إعلاميون أجانب ومصريون يناقشون أفضل الممارسات الإعلامية في المرحلة الانتقالية

عرضوا تجارب بلدانهم حول استقلال السياسة التحريرية وأنجع أساليب الإدارة

تباينات حادة حول مستقبل الإعلام المصري في المرحلة المقبلة
TT

كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تعمل في المراحل الانتقالية؟ وما أهم الأخلاقيات التي يجب أن تعمل وفقها؟ وما مدى استقلالية السياسة التحريرية لها؟ وما أنجع أساليب الإدارة؟

تساؤلات عدة طُرحت للنقاش على مائدة عدد من الإعلاميين الأجانب والمصريين، لبحث أنجع السبل لدعم عمل الإعلام وحريته في مصر بعد ثورة «25 يناير».

جاء الحوار، الذي نظمه مكتب «اليونيسكو» بالقاهرة بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة ومؤسسة «الأهرام»، بهدف الاستفادة من التجارب الناجحة على مستوى الدول التي شهدت تحولا للانتقال الديمقراطي، في ظل ما تشهده مصر حاليا في ظل قرب الانتخابات ووضع دستور للبلاد وانتظار انتقال السلطة.

نقاشات الإعلاميين الأجانب بدأتها ماريتا آدم تكاليش، رئيسة تحرير صحيفة «برلينر سايتونغ» الألمانية، بدراسة لمرحلة الانتقال في مطلع التسعينات في ألمانيا، موضحة أنه في مرحلة الانتقال التالية لسقوط سور برلين كان التغيير مربكا للصحافيين والإعلاميين، فكانت بمثابة لحظة استيقاظ من نظام شمولي، بعد أن كانوا أداة لحمايته من القوى الإمبريالية، وبالتالي كان السؤال الذي يطرحه الجميع: ما الطريقة المثلى للتعامل مع هذه المرحلة الجديدة؟

وهو السؤال الذي تجيب عنه تكاليش بقولها: «كان يجب اختيار رئيس تحرير يتوافق مع التوجهات الجديدة، وكان على المحتوى أن يتطور، بأن يفتح الباب أمام المعارضين للتحدث واستخدام الحقائق لعدم تضليل الجمهور، كما أن هناك مهمة شخصية وفردية يجب أن يقوم بها الصحافي، وهي تفتيح الذهن بما يتوافق مع المرحلة المقبلة، بأن يكون له موقف خاص به وأن يكون مسؤولا عن تصرفاته، وقد أجبرت الظروف وقتها في ألمانيا الكثيرين على تغيير آرائهم مع سقوط النظام الشمولي».

وتبين أن الواقع يقول إن الصحف التي احتفظت بتركيبتها الآيديولوجية ولم تغير من نفسها فقدت ريادتها في هذه المرحلة الانتقالية، لافتة إلى أن صحف الحزب الاشتراكي الديمقراطي حاليا على وشك الانقراض.

أما كاثرين فينير، نائبة مدير تحرير صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، فتحدثت عن كيفية تمكن الصحافيين من استقلال التحرير في ظل تغير ملكية الصحف، مبينة أن الـ«غارديان» تعتبر نموذجا مختلفا في الملكية؛ حيث يمتلكها مجلس أمناء وليس مالكا واحدا كما كانت من قبل، لافتة إلى أن هذا التغير في الملكية يجب ألا يؤثر في التحرير؛ فمجلس الأمناء مهمته أن يحافظ على قيم الصحيفة إلى جانب حمايتها من أي تأثير ونفوذ خارجي، وهذا معناه أن مالك الصحيفة عليه أن يتجنب التأثير على التغطية الإخبارية، وأن يوفر للصحافيين العاملين بالصحيفة سبل الراحة والأمان.

أما على مستوى التحرير فتبين فينير أنه يتوجب على رئيس التحرير أن يكون لديه رؤية طويلة المدى في ظل القيم التي ترفعها الصحيفة، وهي قيم ملائمة لكل العصور، أما الصحافيون فهم يلتزمون بمدونة السلوك، وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ التي تنشر روح الصحيفة، وتعمل على التقريب بينها وبين القارئ من خلال الرقابة الذاتية الداخلية.

بينما عرضت كريستينا غوترستروم، رئيسة التحرير السابقة لجريدة «داجنس نايهتير» في السويد، التجربة السويدية في كيفية الحفاظ على استقلال التحرير، موضحة أن فترة السبعينات شهدت إغلاق الكثير من الصحف؛ فقامت الحكومة السويدية بإعطاء هذه الصحف دعما ماديا، وكان لهذا الدعم دور كبير في إبقاء الصحف على قيد الحياة، لكن هذا الدعم لم يعطِ السياسيين الفرصة للتدخل في الصحف سواء الإدارة أو المحتوى الصحافي.

وأشارت غوترستروم إلى أن أحد أهم الأسس الخاصة بإقامة الديمقراطية في الدول هي مسألة حرية الصحافة، مبينة أن الدستور السويدي تضمن مواد تتعلق بحرية الصحافة، وهو ما جعلها مسألة محترمة من قبل الحكومات المختلفة والسياسيين.

على الجهة الأخرى؛ وحول التحدي الذي يواجهه الإعلام المصري في الوقت الراهن، أوضح الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أنه يجب أن تسعى الدولة المصرية، ونظامها المؤقت الراهن، وجماعتها الوطنية، والأحزاب والنخب السياسية، وأصحاب المصلحة الأولى العاملون في صناعة الإعلام، إلى الإسراع جميعا في بناء النظام الإعلامي الجديد، عبر تشكيل واحدة من أهم آلياته، أي الهيئة الضابطة التي تنظم صناعة الإعلام المسموع والمرئي.

وتبنى عبد العزيز أن تسمى تلك الهيئة «المجلس الوطني للإعلام»، وأن تكون مؤسسة تابعة للدولة وليس للحكومة، وأن تضمن استقلالها عبر تبعيتها لرئيس الدولة مباشرة، ومسؤوليتها أمام البرلمان المنتخب انتخابا حرا نزيها، وتمويلها المستقل، ومجلس تشغيلها الذي يضم مستشارين يكرسون الثقة والحياد والكفاءة والتوازن الاجتماعي والسياسي والفكري والمهني في عملهم. وأضاف: «لن يكون المجلس الوطني للإعلام بدعة أو ابتكارا، لكنه سيكون آلية تأخرنا في إرسائها كثيرا، وسوف نستفيد عند إنشائها من تجارب دول سبقتنا في درجة الرشد والتنظيم السياسي والاجتماعي».

أما عبد الفتاح الجبالي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام»، فلمح إلى أن الإعلام المصري في هذه المرحلة مطروح عليه، وبشدة، تساؤلات كثيرة؛ أهمها: كيف يمكن أن يسهم بشكل ملحوظ في تطورات الأحداث في المرحلة المقبلة، خاصة مع جميع المتغيرات السياسية والإعلامية في ظل الأوضاع التي تعانيها الصحف القومية من منافسة شرسة من الصحف الحزبية الجديدة والصحف المستقلة والفضائيات والإعلام الجديد؟ مما يمثل خطرا شديدا ومنافسا قويا إلى جانب المشكلات الكثيرة التي تعانيها الصحف القومية في مصر من مشكلات مالية واقتصادية تحتاج إلى إعادة نظر، خاصة في ظل الإهدار الذي يحدث في معظم الموارد المتاحة لتلك المؤسسات.. وما تواجهه من اختلال بين زيادة مستمرة في الإنفاق لا تقابلها الزيادة نفسها في الإيرادات.

وطالب الجبالي بضرورة تفعيل دور مجالس الإدارات والجمعيات العمومية كي تصبح قادرة على المتابعة والمحاسبة أولا بأول، إلى جانب ضرورة تعديل القوانين المنظمة للعمل الصحافي وتعديل هيكل الأجور.

وحذر الجبالي من غياب المسألة والمحاسبية والشفافية، مما يؤدى لإهدار الموارد وضعف دخول العاملين بالمجال الصحافي، وبالتالي ضعف المهنة، إلى جانب غياب نظام الرقابة الداخلية للمؤسسات الصحافية.

بينما حذر عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة «الأهرام»، من التحديات التي يواجهها مستقبل الصحافة القومية في مصر، في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد. وأكد حماد أن الصحافة المصرية تأثرت بالثورات؛ حيث شهدت مرحلة ما بعد ثورة 1952 اختفاء الكثير من الصحف، كما أن الصحف المصرية لم تسلم أيضا في مرحلة ما قبل ثورة «25 يناير» من الآثار الضارة للحكم الشمولي من متاعب اقتصادية وانخفاض في عدد القراء، خاصة أن الصحف القومية لم تستطع حشد كل طاقاتها لمواجهة التحديات التي لاحقتها والمنافسات مع الصحف المستقلة والفضائيات.

وأكد حماد أن مستقبل الصحافة القومية حاليا تحكمه قوانين كثيرة ومتعارضة؛ فالمؤسسات القومية تخضع لقانون الشركات وتحاسب كشركة تكسب وتخسر، وفى الوقت نفسه تعامل على أنها مملوكة ملكية عامة، بالإضافة لخضوعها لقانون النقابة إلى جانب وضعها الدستوري، الذي يصنفها بأنها سلطة رابعة، وتلك القوانين المتعددة تكيف الصحافة القومية على معايير مختلفة.