كارولين فرج لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام الرقمي مكمل للإعلام الجديد وليس منافسا

رئيسة تحرير الـ«سي إن إن» العربية: التسارع المذهل في التقنية أهم تحديات الإعلام الرقمي

كارولين فرج رئيسة تحرير الـ«سي إن إن» العربية (تصوير: أحمد فتحي)
TT

الإعلام الرقمي على تطوره يجد نفسه أمام تحديات جسيمة، أولها التطورات التقنية التكنولوجية المطردة والمتجددة، الأمر الذي يصعب كيفية توجيهه وضبطه وإيجاد آلية مناسبة لتوظيفه بشكله الأمثل، وهذا تم الوصول إليه من إفادات كارولين فرج، رئيسة تحرير الـ«سي إن إن» العربية في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إبان زيارتها الأخيرة للسعودية، مؤكدة أن التطور التكنولوجي من أكبر التحديات التي تواجه الإعلام الرقمي والتعاطي معه، بالإضافة إلى صعوبة احترام الكلمة، في زمن تندر فيه الشفافية والمصداقية.

وقالت فرج: «هناك تحديات تقنية كبيرة، ستظل تفرض علينا إما معالجتها تقنيا وإما ماديا، مع ضرورة الاستعانة بصحافيين أكفاء مهنيين، باستطاعتهم تلخيص القصص الإخبارية الطويلة في عبارة قصيرة جدا تحمل فحواها وعناصرها كاملة».

* كيف ترين دور الإعلام الرقمي في تطوير الإعلام؟

- أعتقد أن الإعلام الرقمي أصبح وسيلة توثيق ونشر على مستوى العالم من خلال جاذبية آلية توافره في الموقع المحدد، سواء كان ذلك لجريدة أو لأي وسيلة إعلامية أخرى، وهذا يعني أنه لا بد من تقديم محتوى عالي الجودة أفضل بكثير مما كان عليه سابقا، حيث أصبح الإعلام الرقمي مساعدا رئيسيا في النشر والتوثيق والحفظ، ولكن في الوقت نفسه إذا أخرجت معلومة خاطئة ستكون صعبة التصحيح، أو حتى إزالة أي شيء تمت كتابته في المواقع البحثية.

* هل بالإمكان الحديث عن الإعلام الرقمي كمنافس أم كجزء من الإعلام الجديد؟

- حتى الآن يعتبر الإعلام الرقمي مكملا، وقد يكون في بعض الأحيان منافسا من منطلق السرعة والانتشار، فهو حاليا ليس منافسا ولكن في خلال العشر سنوات المقبلة قد يكون منافسا في حالة لم تستطع المؤسسات الإعلامية أن تدخل المواقع الرقمية كجزء مكمل وداعم لها، وهناك مشاركة المواقع الاجتماعية، والأخيرة لا يمكن فصلها عن المواقع الرقمية لأنها جزء منها، وبالتالي يمكن أن تعمل المواقع الرقمية والمواقع الاجتماعية جنبا إلى جنب، إذا استطاعت المؤسسات الإعلامية أن تقبلها وتضمها وتؤمن بأن عملها موحد ستكون أمام تطور مذهل بعد عشر سنوات قادة للأجيال القادمة.

* ما الجوانب السلبية التي يقع الإعلام الرقمي في فخها؟

- طبعا، هناك الكثير من السلبيات، والتي قد تكون خصما على الإعلام الرقمي، ومن بينها عدم وجود مصداقية لدى بعض المواقع، من خلال نسب أشياء غير صحيحة أو غير دقيقة، مشفوعة بصور قد تتعرض لعملية معالجة تقنية لمنتجته وإعادة تشكيله، ومن ثم يوضع على المواقع على غير الحال التي جاء بها أصلا، كذلك من الصعوبة بمكان التأكد مدى صحة هذه الحادثة والحكم عليها، ومن ثم التعامل وفق ما تم بها نشره، وذلك بالتحقق من مصداقيتها، وبالتالي عن البحث مصادر أخرى للتأكد مما نشر فيها بشكل تكون فيه أقرب إلى الحقيقة على الأقل.

* برأيك، ما الآلية التي من شأنها الحد من سلبيات الإعلام الرقمي وضبطها؟

- الكثير من المؤسسات قامت بتنشيط مواقع اجتماعية كثيرة عبر أحدث وسائط النقل الإعلامي الحديث، فمثلا لدينا في الـ«سي إن إن» مواقع يمكن التعاطي معها عبر تصفح «فيس بوك» أو «تويتر» أو «آي باد» و«يوتيوب»، وهذا ليس فقط على مستوى الـ«سي إن إن» كتلفزيون، بل حتى على مستوى البرامج في التلفزيون، سواء أخبار أو عناوين أو أي برنامج آخر فني ثقافي اجتماعي سياسي.. ويتبادر سؤال هنا: ماذا نريد من هذه الصفحات؟ نحن نقوم بتخصيص مديرين ومسؤولين لهذه الصفحات حتى يتفاعلوا مع القارئ، للحد من الانحراف عن الخط العام من دون قيود، إذ لا بد أن نعلي من قيمة احترام الآخر على أن يتم التعامل مع رأيه ما لم يتدخل في حرية الآخر وخصوصياته، إذ حينها يتدخل المسؤول من الصفحة لإزالة مثل هذه الشتائم مثلا، وعلى هذا الأساس نحن نؤسس مواقع إخبارية وصفحات رقمية اجتماعية تستوعب كل شيء مع احترام حقوق وحرية الآخر وعاداته ومعتقداته والآداب والمهنية، ولكن بعد عدة سنوات بالتأكيد ستكون هناك متغيرات في مفاصل الموضوع برمته من حيث الاهتمامات والقضايا، ومع أن الأمور بدأت تتحسن، غير أن هذا لا يمنع حدوث أشياء أخرى جديدة، قد تخلق مشكلات أخرى، كما أننا لا نعلم ما تخبئ الأيام مستقبلا وقد توجد تحديات أخرى ومع أنني أعتقد أننا نسير ببط ولكن على الطريق الصحيح.

* ما التحديات التي تواجه الإعلام الرقمي حاليا وتلك التي تواجهه مستقبلا؟

- من أكبر التحديات التي كانت وما زالت في الواجهة هو التطور التكنولوجي، أيضا احترام الكلمة، ذلك لأن أدوات البحث الموجودة تلتقط هذه المعلومات التي ظهرت فيها فورا، في الوقت الذي يصعب فيه إزالتها منها، إن لم تكن مستحيلة إلا بواسطة تقنيات عالية جدا حديثة ومتطورة ومكلفة حتى لإزالتها، وهذا يعني أنه كلما صار هناك تطور وتوسع في الإعلام الرقمي ستظل هناك تحديات تقنية كبيرة، تفرض علينا إما معالجتها تقنيا وإما ماديا، وحتى عندما نقول رقميا نحن لا نتحدث عن المواقع التي نراها فقط وإنما يمكن يكون الحديث عما يأتي على التليفون أو «آي باد» أو «بلاك بيري»، إذ إن كل هذه الأشياء إنما هي رقمية، وهذا يتطلب مهنية عالية جدا من قبل المحرر المكلف بأداء هذه المهمة، بحيث يطلع العنوان وكأنه خبر مكتمل العناصر ويحتوى على تفاصيل المحتوى بشكل سليم يوصل المعلومة الكافية التي تغطي القصة بالشكل المراد الخروج به لأكبر شريحة من عملائنا، وهذا يعني أنك كمؤسسة في حاجة ماسة لمهنيين أكفاء وتقنيين وتكنولوجيا كما تحتاج لرصد أموال كافية بهدف مقابلة تكاليف التطوير هذه العناصر الثلاثة لإنتاج أي خبر أو أي أمر رقمي، أما فيما يتعلق بالتحديات المستقبلية، فإنها تتولد من جراء كيفية الاستعداد لاستيعاب التطور التكنولوجي السريع، ومن ثم التعاطي معه بشكل مهني في ظل الاطلاع المستمر على كل واردة وشاردة من قبل الشباب الذي أخذ هو الآخر يتماشى مع هذا التطور التكنولوجي والتعاطي مع منتجاته.

* كيف يمكن الالتزام بالأخلاق المهنية في الإعلام الرقمي من حيث المصداقية والشفافية؟

- المصداقية والشفافية والمهنية في العمل تختلف مستوياتها ومعاييرها من مؤسسة إعلامية لأخرى، فمثلا عندنا في الـ«سي إن إن» عندما ننتج خبرا لا بد لنا أن يكون لدينا على الأقل مصدران موثوقان له حتى نخرج بخبر مكتمل بعناصر المصداقية والشفافية، إذ ليس مهم عندنا السرعة فهي ليست أساس عملنا بقدر ما يهمنا تطبيق شعارنا المعني بـ«كن أول من يعلم ولكن من يعلم الحقيقة فقط!».

وهنا نعني أن تكون الأول كمتلق في معرفة الخبر الصادق الحقيقي، لأنه إذا كنت أول من يطلع على خبر ولكنه غير حقيقي بقدر ما هو إشاعة كاذبة مثلا، وتكررت هذه الإشاعات الكاذبة عند أي مؤسسة إعلامية ستفقد مصداقيتها لدى القارئ أو المطلع وبالتالي ينصرف منها إلى غيرها، ولكن تعتمد علي وعليك وعلى أي متلق آخر مهتم، وذلك من خلال تحديد ما أقرأه، وإلى من ألجأ إليه.. هل أقرأ كل شيء أجده أمامي أو أنا لدي القدرة على الانتقاء؟ هل أنا أبحث عن الاسم التجاري أو العلامة التجارية للمؤسسة والتي يعرف عنها أنها مهنية ولا تنقل إلا بالخبر السليم، أم أفتح المجال لأي شيء أمامي وبالتالي أسيء التداول وأروج له، الجواب هنا بالطبع لا، إذ لا بد من البحث عن الخبر ولكن بصرف النظر غير أن المعلومة التي تأتيك من مثل هؤلاء تتطلب منك كمهني أن تتحقق من صحتها من خلال البحث عنها بشكل أو بآخر، كأن تستخدم مثلا موقع «تويتر» للتدقيق حولها والتأكيد من مصدر ثان، فإذا كانت المعلومة سليمة فستكون في هذه الحالة سبق لنا، كما أن لنا في الـ«سي إن إن» العربية تجربة خاصة مع المدونات، حيث كنا قد أطلقنا دعوة على موقعنا منذ نحو عامين للمدونين العرب بأن يبعثوا لنا عناوين مدوناتهم، وعلى أثر ذلك أصبح لدينا الآن أكثر من 100 ألف عنوان، فبدأن نخصص فقرات ومواضيع أسبوعية، إذ نتناول كل أحد أبرز موضوع جاء في أحد مدونات العرب في مقال، وكل اثنين نناقش كل ما وردنا من أعضاء كثر من العالم العربي، يوم الثلاثاء نقوم بعرض ما يرد في بعض المواقع العربية في «فيس بوك» لمناقشة أبرز المواضيع التي تثيرها وتهمها، واستطعنا في الـ«سي إن إن» العربية ومن خلال متابعتنا لمجموعات «فيس بوك»، أن نتحدث منذ ديسمبر (كانون الأول) عن موقعنا وقناتنا، إذ قمت أنا شخصيا بعمل تقرير باللغة الإنجليزية عن الدعوات التي كانت تردنا من المجموعات العربية وكانت دعوات لتنظيم مظاهرات في تونس وفي مصر، وذلك منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل ديسمبر يعني قبل أن يتم تطبيقها على أرض الواقع فعملنا حول قصة قابلة للتطبيق، وجاءت على أثر تلك القصة والتي نسجناها عن إمكانية اندلاع ثورات تغييرية في أنحاء متعددة من العالم العربي، رسائل مندهشة ومستفسرة إن كنت قد فقدت عقلي بالفعل، فقلت لهم: أنا أنقل ما يردني على الموقع من دعوات من بعض الشباب لصناعة مظاهرات على مواقع اجتماعية بمعنى أنها رغبة تأتيني على شكل دعوات، فكانت هي مصدر المعلومات التي أطلقت شرارة الربيع العربي الأولى.

والآن طلع «يوتيوب» في بعض المواقع التي لم نستطع تغطيتها بالشكل المرضي في سوريا على سبيل المثال، وأصبحنا معتمدين كليا على ما ينقل على «يوتيوب» ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل كل ما يبث وينشر في المواقع الاجتماعية من «فيس بوك» و«يوتيوب» ومدونات وغيرها صحيح؟.. هذا دورك كصحافي أن تتأكد من مصداقيته وتعمل شغلك وجهدك فيه كمهني للتأكد قدر الإمكان من مصداقية هذا الخبر وحقيقته، ولا تنسى أن تضع في الأخير على سبيل المثال أن الـ«سي إن إن» غير قادرة على التأكد من مصداقية الحدث ومعلوماته لأنه ببساطة نحن غير موجودين لحظة حدوثه.

* هل هذا يلخص تجربة الـ«سي إن إن» في الإعلام الرقمي؟

- نحن تجربتنا متواضعة، إذ ما زلنا على خطوات الطريق المهني الأولى السليم، ففي 19 من يناير (كانون الثاني) الحالي نكون قد أنهينا عشر سنوات في هذا الموقع، حيث بدأنا من أربع أو خمس قصص، والآن صار لدينا أخبار ومندوبون في شتى مواقع الأحداث المختلفة في العالم العربي، وأصبح عندنا فيديو بجانب المجموعات الصورية، حيث أصبحنا نركز على الصور، ذلك أن الموقع أخذ يكبر شيئا فشيئا على حسب احتياجات المجتمع حتى يطوّر نفسه، وأصبحنا نطور أنفسنا، ولكن أصبحت لدينا بالمقابل تحديات تقنية، بجانب الالتزام بالتواصل والمهنية والحيادية والبحث عن صحافي حيادي بعيدا عن الأهواء والميول الشخصية والسياسية في العالم العربي، مع أنه من الصعوبة بمكان أن تجد صحافيا دون هوية سياسية، ولكن استطعنا إلى حد كبير مواجهة الكثير منها في وقتها.

* ما رؤيتك لدخول القطاع الخاص في مجال الاستثمار في الإعلام الرقمي ومساهمته لخدمة شريحة كبيرة من المستفيدين من هذه الخدمة؟

- مثل هذه المبادرات الحية، والتي تعتبر حديث الساعة، تحتاج لوضع آلية وكيفية معينة لإطلاق العمل المشترك ما بين المؤسسات الإعلامية مع المؤسسات التعليمية مع مؤسسات وشركات القطاع الخاص ورجال الأعمال، وذلك لرصد مال مناسب لشراء التكنولوجيا الحديثة لخلق أجواء مناسبة للشباب لإدخالهم في مجال الإعلام الرقمي من بابه الصحيح الحقيقي وليس فقط من باب الاجتهاد، والذي مع نجاحه إلا أنه تحفه الكثير من المخاطر، وبالفعل تعتبر المبادرات فكرة سليمة تجتمع عليها الأطراف المعنية لتقديم كل طرف ما يليه في عملية صناعة الإعلام الرقمي بشكل سليم، حتى يتم توفير البيئة التعليمية المناسبة والتكنولوجية التي تمكن الأجيال القادمة على الاطلاع ومعرفة ما يحيط بهم بما يجعلهم قادة رواد ومطلعين ومتعلمين حتى يفيدوا مجتمعاتهم بشكل أفضل.

* إلى أي مدى يمكن لمثل هذه المبادرات أن تجد طريقها في بلد كالسعودية مثلا؟

- تمتاز السعودية، بالإضافة إلى البنية الاقتصادية القوية، بمجتمع يولي الإعلام الرقمي اهتماما كبيرا، خاصة متابعة ومراقبة تلك المواقع التي تتخصص في الأخبار التي تهم شريحة معينة في المجتمع في ظل ما يوجد فيها من تكنولوجيا حديثة وبما يتميز مجتمعها بمتابعة عالية جدا، فمثلا المواقع الإخبارية الرياضية على سبيل المثال تستقبل أحدث التكنولوجيا مع تميزها بحجم متابعة كبير، وفي ذلك دعوة مهمة لصناع القرار في السعودية ليدعموا مثل هذه الأفكار والمواقع ومن ثم العمل على تطويرها.