمتخصصين برئاسة البارونة باسكوم من مجلس اللوردات (من أشد المدافعين عن حرية الصحافة).

لائحة نشر code of practice للمفوضية انبثقت تاريخيا من خبرة المهنة، مثل الحيادية، وفصل الرأي عن الخبر والتحقق من المصداقية وباقي التقاليد الصحافية. شكوى مواطن أو قارئ تحقق فيها المفوضية، وترغم الصحيفة على الاعتذار والتعويض.

من تحقيقي اللجنة البرلمانية ولجنة اللورد ليفيسون (وتحقيقاهما سيستمران طوال 2012) يظهر النزاع بين موقف صحافة تبرر الحصول على المعلومات بأي طريقة إذا خدم النشر «الصالح العام»، وبين دعوة الساسة والمشاهير لاستصدار قانون يمنع نشر معلومات حصل عليها «بانتهاك» خصوصية المواطن مثل فرنسا التي دجن القانون صحافتها.

المشاهير القادرون على توكيل محامين بآلاف الجنيهات، يلجأون للقضاء للحصول على قرار حظر النشر تحت بند حماية الخصوصية في اللائحة الأوروبية لحقوق الإنسان.

الكلمة الإنجليزية (interest) تعني المصالح، وأيضا تعني المثير للاهتمام. الصحيفة قد تقنع القاضي بأن النشر يخدم الصالح العام public interest، فيرفض الحظر، وقد يقبل القاضي جدل محامي النجم بأن النشر interests the public مثير لاهتمام العامة لغرض التوزيع التجاري فيقرر حظر النشر.

ولذا يجادل الصحافيون بعدم الحاجة لقانون خصوصية، لكن صعوبة فرض حظر النشر القضائي على المدونين على الإنترنت يتخذه المناهضون لحرية النشر ذريعة لإصدار قوانين مكبلة للصحافة.

معظم المدونين كمن يتبارى في الكريكيت بقواعد كرة القدم، يطالبون بمساواتهم بصحافيين مثلنا تعلمنا بخبرة عشرات السنين الالتزام بآداب وتقاليد المهنة، التي لا يلتزمون بها فيسبقونا في النشر، وأحيانا ما يفسدون الأمر إذا ذكروا في مدونة ما يدفع نجما أو مشهورا إلى استصدار حظر نشر قضائي ضد الصحافة المطبوعة برمتها لا صحيفة بعينها وهو ما تكرر بضع مرات.

فقانون يبدو في ظاهره بريئا كقانون الخصوصية الفرنسي، يهدد قدرة الصحافة على دعم الديمقراطية كرقيب الشعب لكشف قصور الساسة أو نفاقهم.

أثناء قمة كان امتنع الصحافيون الفرنسيون عن نشر ما سمعوه من انتقاد رئيسهم ساركوزي – الذي ترك ميكروفونه مفتوحا - لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لأنها دردشة «خاصة» مع الرئيس أوباما؛ وانتظروا أربعة أيام لينقلوا القصة نفسها بعد أن نشرها زملاؤهم الإنجليز والأميركان.

فتقاليد الصحافة الإنجليزية تعتبر الرقابة الذاتية، التي مارسها الفرنسيون، أسوأ أنواع القيود على حرية التعبير؛ لأنها تكرس عبودية العقل لقوانين تناقض المنطق الطبيعي للإنسانية.