كالي لاسن.. مروج حركة «احتلال وول ستريت»

رئيس تحرير مجلة «أدباسترز» المناهضة للاستهلاكية

TT

لم يبتكر كالي لاسن، رئيس تحرير مجلة «أدباسترز» المناهضة للاستهلاكية، الغضب الذي دفع مظاهرات احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة، ولكنه روّج له.

في الصيف الماضي، وعندما كان الشرق الأوسط يعج بالانتفاضات ويرزح معظم العالم الاقتصادي تحت وطأة المعاناة، شعر لاسن والكثير من زملائه في المجلة الصغيرة بأن اللحظة ملائمة لتعزيز الغضب المتصاعد تجاه اليسار السياسي الأميركي.

في 13 يوليو (تموز)، ابتكر هو وزملاؤه هاشتاغ جديدا على «تويتر»، وصنعوا ملصقا دعائيا تظهر فيه راقصة باليه ترقص على ظهر ثور قوي بالقرب من وول ستريت في مانهاتن.

بالنسبة لبعض الناس كان ذلك مجرد كلمات وصور، ولكن بالنسبة للاسن كانت تلك أدوات للبدء في إعادة تشكيل «البيئة الذهنية» لخلق «ممارسة ثقافية»، وهو المصطلح الذي ابتكره عالم البيولوجيا التطورية ريتشارد دونكنز لنوع من الرسائل الثقافية الملهمة. فيقول لاسن في حوار أجري معه: «هناك عدد من الطرق لشن حرب ثقافية. أعتقد أن أكثرها قوة هو الفن».

قضى لاسن، الذي شارك في تأسيس «أدباسترز» في عام 1989 معظم تاريخه المهني منتقدا الشركات الأميركية ومؤسسا لحملات «مناهضة للحملات الإعلانية»، مثل حملة «جو شيمو» التي تسخر ببراعة من إعلان سجائر جو كاميل في التسعينات.

ولكن انتشار حملة «احتلال وول ستريت» يعكس تقدما أساسيا للمجلة وللاسن، في 69 عاما، الذي يأمل «أن تغير الاحتجاجات على نحو ما توازن القوى وتجعل العالم مكانا للعامة بدلا من كونه مكانا لأنظمة وول ستريت التي تنحاز للشركات الكبرى الموجودة حاليا»، مضيفا: «ذلك حلم الكثير من المحتلين».

جدير بالذكر أن لاسن ولد في أستونيا، ولكن أسرته هاجرت في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما كان في الثانية من عمره وانتقلت للعيش في معسكرات اللاجئين في أوروبا قبل الانتقال إلى أستراليا. وقد عمل لعدة سنوات في وزارة الدفاع الأسترالية قبل أن ينتقل إلى اليابان وإلى مجال الإعلانات.

في السبعينات وصل إلى فانكوفر، متحررا مما كان يشعر بأنه انفصال أخلاقي لصناعة الإعلانات. بعدها انتقل للعمل كمخرج أفلام تسجيلية، مصطدما بالحكومة الكندية ووسائل الإعلام حول أساليب تقطيع الأشجار في الغابات العتيقة، ثم أسس «أدباسترز» في عام 1989.

وتنشر المجلة، التي تمتلكها مؤسسة «أدباسترز» لوسائل الإعلام غير الربحية، من قبو بمنزل جنوب وسط المدينة، وقد حققت معدلات توزيع بلغت 70 ألفا، تعتمد أساسا على المبيعات خارج كندا. ويكتب بالمجلة كتاب مرموقون، من بينهم كريستوفر هيدجز وبيل ماكبن.

وتبدو المجلة من خلال رسومها الفنية الحيوية وصورها ومقاطع الشعر والإعلانات المزيفة البراقة وشعارات مثل «كل شيء على ما يرام، استمر في التسوق»، مثل كتيب استرشادي وليس كبيان بسعر 8.95 دولار للعدد.

تقول ديبورا كامبيل، المحرر السابق للمجلة: «إنها قطعة فنية، فعندما تنظر إلى الأعمال الفنية تجدها تخاطبك عبر الكثير من الطرق، بعضها نخبوي، وبعضها إرشادي، وبعضها عاطفي».

قبل احتلال وول ستريت، كان لدى «أدباسترز» الكثير من الحملات الصغيرة، بما في ذلك «يوم عدم الشراء». ولسنوات كانت تروج لأحذية «بلاكسبوت» المصنوعة بمصنع «أنتيسويتشوب» بباكستان. كما ألّف لاسن عدة كتب، منها «ضغط ثقافي: كيف نغير نوبات الاستهلاك الانتحارية الأميركية - ولماذا يجب علينا ذلك».

وقد أثار دهشة الكثير من الناس كيف يمكن لمجلة كندية أن تساعد على إثارة حركة الاحتلال، ولكن «أدباسترز» يقع مقرها فقط في كندا ولا تركز عليها. فيقول ديفيد بيرز، محرر «ذا تايي»، الموقع الإلكتروني الإخباري الذي يقع مقره في كندا أيضا: «الجميع يعرف أنها كندية ولكنها ليست مجلة محلية. وهو ليس شخصية محلية، فهو لا يقدم برنامجا إذاعيا صباحيا، فأنت لا تسمع عنه إلا من خلال معركة مع أحدهم».

وبالفعل أثار لاسن الكثير من المعارك، وقد أعاد الانتباه الذي تم تسليطه على احتجاجات احتلال وول ستريت إثارة الأسئلة حول رؤيته لليهود وللنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي عام 2004 نشرت «أدباسترز» مقالا يزعم أن نسبة كبيرة من المحافظين الجدد الذين يقفون وراء السياسة الخارجية الأميركية هم من اليهود.

ومن ثم أطلق على لاسن أنه مناهض للسامية، وهي التهمة التي نفاها، ولكنه ما زال يواجه تلك التهمة حتى إن ذلك تم ذكره في مقال حديث لديفيد بروكز، كاتب العمود في «نيويورك تايمز»، كما أنه شارك في مناقشة عبر صفحة الرسائل بالصحيفة حول كيف يمكنه معالجة ذلك.

يقول لاسن: «لا توجد ذرة معادية للسامية في جسمي، ولكن إذا كنا سوف نبدأ الحرب وفقا لقوة نفوذ المحافظين الجدد في السياسة الخارجية، فأعتقد أنه يجب أن يعرف الناس من هم».

كما أنه اتهم بالتلاعب بالثقافة المعتمدة على الصورة التي تهيمن على الإعلان بدلا من رفضها تماما. ولكن لاسن يقول إنه يؤمن بقوة وسائل الإعلام في تغيير البنى التقليدية للقوة، فيقول: «إذا كنت قادرا على أن تأتي بهاشتاغ مثير مثلما فعلناه في هاشتاغ (احتلوا وول ستريت)، واستطعت عمل ملصق إعلاني جميل يحمل رسالة عميقة، فإنك تستعين بتلك الأدوات لتصدير تلك الممارسات الثقافية المتجاوزة إلى خيال العامة بأسلوب قوي».

ويدعي بعض النقاد أن لاسن يعتقد أن عمله أكثر تأثيرا من حقيقته، فيقول جوزيف هيث، أستاذ الفلسفة بجامعة تورنتو، الذي قام بتأليف كتاب نقدي حول «أدباسترز» في عام 2004 بعنوان «دولة المتمردين»: «لا يوجد شيء خاطئ في السخرية من الإعلانات، ولكن ذلك ليس ثوريا. فلا أعتقد أن لذلك تداعيات سياسية ثورية، ولكن (أدباسترز) تعتقد أن لذلك تداعيات سياسية».

ويضيف هيث: «إذا أردت أن تعمل بالسياسة فيجب أن تكون قادرا على التعامل بالمنطق التقليدي للسياسة». ولكن على نحو مفاجئ، يقر هيث بأن «أدباسترز» تمارس السياسة بالفعل، مضيفا: «ذلك كله تطور إيجابي، حيث إن «أدباسترز» تقوم بما يجب أن تقوم به، فهم يقومون بشيء له قيمة سياسية واضحة». ولكن ليس الجميع على يقين من ذلك، فبخلاف الحق في نصب خيامهم في المتنزهات العامة كما يشاءون، يتساءل بعض الناس: ما الذي يريدونه تحديدا؟ بل إن إحدى النسخ الأولية من ملصق الثور وراقصة الباليه كان يتساءل: «ما هو مطلبنا؟».

لقد كان لاسن دائما يعتقد أن وول ستريت وثروة الشركات الطائلة قد أرسلت الولايات المتحدة لما يطلق عليه «محطة التراجع». ولكن بخلاف الكثير من المشاركين في المظاهرات، فإن لديه أهدافا محددة يرغب في تحقيقها، فهو يرغب في أن يرى من بين عدة أشياء أخرى «ضريبة روبن هود»، وهي تطبق على كل العمليات المالية، وهي استعادة لقانون غلاس - ستيغل الذي وضع العراقيل بين الصيرفة والاستثمار من خلال فرض حظر على أنواع معينة من التجارة المتكررة، وإلغاء حكم المحكمة العليا في قضية المواطنين المتحدين.

يقول لاسن إنه وميكا وايت، كبير المحررين الذي شارك في حملة «احتلال وول ستريت»، على اتصال دائم بأبرز المتظاهرين، ولكنهم أكدوا أنهم ليسوا مهتمين بالاستحواذ على الدور الريادي، كما أنهم ليسوا مخولين بالتحدث نيابة عن الحركة، حتى وإن كان هناك بعض الفضل فيها يرجع إلى «أدباسترز»، فيقول: «ذلك ما كانت (أدباسترز) تفعله طوال العشرين عاما الماضية، أن تأتي بتلك الممارسات الثقافية وتروج لها، فذلك جوهر الأمر: ونتمنى أن تنتصر أفضل الممارسات الثقافية».

* خدمة «نيويورك تايمز».