دور وزارة الإعلام في الخدمة الصحافية أثناء الانتخابات

ما زال الكثيرون يرون في الصحيفة أو محطة التلفزيون وسيلة للتعبير عن مصالحهم

TT

أثناء الانتخابات البرلمانية الكويتية كان المركز الصحافي الذي أدارته وزارة الإعلام الكويتية، في فندق الشيراتون، تجربة ناجحة مرتفعة المستوى الحرفي، ليس فقط من ناحية التقنية وتوفر وسائل الاتصال وما يكفي من أجهزة كومبيوتر فحسب، بل من أهم زاوية تهم المراسل المتنقل الوافد على البلاد، وهي توفير المعلومات.

وهو تطور تحديثي لدور مؤسسات الدولة، كوزارة الإعلام، لأن إمكانيات وتكاليف إقامة المركز الصحافي وتجهيزه وتوفير طاقم الخدمات (عدد معتبر من العاملين في وزارة الإعلام، من الجنسين، أتقنوا معظم اللغات، للتحاور مع المراسلين) وعشرات المطبوعات والصور والخرائط، ليس في قدرة القطاع الخاص. فالمركز اشتمل على إمكانيات صالة الأخبار وعلى قاعتين للندوات والمؤتمرات الصحافية، والبث التلفزيوني تقنية المعارض. أي ما يشبه أكشاكا أو «كونتر» من مؤسسات كمجلس الأمة (البرلمان)، وكالة الأنباء الرسمية (كونا) والشفافية الكويتية، والمعاهد ومراكز الأبحاث، تعرض منتجاتها فيما يتعلق بالديمقراطية.

أيضا أبقى موظفو وموظفات الوزارة الاتصال مفتوحا طوال 24 ساعة مع الصحافيين الزائرين، خاصة اصطحابهم أو «توجيههم» إلى مراكز الدعاية الانتخابية - للمرشحين، مع تقديم خلفية وافية عن المرشح أو المرشحة. وكانت أثمن خدمة يمكن لوزارة إعلام مضيفة أن تقدمها للصحافي الزائر؛ أو لعشرات المراقبين المتعددي الجنسيات من مؤسسات عالمية.

ولا شك أن وجود عدد ممن عملوا في المكاتب الصحافية الكويتية في العواصم الغربية الكبرى في السنوات الماضية ساهم في إنجاح عمل المركز الصحافي، فإلى جانب إتقانهم للغات، تمكنوا أيضا من تفهم حاجات وأمزجة مراسلي الصحف الغربية التي تفضل المعلومات والتحليلات المركزة المختصرة، وترتيب المقابلات مع مصادر المعلومات والساسة المناسبين لزاوية التغطية الصحافية المطلوبة.

التطور الآخر في دور المركز الصحافي كان تنظيم الندوات إلى جانب المؤتمر الصحافي اليومي لمنظمي الانتخابات كوزارات الداخلية والعدل والإعلام، ومنظمة الشفافية، والمراقبين الدوليين.

الندوات المتعلقة بالديمقراطية والعملية السياسة الكويتية وتاريخ البرلمان، اشترك فيها أكاديميون ومعلقون من مختلف الجنسيات.

من وجهة نظر قراء هذا الملحق فإن الأهم ندوات عن علاقة الصحافة بالعملية الديمقراطية والانتخابات البرلمانية وأداء البرلمان. نظم الندوات تلفزيون الكويت، ومنظمة الشفافية الكويتية، ووزارة الإعلام. وكنت شاركت، قبل التصويت بأربعة أيام، في ندوة عن الصحافة والديمقراطية، قدمها المذيع الكويتي المخضرم محمد يوسف الجاسم، وشاركني فيها الأكاديمي الدكتور سامي مكي، أستاذ الصحافة في جامعة الكويت.

ومن ضمن عدة زاويا تناولتها الندوة، برز تحدٍّ يواجه الصحافيين العرب في مرحلة برلمانات ما بعد سقوط رؤساء الجمهوريات الديكتاتورية التي عكست انخفاض وعي الناخب في مجتمعات تنقصها الصحافة الحرة، والمعلومات المقدمة بحيادية بعيدا عن تأثير المال والآيديولوجيات والمرجعيات الدينية. كما ظهرت هوة بين مفهوم ما يسميه العرب «بدور الصحافة في الديمقراطية»، والمفهوم الواقعي الغربي حيث الصحافة صناعة تجارية بالدرجة الأولى.

فالعرب ما زالوا يعتقدون أن للصحافة دورا مقصودا رسمه الصحافيون أنفسهم لأن معظم صحافة العالم العربي تعتمد على دعم الدولة أو «الحكومة» أو أحزاب أو رجال أعمال يرون في الصحيفة، أو محطة التلفزيون، وسيلة للتعبير عن مصالحهم وترويج سياسة حلفائهم، وليست منشآت تجارية بغرض النمو الاقتصادي والربح من الاستثمار.

ومن النادر أن تجد وسيلة صحافة (مقروءة/ مسموعة/ مرئية) عربية يمكنها البقاء على قيد الحياة بميزانية اقتصادية مستقلة أو تدر دخلا على حملة الأسهم كحال صحافة الديمقراطيات الغربية.

فمهما بلغ مستوى نبل مقصد الصحافيين العرب أنفسهم فستظل صحافتهم موجهة في إطار اللوائح والقوانين التي تنظم عمل الصحف أو لوائح العمل التي يحددها ممول الصحيفة (من حزب أو جهة حكومية أو رجل أعمال).

أما الصحافة التي بلغت مرحلة النضج الاقتصادي في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية (ما لم يحدث لمعظم المجتمعات الناطقة بالعربية) فإنها مؤسسات تحقق أرباحا لحملة الأسهم، وتتبع شروط النجاح في اقتصاديات حرية السوق، أي جودة السلعة الصحافية ومصداقيتها ونوعية الخدمات التي تقدمها للمستهلك الصحافي كقارئ أو مستمع أو مشاهد، مما يزيد من التوزيع (والدخل من ثمن البيع) وعدد المشاهدين (دخل الإعلانات).

وعليه فدور الصحافة في الديمقراطيات الغربية - خاصة أثناء الانتخابات وهو أكثر تأثيرا وخدمة للقراء والمشاهدين من دورها في المجتمعات العربية - هو مصادفة تاريخية صنعتها التطورات الاقتصادية والضرورة الاستهلاكية، وليس عن قصد أو هدف حدده الصحافيون تعمدا.

وهذا أدى بدوره إلى علاقة دائرية ليس لها بداية أو نهاية، كجدل من جاء أولا أو من يتبع الآخر، البيضة أم الدجاجة. ولهذا يتطور دور الصحافة في مرحلة ما بعد الانتخابات إلى دورها كسلطة رابعة أثناء الدورات البرلمانية نفسها.

فصحافة المجتمع الاستهلاكي (مجتمعات الديمقراطية البرلمانية) تقتنص، من أجل النشر/ البث، كل معلومة صغيرة وكبيرة قد تؤثر على صدور قوانين جديدة من البرلمان، تؤثر بدورها على حياة الناخب، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والخدمات وأحوال المعيشة، وهذا بدوره أحد أهم عوامل زيادة توزيع الصحف، خاصة المحلية في دوائر النواب أنفسهم.

وهذه الخريطة الاستهلاكية - السياسية للصحافة الغربية تختلف عن حالة معظم الصحف العربية، بما فيها الكويت، مما يضع على عاتق الصحافيين الكويتيين عبئا لا يعاني منه الصحافيون في بلدان تخوض فيها الأحزاب السياسة الانتخابات البرلمانية.

المرشحون الكويتيون لا ينتمون لأحزاب لها برامج سياسية واضحة ومحددة، ومن ينتمون منهم إلى تيارات (كـ«الإخوان» أو السلفيين أو الكتلة الشعبية)، فالأرضية المشتركة هي المعتقدات السياسية أو الآيديولوجية، أو اتفاق انتمائي، ولا برنامج واضح مكتوب تستطيع الصحافة تحليله وتلخيصه للقراء والمستمعين ككتلة.

كما أن لقاءات المرشحين مع الناخبين تتخذ طابع الخطابة rally الكبيرة بالميكرفون، وليس مناقشات الأسئلة والأجوبة والحوار. وهذا ما لم تغطه الصحافة المحلية بشكل عميق، أي ترجمة شعارات وخطابات المرشحين – خاصة المخضرمين أو المعروفين بقيادتهم لتيارات معينة – إلى ملخص بسيط مفهوم للناخب عما تعنيه هذه الشعارات وما قد يتوقعه الناخب من المرشح عندما يصبح عضو برلمان. كانت هناك مقابلات صحافية مع الكثير من المرشحين، لكنها اتخذت عند النشر شكل السؤال والجواب، وليس شكل التحليل السياسي بإخضاع جمل مركزة من إجابات المرشح للفحص في إطار الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية، وخلفية من أداء المرشح عندما كان نائبا في البرلمانات السابقة، ثم تقديمها للقارئ في شكل مقال مركز ليعينه في اختيار قرار التصويت.

وربما نرى تطورا جديدا في التغطية الصحافية في انتخابات مجلس الأمة الـ15 في نهاية دورة المجلس الـ14 حسب الدستور، أو إذا انتهى مبكرا لأسباب أخرى.