هل يؤجج إغلاق قناة «برس تي في» التوتر بين لندن وطهران؟

ريز هيرد لـ «الشرق الأوسط»: ما عاد في الإمكان مواصلة البث إلا بتصريح جديد

غرفة الأخبار في مكتب قناة «برس تي في» التي تبث من العاصمة البريطانية، لندن (رويترز)
TT

بعد أقل من شهرين من التراشق الإعلامي بين وسائل الإعلام في كل من بريطانيا وإيران على خلفية الهجوم على السفارة البريطانية في طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتبادل إغلاق سفارة كل من البلدين في عاصمة البلد الآخر، ظهرت بوادر أزمة إعلامية جديدة سببها إلغاء مؤسسة المراقبة على النشاطات الإعلامية في بريطانيا (أفكوم) تصريح بث قناة «برس تي في» الإيرانية من الأراضي البريطانية بحجة خرقها قانون البث.

وفي حين ذكر المدير التنفيذي لقناة «برس تي في»، حامد عمادي، خلال لقاء صحافي في لندن بأن القناة تبحث عن سبل للعودة في مواصلة البث مجددا، قال ريز هيرد، مدير الإعلام والعلاقات العامة في «أوف كوم»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه ما عاد بالإمكان عودة القناة لمزاولة البث من لندن، إلا من «خلال استصدار تصريح رسمي جديد».

كانت عناوين الصحف في كل من لندن وطهران قد تناولت هذه الأزمة المفتعلة، فأورد عدد من الصحف البريطانية، مثل «الغارديان»، الخبر تحت عنوان «قناة (برس تي في) (تخسر) تصريح البث»، في حين قالت صحف إيرانية إن «بريطانيا (أخرست) برس تي في».

مما يذكر أن «أوف كوم» منعت القناة الإيرانية التلفزيونية من البث من أراضيها بعدما سجلت ضدها سلسلة انتهاكات على عدة أصعدة، منها مخالفة قانون البث كونها لا تستخدم لندن كـ«قاعدة تحريرية»، بل إن ذلك في طهران، وكذلك إحجامها عن دفع غرامة قد فرضت عليها عام 2010 بسبب «انتهاكها قوانين الخصوصية». في المقابل شنت قناة «برس تي في» هجوما على مؤسسة المراقبة (أفكوم) - وهي الجهة المعنية بتنظيم الاتصالات في عموم المملكة المتحدة – واصفة إياها بأنها جهة «تابعة للحكومة البريطانية والعائلة المالكة».

واتهمت القناة، التي تبث باللغة الإنجليزية من العاصمة البريطانية، لندن، منذ 2007، بأن سحبها رخصتها يراد منه إسكات صوتها، إذ زعمت بأن برامجها أزعجت الحكومة البريطانية، بما فيها تغطيتها الانتقادية لتكاليف حفل الزفاف الملكي البريطاني الباهظة، بجانب تغطيتها اضطرابات صيف 2011 في بريطانيا وفيها لمحت إلى تخاذل الشرطة البريطانية في التعامل مع أعمال الشغب.

من ناحية ثانية، أدانت شخصيات سياسية وإعلامية إيرانية قرار سحب رخصة القناة بشدة، فاعتبر علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أن إلغاء ترخيص بث قناة تلفزيونية هو «انتهاك صارخ لحرية التعبير» ويتعارض مع الديمقراطية الغربية. ونقلت القناة عن بروجردي قوله: «(برس تي في) قامت بواجبها، لكن بريطانيا اتخذت موقفا سياسيا عنصريا في إغلاق القناة».

كذلك اعتبر محمد رضا حميدي، الكاتب السياسي في صحيفة «كيهان» الإيرانية، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن القرار «يعد عملا رقابيا في حد ذاته»، موضحا أن التراخيص لا يمكن أن تسحب إلا في الحالات التي تهدد الأمن القومي، أو مخالفة الالتزامات المنصوص عليها بموجب القانون الدولي، مستطردا: «لا هذا ولا ذاك ينطبق على (برس تي في)، وهذا ما يؤكد أن القرار جاء من منطلق مخاوف سياسية، لا سيما أن القناة تعد الصوت الآخر وسط الهيمنة الإعلامية الغربية».

في غضون ذلك، ذكر حامد عمادي، المدير التنفيذي لـ«برس تي في» أن القناة تدرس الآن سبل مواصلة البث في المملكة المتحدة. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الحكومة البريطانية و«أوف كوم» عاجزتان عن إسكات صوت «برس تي في» في المملكة المتحدة، متابعا: «سنبذل كل ما في استطاعتنا للبث من هنا، فصوت (برس تي في) نشط ويغطي الأخبار بشفافية».

إلى ذلك، ما زالت المحطة تبث برامجها على قمر «هوت بيرد» شرقا، وكذلك على قمر «نايل سات» للمشاهدين في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الإنترنت، مع الإشارة إلى أن «أوف كوم» أوقفت فوريا بث القناة في العشرين من الشهر الحالي من باقة قنوات «سكاي».

هذا من جانب، أما من جانب آخر فأوضح ريز هيرد، مدير العلاقات العامة والإعلام في «أوف كوم» لـ«الشرق الأوسط» أن المؤسسة لم تكن تعلم أن القناة تشغل رقابتها التحريرية من طهران سوى في عام 2010. وأضاف: «خلال التحقيقات التي أجرتها (أفكوم) جراء قضية الصحافي الكندي مازيار بهاري، اتضح لنا أن القناة الإيرانية لا تتمتع بالاستقلالية على الصعيد التحريري، إذ إن مكتبها الواقع في لندن هو الحاصل على ترخيص البث من بريطانيا، في حين أن طهران هي مقر القناة الرئيسي. وفي هذه الحالة تكمن مشكلة كبيرة في حال رغبنا في مخاطبة القناة فهم يملكون صلاحية لديهم لاتخاذ أي قرار».

الجدير بالذكر أن قوانين البث البريطانية تشدد على ضرورة أن تكون جهة صنع القرار هي صاحبة الترخيص. وهنا أوضح هيرد المسألة قائلا: «أبلغنا القناة في نوفمبر 2010 بأنها تخالف القانون، وعرضنا عليهم، إما أن يكون مقر التحرير في بريطانيا، وإما أن تنقل رخصة بثها إلى إيران، حتى أننا عرضنا عليهم المساعدة، لكنهم لم يستجيبوا ولم يختاروا أيا من العرضين».

وفي الاتجاه ذاته، ذكر روي غرينزليد، الصحافي والأكاديمي المتخصص في شؤون الإعلام والمجتمع في جامعة «سيتي» في لندن، أنه لا يمكن الجدال حول حق حرية تدفق مختلف الآراء، لكن قضية القناة مع المؤسسة لا تتعلق بطبيعة المواد المعروضة التي ربما لا تمثل وجهة نظر الغرب، بل بمخالفتها أنظمة رخص البث. وأضاف: «إذا كانت القناة قد اختارت أن تكون جزاء من وسائل الإعلام التي تبث من بريطانيا، فعليها الالتزام بالمعايير المهنية في هذا البلد وتلتزم بقوانينها».

وفي الاتجاه ذاته، كتب توم جي ويلسون مقالا في صحيفة «هافنغتون بوست» بعنوان «بريطانيا أفضل حالا من دون تلفزيون (برس) الإيرانية»، ما معناه أن القناة منبر للدعاية للنظام وإغلاقها «خبر سعيد لأنصار الديمقراطية».

إلى ذلك، يجوز القول إن العلاقة المتوترة بين القناة والمؤسسة كانت دائما عرضة للشد. ففي عام 2010، غرمت القناة التلفزيونية الإيرانية مبلغ 100.000 جنيه إسترليني لبثها مقابلة بالإكراه مع مازيار بهاري، وهو صحافي إيراني يحمل الجنسية الكندية ويعمل في مجلة «نيوزويك» الأميركية لكنها لم تدفع الغرامة.

وكان هذا الصحافي قد أوقف عام 2009 أثناء الاحتجاجات العنيفة التي نظمتها المعارضة على إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وعرفت بـ«الثورة الخضراء». ووجهت إليه تهم نشر معلومات معادية للنظام عبر إرسال تقارير خاطئة عن الانتخابات إلى وسائل إعلام أجنبية. وأثناء اعتقاله بثت القناة ما وصفته في حينه بأنه «اعتراف» قال فيه إنه عميل أميركي. وتبين لاحقا أن هذا الاعتراف انتزع منه تحت التهديد بقتله. وعقب تحقيقات استمرت سنتين أدينت القناة تحت ما يصنف رسميا باسم «انتهاك الخصوصية». وفرضت «أوف كوم» على القناة غرامة تعتبر قياسية في تاريخ الإعلام في بريطانيا.

وفي الحقيقة، لا خلاف على أن القناة الإيرانية مثيرة للجدل سواء على صعيد مذيعيها أو برامجها. ويذكر أن من ضمن طاقم القناة لورين بوث، أخت زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، والصحافية البريطانية إيفون ريدلي، التي اختطفت على يد جماعة من حركة طالبان في عام 2001 وتحولت لاحقا إلى الإسلام. إلى جانب الناشط المناهض لإسرائيل وواشنطن والنائب البريطاني السابق، جورج غالاواي، الذي يطل عبر برنامج سياسي لمدة ساعة اسمه «كومينت» يتناول فيه قضايا سياسية ويعبر من خلاله عن أفكاره المثيرة للغط التي عرضت مرارا لانتقادات «أوف كوم».

إلى ذلك، وفور الإعلان عن إغلاق القناة، كتب غالاواي عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أبطال الحرية.. الحكومة البريطانية أوقفت (برس تي في)».

ما يستحق الإشارة أيضا أن القناة الإيرانية تتبع هيئة الإذاعة والتلفزيون المملوكة للحكومة الإيرانية، كما توظف مراسلين في عدة عواصم عالمية مثل واشنطن ودمشق وبيروت ولندن وسيول، وأماكن أخرى في الشرق الأوسط وحول العالم. وتقدم برامج إخبارية وحوارية.

وأطلقت القناة عام 2007 لمواجهة ما اعتبرته «التدفق المستمر» للدعاية الغربية ضد إيران لتقدم وجهة نظر بديلة للأخبار في العالم.