طارق نور: اختفاء الانضباط المهني كبرى المشاكل التي تواجه الإعلام المصري

الخبير الإعلاني قال لـ «الشرق الأوسط» إن السعودية أكبر بلد خليجي رائد في الإعلان

الخبير الإعلاني طارق نور «(الشرق الأوسط»)
TT

بنكهة خاصة، قدم «طارق نور»، رجل الإعلانات الأشهر في مصر والعالم العربي، تجربة إعلامية من نوع خاص هي قناة «القاهرة والناس»، التي رفعت شعار (أجرأ قناة)، مما أثار جدلا كبيرا بين الجمهور والإعلاميين.

وبعد أن بثت القناة برامجها على مدار 3 سنوات متتالية لمدة شهر واحد فقط وتحديدا في شهر رمضان؛ قرر نور أن يكون بث قناته بشكل يومي لتدخل سوق المنافسة الإعلامية من أوسع أبوابه قريبا.

في حواره مع «الشرق الأوسط» من القاهرة، اعتبر نور أن قراره مخاطرة محسوبة، في ظل ما يعتبره البعض بأنه مجازفة خطرة خاصة بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، ووضع اقتصادي متأزم، وتوقع بصعود التيارات الإسلامية على الساحة. فإلى نص الحوار:

* ما السبب الحقيقي وراء تحويل قناة «القاهرة والناس» إلى قناة ذات بث يومي، ومتى سيبدأ البث في حلته الجديدة؟

- في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) المقبلين، وهذا القرار له أسبابه الاقتصادية تماما عكس توقعات البعض، ففي شهر رمضان من المعروف أن نسبة المشاهدة تكون عالية وبالتبعية القوة الشرائية للمستهلك، وكل المعلنين يتهافتون على أوقات الذروة فيه باعتباره وقتا من ذهب، لكن الوضع اليوم اختلف تماما، ففي الماضي القريب كانت إعلانات شهر رمضان تستحوذ على 50 - 60 في المائة من إعلانات العام كله للمعلن، وفي المقابل كان سعر الإعلان في شهر رمضان ثلاثة أضعاف ثمنه في أيام السنة العادية، ولكن كل هذه الأرقام تغيرت هذا العام والعام الماضي كذلك، وهذا التغير ليس فقط انعكاسا لثورة 25 يناير، بل انعكاسا للأزمة المالية العالمية التي هزت العالم عام 2008، ومن وقتها بدأ الناس في الإحجام عن دفع مبالغ كبيرة في شهر رمضان فقط، وفضلوا أن تكون هذه المبالغ على العام كله، وإذا ما نظرنا إلى أن الإعلانات فهي تعتبر هي مصدر الدخل الرئيسي لأي قناة، فكان لا بد من نغير بث القناة إلى البث اليومي، فأي مشروع في الدنيا يكون في بداية تكوينه اقتصاديا في المقام الأول.

* هل هذا يعني أن حجم الإعلان المقوم الأساسي لـ«القاهرة والناس» قد انخفض كذلك؟

- ليس سرا أن الإعلانات في مصر كلها انخفضت بنسبة 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي والعام الذي قبله كذلك. وبطبيعة الحال، انعكس ذلك على حجم الإعلانات في «القاهرة والناس»، وشهر رمضان هذا العام كان به انخفاض مرتبط بالثورة والخوف من المستقبل المجهول بالنسبة للكثيرين، كما أن بعض القطاعات الحيوية أصيبت في مقتل مثل قطاع العقارات الذي كان يمثل 25: 30 في المائة من حجم الإنفاق الإعلاني في التلفزيونات والصحف في مصر، وذلك مقارنة بقطاع السلع الاستهلاكية المعروفة باسم FMCG ((fast moving consumer good

* ما الجديد الذي ستقدمه هذه القناة حتى يمكن أن تنافس القنوات الموجودة على الساحة، وهل ستأخذ طابعا إخباريا؟

- أعترف بأن أمامي منافسين كثيرين، بداية من التلفزيون المصري الحكومي والقنوات المصرية الخاصة كـ«الحياة» والـ«سي بي سي» و«دريم»، بالإضافة إلى القنوات العربية المتميزة مثل «MBC»، لكن نكهة «القاهرة والناس» ستكون مختلفة، لأن الجرعة الترفيهية موجودة في القناة بشكل كبير، ولا يمكنني الكشف عن خطة عمل القناة الآن، لكن نزعم أننا سنقدم رمضان للجمهور كل شهور السنة، كما سيكون بها جزء إخباري مختلف، وليس كما يتوقع البعض أو كالصورة الإخبارية النمطية التي نعرفها في كل قنوات الأخبار.

* ماذا تقصد بمادة إخبارية مختلفة؟

- سنقدم الأخبار بشكل جديد، لكن المنافسة لن تكون بيننا وبين قناتي «الجزيرة» و«العربية» على سبيل المثال، فالفرق هنا سيكون في طريقة إخراج الخبر ومن سيقدم الخبر وشكل وهيئة المذيعين والمذيعات، بل إن الاختلاف سيكون حتى في طبقة الصوت الذي سيتحدث بها قارئ نشرة الأخبار.

* إلى أي مدى تكمن الصعوبة في تحويل تجربة قناة ظهرت لمدة شهر واحد في السنة إلى قناة يومية، وخاصة أنها التجربة الأولى من نوعها في العالم؟

- على العكس، أعتقد أن تجربة تحويل بث القناة إلى بث يومي هو أكثر سهولة، فالكثيرون اعتبروا أن بث القناة حينما ظهرت لأول مرة منذ 3 سنوات لمرة واحدة فقط في شهر رمضان هو أمر جنوني، خاصة أن هذا حدث لأول مرة في العالم والبعض سماها (افتكاسة)، لكني أرى أن تجربة بث قناة كاملة لمدة شهر واحد هو أمر أصعب كثيرا ومحدودية الخسائر فيها ليست متوافرة كما يتوقع البعض.

* ما أهم الوجوه التي ستعتمد عليها القناة في شكلها الجديد لكي تتمكن من المنافسة بقوة؟

- جزء كبير من القائمين على القناة هم باقة رائعة لأسماء جديدة تماما ومواهب تقدم على الشاشة لأول مرة، لكن هناك أسماء مشهورة في عالم الإعلام العربي سنعتمد عليها كذلك، ومنهم المذيع طوني خليفة، لكن باقي الأسماء لا يمكن الإفصاح عنها الآن.

* هل هذا بسبب لأنكم لم توقعوا عقودا معهم حتى الآن؟

- لا، قمنا بتوقيع عقودنا بالفعل مع هذه الأسماء الكبيرة، لكن لا يمكن الحديث عن منتج لم يظهر للنور حتى اليوم كخصوصية في عالم المنافسة.

* هل هذه الأسماء «عمرو أديب، محمود سعد، معتز الدمرداش، منى الشاذلي» ستكون في «القاهرة والناس»، خاصة أنك أعلنت قريبا عن أهمية العمل الإعلامي معها؟

- أحترم العقود الموقعة بين هذه الأسماء وما بين القنوات التي يعملون بها، وفي ذات الوقت الفترة الانتقالية التي واجهت البعض لم نستطع خلالها توجيه الدعوة لهم للانضمام لنا لأننا لم نخرج للنور بعد، فلم نتفاوض صراحة مع أي من هذه الأسماء، ولكن قد يكون هناك خليط ما بين الوجوه الشابة المصرية إلى جانب بعض الوجوه العربية الشهيرة.

* تردد أن هناك خطة أكبر لانطلاق «القاهرة والناس» من عواصم عربية أخرى، هل هذا صحيح؟

- نعم، سيكون هناك «جدة والناس» و«أبوظبي والناس»، وغيرها الكثير من العواصم العربية، وذلك قيد التنفيذ في الفترة المقبلة.

* هل تعتقد أن الثورة المصرية كشفت الوجه الخفي والقبيح للإعلام في ظل ما هو مطروح الآن على الساحة الإعلامية؟

- لا بد أن نفهم أن عقلية المصريين اختلفت، فلقد عاشوا فترة طويلة ممنوعين من ممارسة الحرية، وفجأة فتحت لهم كل الأبواب، وأعتقد أن زيادة جرعة الحرية لشخص متعطش لها سيجعله يخطئ في استخدامها، يضاف إلى ذلك أن هناك مع يسمى الشهوة الصحافية التي توجد لدى معظم الإعلاميين، وهذه الشهوة تعني أن الخبر أولا ولا يهم ماذا سيحدث بعد ذلك، لدرجة أن البعض منهم يقدس الخبر على حساب مصلحة مصر، ولا يعترفون بأن هذا التصرف ضد الأخلاق، بل يعتبرونه حقا أصيلا في أن يقدم سبقا دون أن يتحقق من الخبر وصحته، بل لقد كان هناك صحافيون مشهورون جدا في عهد مبارك يكتبون الخبر ثم يغلقون هواتفهم الجوالة لمدة شهر، لأنه يعرف أنه تجاوز وأن هذا التجاوز قد يترتب عليه مصيبة لكنه لا يريد أن يسمع الحقيقة.

* ما كبرى المشاكل التي تواجه الإعلام المصري اليوم بعد ثورة 25 يناير؟

- اختفاء الانضباط المهني، فدائما ما كنا نقول إن الشعب المصري كريم ومسالم، لكن ظهر أن لدى البعض قلوبا سوداء، وروح الانتقام لديهم أكبر من روح التقدم. ولو كان حجم القهر الذي تعرض له هؤلاء كبيرا فلا يجب أن تكون هذه النتيجة أبدا، وعلى سبيل المثال نيلسون مانديلا عندما خرج من السجن هل انتقم ممن سجنوه؟ لا ولكنه تحول إلى رمز كبير.

* «القاهرة والناس» رفعت شعار (أجرأ قناة)، فما حدود تدخلك في هذه الجرأة؟

- أتدخل في مستوى المادة الإعلامية وثرائها، وكذلك في حال عدم الالتزام بالحيادية لمن يعملون في القناة، لكني لا أتدخل في المحتوى، وعندما قدم الإعلامي طوني خليفة برنامجه (الشعب يريد) وواجهته كثير من الضغوط، لم أتدخل فيه وكان له مطلق الحرية، فهو المسؤول عن برنامجه وفي أن يقول رأيه بحرية، وهو ما حدث أيضا مع الدكتورة لميس جابر والفنانة بسمة في برنامجيهما بالقناة.

* هل هذا يعني أنك تتخلى عن العاملين معك إذا ما واجهتهم مشكلة قانونية جراء ما يقدمون؟

- المذيع هو المسؤول الأول عن رأيه في برنامجه، والقناة هنا ليست مسؤولة مسؤولية جنائية، وإذا ذهب المذيع للسجن فلن أذهب معه، لكن في المقابل القناة مسؤولة أدبيا وماديا إذا ما قُررت عليها غرامة أو تعويض، وأنا لا أتخلى عن برنامج في قناتي حتى لو كان ضد آرائي الشخصية، وهناك مبادئ عامة يعرفها كل من يعمل معي وهي على كل شخص أن يراقب نفسه، بألا يشتم أحدا أو يفضح أحدا.

* لكن هناك برامج اعتمدت على فضح المشاهير تم بثها في القناة، ما قولك؟

- ليس صحيحا، ولقد ألغيت برامج تشتم الناس وتفضحهم، وحذفت في أوقات كثيرة فقرات كاملة في برامج تعتمد على الفضائح ضد آخرين، ولقد قلت (مع السلامة) للبعض لأنهم لم يلتزموا بحرفية الرقابة الذاتية.

* هناك تقدم كبير للإسلاميين (إخوان مسلمين وسلفيين) أظهرتها النتائج الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية.. هل لديك أي تخوف من المد الإسلامي في مصر ما بعد الثورة؟

- لو مصر انقلبت لدولة إسلامية وأصبح ممنوعا علينا بعض الأمور، فلن أغادر مصر ولكني سأتواءم مع المستجدات.

* معنى ذلك أنك ستضطر إلى التخلي عن بعض مبادئك لكي تواكب هذه المستجدات؟

- الوضع سيكون مفروضا على البلد كلها، وسأحاول أن أحارب هذا الواقع بطريقتي، ولكن ليس المفروض أن أغلق القناة كرد فعل إذا ما كانت هناك قوانين جديدة ملزمة للجميع.

* هل طلب منك حزب «الحرية والعدالة» ذراع الإخوان المسلمين، أو«النور» السلفي، أن تقدم لهم حملات إعلانية قبيل الانتخابات البرلمانية؟

- لا لم يحدث، وهنا لا بد أن أعلن عن اتجاهي صراحة، وهو أن هذا التوجه الإسلامي ليس من انتماءاتي السياسية، لأني لا أستطيع أن أقوم بحملة إعلانية ناجحة دون أن أصدق المنتج نفسه (أي ما أعلن عنه).

* ماذا عن مرشحي الرئاسة، هل ستقدم لأي منهم حملته الانتخابية المقبلة؟

- نعم، قد يحدث ولكني ما زالت في مرحلة التفكير والمفاوضات مع بعض الأسماء، لكني لا أستطيع أن أفصح عن هذه الأسماء.

* ما الذي يمكن أن تعتمد عليه لحملة انتخابية ناجحة لرئيس جمهورية قادم؟

- البساطة، المفاجأة والابتسامة.. هذه هي خلطتي السرية لأي عمل إعلاني ناجح.

* هل يمكن إطلاق مصطلح (التسويق السياسي) على مصر في المرحلة المقبلة؟

- التسويق السياسي لمصر كدولة هو الأهم من التسويق لمرشحين بعينهم، فنحن يجب أن نعلن للعالم كله أن هذه الثورة ثورة حميدة، وأنها ستعود بالخير لمصر، وأن مصر أصبحت تتمتع بحرية حقيقية ولن تعود لعصر الديكتاتورية مرة أخرى، وهذا يحتاج إلى أموال كثيرة، وللأسف حاليا لا يوجد إنتاج وبالتالي لا يوجد استثمار فلا يوجد عائد.

* وإذا ما أصبح وجه مصر إسلاميا، ما الذي سيحتاجه الإسلاميون وقتها؟

- لو سيطر التوجه الإسلامي على مصر، فأعتقد أنه سيكون عليهم مهمة عمل كبيرة وأكثر صعوبة من الليبراليين، فعليهم أن يعملوا على تسويق أنفسهم للعالم الخارجي وكذلك داخليا بصورة مختلفة لما يدور في عقل الناس عنهم، أما إذا جاء نظام ليبرالي فسيحتاجون لتسويق سياسي أقل مقارنة بالتوجه الإسلامي.

* إلى أي مدى تأثر عملك ما بعد الثورة بسبب قربك من النظام السابق؟

- لا علاقة ما بين عملي وما بين علاقتي بالنظام السابق، فعلاقتي بالنظام السابق كانت علاقة مهنية بحتة مثلما يعالج أي طبيب أي مريض، ووقت أن يعالج الطبيب مريضه لا ينظر إلى منصبه السياسي. وهؤلاء الناس كانوا يأتون لي للكفاءة المهنية ليس أكثر.

* لكن قدم ضدك بلاغ للنائب العام في ما يخص إحدى حملاتك الإعلانية في عهد النظام السابق؟

- لقد ادعى هذا البلاغ أنني أخذت حملة وزارة السياحة بأمر مباشر من زهير جرانة، الوزير الأسبق للسياحة، الذي يمثل أمام القضاء حاليا، لكني أثبت أن جرانة لم يكن وقتها وزيرا للسياحة عندما وقعت العقود مع الوزارة،، وإننا لم نأخذ هذه الحملة إلا من خلال مناقصة معلنة وقدمنا ما يفيد ذلك بالمستندات الرسمية للنائب العام.

* إلى أي مدى انعكس ربيع الثورات العربية على حجم الإعلان في منطقة الخليج العربي؟

- الحجم الإعلاني في دول الخليج العربي نحو 2.5 مليار دولار فقط، لأن لغة الأرقام هنا لا تحتسب قيمة الخصم التي تصل إلى 90 في المائة تقريبا، وسوق الإعلانات عامة حدثت بها هبوط كبير، وهذا الهبوط له علاقة بالثورات العربية وبالأزمة المالية العالمية لعام 2008، وتعد السعودية هي أكبر بلد خليجي رائد في الإعلان في المنطقة، ولكن هناك انخفاض عام لمستوى الإعلانات في الخليج العربي.

* بحكم سنوات عملك الطويلة في مجال الإعلان، متى سيستقر المقام بالاستثمار الإعلاني في مصر؟

- حينما يحدث استقرار اقتصادي وليس سياسي، فالإعلان مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد، وكلما كان هناك اقتصاد متنام زاد الطلب على الإعلان، وأعتقد أن هذا لن يظهر قبل 5 سنوات على الأقل إن لم نقل 10 سنوات، فنحن ننفق 2.5 مليار دولار في الشهر والدخل كان مليار دولار، والآن لا يوجد دخل لنا سوى قناة السويس ولا يوجد صادرات، والاستثمار توقف والضرائب التي كانت تعد مصدرا أساسيا للدخل القومي وصل في سنة من السنوات إلى 180 مليار جنيه، أتوقع أن نخسر نصفهم على الأقل.