انتصار نادر لليبراليين الباكستانيين بعد إقالة مذيعة تلفزيونية

بسبب تقديمها برنامجا عن العشاق غير المتزوجين

البرنامج الصباحي الذي تسبب في إقالة المذيعة مايا خان من محطة تلفزيون خاصة (واشنطن بوست)
TT

في انتصار نادر لليبراليين الباكستانيين، قررت محطة تلفزيونية خاصة إيقاف مذيعة أحد البرامج الصباحية الشهيرة عن العمل بعد أن أثارت موجة غضب بسبب قيامها بجولة في أحد المتنزهات في محاولة للكشف عن وجود عشاق غير متزوجين، وهو ما يعد أحد المحظورات في هذه الدولة الإسلامية المحافظة.

واستهزأ ليبراليون باكستانيون بسلوك المذيعة مايا خان على موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك»، مقارنين إياه بنوع السياسة الأخلاقية التي تنتهجها حركة طالبان، ونشروا التماسا على الإنترنت يطلبون فيه من محطة «سما التلفزيونية» وقف «هذا البرنامج غير المسؤول» وتقديم اعتذار.

واستجابت الشركة، يوم السبت الماضي، بإرسال خطاب إلى الصحافيين تشير فيه إلى أنها قد اتخذت قرارا بوقف خان وفريق برنامجها عن العمل وإلغاء البرنامج بسبب رفضها نشر اعتذار غير مشروط عن حلقة البرنامج التي أذيعت في 17 يناير (كانون الثاني).

سجل قرار قناة «سما تي في» انتصارا غير معهود للأقلية الليبرالية في باكستان، التي زاد تهميشها مع تحول الدولة إلى تيار اليمين، والتي اغتيل عدد من أعضائها على يد متطرفين بسبب تمسكهم بمبادئهم التي يؤمنون بها.

وقد أثنى منتقدو البرنامج أيضا على قرار الشركة بوصفه مثالا إيجابيا على التنظيم الذاتي المتبع من قبل الصناعة التلفزيونية الحرة، التي تحررت عام 2000 وتضخمت من مجرد قناة واحدة حكومية إلى ما يزيد على 80 قناة مستقلة.

وقد تم الثناء على بعض البرامج لكونها تخدم الصالح العام بمساءلة مسؤولين أصحاب نفوذ، غير أنه وجهت انتقادات لبرامج أخرى بوصفها تقوم بأي شيء من شأنه أن يجعلها تحظى بتقييمات إيجابية من المشاهدين، بما في ذلك تناول الموضوعات التي تحظى بشعبية، على حساب الخصوصية، وفي بعض الأحيان على حساب الحقيقة.

«جسدت إدارة قناة (سما) مثالا جيدا يجب أن تحذو حذوه بعض المحطات الأخرى»، هذا ما قاله الناشط الحقوقي والصحافي البارز حسين نقي.

وفي حلقة البرنامج محور الجدل، تعقبت خان وقرابة أحد عشر رجلا وامرأة آخرين عشاقا شبابا في متنزه مطل على الشاطئ في مدينة كراتشي الواقعة جنوب باكستان، ولاذ الكثير من العشاق الآخرين بالفرار من فريق عمل البرنامج. وارتدى أحد الشباب خوذة لإخفاء هويته، بينما غطت صديقته وجهها بغطاء رأس.

وفي النهاية، تقدمت خان من عاشقين اثنين كانا يجلسان على دكة وانهالت عليهما بالأسئلة عما إذا كانا متزوجين وما إذا كان والداهما يعلمان بمكانهما. وأجابها الرجل بأنهما مخطوبان ورجاها أن تغلق كاميرتها وميكروفونها. وكذبت المذيعة وادعت أنها مغلقة.

«ما الاختلاف بين هذا النوع من القصاص الإعلامي غير القانوني وذلك الذي تجسده حركة طالبان؟»، هذا ما قالته ماهناز رحمن، مديرة مؤسسة «أورات فاونديشن»، وهي مؤسسة تدافع عن حقوق المرأة في باكستان.

لقد كان بعض الإسلاميين المتطرفين متحجري القلب في استهدافهم الليبراليين الباكستانيين الذين لا يتفقون معهم في آرائهم المتشددة. وتجلى أحد أبرز الأمثلة في يناير الماضي، عندما اغتال حارس شخصي حاكم بونجاب، سلمان تاسيير، بالرصاص، بسبب انتقاده القوانين الباكستانية التي تقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على أي شخص ينتقد النبي محمدا، صلي الله عليه وسلم. وبعد عرض برنامج خان، أشار عنوان رئيسي في صحيفة محلية إلى المذيعة وامرأة أخرى ظهرت في البرنامج باسم «العمات الحارسات»، في إشارة إلى كلمة «Aunty» في جنوب آسيا التي تعني امرأة عجوزا مستبدة.

هذا، وحصل التماس نُشر على الإنترنت انتقد سلوك خان بوصفه «تطفليا وعدوانيا، وربما غير مسؤول إلى أقصى درجة» وطالب باعتذار رسمي أكثر من 5000 توقيع.

واستنكرت خان النقد الموجه إليها في البداية، لكنها نشرت اعتذارا على المحطة التلفزيونية لأي شخص ربما تكون قد أساءت إليه، جاء فيه: «لم يكن هدفي أن أجعلكم تذرفون الدموع أو أن أجرح مشاعركم».

ولم يرقَ هذا إلى مستوى الاعتذار الذي طلبه رؤساء خان، بحسب خطاب كتبه رئيس مجلس إدارة محطة «سما»، ظفار صديقي، جاء فيه أن فريق عمل البرنامج سيتلقى إخطارات بفسخ التعاقد وأنه سيتم وقف البرنامج.

وقال صديقي إن الشركة لم «تتقبل مثل هذا السلوك بغض النظر عن التقييمات التي كان يحصل عليها البرنامج».

وأثنى عدد كبير من الباكستانيين، على موقع «تويتر»، على قرار محطة «سما» التلفزيونية. «يتحتم على الصحافيين عدم تجاوز الخط الفاصل بين الصالح العام والحرية الشخصية»، هذا ما قاله الصحافي الباكستاني البارز، ناجام سيثي، في تغريدة على موقع «تويتر».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»