مصور «صنداي تايمز» المصاب لـ «الشرق الأوسط»: قصف حمص «مذبحة عشوائية للرجال والنساء والأطفال»

قصة تهريب المصور البريطاني بول كونروي من سوريا إلى لبنان

المصور البريطاني بول كونروي
TT

قال البريطاني بول كونروي مصور صحيفة «صنداي تايمز»، لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا من سريره في المستشفى التي نقل إليها في لندن يوم الاثنين الموافق 5 مارس (آذار)، برغبته في القيام بكل ما في وسعه ليخبر العالم بالكارثة التي تحدث في سوريا.

قال كونروي، الذي يتعافى من جروح خطيرة في ساقه ومعدته ناجمة عن شظايا، إنه يعتقد أن القوات السورية التي تمكنت من اقتحام حي بابا عمرو في حمص ارتكبت مذابح. وقال: «أنا على ثقة بنسبة 99% من أن هناك مذبحة دموية وإبادة جماعية، تحدث الآن، فقد كان هناك المئات من المدنيين المتواجدين وسط الحطام الذي خلفه القصف، وأعتقد أنه من غير المرجح أن يبقى الكثير منهم على قيد الحياة. ومع انسحاب الجيش السوري الحر حاليا، لن يتوقف السوريون عن القتل».

وأصيب كونروي في قصف صاروخي أسفر عن مقتل صحافية الـ«صنداي تايمز» المخضرمة ماري كولفين عن عمر يناهز الـ56 والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، البالغ من العمر 28 عاما، في 22 فبراير (شباط).

وكان ذلك قبل 5 أيام من الموعد الذي كان من المحتمل أن يهرب فيه من هذه المدينة المحاصرة مع مقاتلي الجيش السوري الحر. وعلق الصحافيون الآخرون ومنهم الفرنسية إديت بوفييه، التي أصيبت إصابة بالغة، والمصور ويليام دانييلز، اللذان قضيا 9 أيام في حمص قبل أن يتمكنا من الهروب نهاية الأسبوع الماضي.

وأكد الهلال الأحمر يوم الجمعة أن السلطات السورية سلمت جثتي كولفين وأوشليك أخيرا إلى السفير الفرنسي وأحد الدبلوماسيين البولنديين في دمشق. وقال كونروي إن ماري كولفين زارت حمص مرتين مع مرشد سوري ودخلت البلاد من وادي البقاع اللبناني. وأضاف كونروي قائلا: «ساعدنا مهربون للبشر في عبور الحدود إلى مدينة القصير، ومن هناك وصلنا إلى الجيش السوري الحر، الذي وافق على دخولنا حمص، وظللنا ننتقل من يد جماعة إلى أخرى، حيث يعملون في جماعات صغيرة تتكون من 3 أو 4 أفراد لأسباب أمنية، وشعور بالخوف والتهديد يرافقنا. وكان أكثر هؤلاء من المنشقين عن القوات السورية، ولم يكونوا حاملي سلاح مجانين، بل إنهم حريصون على عدم وقوع الأسلحة في أيدي المدنيين. وأوضح كونروي: «يجب على أي شخص يريد الانضمام إلى الحركة أن يظهر بطاقة هويته التي تثبت حصوله على تدريب عسكري. وأود القول إن أكثر من 90% منهم كانوا أفرادا سابقين في الجيش». وقد أوضح كونروي أنهم تمكنوا من دخول حمص عبر نفق صرف صحي، حيث قال: «كان علينا النزول بضعة أمتار، ثم السير بطول النفق لمسافة 3 كيلومترات. واضطررنا للانحناء حتى لا تصطدم رؤوسنا بسقف النفق».

وقال: «إن النفق كان ينتهي جنوب حي بابا عمرو، الذي كان يقع جنوب غربي وسط المدينة على مقربة من الجامعة. وبعد أن خرجنا من النفق سرنا لبضعة كيلومترات ليلا إلى أن وصلنا إلى بابا عمرو، لقد كانت مغامرة خطيرة. وأحضر لنا الجيش السوري الحر سيارة نقلتنا عبر أرض واسعة مفتوحة من أجل الوصول إلى تلك المنطقة. وكانت النيران توجه إلينا، لكن لم يصب أي منا. وبمجرد وصولك تعلم أنك في بابا عمرو، فقد كان المشهد مذهلا مثل مدينة أشباح. لقد شاهدت صور الدمار الكامل من حولي، ولا أعتقد أنني رأيت مبنى سليما. وكانت الحركة مستحيلة تقريبا بسبب القناصة التابعين للنظام، الذين كانوا يصوبون بنادقهم تجاه أي هدف متحرك. وتم تغيير سرعة السيارة وأطفأنا أضواءها واندفعنا تجاه تقاطعات الطرق للحد من احتمالات إصابتنا».

في الرحلة الأولى إلى المدينة، لم تكن الحركة صعبة، وتوجه الصحافيون إلى بناية يشغلها جهات إخبارية أخرى مثل «سي إن إن». وأشار كونروي إلى صعوبة الاتصال بالعالم الخارجي، حيث قال: «لم تكن أي من وسائلنا الطبيعية تعمل، فهواتفنا المتصلة بالقمر الاصطناعي لم تكن تعمل سوى بشكل متقطع، لذا كنا نضع طبق موجات قصيرة على سطح البناية. وقال مقاتلو الجيش السوري الحر إنهم ظنوا استحالة تعقبه، لكننا لم نقتنع بذلك تماما. لقد كانوا يستخدمون هذه الأطباق لإرسال المقاطع المصورة إلى المؤسسات الإخبارية وللأشخاص الذين يحملونها على موقع (يوتيوب) لقد ظللنا رابضين حتى صباح اليوم التالي، لكن في السادسة والنصف، كان القصف قد بدأ، وكان مكثفا واستمر لخمس ساعات. لقد كانوا يستخدمون كل أنواع القصف، وأنواعا مختلفة من قذائف الهاون ومنها قذيفة 220 ملم، فضلا عن الصواريخ الكاتيوشا وقذائف الدبابات عيار 120 ملم وقذائف مدفعية 155 ملم. قيل لنا إن الجيش السوري رسم خطوطا بطول نحو 5 كلم خارج المدينة. وكانت قذائف الهاون تطلق من مسافة أقرب».

ويستطرد كونروي قائلا: «أخيرا توقف القصف لفترة وتمكنا من القيام بمهمتنا الصحافية وهي نقل ما يحدث. أقمنا لليلتين تمكنا خلالهما من كتابة الموضوع والتقاط الصور من داخل المدينة».

ووصفت ماري كولفين خلال مقابلة مع الـ«بي بي سي» أذيعت يوم مقتلها مشهد صبي يبلغ من العمر عامين أصيب بشظية أودت بحياته في عيادة متنقلة في بابا عمرو. وقالت حينها: «لقد قال الطبيب إنه لا يستطيع أن يساعده وظل الجرح في معدته ينزف إلى أن قضى. إن هذا يحدث كثيرا. لا يفهم أحد هنا كيف يمكن أن يسمح المجتمع الدولي بحدوث ذلك، خاصة بعد ما حدث في سربرنيتشا من قصف للمدينة وإجراء الأمم المتحدة لتحقيقات بعد المذبحة والكثير من التعهدات بعدم تكرار ذلك». ووصفت الوضع في حمص بالـ«مثير للغثيان» مضيفة: «إن القذائف والصواريخ ونيران المدفعية تنهال على رؤوس المدنيين في هذه المدينة باستمرار». وذكرت في مقال لصحيفة «صنداي تايمز» خلال نهاية ذلك الأسبوع أن المدنيين المصابين في حي بابا عمرو يتلقون الرعاية الصحية على أيدي طبيب بيطري بسبب عدم وجود أطباء بشريين في المدينة. وحذرت قائلة: إن المأساة الإنسانية في المدينة مريعة، ويعيش السكان في رعب، مشيرة إلى أنه لا توجد أسرة لم تعان من فقد أو إصابة عزيز لها.

ويقول كونروي إنه نما إلى علمه وكولفين احتمال حدوث عملية برية مما يحتم عليهما الخروج من حمص، لذا اتجهنا مع فريق «سي إن إن» إلى خارج المدينة من الطريق نفسه الذي دخلنا منه، وانتقلنا إلى منزل آمن خارج المدينة وانتظرنا. وبعد 3 أو 4 أيام لم تحدث أي عملية برية، لذا قرروا العودة إلى المدينة.

ويقول كونروي إنه وماري عادا إلى المدينة من الطريق نفسه، وأضاف: «لقد عدنا يوم الاثنين الموافق 20 فبراير، وفي اليوم التالي لم نبرح المنزل المذكور آنفا، وفي صباح اليوم التالي تم الهجوم علينا وراح ضحية الهجوم ماري وريمي، بينما أصبت بشظية في ساقي».

وحاول كونروي، الذي يرقد في حالة خطيرة في المستشفى الآن، وهو يتحدث إلى «الشرق الأوسط» جاهدا الخروج من بابا عمرو، وأخيرا تمكن من الفرار بعد نحو 5 أيام في رحلة هروب جريئة مأساوية. ويقول كونروي: «لقد سمعنا أن النفق الذي دخلنا عبره إلى المدينة دمر بفعل القصف، وكان الجيش السوري الحر يحاول إصلاحه. ويبدو أن السلطات السورية علمت بأمره. وبمجرد علمنا بالانتهاء من إصلاح النفق، تحركنا وكان من حسن حظي أن أكون أول من يخرج من النفق، بينما علق الصحافيون الآخرون ومنهم إديت بوفييه، مراسلة (لي فيغارو) والمصور الفوتوغرافي ويليام دانييلز، واضطروا للعودة».

وبدأت الضمادات الملفوفة حول ساقي كونروي تنحل وهم يخرجون من السيارة متجهين إلى فتحة النفق. وكان ينزف، بينما يخبره أحد مقاتلي الجيش السوري الحر بتقدم المارين عبر النفق. وأوضح للآخرين عدم قدرة كونروي على السير وحاجته إلى تلقي العون والمساعدة. وبدأ في إدخاله ببطء إلى النفق ووضعه على متن دراجة نارية، وانطلق سائقها، بينما يحنون قامتهم حتى لا تصطدم في سقف النفق.

وبعد نحو ميل، مروا بصبي مصاب يحمله رجل، فوضعوه على متن الدراجة النارية وانطلقوا به إلى أكبر مسافة ممكنة قبل أن ينهار النفق ويضطروا إلى الزحف حتى نهاية النفق. وفي النهاية وصلوا إلى الطرف الآخر من النفق، ثم نقله إلى منازل آمنة قبل نقله بأمان عبر الحدود إلى لبنان.

كان مراسل صحيفة «إل موند» الإسبانية، خافيير إسبينوزا، هو المراسل الأجنبي الآخر الذي تمكن من الهروب. وصرح لـ«بي بي سي» لاحقا بأنه كان على شفا الموت بعد أن فتح الجنود السوريون النيران على فريقه عندما سمعوا صرخات الأطفال المرتعدين الذين كانوا يحاولون الهروب من المدينة. وقتل الكثير من تلك المجموعة خلال محاولة الصحافيين الهروب. وقال كونروي: «أعلم يقينا مقتل 3 أشخاص كانوا يعتنون بي، بينما قتل عدد أكبر أثناء مساعدتهم الصحافيين الآخرين على الهروب».

وقال كونروي ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن النصيحة التي يمكن أن يسديها لأي صحافي يحاول أن يعمل مراسلا يغطي ما يحدث في سوريا، قال كونروي: إن أهم شيء هو جمع أكبر قدر من المعلومات. وأوضح قائلا: «من المهم للصحافيين توصيل أكبر قدر من المعلومات من خلال المقاطع المصورة. لقد رأينا الكثير من المواد الممتازة، لكن لم يكن استخدامها متاحا لعدم وضوحها لحظة تسجيلها». وحث الناس على إرسال ما يلتقطونه من مواد إلى المؤسسات الإخبارية بدلا من تحميلها على المواقع الإلكترونية مثل الـ«يوتيوب» حتى يتمكنوا من تقييمها وتقديمها بالشكل اللائق والتحقق منها، وإلا سيحاول نظام الأسد دحضها أو استخدام المقاطع نفسها لتقديم معنى معاكس تماما. وحث الصحافيين الذين يحاولون الدخول إلى سوريا على الثقة في الجيش السوري الحر، فهم يعرفون ما يفعلون، وأقدر من يحمي الصحافيين. وأكد كونروي، الذي لا يزال يتلقى العلاج في المستشفى، أنه سيقوم بأي شيء لإطلاع الناس على كل هذه الأمور.

* صحافي مختص بشؤون الإعلام اعد خصيصا لـ «الشرق الأوسط»