صناعة الصحف الباكستانية تواجه تحديات تعوق استمرارها

انتشار القنوات الإخبارية ووسائل الإعلام البديلة يقلص عدد قرائها بشكل كبير

تسبب انتشار القنوات الإخبارية ووسائل الإعلام البديلة في تقليص عدد قراء الصحف الورقية («نيويورك تايمز»)
TT

في ضوء تقلص أعداد القراء وتضاؤل عائدات الإعلانات، تواجه صناعة الصحف الباكستانية العديد من التحديات التي تعوق استمرار تأثيرها في عملية تشكيل الرأي العام الباكستاني.

ويرى محللون أن عدد قراء الصحف الباكستانية قد تقلص بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية بسبب انتشار القنوات الإخبارية الخاصة ووسائل الإعلام البديلة (المدونات والمجموعات البريدية ومواقع الإنترنت)، مما أدى بدوره إلى تقلص حصة تلك الصحف من إعلانات القطاع الخاص الذي يشهد ازدهارا كبيرا.

ومع ذلك، لم يؤثر هذا في إصدار الصحف الجديدة (سواء الصادرة باللغة الإنجليزية أو الأردية)، حيث شهدت الأيام الثلاثة الماضية إصدار ما لا يقل عن ثلاث صحف صادرة باللغة الإنجليزية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد («باكستان توداي»، و«ديتلاين إسلام آباد»، و«إكسبريس تريبيون»)، كما شهد الشهر الماضي إصدار صحيفة «ناي بات» باللغة الأردية من لاهور.

وصرح مسؤول بارز في اتحاد موزعي الصحف الباكستاني، لـ«الشرق الأوسط» أن أيا من الصحف الصادرة حديثا باللغة الإنجليزية لم تتمكن من توزيع أكثر من ألف نسخة في اليوم في إسلام آباد.

وقال مسؤول توزيع إحدى الصحف البارزة في إسلام آباد: «الصحف الصادرة باللغة الأردية لديها سوق كبيرة، وسوف تستحوذ على السواد الأعظم من السوق لو نجحت في تقديم محتوى جيد، أما سوق الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية فتعاني من حالة تشبع كبيرة، ولذا من الصعوبة بمكان أن تحقق أي من الصحف الصادرة حديثا باللغة الإنجليزية نجاحا كبيرا». ولا تتجاوز مبيعات صحيفة «ديلي إكسبريس تريبيون»، على سبيل المثال، حاجز الألف نسخة في إسلام آباد.

إن فشل هذه الصحف في زيادة مبيعاتها يؤدي بدوره إلى تقلص حصيلة الإعلانات من القطاعين العام والخاص على حد سواء. وتعد الإعلانات التي تنشرها الإدارات الحكومية والوزارات هي المصدر الرئيسي لدخل المؤسسات الإخبارية في باكستان، لا سيما الصحف. ويرى خبراء إعلاميون أن غياب الإعلانات الحكومية سوف يجعل الصحف غير قادرة على بيع أعدادها حتى بمقابل زهيد يصل إلى 22 روبية. وقال أحد الخبراء: «الإعلانات الحكومية تدعم ثمن الصحيفة الذي سيرتفع بكل تأكيد في حالة عدم وجود مثل هذه الإعلانات».

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يتم إصدار صحف جديدة في باكستان ما دامت غير مجدية من الناحية المادية؟ والإجابة هي أن معظم هذه الصحف مملوك لشركات كبرى تملك المال الكافي لتحمل تكلفة إصدار هذه الصحف لأجل غير مسمى، حتى يمكنها التأثير في دوائر صنع القرار. ويقول إسرار بخاري، وهو صحافي بارز من لاهور: «إنهم يقومون في الأساس بالترويج للنفوذ، ولكن لا يكون لهذه الصحف تأثير مماثل على دوائر السلطة، ولذا فإنهم يصدرون هذه الصحف للتأثير في المجتمع».

وصرح بخاري لـ«الشرق الأوسط» بأن أحد مالكي هذه الصحف قد قرر في الآونة الأخيرة شراء 8000 نسخة من صحيفته صباح كل يوم، قبل أن يقوم بتوزيعها مجانا.

وثمة ضغوط كبيرة من «مروجي النفوذ» للسيطرة على صناعة الصحف في باكستان، مما أثار قلق كثيرين من المهنيين والكتاب البارزين حول مستقبل هذه الصناعة. وقال محرر بارز في إحدى الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية إنه في كل مرة يقرأ تلك الصحيفة يدرك أنها لن تستطيع الاستمرار بشكلها الحالي، وأضاف: «تقوم الصحيفة بنشر الأخبار والتصريحات وآراء المسؤولين نفسها التي تعرضها القنوات التلفزيونية بعد مرور 12 ساعة، ولذا فما السبب الذي يدفع المرء لشراء تلك الصحيفة في الوقت الذي يمكنه رؤية وسماع ما تنشره قبل ذلك بنحو 12 ساعة كاملة؟».

ومع ذلك، لا تعد القنوات التلفزيونية التحدي الوحيد الذي يواجه الصحف في باكستان، حيث يوجد أيضا الإعلام البديل مثل المدونات والمواقع الإلكترونية ومئات المجموعات البريدية. في الواقع، هناك تغيير جذري في المشهد الإعلامي في باكستان.

يقضي الناس الآن مزيدا من الوقت في الدخول على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر»، علاوة على المدونات. وقال فيصل كاباديا، وهو خبير إعلامي من كراتشي: «يوجد الآن نحو 90 مليون شخص يستخدمون الهواتف الجوالة في باكستان، ويمكنهم الدخول على شبكة الإنترنت من خلال الـ(جي بي آر إس) من دون تكلفة كبيرة». وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن كل المهنيين، بمن في ذلك الأطباء والمهندسون والتجار والصحافيون، لديهم مجموعات بريدية يتبادلون من خلالها المدونات، علاوة على أن نشاط التدوين قد خلق مجموعات سياسية إلكترونية جديدة. وغالبا ما تكون المعلومات والموضوعات والصور التي تتناولها وسائل الإعلام البديلة أكثر تشويقا وجاذبية من الصحف. ويرى خبراء في مجال الإعلام أن وسائل الإعلام البديلة تزدهر بشكل كبير في باكستان لأنها لا تخضع لأية ضوابط أو تعقيدات.

ويقول محمود حنيف، وهو مؤلف شهير ومحرر بارز في خدمة «بي بي سي» الأردية: «تبدو وسائل الإعلام البديلة فوضوية في بعض الأحيان، على عكس وسائل الإعلام التقليدية، لأنها لا تخضع لأية ضوابط».

وعلى الرغم من أن حجم وسائل الإعلام البديلة أصغر بكثير من وسائل الإعلام التقليدية، فإن محتواها يؤثر في المجتمع الباكستاني بشكل أكبر في كثير من الأحيان، فخلال الأسبوع الأول من شهر أبريل (نيسان) عام 2009، نشر مدون مجهول لقطات فيديو على أحد المواقع المغمورة تظهر مشاهد مروعة لفتاة يتم جلدها على أيدي مقاتلي طالبان في منطقة وادي سوات الباكستانية. وبعد ساعات قليلة، نشرت كل الصحف ووسائل الإعلام التقليدية الفيديو على أنه سبق صحافي، وخصصت الصحف صفحات خاصة لمناقشة كل جانب من جوانب هذا الفيديو.

ويظهر الفيديو الذي تصل مدته لنحو دقيقتين ونصف الدقيقة ثلاثة رجال ذوي لحى طويلة في منتصف الثلاثينات من العمر ويرتدون ملابس مثل مقاتلي طالبان ويقومون بجلد سيدة وجهها مغطى بحجاب تقليدي وتصرخ طلبا للمساعدة ويقوم أحد الرجال بجلدها بالسوط على ظهرها، في حين يمسك الرجلان الآخران بيدي وقدمي الضحية. وقد تم تداول هذا الفيديو بشكل كبير على أجهزة الهاتف الجوال في باكستان.

ومنذ ذلك الحين، يقوم معظم الصحف والمؤسسات الإخبارية الباكستانية بالبحث في المدونات كل ساعة تقريبا لمعرفة ما إذا كان قد تم نشر معلومات قيمة على تلك المواقع والمدونات أم لا. ويقول أحد المحررين البارزين في إحدى القنوات التلفزيونية الباكستانية البارزة: «في حالة عثورنا على بعض المعلومات القيمة، نقوم بإضافتها إلى النشرة الإخبارية التي تقدم كل ساعة على القناة».

ويرى خبراء الإعلام الباكستانيين أن مقطع الفيديو الذي يظهر جلد الفتاة يعكس تأثير وسائل الإعلام البديلة على وسائل الإعلام التقليدية. وعن ذلك، يقول حنيف، من خدمة «بي بي سي» الأردية: «تؤثر المدونات ووسائل الإعلام البديلة على أجندة الأخبار في وكالات الأخبار، ويعد فيديو جلد الفتاة خير دليل على ذلك».

ومنذ العام الماضي، قامت وكالات الأنباء والصحف الباكستانية بفتح قسم جديد للمدونات في مواقعها الإلكترونية. وعن ذلك، يقول أحد الخبراء في مجال الإعلام: «لا تمتلك المدونات الموجودة على مواقع الصحف ووكالات الأنباء العناصر نفسها التي تملكها المدونات الموجودة على مواقع مغمورة، وذلك بسبب الضوابط التي تفرضها تلك الوكالات والصحف».

ويرى خبراء إعلاميون أن وسائل الإعلام البديلة تؤثر على وسائل الإعلام التقليدية بأكثر من طريقة. ويقول حنيف: «تقوم غرف الأخبار في وسائل الإعلام التقليدية بمحاولة التحقق من صحة الأخبار التي تأتي إليها عن طريق البحث على محرك البحث غوغل، مما يعني أنها تستعين بوسائل الإعلام البديلة». وعلى هذا الأساس، فإن المدونات وغيرها من وسائل الإعلام البديلة هي التي تساعد وسائل الإعلام التقليدية على احتلال مكانة متميزة في المشهد الإعلامي الباكستاني.

وفي الواقع، تتسم المدونات السياسية الموجودة على مواقع إلكترونية مغمورة بأنها أكثر عدوانية. ويقوم عدد كبير من الكتاب السياسيين الجدد الذين يظهرون في وسائل الإعلام الباكستانية، بكتابة مقالات سياسية على المواقع الإلكترونية بشكل يومي. ويقول أحد الخبراء الإعلاميين: «هذه المدونات لا تستثني أحدا، ولا حتى الحكومة والقيادات الإعلامية البارزة في الدولة». ويقول حنيف إن وسائل الإعلام التقليدية لا تقوم بنشر أخبار أو تعليقات تهاجم بعضها بعضا، ولكن «المدونات ووسائل الإعلام البديلة لا تلتزم بذلك».

وهناك مجموعة بريدية بعنوان «باكستان ميديا» متاحة لكل المدونين ومتخصصة في نشر المدونات التي تحتوي على المخالفات المالية وغيرها من الفضائح التي تتعلق بالشخصيات البارزة على الساحة الإعلامية الباكستانية. وتعتقد الشخصيات الإعلامية البارزة أن الحكومة هي التي تقوم بنشر هذه الأخبار للضغط على الإعلاميين الذين يوجهون انتقادات لها.