تجاوزات وسائل الإعلام تثير جدلا واسعا في المجتمع الباكستاني

اتفاق على أن القنوات التلفزيونية شركات تهدف إلى تحقيق الأرباح

TT

أثارت بعض التجاوزات الأخيرة من جانب وسائل الإعلام الباكستانية جدلا واسعا في المجتمع الباكستاني حول مدى تأثر وسائل الإعلام بالمصالح التجارية لشركات الإعلام التي تملك وكالات الأنباء. وثمة إجماع في الأوساط الصحافية على أن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام تجاه المجتمع يجب ألا تتأثر بمصالح الشركات الإعلامية.

وقد تمت إثارة هذه القضية عقب ظهور إحدى المذيعات العاملات لدى إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، وتدعي مايا خان، وهي تطارد زوجين وتطالبهم بإظهار وثيقة الزواج، وهو ما أثار موجة من الانتقادات في وسائل الإعلام حول هذا السلوك من قبل مذيعة تلفزيونية شابة (ممثلة تلفزيونية في الأساس وليست صحافية)، الذي تم وصفه في أعمدة الصحف على أنه تجاوز شديد.

وقد تم طرح عدد لا يحصى من الأسئلة في الصحف الباكستانية في الوقت الراهن، مثل «ما هي احتمالات أن يكون من هم على شاكلة مايا خان مدركين لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم عندما يخرجون إلى الشوارع مصطحبين معهم كاميراتهم؟»، «ما هي احتمالات أن يكون أصحاب الشركات الإعلامية على بينة من الثقة المقدسة التي يتم الإنعام بها عليهم عندما يحصلون على ترخيص لإنشاء قناة إخبارية؟»، و«ما هي احتمالات أن يكون الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام الإلكترونية في باكستان مدركين أن ولاءهم الأساسي لا ينبغي أن يكون للشركات التي يعملون لديها، بل للمواطن الباكستاني العادي؟»، حيث فتحت «التجاوزات» الحديثة لوسائل الإعلام الباب على مصراعيه لجدل لن ينتهي أبدا بشأن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام والصحافة في بلد نامٍ مثل باكستان.

ولا تأتي الشكاوى حول تجاوزات وسائل الإعلام من قبل جماعات المجتمع الباكستاني الضعيفة والفقيرة وغير المتمكنة نسبيا فحسب، لكن أكثر الناس نفوذا في المجتمع يشكون الآن علنا من انتهاك حقوقهم من قبل شركات الإعلام القوية في البلاد. وقد اشتكى الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، نفسه من أنه كان ضحية لهذه التجاوزات من قبل وسائل الإعلام، حيث كانت المحكمة العليا الباكستانية قد طلبت في مؤخرا من الحكومة الباكستانية إبلاغها بشكل محدد عما إذا كانت الحكومة على استعداد لاتباع أوامر المحكمة وتوجيه خطاب مكتوب للسلطات السويسرية لفتح باب التحقيق في قضايا غسيل الأموال المرفوعة ضد الرئيس زرداري.

وقد كان موقف الحكومة واضحا لا لبس فيه، وهو أن زرداري يتمتع، بصفته رئيسا للبلاد، بالحصانة الدستورية، ومن ثم لا يمكن رفع أي دعوى جنائية ضده بينما لا يزال رئيسا لباكستان. وتتفق الغالبية العظمى من الخبراء الدستوريين في البلاد على أن القانون الباكستاني واضح وضوح الشمس فيما يتعلق بهذه النقطة، وهي أنه لا يمكن رفع دعاوى جنائية ضد الرئيس الباكستاني.

ومع ذلك، لم يكن رد الحكومة مرضيا، حيث شنت قناة «جي إي أو» التلفزيونية حملة إعلامية تطالب الرئيس زرداري بالمثول أمام القضاء، لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه قد وقف أمام القضاء. وقد دأبت تلك القناة على بث تلك الرسالة الطويلة في بداية كل نشرة إخبارية وفي نهاية كل برنامج حواري. واقترن هذا مع البرامج الحوارية والتقارير الخاصة، التي تطلع الجمهور بشكل روتيني على الفساد المستشري في أروقة الحكومة، سواء في الماضي أو في الحاضر.

وردا على ذلك، أعلنت فوزية وهاب، وهي عضو بارز في حزب الشعب الباكستاني، في مؤتمر صحافي أن كل البرلمانيين وقادة الحزب لن يشاركوا في أي برامج حوارية على القناة، وأن الحزب بأكمله سوف يقاطع الإصدارات الصحافية والبرامج التلفزيونية التابعة لمجموعة «جانغ ميديا» التي تملك قناة «جي إي أو».

ونتيجة لهذه الأحداث وغيرها، أدرك خبراء الإعلام أن الأزمة التي تمر بها الصحافة هي في الواقع أكبر مما تبدو، حيث لا يقتصر الأمر على إحدى المذيعات التي تبحث عن الشهرة أو إحدى القنوات المتعطشة لتحقيق أرباح كبيرة.

وعن ذلك يقول فهد حسين، وهو مذيع بارز في إحدى القنوات الخاصة وكاتب عمود شهير: «تطرح هذه الأزمة سؤالا في غاية الأهمية يبرز بصورة كبيرة من وقت لآخر في الأوساط الإعلامية في جميع أنحاء العالم، وهو: ما هو الهدف من الصحافة؟ وفي الواقع، يتجلى جوهر تلك المهنة في أن الصحافيين يتعين أن تكون لديهم مسؤولية كبيرة للغاية تجاه عموم المواطنين، وهي المسؤولية التي تفرض عليهم نقل الحقيقة إلى القراء أو المشاهدين».

ويضيف حسين أن هناك ثلاثة أشياء تمنع وسائل الإعلام، عادة، من نقل الحقيقة لقرائها بشكل واضح وبسيط، ألا وهي «المصالح الشخصية، والمصالح السياسية، ومصالح المؤسسات». ولا يجد القارئ أو المشاهد صعوبة في اكتشاف وجود المصالح الشخصية أو السياسية، كما أنه لا يجد صعوبة في التعامل معها، وربما يعود الأمر في ذلك بصورة جزئية إلى أن الأمور تكون واضحة على هذا النحو أو ذاك. ولكن التحدي الأكبر يتمثل في مصالح المؤسسات أو الشركات».

ويتفق معظم خبراء وسائل الإعلام على أن القنوات التلفزيونية الباكستانية هي عبارة عن شركات، وهو الأمر الذي ينطبق على معظم القنوات في القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم. ويقول أحد الخبراء: «يتم إنشاء الشركات بهدف تحقيق الأرباح، ولا توجد أي مشكلة في ذلك، ولكن المشكلة تكمن في أنه يجب أن يكون هناك تمييز بين الشركات التقليدية وبين المؤسسات الإعلامية».

ويضيف حسين: «هذا هو السبب الحقيقي في وجود فاصل في غرف الأخبار التقليدية بين التحرير وبين أقسام التسويق. دائما ما ينظر الجانب المؤسسي من شركات الإعلام إلى الميزانية وتحقيق الأرباح، ولكن يجب أن لا يتعامل الصحافي بالمنطق نفسه؛ لأن ذلك سيكون إجحافا وتقويضا للأسس والمبادئ الصحافية. ودائما ما يقع مالكو الصحف الذين يتعاملون مع المؤسسات الصحافية من هذا المنطلق، في هذا الفخ، وربما لم يدركوا أن المؤسسات الإعلامية بطبيعتها تنطوي على مسؤولية اجتماعية تفوق كثيرا النظر إلى تحقيق الأرباح وتكديس الدولارات».

وفي حالة وسائل الإعلام الباكستانية، ولا سيما القنوات التلفزيونية الخاصة، تعد إعلانات القطاع الخاص المصدر الوحيد للعائدات، وهو ما يزيد بكل تأكيد من أهمية الأعمال والمصالح التجارية، ولذا لم يكن من الغريب أن تدخل القنوات الخاصة التي يصل عددها لأكثر من 40 قناة في سباق محموم لزيادة معدل مشاهدة برامجها في وقت الذروة حتى تجذب أكبر قدر من الإعلانات. وصرح أحد محرري الأخبار في إحدى القنوات الخاصة، شريطة عدم الكشف عن هويته: قائلا: «يتمثل الاتجاه الجديد في الاستعانة خلال البرامج التلفزيونية بالممثلين والممثلات، الذين يظهرون على الشاشة في وقت الذروة، ويقومون بأشياء غريبة لزيادة معدل مشاهدة البرامج».

وقد أعلنت مؤسسة «غالوب باكستان» المستقلة والمتخصصة في إجراء استطلاعات الرأي، أن عدد مشاهدي البرامج التلفزيونية في وقت الذروة في باكستان قد تعدى 20 مليون مشاهد. ويقوم القطاع الخاص في باكستان بتوزيع الإعلانات على القنوات الخاصة وفقا لنسبة مشاهدة تلك القنوات في وقت الذروة. ويقول أحد خبراء الإعلام: «أدى هذا إلى إشعال السباق للقيام بشيء جديد أو غريب لجذب المشاهدين في كل أسبوع».

ومع ذلك، يرى بعض الصحافيين البارزين في إسلام آباد أنه لن يتم حل تلك المشكلة بصورة نهائية بمجرد أن تتحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولياتها الاجتماعية في المحتوي الذي تقدمه. وعن ذلك يقول أحد الصحافيين البارزين: «إن ضمان تحمل وسائل الإعلام لمسؤوليتها الاجتماعية مشكلة قديمة للغاية؛ لأن ذلك عادة ما يتعارض مع الأهداف السياسية للمؤسسات الإعلامية».