«الرقابة الذاتية» تثير الخلاف بين مجلس الصحافة الهندي ووسائل الإعلام

على خلفية تعيين قاضي المحكمة العليا المتقاعد ماركاندي كاتجو رئيسا جديدا للمجلس

خلافات حادة بين مجلس الصحافة الهندي ووسائل الإعلام على خلفية موضوع «الرقابة الذاتية»
TT

كانت الأسابيع القليلة الماضية موسم قلق وإزعاج بالنسبة لوسائل الإعلام الهندية، التي قد اعترضتها بعض القيود القانونية والانتقادات. يثير الرئيس الجديد للهيئة الرسمية المختصة بالرقابة على الصحافة الهندية مشكلات في صناعة الإعلام بانتقاداته ومطالبه. لقد وجه قاضي المحكمة العليا المتقاعد، ماركاندي كاتجو، رئيس مجلس الصحافة الجديد (جهة الرقابة الرسمية على الإعلام المطبوع في الهند) المثير للجدل، انتقادات لاذعة لوسائل الإعلام. فقد وصفها بأنها «مروجة للأخبار المثيرة» واتهمها بتغطية الأخبار بشكل سطحي تافه وبالتركيز على أخبار المشاهير بدلا من التحقيقات الصحافية الاجتماعية والاقتصادية الواقعية الجادة.

تأسس مجلس الصحافة الهندي، وهي هيئة شبه قضائية، في منتصف الستينات، والذي ينظر في الشكاوى الموجهة من الصحف وضدها. وعلى الرغم من أنه يصدر أحكاما نهائية ضد الأفراد المخالفين للمعايير المهنية من داخل وسائل الإعلام، فإنه يعتبر الآن هيئة ضعيفة غير فاعلة. لم تكن هناك محطات تلفزيونية. وحتى قناة «دوردارشان»، المملوكة للحكومة، كانت في بدايتها وكانت تبث بالأساس تصريحات وزارية أو أفلاما وثائقية ينتجها قسم الأفلام بوزارة الإعلام والبث. والآن، هناك 500 محطة تلفزيونية متنوعة في مستويات الجودة والمحتوى، الذي يقدم بالإنجليزية والهندية والعديد من اللغات الإقليمية المختلفة.

كتب كاتجو خطابا لرئيس الوزراء الهندي يطالبه فيه بوضع وسائل الإعلام التلفزيونية ضمن نطاق سلطاته الرقابية أيضا، وأراد أن يتم تغيير اسم مجلس الصحافة إلى مجلس الإعلام الهندي بعد أن توسع نطاق سلطاته ليشمل الإعلام المذاع. كما سعى أيضا إلى التمتع بسلطات عقابية تأديبية تكفل له وضع ضوابط على أقسام الإعلام المختلفة. على الجانب الآخر، تصر وسائل الإعلام المذاعة على أن جهود الرقابة الذاتية التي انتهجتها كافية، دون الحاجة لفرض مزيد من الرقابة الحكومية بما يرقى إلى مستوى الانتهاك لحرية الصحافة. وخلال أيام من تعيينه رئيسا لمجلس الصحافة الهندي، كشف كاتجو زيف ادعاء اتحاد مذيعي الأخبار بتطبيق الرقابة الذاتية، في الوقت الذي لم يكن فيه أي أحد - من السلطة القضائية إلى السياسيين والبيروقراطيين – متمتعا بنفس هذا الحق. وطالب اتحاد مذيعي الأخبار بأن يضع نفسه رهن رقابة المحققين في الشكاوى المرفوعة ضد موظفي الدولة، إذا لم يكن يرغب في أن يخضع لرقابة مجلس الصحافة. «يجب أن تكون هناك آلية تنظيمية خارجية. يجب أن تخضع كل المهن – الطب والقانون والتعليم – لهيئات رقابية. إذن، لماذا تخجل وسائل الإعلام الإلكترونية من الخضوع لسلطة رقابية؟ لماذا هذه المعايير المزدوجة؟ هل أنتم فقط ملائكة وبقية الناس آثمون؟»، هكذا تحدث كاتشجو، لافتا إلى بعض الممارسات اللاأخلاقية لوسائل الإعلام التي تم الكشف عنها حديثا. وأنكر كاتجو أن يكون قد تم تعيينه لترويض وسائل الإعلام. غير أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن الحكومة لن تكون راضية تماما ما لم تتوقف وسائل الإعلام عن انتقاد ممارساتها العديدة التي تنطوي على إساءة إلى استغلال السلطة. لو كان كاتجو قد توقف عند هذا الحد، للقي دعما واسع النطاق. إلا أنه قد مضى إلى مدى أبعد. يقول كاتجو إن معظم وسائل الإعلام الهندية على مستوى ثقافي ضحل جدا. قال: «أشك في أن لديها أدنى فكرة عن التاريخ الاقتصادي أو العلوم السياسية أو الفلسفة أو الأدب....». إضافة إلى ذلك، فقد اتهم وسائل الإعلام بتشويه صورة المسلمين في الهند. كذلك، سعى إلى فرض رقابة على عمل وسائل الإعلام الإلكترونية التي تشوه صورة المسلمين. رأى كاتجو أنه يجب اتخاذ إجراء صارم ضد الصحافي الذي ينشر خبرا خاطئا وأيضا ضد الصحيفة أو القناة التي تنشر أو تبث خبرا ملفقا، مستشهدا بأمثلة عديدة على الإساءات والافتراءات على المسلمين في مجتمع شهد العديد من الأعمال الإرهابية.

على نحو لا يمكن إنكاره، أثار التصريح الأول من هذه التصريحات الثلاثة أكبر قدر من الجدل. فقد أغضب بعض العاملين في الإعلام، بينما أسعد على وجه الخصوص هؤلاء العاملون في قطاع مواقع التواصل الاجتماعي، ممن أعلنوا أن وسائل الإعلام الهندية الناطقة بالإنجليزية هي العدو الأول للهند وأيدوا كاتجو، معتبرين إياه في منزلة أنا هازاري بالنسبة لهم.

لكن، يبدو كما لو أن ذلك لم يكن كافيا لإثارة غضب وسائل الإعلام الهندية. ففي حادثة أخرى، طلب من محطة إخبارية تلفزيونية هي «تايمز ناو»، التي تملكها مجموعة «تايمز» الإعلامية الدولية دفع مبلغ قيمته مليون روبية كتعويض قضت به المحكمة ضدها في قضية سب وقذف. كانت محطة «تايمز ناو» قد بثت خبرا عن نزاع متعلق بصندوق ادخار، ورد فيه اسم بعض قضاة المحاكم العليا. وبينما ذكرت المحطة اسم قاضي محكمة كالكوتا العليا، بي كي سامانثا، عرضت صورة لقاض متقاعد بالمحكمة العليا ورئيس سابق لمجلس الصحافة الهندي، ويدعى بي بي ساوانت، لمدة 15 ثانية. ولم تعرض الصورة في النشرات الإخبارية التالية، وقدمت المحطة اعتذارا للقاضي ساوانت، واستمرت في بث اعتذار طوال خمسة أيام متواصلة على شاشة القناة. غير أن القاضي أقام دعوى سب وقذف ضد المحطة الإخبارية. وألزمت محكمة بومباي العليا المحطة الإخبارية بدفع تعويض قيمته مليار روبية للقاضي المذكور آنفا. ووفقا لحكم المحكمة، تعين على المحطة دفع مبلغ مبدئي قيمته 20 مليون روبية وتقديم ضمان مصرفي بالمبلغ المتبقي البالغ 80 مليون روبية قبل سماع أي طعن في الحكم الصادر. وقد رفضت المحكمة العليا الهندية التدخل، حينما أرادت القناة تخفيف حجم التعويض.

وقد أدى هذا إلى تصاعد حرب الكلمات، كما زاد من درجة عدم الثقة بينه وبين القطاعات القوية من وسائل الإعلام الهندية. بشكل طبيعي، قوبلت الانتقادات اللاذعة من جانب رئيس المحكمة الجديد للقناة باحتجاجات من جانب وسائل الإعلام. وكان أكثر ما أثار الغضب هو تعليقه الذي قال فيه إن غالبية الصحافيين يتمتعون بثقافة ضحلة وغير مهتمين بالهند «الحقيقية». وووجهت الصحف البارزة انتقادات لاذعة إلى كاتجو مفادها أنه يشوه صورة الشركات الصحافية كلها. وأشار البعض إلى أن الدولة ربما تكون محقة في التفاخر بوسائل إعلامها الحرة، في حين أشار آخرون إلى المعايير المتدنية في السلطة القضائية العليا.

وقد عثر رئيس مجلس الصحافة، القاضي كاتجو، على عدة أصوات مؤيدة له من داخل الحكومة. وقد أيد نائب الرئيس الهندي حامد أنصاري وضع نظام للرقابة على وسائل الإعلام، متفقا مع رئيس مجلس الصحافة، القاضي ماركاندي كاتجو، على أن أسلوب الرقابة الذاتية قد أثبت فشله. وقد تساءل أنصاري عما إذا كان يتم التلاعب بمثل هذه الحريات من قبل الشركات الإعلامية لخدمة مصالحها الخاصة. «هل يمكن استغلال الضمانات الدستورية على حرية التعبير في تفادي الرقابة على الشركات والمجموعات الإعلامية ذات الطابع التجاري؟ ما الموضع الذي تنتهي عنده المصلحة العامة وتبدأ منه المصلحة الخاصة؟».

بل إن وزيرة الإعلام والإذاعة، أمبيكا سوني، أكدت أن وسائل الإعلام التلفزيونية لا يمكن أن تترك لها مسؤولية الرقابة على نفسها، نظرا للسلوك غير المسؤول الذي تجلى في تورط بعض المحطات التلفزيونية في عرض أخبار تعتمد على الإثارة الرخيصة والتشويه التام للحقائق. وتتمثل القضية الثالثة التي تمس حرية الإعلام المطبوع في تثبيت الأجور للصناعة ككل، من خلال مجلس أجور يتم تعيينه بموجب قانون. أعلن مجلس الأجور الذي يرأسه قاض سابق ويضم ممثلين من الصحافيين ومن الموظفين غير العاملين بالصحافة والناشرين عن زيادات في أجور العاملين بمختلف المستويات الإدارية بشركات الإعلام المطبوع، مقسمة إلى فئات مختلفة اعتمادا على الدخل الإجمالي. وبين عشية وضحاها، من المتوقع أن تزيد أجور العاملين بالصحف، سواء الصحافيين أو غير الصحافيين، إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف قيمتها الأصلية، إذا تم تنفيذ توصيات مجلس الأجور. وقد أدان اتحاد محرري البث التلفزيوني، الهيئة التي تمثل المحطات التلفزيونية، أيضا رئيس مجلس الصحافة الهندي بسبب تعليقاته «غير المسؤولة والسلبية» التي وجهها ضد وسائل الإعلام. وفي بيان صدر يوم الأربعاء، صرح اتحاد محرري البث التلفزيوني بأنه في الوقت الذي رحب فيه بالنقد الذي يساعد في اتخاذ خطوات تصحيحية، كان نقد كاتجو «هداما ومنصبا على النيل من سمعة وسائل الإعلام»؛ إذ إنه يعد تعبيرا عن جهله بطبيعة عمل وسائل الإعلام. وأي انتقاد يوجه بأسلوب يدل على اعتقاد موجهه أنه أقوم خلقا من الآخرين يبطل الهدف الأساسي الذي سعى لتوجيهه من أجله». وكرد فعل لادعاء القاضي كاتجو بأن المحترفين الإعلاميين منحدرون من بيئات ثقافية ضحلة ومعلوماتهم ضعيفة في مجالات الاقتصاد والتاريخ والسياسة والأدب والفلسفة، صرح اتحاد محرري البث التلفزيوني بأنه بتعليقه هذا يثبت ضآلة معلوماته عن الصحافيين العظماء الذين قد أنجبتهم الدولة. وقد عبرت الهيئة الإعلامية عن اندهاشها ومخاوفها بشأن تأثير القرار الأخير للمحكمة العليا الذي رفضت من خلاله التماس محطة «تايمز ناو». وقد عبر رئيس جمعية الصحف الهندية، أشيش باغا، عن انزعاجه وذعره الشديدين من تعليقات رئيس مجلس الصحافة الهندي حول الإعلام الهندي. وقال باغا إن كاتجو بتعليقاته اللاذعة، لم يضعف موقفه الشخصي فحسب، وإنما أضعف أيضا موقف مجلس الصحافة الهندي، الذي يضم العديد من الصحافيين. «بتوضيحه أنه يتبنى رأيا سيئا جدا تجاه معظم العاملين في مجال الإعلام، أظهر كاتجو تحيزا شديدا ضد العاملين بالصحافة، وتعي جمعية الصحافة الهندية أن مثل هذا التحيز سيؤثر سلبا على وظيفة المجلس، ولا سيما على دوره شبه القضائي كجهة رقابية على وسائل الإعلام. ومن خلال سعيه لفرض مزيد من القيود على مجلس الصحافة الهندي – من بينها إيقاف منح التصاريح للصحف وفرض غرامات ومنع الإعلانات الحكومية – من المنتظر أن يقف كاتجو ضد الهدف الأساسي لمجلس الصحافة الهندي، ألا وهو الحفاظ على حرية الصحافة. وأضاف: «سيقاوم المجتمع أي محاولة لتقويض حرية الصحافة، أو وضع الصحف في إطار نصوص قانونية وحشية قاسية». في الوقت نفسه، انضمت بعض المجموعات الإعلامية الدولية إلى مجموعة الاتحادات الإعلامية الهندية التي لا تنتقد تصريحات كاتجو فحسب، وإنما تنتقد أيضا الحكم الصادر ضد محطة «تايمز ناو» الإخبارية بدفع تعويض في دعوى السب والقذف. لقد صرح المدير التنفيذي لـ«آي بي آي»، أليثون بيثيل ماكينزي، في بيان صحافي، بأنه «في المملكة المتحدة، طالبت الحملة الأخيرة التي قادت في نهاية المطاف إلى إدخال تعديل على قانون التشهير الإنجليزي، بوضع سقف لحجم التعويضات عند 10.000 جنيه إسترليني (800.000 روبية)...».

واستشعر عضو مجلس إدارة «آي بي آي» ومدير شركة «كاستوري آند سنز» المحدودة، إن رافي، أيضا أن حجم التعويضات كان «غير متوافق على الإطلاق» حجم التعويضات التي تقضي بها المحاكم الهندية. تحدث رافي إلى «آي بي آي»، قائلا: «من الواضح أن إصدار حكم بدفع تعويضات بهذا الحجم سيكون له تأثير معوق على عمليات وسائل الإعلام في الدولة». بالتزامن، أعرب الاتحاد الدولي للصحافيين عن إحباطه من تعليقات كاتجو. وذكر الاتحاد الدولي للصحافيين، الذي يمثل أكثر من 600.000 صحافي من 131 دولة، في بيان له «أنه صدم من أسلوب كاتجو العدواني والمهين».