الهند تطالب الشركات العملاقة بالرقابة على الإنترنت

بعد ظهور تعليقات مهينة وصور فاضحة على بعض المواقع للمهاتما غاندي

دعوة رسمية إلى المزيد من الرقابة على محتوى الانترنت .. وفي الإطار كابيل سيبال وزير الإعلام الهندي («نيويورك تايمز»)
TT

طالبت الهند، أضخم ديمقراطية في العالم، شركات الإنترنت العملاقة بفرض رقابة على شبكة المعلومات الدولية.

وتستعد الهند في الوقت الراهن لتدشين ميثاق شرف مهني خاص بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة منها للرقابة على المحتوى قبل رفعه على الشبكة. وكان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الهندي كابيل سيبال قد أثار ضجة كبيرة باقتراحه تنقية محتوى المادة المستخدمة قبل نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك» و«ياهو» و«تويتر» و«غوغل» و«مايكروسوفت».. إلخ. وقد صرح الوزير بأنه لا يملك خيارات أخرى سوى وضع إطار عمل من التشريعات لشركات الإنترنت بعد رفضها طلبات متكررة بحجب المواد غير اللائقة التي تنشر على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي التي تديرها.

وكانت الحكومة تتطلع إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد التعليقات «السيبرانية» الهجومية بعد ظهور تعليقات مهينة وصور فاضحة على بعض المواقع للمهاتما غاندي، ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، ورئيسة حزب المؤتمر سونيا غاندي، حيث أنشئت بعض حسابات وهمية باسم سونيا غاندي ومانموهان سينغ مؤخرا. ويوجد بالهند ما يقرب من 100 مليون مستخدم للشبكة، وهو ما يشكل أقل من 10 في المائة من سكان البلاد، لكنها حلت ثالثا بعد الصين والولايات المتحدة، ويتوقع أن يصل العدد إلى الضعف بحلول عام 2015. كما تضم الهند أيضا أكثر من 28 مليون مستخدم لـ«فيس بوك»، مما يضعها في المركز الخامس كأكبر مستخدم للموقع الاجتماعي في العالم، ويتوقع أن تحل ثانيا بحلول نهاية عام 2012. وفي غضون ثلاث سنوات قد يتضاعف هذا العدد إلى ثلاثة أضعاف، وهو ما يعني مزيدا من المناقشات على الإنترنت ومزيدا من الاحتجاجات في الشوارع.

وكانت الحكومة الهندية قد طلبت أكثر من مرة من شركات الإنترنت التخلص من المحتوى غير المرغوب فيه قبل نشره على شبكة الإنترنت ولكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق. وقد رفضت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«غوغل» الخضوع لضغوط الحكومة الهندية في رفض المحتوى الذي تجده الحكومة مستهجنا.

وكان سيبال قد التقى كبار المسؤولين في المواقع، وطلب منهم تطوير آلية لتنقية مثل هذه «المواد التحريضية» و«التشهير»، الذي يمكن أن يتسبب في إحداث توترات اجتماعية، مشيرا إلى نشر صور وأشرطة فيديو تحوي صورا لزعماء هنود تم التلاعب بها. وقال سيبال لوسائل الإعلام إن الحكومة تريد من شركات الإنترنت الكبرى حذف «التعليقات المسيئة» والصور التي يمكن أن تشعل فتيل التوتر في البلاد، لكنها رفضت القيام بذلك بزعم حرية التعبير والخصوصية.

من جانبها، أكدت شركات الإنترنت أن مراقبة المحتوى قبل نشره غير ممكن من الناحية الفنية، وأشاروا أيضا إلى أن الشركات تطبق سياسات قوية تحكم المحتوى غير المرغوب فيه، وقامت بحذف بعض التعليقات التي تحرض على العنف أو تروج للعري. وردت الحكومة الهندية بأن مواقع الشبكات الاجتماعية الأجنبية لم تبد استعدادا للتعاون مع الحكومة بشأن حذف المواد المسيئة، ولذا كان من واجب الحكومة التفكير في الخطوات التي نحتاج إليها. وقد وضعت الحكومة بالفعل مجموعة من القوانين المفصلة للتعامل مع محتوى المستخدم الذي تم إنشاؤه. ونظرا للتوقعات بأن تستغرق العملية القانونية بعض الوقت، ربما يوقع قانون السلوك عقوبات ثقيلة على المواقع التي تحوي هذه المواد المسيئة.

وتنص قواعد تكنولوجيا المعلومات في الهند لعام 2011، والتي نشرت في أبريل (نيسان)، على ضرورة إزالة مواقع الإنترنت ومقدمي الخدمات المحتوى الذي يعتبر غير مقبول، على أساس لائحة طويلة من المعايير، في غضون 36 ساعة من تلقي إخطار منها، وتشمل قائمة المحتوى غير المرغوب فيه كل ما هو من شأنه «أن يهدد وحدة وسلامة والدفاع والأمن أو السيادة في الهند، والعلاقات الودية مع الدول الأجنبية أو النظام العام».

بيد أن مسؤولين من وزارة الاتصالات قالوا إن قانون تكنولوجيا المعلومات لا يقدم أي أمثلة محددة للمحتوى المهين أو المواد التشهيرية، ومن ثم تقوم وزارة الاتصالات الآن بوضع قائمة محددة للمحتوى والموضوعات التي ينبغي مراقبتها. وستسعى الحكومة للحصول على تفاصيل مثل اسم المجال والمكان وأصل المحتوى والمنصات التي تم استخدامها لتحميل هذه المواد المستهجنة قبل اتخاذ أي إجراء ضد المذنبين.

وكانت وكالات الأمن الهندية قد طالبت العام الماضي بإمكانية الوصول إلى الرسائل المرسلة عبر أجهزة «بلاك بيري» الكندية التابعة لشركة «ريسيرش إن موشن». وبعد التردد لبعض الوقت، خضعت الشركة في النهاية وسمحت بالوصول إلى خدمات المستهلك، لكنها رفض السماح بمراقبة البريد الإلكتروني لشركتها، الميزة التي جعلت «بلاك بيري» الأكثر شعبية في العالم.

وتميل شركات الإنترنت إلى الالتزام بالقانون في البلاد المسجلة فيها، والتي عادة ما تكون في الولايات المتحدة، وربما لا تكون الهند بذلك القدر من السوء مثل الصين من حيث الرقابة على الإنترنت، ولكن تم عقد مقارنات بالفعل. بيد أن الصين أغلقت في السابق مواقع تشمل «فيس بوك» لا تأخذ بعين الاعتبار حساسياتها.

ويقول كبير بيدي، الممثل والمنتج العالمي الذي شارك بدور فاعل في حركة مكافحة الفساد التي يقودها الناشط آنا هازاري «الهند تحتل مركزا متقدما على مستوى العالم في إصدار قوانين الرقابة متفوقة بذلك على الصين وباكستان. وسائل الإعلام الاجتماعية تختلف عن التلفزيون أو الطباعة التي يتم فيها فحص جميع المواد قبل النشر، لأنها تشكل منتديات يمكن من خلالها لملايين الأفراد الحديث إلى بعضهم بعضا، فلا يمكنك إلقاء اللوم على شركات الهاتف على ما قد يدور من محادثات». وكانت حركة هازاري التي روجت لها وسائل الإعلام الاجتماعي هي التي أجبرت الحكومة الحالية على الخضوع لمطالبها مرتين هذا العام، وهو ما دفع الخبراء إلى الاعتقاد بأن الحكومة التي يقودها حزب المؤتمر أصبحت حذرة من الإنترنت.

وعلى الرغم من تجنب العديد من مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية الخوض في الجدل، بدت «غوغل» متمسكة بقرارها بعدم اتباع أوامر وزارة تكنولوجيا المعلومات الهندية، فقال متحدث باسم «غوغل»: «نحن نتبع القانون عندما يتعلق الأمر بمحتوى غير قانوني، وهذا يعني أنه عندما يوجد محتوى غير قانوني نتقيد بالقانون المحلي، ونقوم بحذف المحتوى. وحتى عندما يكون المحتوى قانونيا، لكنه يخالف قواعدنا وشروطنا الخاصة، نقوم بحذفه بمجرد إبلاغنا، ولكن عندما يكون المحتوى قانونيا ولا ينتهك سياساتنا، لن نزيله لمجرد أنه مثير للجدل، لأننا نؤمن باختلاف وجهات النظر، ما دامت هذه المواد أنها قانونية، وينبغي احترامها وحمايتها».

وعلى ما يبدو كان الساسة الهنود لديهم الكثير من الحساسية بشأن صورهم على الإنترنت. فالموضوعات التي زادت على 355 والتي طلبت الحكومة الهندية إزالتها خلال عامي 2010 و2011 كانت 3 في المائة منها فقط دينية، فيما كان الباقي سياسيا، بحسب أحدث تقارير «غوغل» للشفافية. فيما قالت شركة «فيس بوك» في بيانها «لدينا بالفعل سياسات وميزات في الموقع يمكن من خلالها للأفراد الإبلاغ عن المحتوى المسيء، سنقوم بإزالة أي محتوى ينتهك شروطنا»، لكنها أكدت على رغبتها في أن يكون موقع التواصل مكانا يستطيع الناس فيه مناقشة القضايا بحرية.

بيد أن التحرك الحكومي أثار عاصفة من الانتقادات من جانب المدونين وأصحاب حسابات «تويتر» الذين انتقدوا وزير تكنولوجيا المعلومات لمحاولته المزعومة تطبيق شكل من أشكال الرقابة على الإنترنت. وذكره البعض بالعواقب الوخيمة التي توجب على حزب المؤتمر مواجهتها بسبب الرقابة على حرية التعبير أثناء فرض حالة الطوارئ عام 1977.

وهاجم المدافعون عن حرية التعبير القواعد الجديدة، مؤكدين على أنها مؤطرة على نطاق واسع جدا، وستفتح الطريق أمام فرض قيود حكومية واسعة النطاق على حرية التعبير. وعبر سليل تريباثي، عضو هيئة الكتاب لحرية التعبير، عن شعوره بالقلق إزاء مقترحات سيبال، مشيرا إلى أنها «ستؤدي إلى قيود أوسع على الأدب والفنون».

وما من شك في وجود الكثير المحتوى الذي يضم عبارات هجومية بل وحتى التشهير على الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية. لكن الطلب بضرورة أن يخضع كل المضمون للرقابة قبل أن يتم رفعه ضرب من المستحيل. ويمكن لأي متضرر من المحتوى على هذه المواقع الشكوى بشكل مجاني. وتنص القوانين على أنه ينبغي على مديري المواقع القيام بذلك في مثل هذه الحالات بسبب الحاجة إلى إحداث توازن بين حق الفرد أو المؤسسات في الحماية ضد التشهير والحق في حرية التعبير، لكن الرقابة المسبقة من قبل أي شخص على مواقع الشبكات الاجتماعية ليست اقتراحا عمليا.

وأكد راجيش تشهاريا، رئيس اتحاد مزودي خدمات الإنترنت في الهند، أن التحكم في الإنترنت ليس فكرة جيدة، لكن لا بد من تعاون الاتحاد مع الحكومة في ما يتعلق بأمور الأمن الوطني والقانون والنظام العام. كما انتقد الكاتب العالمي الشهير تشيتان باغات الفكرة، بالقول «أنا أكره بعض ما نشر على الإنترنت، لكني سأكرهه أكثر لو لم يسمحوا بكتابته. لا يمكنك الرقابة على الإنترنت».

بيد أن سمسار الأسهم راكيش جونجونوالا، أيد ما يسعى إليه وزير تكنولوجيا المعلومات، فقال «إذا أراد كابيل سيبال أن يحرمنا من التعبير عما يدور في أذهاننا فليفعل ذلك».

على النقيض من ذلك انتقد فارون غاندي، النائب عن حزب بهاراتيا جاناتا في البرلمان الهندي، سيبال مؤكدا على أن الإنترنت كان الوسيلة الديمقراطية الحرة الوحيدة للمصالح المكتسبة. وقال غاندي «انظر إلى الإسهامات التي قدمتها في تمكين الحركات الشعبية من آنا هازاري إلى ميدان التحرير، وسيمكنك معرفة السبب في رغبة هازاري في الرقابة عليها».

ويشير منتقدو تنقية المحتوى إلى أن غالبية الشبكات الاجتماعية طورت خطوطا إرشادية، وأن القوانين سارية، وأن الرقابة على الإنترنت ليست غير مطلوبة وفقط بل إنها مستحيلة افتراضيا.

ولم تكن الهند في يوم ما موضع تفضيل لدى شركات الإنترنت، فقوانين تكنولوجيا المعلومات في الهند دائما ما تكون أكثر صرامة عنها في الغرب، وعلى الرغم من التعديلات، فإن عبء المسؤولية على الوسطاء عال للغاية.