نيودلهي تلجأ للقضاء لإجبار عمالقة الإنترنت على إلغاء المواد الحساسة للشعب الهندي

المحكمة العليا هددت بعقوبات شبيهة بالعقوبات الصينية إذا لم تمتثل لذلك

متظاهرون هنود يعترضون على التقييد على حرية الاعلام (أ.ب)
TT

إزاء قلقها تجاه ما يتعرض له القادة السياسيون من حملات التشويه عبر الصور التي يتم التلاعب بها ومخاطر إثارة الفتنة بين الطوائف الدينية، لجأت الحكومة الهندية إلى القضاء لإجبار عمالقة الإنترنت مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«ياهو» و«يوتيوب» وعدد من المواقع الاجتماعية الأخرى على إلغاء المواد التي تعتبرها حساسة بالنسبة للشعب الهندي.

وقد أمرت المحكمة العليا في نيودلهي مواقع الإنترنت بإزالة المواد المسيئة بشكل فوري، وأكدت أن عدم الامتثال لذلك قد يؤدي إلى مواجهة عقوبات أشبه بالعقوبات الصينية. وقد حددت المحكمة يوم التاسع من فبراير (شباط) كحد أقصى لإزالة كل المحتوى غير الديني وغير المجتمعي، وأن المواقع التي لا تمتثل ستواجه خطر حظرها في الهند.

وتشير أوراق الدعوى المرفوعة في محكمة نيودلهي، والتي تسعى إلى تحميل «غوغل» و«فيس بوك» والكثير من مواقع الإنترنت الأخرى المسؤولية الجنائية على عدم الرقابة على محتوى الإنترنت، بما في ذلك المواد التي تسخر أو تنتقد الرموز الدينية والسياسية باعتباره كتهديد كبير لهم.

وقد فرضت الحكومة الهندية عقوبات ترى أنها ضرورية لمحاكمة شركات الإنترنت لا على استضافة محتوى يروج للرذيلة وفقط، بل على المحتوى الذي يروج للعداوة بين المجموعات الإثنية والعرقية.

بيد أن «غوغل» و«فيس بوك» تناضلان بقوة ضد مطالب زيادة رقابة الحكومة والمحكمة الهندية، مؤكدة أنه ما من سبيل لمراقبة المحتوى قبل نشره على الإنترنت. وتأتي الشركتان بين 21 شركة حضر مديروها التنفيذيون أمام المحكمة بدعوى استضافة محتوى غير أخلاقي ومثير للاعتراض. وقالت وزارة الشؤون الخارجية الهندية إنها تلقت طلبا بإخطار مسؤولي الشركات التي تقع مقراتها خارج الهند بالمثول أمام المحكمة في الثالث عشر من مارس (آذار).

وكانت الحكومة الهندية قد أبدت استياء كبيرا خلال الشهور القليلة الماضية بشأن المواد المهينة بحق رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ، وزعيمة حزب المؤتمر الهندي سونيا غاندي والشخصيات الهندية البارزة. فقد أظهرت بعض الرسوم سنغ وغاندي في أوضاع حميمة وخنازير تجري في مكة، وصور فاحشة للآلهة الهندوسية والمسيح.

يمثل قرار المحكمة مخاطرة جديدة بالقيام بعمل في دولة يبلغ تعدادها أكثر من مليار شخص، وتتطلع إلى استخدام التكنولوجيا لتعزيز اقتصادها ومستويات المعيشة بها.

وعلى الرغم من قدرة عشرة في المائة فقط من إجمالي عدد سكان الهند البالغ 1.2 مليار نسمة الوصول إلى الإنترنت، فإن الوصول إلى المواقع الاجتماعية عبر الهواتف الجوالة آخذ في التزايد. وهو يصل بالكثير من مستخدمي الإنترنت للمرة الأولى إلى الصورة التي تهدف إلى التشويه. أبرز هذا الجدل المحتدم الصعوبة التي تواجهها الهند في موازنة ثقافة الإنترنت بين الكلمة الحرة والحساسيات الدينية والسياسية المتزايدة.

ويتوقع أن تتراوح الأحكام القضائية التي تصدر بحق الشركات المخالفة ما بين غرامات وأحكام بالسجن تصل إلى خمس سنوات، عبر مدعين عامين قدموا أسماء الشركات المتورطة في ذلك أكثر من غيرها.

جدير بالذكر أن «غوغل» و«فيس بوك» تنتهجان سياسة عدم التدخل في المحتوى، لكن الشركات حذرت من أن هذه السياسة لن تنجح في الهند، مشيرة إلى أنهم بحاجة لمراعاة القضايا الشائكة في الهند.

ويشير المحامي موكول روهاتغي الذي تحدث نيابة عن «غوغل» الهند، إلى استحالة مراقبة النشر بهذه الصورة. وقال: «لا يمكن للعنصر البشري التدخل، علاوة على ذلك، لا يمكن التحقق من مثل هذه الحوادث. فهناك مليارات الأشخاص الذين ينشرون مقالات على الموقع الإلكتروني. هذه المقالات قد تحتوي على مواد مسيئة أو تشهيرية، لكن لا يمكن التحقق منها».

ومن جانبه، أكد ممثل «فيس بوك» إنديا سيدارث لوثرا، أيضا أن الشركة لا يمكنها تحمل مسؤولية تصرفات طرف ثالث.

وقد أثار قرار المحكمة مخاوف البعض بشأن حرية التعبير في أضخم ديمقراطية في العالم.

بدأت هذه المعركة بين المواقع والحكومة قبل ثلاثة أشهر عندما طلب وزير الاتصالات الهندي كابيل سيبال من هذه الشركات الامتثال لإطار عمل تطوعي لإزالة المواد المسيئة من الإنترنت.

بيد أن المواقع قالت للوزير، إنه ما من شيء يمكنهم القيام به حيال ذلك، ثم تبع ذلك دعوى قضائية تقدم بها فيناي راي، استنادا إلى بند التشهير والبنود الأخرى في القانون الجنائي الهندي أمام محكمة دلهي العليا.

ويجعل القانون الذي تم تمريره العام الماضي الشركات مسؤولة عن محتوى المستخدم المنشور على مواقعها الإلكترونية ويطلب منها إزالته خلال 36 ساعة في حالة الشكوى، ولعل البند الأكثر صرامة في قانون الإنترنت المعدل المادة 69A، التي تعطي سلطات للحكومة بشأن الأمن الوطني والعلاقات الخارجية والسيادة الوطنية والدفاع والأمن العام والتحريض على العنف، هذا النوع من القيود المسموح بها وفق المادة التاسعة عشرة من الدستور، إذا ما مورست بعقلانية لا بصورة كارثية. ويرى سوني ميتال، رئيس شركة «ناسكوم»، هيئة الصناعة التقنية الهندية، أن مواقع الإنترنت ستواجه تحديا تكنولوجيا إذا ما اضطرت إلى مراقبة ما ينشر وإزالة كل المواد المثيرة للاعتراض. وما فعلته المحكمة هو عملية قانونية طبيعية بدأت للتو. وأنا على يقين من أن هذا سيستغرق عددا من النقاشات وجلسات الاستماع. لذا فإن ما حدث اليوم ليس جديدا وعملية طبيعية بالنظر إلى الإجراءات الجنائية التي بدأت بالفعل.

وبالنظر إلى انسحاب «غوغل» من الصين نتيجة قضايا الرقابة، فهل ستمضي الهند نحو وضع مماثل مع هذه الدعوى الجنائية؟

بيد أنه إذا ما كان السؤال، هل بمقدور الهند اتخاذ مثل هذه التدابير القصوى، فمن المتوقع أن تكون الإجابة «غير وارد»، لأن الهند ليست كالصين عندما تؤخذ القيم الديمقراطية في الاعتبار.