خبراء عالميون في العلاقات العامة يقرأون مشهد «الربيع العربي»

هارولد بيرسون يدعو لاستيعاب «أجيال النهضة الرقمية»

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر العلاقات العامة العشرين بدبي («الشرق الأوسط»)
TT

تحت عنوان: «من الشارع العربي إلى وول ستريت... إنه عصر الحوار»، حشدت الجمعية الدولية للعلاقات العامة، في مؤتمرها العشرين الذي استضافته منطقة الشرق الأوسط لأول مرة، وأقيم في دبي الأسبوع الماضي، عددا كبيرا من المتحدثين العالميين وخبراء العلاقات العامة، وسط حضور أكثر من 450 مشاركا من المفكرين والإعلاميين وصناع القرار، وذلك خلال الفترة من 13 - 15 مارس (آذار) الجاري.

وكان لافتا أن ربع المشاركين تقريبا كانوا من الشباب، من طلاب جامعات خليجية من أقسام الإعلام والعلاقات العامة والاتصال، وعقدت مجموعة من ورش العمل ومقهى شبابيا تخللته فقرات تدريبية حول التنمية الاجتماعية، والتفكير الإيجابي، والإعلام الجديد.

وكان من أبرز المتحدثين في المؤتمر هارولد بيرسون، أحد أهم رواد قطاع العلاقات العامة على مستوى العالم، والذي يمتلك خبرة تمتد لـ65 عاما في وضع أسس التواصل والحوار في هذا القطاع الحيوي. كما تصدر قائمة الشخصيات التي شاركت في المؤتمر أنور إبراهيم، نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق وزعيم حزب كيديلان «عدالة الشعب» المعارض؛ واللورد بيل، خبير العلاقات العامة البريطاني ورئيس مجلس إدارة «تشايم كوميونيكيشنز»، ووضاح خنفر، مدير قناة «الجزيرة» السابق، وعبد الرحمن الراشد، المدير العام لقناة «العربية» الإخبارية، وروجر فيسك، المستشار الاستراتيجي لحملة الرئيس الأميركي باراك أوباما الانتخابية، وعبد الله جمعة رئيس شركة «أرامكو» السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين السابق. والدكتور هربرت هيتمان نائب الرئيس التنفيذي للاتصالات الخارجية في شركة «رويال داتش شل».

بالإضافة لجلسات نقاش حوارية شارك فيها جاي وولش رئيس الاتصال في «ويكيميديا فاونديشن» الأميركية، ومها أبو العينين رئيس وحدة الاتصال في «غوغل» بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكريستوف غينيستري، الرئيس المنتخب للجمعية الدولية للعلاقات العامة 2013، وريشي ساها، المدير الإقليمي لشركة «هيل أند نولتون استراتيجيز».

يشار إلى أن المؤتمر الدولي للعلاقات العامة يعقد مرة كل سنتين، وقد أقيمت الدورة السابقة عام 2010 في ليما بألبيرو، بحضور ممثلين عن قطاع العلاقات العامة من 39 دولة حول العالم، بينما أقيمت دورة 2008 في العاصمة الصينية بكين. أما المؤتمر الأول فقد استضافته العاصمة البلجيكية بروكسل عام 1955.

* ثقافة انفتاح جديدة

* الكلمات الافتتاحية للمؤتمر ركزت على ظهور ثقافة انفتاح جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى أهمية أخلاقيات العمل في قطاع التواصل الإقليمي. وأكدت ريم الهاشمي، وزيرة الدولة في الإمارات العربية المتحدة، أن التواصل يلعب دورا متزايدا بالنسبة للحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، وقالت إن التقنيات الحديثة فتحت قنوات لا حصر لها للتواصل، إذ إنها تلعب دورا متزايدا بالنسبة للحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني.

في حين ذكر عبد الله جمعة، رئيس شركة «أرامكو السعودية» السابق، أن خبراء العلاقات العامة يمتلكون قوة هائلة، ولكن تلك القوة ترافقت مع مسؤوليات كبيرة. وقال: «يأتي في صلب هذه المسؤوليات الالتزام بميثاق قويم لأخلاقيات العمل. وفيما يرى البعض أن الحديث عن (ميثاق لأخلاقيات العمل) بالنسبة لخبراء الاتصال المؤسسي قد عفا عليه الزمن، أود التأكيد على أن هذه الأخلاقيات تشكل حجر الزاوية للعلاقات العامة؛ فالسلوك المهني القويم هو العامل الأهم على الإطلاق لنجاح خبير العلاقات العامة».

وفي كلمته قال أنور إبراهيم إنه يقرأ «الربيع العربي» باعتباره اتجاها لتغيير القيم وليس مجرد السياسات.

أجيال النهضة الرقمية أبرز جلسات المؤتمر جلسة حملت عنوان: «ساعة مع أسطورة معاصرة»، تحدث فيها هارولد بيرسون، أحد أكبر خبراء العلاقات العامة في العالم، والرئيس المؤسس لشركة «بيرسون مارستيلر»، الذي شدد على أن ميدان العلاقات العامة لم يعد اليوم مجرد قطاع متواضع الإمكانات، وهو مقبل على مزيد من الازدهار والتطور خلال السنوات المقبلة. واعتبر أن أسباب هذا التوجه الإيجابي هو ازدياد الوعي حيال أهمية السمعة المؤسسية بين أوساط المديرين التنفيذيين.

يبلغ بيرسون من العمر 91 عاما، وكانت مجلة «PR WEEK» المتخصصة في قطاع العلاقات العامة، وصفته من خلال دراسة قامت بها بأنه «شخصية القرن الأكثر تأثيرا في العلاقات العامة»، وهو تتويج لأكثر من ستة عقود من العمل قام عبرها بتقديم استشارات لكبار الرؤساء التنفيذيين للشركات وقادة الحكومات ورؤساء مؤسسات القطاع العام.

وفي معرض تأكيده على أهمية إثراء قطاع العلاقات العامة بأفضل الخبرات والكفاءات المبدعة، أو من سماهم «أجيال النهضة الرقمية»، قال بيرسون: «يتمتع خبراء العلاقات العامة الناجحون بالقدرة على التعامل مع أعلى المستويات الإدارية، واتخاذ زمام المبادرة إزاء نخبة المديرين التنفيذيين الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء والخبرة والكفاءة».

وأكد بيرسون أن التراجع المتواصل لدور وسائل الإعلام المطبوعة أتاح فرصة مواتية أمام شركات العلاقات العامة لتوظيف الكفاءات والمواهب من عالم الصحافة، مشيرا إلى ضرورة أن يبذل خبراء العلاقات العامة مزيدا من الجهود لإثبات قدراتهم ضمن مجالس الإدارات، ولافتا إلى أنه يجدر بشركات العلاقات العامة عدم التعويل كثيرا على دور استراتيجيات الاتصال الرقمي في إعادة صياغة ملامح قطاع العلاقات العامة.

وأضاف بيرسون: «أخفق الكثيرون من خبراء العلاقات العامة في وضع تقنيات التواصل الرقمية ضمن سياقها الصحيح؛ فهي ليست شكلا جديدا من أشكال العلاقات العامة، بل الأسلوب الأحدث والأكثر تأثيرا بين أدوات نشر المعلومات على نطاق شعبي واسع، وانطلقت شرارتها مع مطبعة يوحنا غوتنبرغ الأولى في ألمانيا».

وخلص بيرسون إلى القول: «إن قطاع العلاقات العامة مقبل على حقبة جديدة من الازدهار والتطور خلال السنوات المقبلة، وسيساعد الطلب المتنامي في القطاع على تعزيز القيمة السوقية للخدمات التي نوفرها».

* الإبحار في قلب الإعصار

* أما روجر فيسك، المدير الوطني السابق لحملة باراك أوباما (الرئيس الأميركي)، فكان متحدثا رئيسيا في إحدى جلسات المؤتمر، حيث تناول خبايا الحملة الانتخابية التي خاضها أوباما في عام 2008، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في مساعدة المرشح الذي يقطع لأول مرة السباق الانتخابي للوصول للبيت الأبيض.

وكان روجر فيسك، بصفته مدير فعاليات خاصة على المستوى القومي في الولايات المتحدة الأميركية، قد تولى قيادة حملة جماهيرية أدت إلى قلب المعايير في المشهد الحديث لجمع التبرعات السياسية، حيث بلغ ريع حملة الدعم المالي 100 مليون دولار أميركي في 11 شهرا، ليبني بذلك أكبر قاعدة للمتبرعين في تاريخ الولايات المتحدة. وأوضح فيسك أن ذلك النجاح الكبير ما كان ليتحقق لولا التوظيف الأمثل لوسائل الإعلام الاجتماعي، التي كانت تتطور آنذاك «بسرعة البرق».

وقال فيسك واصفا تجربته في خوض غمار بيئة التواصل الجديدة هذه: «تخيلوا الإبحار في قلب هذا الإعصار الكاسح من دون أن تمتلكوا خريطة، أو يكون لديكم مرشد، أو هدف واضح الملامح». واستطرد قائلا: «الشيء الأهم الذي ينبغي فهمه حول طريقة تعامل الحملة الانتخابية للرئيس أوباما مع الإعلام الاجتماعي، هو أننا كنا متعطشين وراغبين في إحداث الفرق، وأننا قد بدأنا حملتنا من دون دعم مؤسسي، في حين امتلك منافسونا كل ذلك الدعم بين أيديهم، ولم تكن لدينا عمليات مخططة بالمعنى الدقيق للكلمة، في حين أن المرشحين الآخرين كانوا إما يمتلكون خبرة سابقة أو أنهم بدأوا التخطيط لخوض الانتخابات قبل سنوات».

وأضاف: «شعرنا بحرية أكبر لأننا بدأنا حملتنا عمليا من الصفر، إذ لم تكن لدينا مؤسسة، أو شعار مؤسسي، أو مؤيدون. لقد كانت مواردنا شحيحة جدا، بحيث كنا مكشوفين في العراء. وكان علينا أن ننمو وننمو بلا توقف، حدودنا في ذلك اللانهاية وحدها».

بين العلاقات العامة والدعاية:

أما اللورد تيم بيل، أحد أبرز خبراء العلاقات العامة البريطانيين ورئيس مجلس إدارة «تشايم كوميونيكيشنز»، فقال في كلمته أمام المؤتمر، إنه لا يمكن تطبيق استراتيجيات الاتصال الناجحة في منأى عن دعمها بالقرارات والسياسات السليمة ذات الصلة، مشددا على أن «السمعة» ترتكز على الأفعال وليس الأقوال فحسب.

وأشار اللورد بيل إلى أنه «ثمة خيط رفيع بين مفهوم العلاقات العامة والحملات الدعائية؛ ففي حين تحقق ممارسات العلاقات العامة نتائجها المنشودة بغض النظر عن صعوبة الظروف المحيطة بها، نرى أن الحملات الدعائية لا تغير من سمعة العميل في شيء. وبالتالي فإن أخلاقيات العمل هي الفيصل في هذه المسألة».