باكستان: الإعلام الإلكتروني فوق صفيح ساخن

انخفاض حاد في معدل توزيع الصحف اليومية.. وأخرى على وشك الاندثار بسبب قلة الإعلانات

المظاهرات اليومية في المدن استأثرت بمتابعة الصحافة الباكستانية
TT

اتخذ المراسلون والصحافيون مواقعهم على جانبي طريق إسلام آباد السريع، حيث يقذف مئات المتظاهرين الحجارة على قوات الشرطة التي تقف للحراسة على أطراف المدينة لمنع المتظاهرين من دخول العاصمة الباكستانية. ويتابع مراسلو القنوات التلفزيونية الخاصة الذين يحملون ميكروفونات ومراسلو الصحف الذين يحملون أوراقهم، في حالة من القلق، الاشتباكات الدائرة بين قوات الشرطة والمتظاهرين، الذين جاءوا من المناطق المحيطة للتظاهر ضد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المستخدم كوقود للطهي في المنازل بالمدن الباكستانية.

وفي غضون بضع ساعات من اندلاع الاشتباكات، بدأ مراسلو التلفزيون في مغادرة موقع الاشتباكات لإعداد تقاريرهم الأولية عن الأحداث. غير أن مراسلين صحافيين قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنهم سيظلون موجودين في موقع الاشتباكات لرصد الأحداث كاملة بأعينهم وتسجيل كل تطور يطرأ. على الجانب الآخر، يتلقى المراسلون التلفزيونيون اتصالات من رؤساء تحرير الصحف التي يعملون بها يطلبون منهم فيها العودة بسرعة إلى مكاتبهم لإعداد آخر التقارير عن الأحداث.

وأحد هؤلاء المراسلين التلفزيونيين هو عاطف خان، الذي يعمل بمحطة تلفزيون «الفجر» (محطة إخبارية خاصة)، والذي يجمع بين خبرة العمل في كل من وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية. «إذا كنت أعد هذا الخبر للصحافة، فسأخرج وأتواصل مع الحشود وأتعرف على نوعية الأفراد الموجودين بين الحشود وإلى أي فئة عمرية ينتمون ومن يحركهم وإلى أي حزب سياسي ينتمون»، هكذا تحدث عاطف خان لـ«الشرق الأوسط». وواصل قائلا «إنني لا أقوم بكل هذا نظرا لأنني أعد تقريرا مدته دقيقة و30 ثانية فقط للمحطة التلفزيونية التي أعمل بها». وقال عاطف خان إن الخبر التلفزيوني يعتمد برمته على إثارة المشاعر، ويقول «لإعداد تقرير تلفزيوني، ألتقي بأربعة أفراد وألتقط تعليقين للتقرير الذي مدته دقيقة و30 ثانية.. تعليقين مدة كل منهما 20 ثانية، وسأخصص الخمسين ثانية المتبقية لرصد وقائع المظاهرات الجارية خارج إسلام آباد».

في المجتمع الباكستاني، تتفوق الصحافة التلفزيونية على الصحف ووسائل الإعلام المقروءة بوصفها المصدر المفضل للمعلومات؛ إذ يزداد عدد الأفراد الذين يتجهون إلى مشاهدة المحطات التلفزيونية لإلقاء نظرة على الأحداث الجارية في الدولة وفي شتى بقاع العالم. إضافة إلى ذلك، فقد ألقت جاذبية التغطية التلفزيونية بظلالها على الحيادية النسبية للصحف الباكستانية، والتي ما زالت تنشر صورا بالأبيض والأسود على صفحاتها الأولى.

وبحسب شركة استطلاعات الرأي المستقلة «غالوب باكستان»، يزيد إجمالي عدد مشاهدي المحطات الإخبارية الباكستانية على 20 مليون مشاهد، فيما لا يزيد إجمالي عدد قراء الصحف الباكستانية على مليون قارئ.

«لقد تسبب الاختلاف في فجوة كبيرة بين وسيلتي الإعلام الباكستانيتين وأسلوب عملهما وإعدادهما التقارير الإخبارية»، هذا ما يقوله سهيل عبد الناصر، أحد المتخصصين في مجال الإعلام وصحافي بارز يعمل في واحدة من أكثر الصحف توزيعا في باكستان. وتعني زيادة عدد المشاهدين زيادة إعلانات القطاع الخاص، الأمر الذي يحقق الثراء للمحطات بما يكفل لها دفع رواتب مجزية لمراسليها.

وقد أحدث هذا تغييرات مؤثرة في طريقة تغطية الصحافيين الباكستانيين للقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية لحساب المؤسسات الإخبارية التي يعملون بها. وعلى نحو مثير للسخرية، فإن ظهور وسائل الإعلام الإلكترونية على المشهد الإعلامي الباكستاني قسم المراسلين الصحافيين إلى مجموعتين مختلفتين من حيث أسلوب إعداد الأخبار. إلا أن وجه الاختلاف بين المجموعتين لا يكمن فقط في الطريقة التي تنقلان بها الأحداث، لكن أصبح من السهل التمييز بينهما من حيث أسلوبهما في الحياة ومكانتهما الاجتماعية. «كمراسل تلفزيوني، أصبحت أكثر تأثيرا، وأصبح كل فرد مستعدا للحديث إلي عندما تكون معي كاميرا»، هذا ما يقوله عاطف خان من تلفزيون «الفجر».

ويعتبر الاختلاف في المحتوى وعرض الأخبار في الصحف والمحطات الإلكترونية شاسعا بحيث يصعب تجاهله. ويقول سهيل عبد الناصر، وهو صحافي بارز بصحيفة معروفة تصدر باللغة الأردية في إسلام آباد، إن هناك نوعين من الاختلاف في ما يتعلق بإعداد الأخبار في المحطات التلفزيونية والصحف. «الاختلاف الأول هو الاختلاف في المحتوى، أما الثاني، فهو الاختلاف في المواعيد النهائية»، هكذا تحدث لـ«الشرق الأوسط»، وأضاف «بالنسبة للمراسل الصحافي، هناك مرونة شديدة في المواعيد النهائية، ومن ثم، يمكنه إهدار وقت طويل في إعداد تقرير إخباري. إن تقريره مفصل ويحمل تحليلا ورؤية.. أما المراسل التلفزيوني، فهو واقع تحت ضغط بسبب المواعيد النهائية المحددة.. ومن ثم، يتأثر مستوى جودة عمله سلبا».

وقعت حادثة شهيرة جدا في المكتب الرئيسي لمحطة تلفزيونية بارزة في إسلام آباد، والتي كانت مثار نقاش واسع النطاق بين أوساط مجتمع الإعلام في باكستان. يقول سهيل عبد الناصر «قبل بضعة أيام، دخل صاحب المحطة التلفزيونية مكتب الأخبار بالمحطة، وبدأ في توبيخ المراسلين حينما رأى شريط أخبار على شاشة محطة أخرى، مع ظهوره متأخرا بضع ثوان عنه في محطته». وفي المعتاد، لا يقوم مراسلو التلفزيون بأي شيء سوى كتابة أخبار تظهر على الجزء السفلي من الشاشة في صورة أشرطة رفيعة. «يواجه مراسل أي قناة إخبارية كما هائلا من الضغوط وهذا هو السبب وراء تأثر مستوى جودة عمله سلبا»، هذا ما يقوله سهيل. وفيما يواجه مراسل أي صحيفة باكستانية ضغط الموعد النهائي المحدد للتسليم الذي عادة ما يقل عن 12 ساعة، عادة ما يكون مراسل القناة الإخبارية الباكستانية محاطا بالمخاطر. «نحن نواجه مواعيد نهائية مدتها ثوان»، هذا ما قاله عاطف خان من قناة «الفجر».

بغض النظر عن هذه المشكلة المتأصلة الممثلة في فقدان العمق، سرعان ما أصبحت وسائل الإعلام الإلكترونية المصدر المفضل للمعلومات بالنسبة لأغلبية الناس داخل المجتمع الباكستاني. وقد شهدت السنوات الخمس الماضية انخفاضا حادا في معدل توزيع الصحف في باكستان. وبعض الصحف على وشك الاندثار ويرجع ذلك بالأساس إلى أنها قد فقدت مصادر الدخل التي تأتيها من إعلانات القطاع الخاص التي تحولت لوسائل الإعلام الإلكترونية.

غير أنه لا يزال هناك عدد كبير من الأفراد داخل مجتمع الإعلام ممن يستشرفون مستقبلا مشرقا لصناعة الصحف، خاصة الصحف الصادرة باللغة الأردية في المجتمع الباكستاني. «مجتمعنا مضفى عليه الطابع السياسي بدرجة كبيرة.. السواد الأعظم من الشعب يعتمد على مصادر متعددة للحصول على المعلومات بشكل يومي.. أولا، يشاهدون التلفزيون، ثم يقرأون الصحف، وبعدها، إذا وجدوا وقتا، يستمعون أيضا إلى الأخبار في الإذاعة»، هذا ما قاله سهيل عبد الناصر.

هذا الشعور بالتفاؤل نادرا ما يعود بأي تغيير إيجابي على المراسلين في صناعة الصحافة، ممن ينظرون إلى مراسلي المحطات التلفزيونية بوصفهم يؤثرون في المجتمع على حسابهم.. ويقول سهيل «يتمتع المراسل التلفزيوني بتأثير أكبر ودخل أكبر.. يحصل المراسلون التلفزيونيون على رواتب أكبر ويكون الجميع على استعداد للتحدث إليهم، نظرا لأن لديهم كاميرا.. وقد أدى هذا بالمراسل الصحافي إلى نوع من الإحباط الاجتماعي والنفسي».

ويشير آخرون إلى أن وسائل الإعلام الباكستانية تمر بفترة انتقالية، حيث تستشعر المحطات الإلكترونية بدرجة متزايدة مدى حاجتها إلى النضج في مواجهة الإثارة وتغطية الأحداث والقضايا بصورة مبالغ فيها.. «إما أن تنضج وسائل الإعلام الإلكترونية أو ستنفجر فقاعتها عما قريب.. في واقع الأمر، تبدو على وشك الانفجار»، هذا ما قاله متخصص إعلامي رفيع المستوى مشترطا عدم الكشف عن هويته.

لقد أدى ركود النشاط التجاري في المجتمع الباكستاني بالأساس بسبب زيادة التطرف والإرهاب إلى فقدان الدخل العائد من القطاع الخاص على صناعة الإعلام في باكستان، هنا يكون المراسلون والصحافيون مستفيدين نظرا لأنه لم يتم تسريح أي منهم بصرف النظر عن الظروف التي تمر بها مؤسساتهم. وعلى الجانب الآخر، قامت المحطات البارزة بتسريح المئات من عامليها بسبب الموقف المالي السيئ الذي تواجهه.